خبراء: ضعف الرقابة جر بنوكا إسلامية نحو التعاطي في عمليات مشبوهة

شككوا في حفاظها على عملائها ما لم تلتزم بالمعايير الإسلامية

TT

كشف عدد من الخبراء المصرفيين والاقتصاديين، عن عدم رضاهم بأداء بعض البنوك الإسلامية، مرجعين ذلك لعدم قدرة تلك البنوك على الالتزام بتقديمها معاملات ومنتجات إسلامية 100 في المائة، موضحين أن هناك العديد من عمليات التمويل والإقراض وغيرها، لا تختلف عن نظيراتها في البنوك التقليدية.

ووصف الخبراء هذا الواقع، بالمرير، لأن صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي والمنتجات الإسلامية عموما، أخذت تجد رواجا كبيرا في البلاد غير الإسلامية، وتنافس المنتجات التقليدية في عقر دارها، بينما تجد الإسفاف وعدم الاهتمام في بعض البنوك الإسلامية التي تعمل في العديد من الدول الإسلامية.

من جهته، أوضح المحلل المالي عبد الرحمن بخيت العطا، أن الأداء المالي للعديد من البنوك الإسلامية غير مشجع، بسبب عدم قدرتها على التحرر من قيود العمل التقليدي، على الرغم من الاهتمام الذي شهدته صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي في السنوات الأخيرة، الأمر الذي ولد امتعاضا واضحا بين عملاء هذه البنوك، مشيرا إلى أن بعضهم مل طريقة تعاملها معهم، وأخذ ينصرف إلى البنوك التقليدية التي توفر له بعض المميزات التجارية.

وأضاف أن بعض البنوك الإسلامية أخذت لا تبالي بتمسكها بضبط معاملاتها وفق الشريعة الإسلامية التي تعتبر أحد أهم مرتكزات الحماية من مخاطر الفساد الاقتصادي والاجتماعي الذي وقعت فيه المجتمعات الأخرى، مؤكدا أن هناك العديد من المعاملات والمنتجات التي لبثت ثوب الأسلمة، غير أنها تقوم على الفائدة، والتي تشبه في كثير من عناصرها مبدأ العمل المصرفي التقليدي.

وأردف العطا أن بعض البنوك الإسلامية ما زالت تتاجر في الديون، التي لا تجوز من منظور الشريعة الإسلامية، والتي تحمل في طياتها مخاطر كبيرة؛ منها أن الديون إذا كانت تجارة قائمة بذاتها، فإنها تجعل الأموال غير موجهة إلى القطاعات الإنتاجية والخدمية التي تمس حياة الإنسان بشكل مباشر، وفي ذلك ضرر بليغ يبعد هذه البنوك عن الهدف السامي الذي تراعيه الشريعة الإسلامية.

ويعتقد أن الهيئات الشرعية في بعض البنوك الإسلامية لم تقم بواجبها كما ينبغي، خاصة في مسألة مسايرة هذه البنوك نظيراتها التقليدية، في العديد من العمليات والمنتجات، التي يفترض فيها تجنب مسألة الدخول في عمليات الخيارات، مبينا أن عمليات المستقبليات تدخل، في رأيه، ضمن عمليات المقامرة المحرمة شرعا، وذلك لخطورتها الشديدة على أي اقتصاد سواء كان عالميا أم محليا.

كما يلقي العطا باللائمة أيضا على أجهزة المراقبة سواء كانت داخلية أم خارجية، مبينا أن ضعفها جر البنوك الإسلامية نحو التعاطي في بعض العمليات المشبوهة التي يختلط فيها الحلال بالحرام، سواء كان ذلك مقصودا أم غير مقصود، مشيرا إلى أن أهم أسبابها يتمثل في محاولة مسايرة توجه السوق والمنافسة؛ الأمر الذي يوقعها في مخاطر بعض المشاريع الإنتاجية التي تسعى إلى الربحية العالية فقط.

ويعتقد أنه كان بالإمكان أن يلعب تصريح رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات في البحرين عام 2007، بأن 85 في المائة من صكوك المضاربة والمشاركة المصدرة مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، دورا إيجابيا مهما في الانتقال بهذه الصناعة نحو قفزة جديدة، خاصة أن هذا التصريح أحدث بلبلة في سوق الصكوك عالميا وانخفضت الإصدارات الجديدة بشكل واضح.

الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن باعشن رئيس مركز الشرق للدراسات والاستشارات الاقتصادية، أكد أن بعض البنوك الإسلامية لم تستطع أن تتحرر من قيود العمليات المصرفية التقليدية، سعيا منها إلى الاحتفاظ بكسب مادي سريع، مع أن البنوك الإسلامية المجتهدة أثبتت مقدرة فائقة للمنتجات المالية الإسلامية الحقيقية، على تجنب ضربات الأزمة المالية العالمية بدرجة مرتفعة. ويعتقد أن هناك دورا واضحا ساهمت فيه بعض البنوك المركزية، وهو محاولة تشبث بعض البنوك الإسلامية بالوقوع في حالات متاجرة تضر بمسيرتها سواء كانت في سوق الصكوك المحلية أم العالمية، غير أن حالات التكتم عليها وعدم الإعلان عن إفلاس بعضها أبعدها كثيرا عن الشفافية والمصداقية التي هي برأيه من أهم أسس العملية المصرفية الإسلامية.

وتوقع باعشن سقوط هذه البنوك في فخ الإفلاس إذا استمرت في مشاركتها بهذه النمطية في الاقتصاد العالمي، مبينا أن الطريقة التي تدير بها بعض البلاد الإسلامية اقتصاداتها ومصارفها، تخضع في الغالب للنظام العالمي الذي يدار بطريقة رأسمالية بعيدة عن الشرع ومقاصده، مما يعني أنها على مقربة من الوقوع في فخ النظام المالي العالمي، ما لم تطور أدوات منتجاتها بشكل يجمع بين المهنية الاقتصادية والناحية الشرعية.

ويعتقد أن مكمن الخطورة في ذلك، أن العالم الذي أخذ يتلقف الصناعة المصرفية الإسلامية بشغف، سيصطدم بواقع غير مرتب لها وغير ملتزم بقواعد الشريعة الإسلامية ومقتضياتها، الأمر الذي يسيء للمصرفية الإسلامية كثيرا، ويأتي خصما مما حققته طوال الأعوام السابقة. ووفق باعشن، فإنه على الرغم من أن الأزمة المالية العالمية فتحت باب النقاش الجاد في الدول الاقتصادية الكبرى حول مبادئ الاقتصاد الإسلامي، خاصة في ما يتعلق بمسألة المتاجرة في الديون، فإن هذا الواقع ربما يؤثر سلبا ويزرع شكوكا في عدد من الدول الأوروبية، مثل فرنسا وأميركا، التي تحاول أن تؤسس لجانا لدراسة خصائص الاقتصاد الإسلامي، والتي تهدف إلى الاستفادة منها في عملية إعادة تنظيم اقتصاداتها وحل مشكلاتها البنيوية.

ومع ذلك، أكد أن هناك توجها عاما في تلك الدول نحو تبني مبادئ الاقتصاد الإسلامي، وذلك لفعاليتها في مواجهة الأخطار المحدقة بالنظام الاقتصادي العالمي الحالي، مبينا أن من بعض التوصيات التي ينادى بها في الغرب خفض الضريبة إلى 2.5 في المائة، وذلك يتساوى مع فريضة الزكاة في الإسلام، في وقت ازدادت فيه المطالبة بالمشاركة في الربح والخسارة في العمليات المصرفية.

وقال باعشن: «للأسف أن بعض البلاد الإسلامية لم تعر صناعة المصرفية الإسلامية اهتماما كبيرا، ولا تهتم بمراقبة أداء بنوكها الإسلامية، في الوقت الذي يسمونها (المصرفية الأخلاقية)، على أنها تقوم على قاعدة الغنم بالغرم في الاقتصاد الإسلامي». وأبدى دهشته حيال عدم قدرة كيان مثل مجلس الخدمات المالية الإسلامية، على أن يتابع ويراقب توصياته التي أخرجها في هذا المنحى، ومن بينها تشديده على ضرورة تقليل المؤسسات المالية الإسلامية المداينات في عملياتها، في الوقت الذي يفضل فيه أن تتجه إلى الإكثار من المشاركة الحقيقية المبنية على قسمة الأرباح والخسائر وذلك لتحقيق مقاصد الشريعة.

واتفق المستشار الاقتصادي مع كل من العطا وباعشن، مقرا بأن بعض البنوك الإسلامية أخذت تمارس كثيرا من الحيل تجاه عملائها، مبينا أن ذلك يأتي في الوقت الذي أوقفت فيه فرنسا التعامل بالبيع على المكشوف المحرم في الشريعة الإسلامية، وكذلك أوقفت أميركا العمل بالمشتقات وذلك لما تنطوي عليه من غموض ومقامرة في هيكليتها، في توجه جديد تسعى من خلاله إلى الالتزام بمبادئ الاقتصاد الإسلامي في مفاصله الاقتصادية والمصرفية وغيرها.

ويعتقد أن هذا الواقع، الذي كشف عن عدم رضا العملاء عن أداء بعض المصارف التي يتعاملون معها، كان بمثابة نتيجة حتمية، لتباطؤ بعض الجهات المعنية بصناعة المصرفية الإسلامية بدءا من الهيئات الشرعية والأجهزة الرقابية، مع بعض المصارف، مما حمل الأخيرة على التعامل مع الشريعة الإسلامية بالتجزئة، وبالتالي فقدان المصداقية والشفافية. وأوضح أن هناك بعض البنوك التي تدعي أنها إسلامية تقوم بتدوير المنتجات التقليدية نفسها في ثوب مشابه لنظيراتها من المنتجات الإسلامية، غير أنها تصر على تقديمها على أنها كذلك، في تحد صريح لعمل الهيئات الشرعية والرقابية التي تحاول ضبطها على قدر الإمكان. وأكثر ما يخشاه الحمادي، أن تحاول الجهات الغربية التي تحاول الاستعانة بالقوانين الإسلامية وتحكيمها في مفاصل اقتصاداتها ومالياتها، أن تتراجع عنها، إذا اكتشفت أنها تتعاطاها من مؤسسات مالية تدعي أنها إسلامية غير أنها فاقدة لكل عناصر الأمانة والشفافية، مما قد يدفع بعض الدول الغربية للاستعاضة عنها بوضع قوانين الحوكمة التقليدية.

واستغرب محاولة بعض البنوك تجزئة مقاصد الشريعة عند النظر في العقود وهيكلتها ومآلاتها، مشددا على ضرورة أن يجمع الحكم النهائي على العقد بين سلامة بنائه وصحة تطبيقه، مؤكدا أنه لا يجوز الاقتصار على سلامة البناء دون وضع آليات لضبط التطبيق ومعالجة الخلل المحتمل حتى لا يكون عونا للمتلاعبين الذين يتخذون من الشريعة مطية لتحقيق مآربهم غير المشروعة. ولفت الحمادي لبعض الملاحظات الشرعية حول تطبيقات عدد من الصكوك المصدرة في منطقة الخليج؛ وعلى وجه الخصوص تلك المصدرة في الكويت والسعودية والإمارات وقطر، ومنها ضمان القيمة الاسمية من قبل المضارب أو الشريك المدير أو الوكيل بالاستثمار بذرائع مختلفة، مشيرا إلى بعض الذرائع. ومن هذه الذرائع، وفق الحمادي، تعهد المصدر الملزم بشراء أصول الصكوك بقيمتها الاسمية في نهاية مدة المضاربة أو المشاركة أو الوكالة، على أساس الفصل بين شخصية العقد وشخصية المضارب أو الشريك أو الوكيل في الاستثمار، كذلك تعهد المصدر الملزم بضمان رأس المال في وثيقة مستقلة عن عقد المضاربة والوكالة أو عقد إصدار الصكوك، أو تعهد المضارب الملزم بإقراض محفظة الصكوك بغرض ضمان توزيعات أرباح بمستوى معين.

ومن الذرائع كذلك، توزيعات الأرباح على الحساب دون وجود آلية للتحاسب المستقبلي بين حملة الصكوك والمضارب أو الشريك المدير خاصة في الصكوك المتداولة، أو التزام المضارب بتوفير تمويل مشروع للمضاربة بغرض ضمان توزيعات أرباح بمستوى معين.

وكانت دراسة أعدها الباحث الدكتور عبد الباري مشعل، تحت عنوان «الجوانب الشرعية والقانونية في تطبيقات الصكوك.. المشكلات والحلول»، خلصت إلى أن تطبيقات الصكوك الإسلامية المعاصرة لا تحقق بدرجة ملائمة خصائص النظام المالي والمصرفي الإسلامي ولا تعكس بدرجة كافية الفروق الجوهرية التي تميزها عن سندات الدين في النظام المالي والمصرفي التقليدي.

وأوضحت الدراسة، أن الاهتمام بهيكلة الصكوك، انحاز إلى شكلية العقود على حساب الاهتمام بمقاصد الشريعة، مبينة أن هناك عدم توافق بين الفتوى ومستندات الصكوك أو بين الفتوى وتطبيقات الصكوك، مع تأكيدها على أن الإجازة الشرعية اقتصرت في بعض تطبيقات الصكوك على هيكل الصكوك وإجراء التعديلات عليه من قبل الهيئة الشرعية المعنية دون التأكد من تضمين التعديلات في المستندات الكاملة للصكوك.

واستهدفت الدراسة، مسألة تقويم منتج الصكوك الإسلامية من منظور شرعي، مستعرضة أبرز المخالفات الفقهية لتطبيقات الصكوك المعاصرة بالمقارنة مع الأحكام الفقهية للصكوك التي انتهى إليها الفقه الإسلامي الدولي والمجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين. وكان قد احتدم النقاش الفقهي الجاد في دورتين لمجمع الفقه الإسلامي الدولي في كل من مسقط 2007 والشارقة 2009 حول تقويم تطبيقات الصكوك مقارنة بالأحكام الفقهية المستقرة للإجارة والمشاركة والمضاربة، التي صدرت بشأنها قرارات مجمعية ومعايير شرعية من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين.