دعوات لفتح نوافذ للمصرفية الإسلامية في جزر القمر

رئيس البرلمان يناشد المسلمين والبلاد العربية فتح بنوك إسلامية في البلاد

TT

على الرغم من أن جزر القمر التي تعد من أفقر الدول، التي يعمل على أراضيها عدد من البنوك التقليدية والمؤسسات المالية من فرنسا وتنزانيا وغيرهما، فإنه لم يكن من بينها بنك أو مؤسسة اقتصادية إسلامية، في وقت تفتقر فيه اقتصادياتها إلى أبسط الخدمات المالية وشركات التمويل والمؤسسات المالية، فيما تشكل الأسواق المالية فيها ندرة واضحة.

ودعا عدد من خبراء المصرفية والاقتصاد الإسلامي البنوك التقليدية، التي تعمل في بلاد جزر القمر، إلى أهمية افتتاح نوافذ إسلامية فيها، وذلك للاستفادة من التجربة المصرفية الإسلامية، التي وجدت قبولا منقطع النظير، حتى في البلاد الغربية التي أسست اقتصادها على النظام المالي الرأسمالي.

وفي هذا الإطار، نظمت الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل مؤخرا، ندوة تحت عنوان «أسس الاقتصاد والتمويل الإسلامي»، بموروني عاصمة جزر القمر، تحدث فيها نخبة كبيرة من الاقتصاديين والمتخصصين من جزر القمر والدول المجاورة.

وناشد المشاركون في الندوة المسؤولين في هذه البلاد العمل على إلزام البنوك التقليدية الأجنبية الموجودة فيها بتقديم منتجات مالية إسلامية في كل مجالات الاقتصاد، فيما نادي البعض بضرورة إقامة منتدى أفريقي في إحدى دول شرق أفريقيا، لتقديم بعض التطبيقات والحلول المالية والعملية.

ودعا الدكتور عبد الحكيم شاكر، نائب عميد كلية الإمام الشافعي للدراسات الشرعية، إلى الاستفادة من هذه الخطوة لتخصيص مناهج للاقتصاد الإسلامي في الجامعات والكليات الاقتصادية بجزر القمر، مشيرا إلى أن هذا المنهج، هو الحل الوحيد لحل المشاكل الاقتصادية في هذه البلاد.

وأضاف أن أغلب الاقتصاديين في جزر القمر، يجهلون هذه المبادئ، مناشدا المسؤولين أهمية إرسال محاضرين لتدريسها في الجامعات وإدخالها بوصفها مقررات دراسية.

من جهته، حث حامد برهان، رئيس مجلس النواب في البرلمان القمري، المسلمين والدول العربية على فتح بنوك إسلامية في البلاد، مبديا استعداد بلاده لدفع هذه الخطوة إلى الأمام، وداعيا إلى المزيد من الخطوات المماثلة لترسيخ هذه المفاهيم.

وشدد الدكتور حامد بياموغنزي من يوغندا، على ضرورة توسيع الفكرة وترجمتها إلى لغات أخرى للاستفادة منها بأكبر قدر ممكن.

وقال الخبير المصرفي والشرعي الدكتور حامد ميرة: «الاقتصاد والتمويل الإسلامي أسهما في دعم استقرار الاقتصاد العالمي»، مبينا أنه على الرغم من أن الأزمة المالية العالمية الحالية، نشأت في بيئة متحررة من ضوابط الاقتصاد والتمويل الإسلامي، فإنه يمكن الاستفادة من هذه الضوابط في تقديم حلول جديدة لعلاج هذه الأزمة وتطوير نظام اقتصادي ومالي أكثر استقرارا وأقل تعرضا للأزمات المالية.

وزاد أنه من الضروري التركيز على ضوابط التمويل الإسلامي المعروفة، لخلق عدد من الخطوط الدفاعية الوقائية، التي تقلل من احتمال حدوث هذه الأزمة، التي من أهمها الحد من التوسع في التمويل بالدين من خلال القروض غير المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

ومع أن هناك صيغا شرعية جائزة للتمويل بالدين، مثل المرابحة والإجارة، فإنها، وفق ميرة، تتميز عن القروض التقليدية بأن أقساطها ثابتة، وليست معومة، ولا يمكن زيادتها في حال إعسار المتمول، مما يحفز الممول على التحقق من جدارة المتمولين، وبالتالي تقليل احتمال إفلاس المتمولين مقارنة بالقروض ذات الفائدة المعومة.

وأضاف أنه بالمقارنة بأسباب الأزمة المالية الراهنة، يتضح أن لضوابط التمويل الإسلامي دورا في الوقاية من حدوثها، مع التأكيد على أن الدور الأكبر لهذه الضوابط في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، يأتي من خلال أثرها الإيجابي في حوافز الممولين، للتحقق من جدارة المتمولين وقدرتهم على السداد في حال التمويل بالدين، والتحقق من قدرتهم على حسن إدارة الأموال في حال التمويل بالمشاركة.

وقال ميرة: «إن أبرز مجالات إسهام الاقتصاد والتمويل الإسلامي في استقرار الاقتصاد العالمي، يتمثل في الربط بين التمويل والاقتصاد الحقيقي؛ إذ إن التمويل لا بد أن يكون تابعا للأنشطة الحقيقية لتوليد الثروة، أي مدمجا في الصفقات وليس منفصلا عنها، بالإضافة إلى تشجيع التمويل بالمشاركة من خلال تطوير البيئة النظامية والتشريعية المحفزة لنموها، ومن ذلك تطوير معايير التقييم والتصنيف التي تناسب هذا النوع من التمويل، ثم ضبط الهندسة المالية للحد من التوسع في الديون وبيعها وتداولها، وتحجيم أدوات الدفع المالي مثل المتاجرة بالهامش والبيع القصير والمشتقات».

وفي هذا السياق، قال الدكتور إبراهيم السحيباني، رئيس لجنة الأسواق المالية بالهيئة: «يتمثل الاختلاف الرئيسي بين التمويل التقليدي السائد عالميا، والتمويل الإسلامي، في الحوافز المؤثرة في سلوك المسلم عند اختيار صيغة التمويل، التي تتأثر بشكل مباشر بضوابط المعاملات التي حددتها الشريعة الإسلامية».

ومن أبرز الاختلافات بين التمويل التقليدي والإسلامي، وفق السحيباني، عدم جواز قرض النقود بفائدة الذي، كما يرى، له انعكاساته المباشرة على صيغ عقود التمويل، سواء الخاصة بالأفراد أو المؤسسات أو الحكومات، متوقعا في ظل هذا الاختلاف الجوهري، على حد زعمه، أن تختلف أدوار المؤسسات والأسواق المالية في مجتمع يفضل التمويل الإسلامي.

علاوة على ذلك، والحديث للسحيباني، تفرض ضوابط المعاملات الشرعية قيودا صارمة على تداول الديون وبعض الحقوق المالية، ما يقيد بشكل كبير فرص توريق الحقوق، وتداولها في الأسواق المالية، مشيرا إلى أن أهم صيغ التمويل التي أبقتها الشريعة في دائرة المشروع، عقود المشاركة والمضاربة بأنواعها المختلفة.

واعتبر هذه الندوة بمثابة مفتاح لجزر القمر حتى تنفتح على عالم المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، مبينا أن الأصل في الاقتصاد الإسلامي هو حرية الفرد في اتخاذ قراراته الاقتصادية المتعلقة بالشراء والبيع، والاستهلاك والاستثمار، والإنتاج والعمل، وغيرها. واستدرك في الوقت نفسه بضرورة وضع ضوابط كثيرة لتقييد تصرفات الأفراد بما يمنع الضرر والغرر، وبالتالي يقلل من الحاجة لتدخل الحكومة لدرء التعارض بين المصالح الخاصة والعامة، مشيرا إلى أن تدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي غالبا ما يكون محدودا جدا، غير أن مسألة توسعه أو انحساره تعتمد على مدى التزام أفراد المجتمع ومؤسساته بالتعاليم الشرعية. وأضاف السحيباني أنه من نتائج الملكية الخاصة والحرية الاقتصادية، أن يكون لآلية السوق دور رئيسي في تخصيص الموارد وتوزيعها بين أفراد المجتمع، مبينا أن ذلك يفسر حرص الأحكام الشرعية على توفير البيئة المناسبة لنجاح السوق في تحقيق أهدافها من خلال توفير المعلومة الصحيحة، واشتراط الرضا في العقود، ومنع التصرفات الضارة بنزاهة السوق مثل الاحتكار، والغش، مشيرا إلى أن أكبر الدلائل على تفضيل الاقتصاد الإسلامي للمنافسة تتمثل في منعه تدخل الحكومة المباشر في آلية السوق.

ويعتقد بعض المشاركين في الندوة أن عمل المصارف الموجودة حاليا في البلاد لن يساعد على إشاعة ثقافة التعاطي فيها مع المصرفية الإسلامية، ما لم تحاول هذه المصارف العمل بنظام النافذتين، حيث من شأن ذلك إتاحة فرصة كافية وعملية أمام العميل في جزر القمر، وذلك للمقارنة بين النظامين الإسلامي والتقليدي، ومن ثم كشف محاسن الأول، ومواطن ضعف الثاني، فضلا عن أنه يبقي المصارف على عملائها وكسب المزيد من عملاء المصرفية الإسلامية تحديدا.

وشددوا على ضرورة تطبيق هذا النظام في البلاد، حتى يخدم صناعة المصرفية الإسلامية من خلال توفيره منتجات متطابقة مع القوانين الإسلامية، إلى حين تتصدى بعض الجهات ذات العلاقة لتأسيس مصرف إسلامي كامل يجعل التعامل في حدود المنتجات المباحة، ولا يسمح بأي نوع من التعاملات خارج نطاق القوانين الإسلامية، في وقت أبدى فيه بعض المسؤولين استعداد شعب بلادهم لأن ينصرف عن المنتجات غير المتوافقة مع الشريعة بحكم أنه شعب مسلم.

وناشدوا الهيئة العالمية الإسلامية للاقتصاد والتمويل، محاولة تبني مسألة تكرار العمل على التوعية والتثقيف بالمصرفية الإسلامية من خلال هذه الندوات وغيرها، مؤكدين في الوقت ذاته أنه لا بد للجهات الإشرافية أن يكون لها دور في تطبيق أو مطالبة الجهات التي تعلن أنها تطبق الشريعة أو الأحكام الشرعية، من خلال آلية مضبوطة بمعايير تمكنها من الرقابة على هذه الجهات، بحيث لا تجعل لها فرصة أن تمارس خداع الناس بالشعارات الإسلامية البراقة.

إلى ذلك، قدمت الندوة صورة تفصيلية وتعريفية للاقتصاد الإسلامي، مستعرضة الفروق الرئيسية بينها وبين الاقتصاد الرأسمالي، كما عرجت على واقع التمويل الإسلامي اليوم، والتعريف بمجالات إسهام الاقتصاد والتمويل الإسلامي في دعم استقرار الاقتصاد العالمي، حيث اعتبرها المسؤولون في جزر القمر فرصة نادرة استطاعت أن تتيح للاقتصاديين والشرعيين فيها مساحة مقدرة للتعرف على مزايا الاقتصاد الإسلامي بشكل غير مطروق. وتعتبر جزر القمر من أفقر دول العالم؛ إذ ليست لديها صناعة رئيسية، ولم يتم اكتشاف أي مورد معدني مهم فيها، الأمر الذي جعل اقتصادها يعتمد بصفة رئيسية على الزراعة، ولذلك فإن 80 في المائة من سكانها فلاحون وصيادون، كما يقوم سكانها بزراعة محاصيل متنوعة مثل الأرز، والموز، والكاسافا، إضافة إلى جوز الهند.

وبالإضافة إلى الزراعة ومنتجاتها، فإن اقتصاديات جزر القمر تعتمد أيضا على تحويلات العمالة الوطنية في الخارج وعلى السياحة، في الوقت الذي تعتمد فيه إيرادات الميزانية العامة على الضريبة الجمركية للتجارة الخارجية، فيما يزرع السكان عدة محاصيل نقدية بهدف التصدير إلى الأسواق الخارجية، وخاصة الفانيليا والكاكاو والقرنفل، والقرفة والسيزال، على الرغم من ضآلة ما تنتجه جزر القمر منها.

وتصدر جزر القمر القرنفل، ولب جوز الهند الجاف، وجوز الهند، والفانيليا والزيوت العطرية المستخرجة من نباتات أشجار «اليلانج يلانج»، حيث ينفق أهلها ضعف ما يكسبونه من عائدات التصدير في عمليات الاستيراد السلعي، بينما تتم عمليات التبادل التجاري بين جزر القمر مع بلدان معينة مثل فرنسا، التي تتلقى منها كميات كبيرة من المعونات المالية، كما تتبادل تجاريا مع مدغشقر وباكستان، إضافة إلى أميركا.

يشار إلى أن جزر القمر، دولة صغيرة، كانت تسمى سابقا «جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية»، حيث تحتل موقعها قرب قارة أفريقيا في المحيط الهندي، وعاصمتها موروني، وهي تكونت نتيجة اتحاد ثلاث جزر، وهي «موهيلي» و«أنجوان» و«موروني»، كما أن هناك جزيرة رابعة، وهي جزيرة «مايوت»، غير أنها لا تزال تقع تحت إدارة فرنسا، فيما تطالب جزر القمر بضمها لها.