خبير مصرفي: تراخي الهيئات الشرعية رفع نسبة التورق في البنوك الإسلامية إلى 60%

وصف بعض الفتاوى المثيرة بأنها غير دقيقة

الخبير المصرفي ناصر الزيادات
TT

شن خبير مصرفي هجوما عنيفا على القائمين على أمر الهيئات الشرعية، مبينا أن أغلبيتها حصرت أعمالها في فتاوى التورق والوكالة بالاستثمار، موضحا أن التورق بدا يشكل أكثر من 60 في المائة من عمليات البنوك الإسلامية، مشيرا إلى أن أبرز التحديات، التي يواجهها العمل الشرعي، عدم وجود نظام محكم يحكمه.

وقال الخبير المصرفي، ناصر الزيادات، لـ«الشرق الأوسط»: «على الرغم من أنه يوجد معيارا ضبط للعمل الشرعي، أحدهما صادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، والآخر عن مجلس الخدمات المالية الإسلامية، لتنظيم العمل الشرعي - فإن التجاهل هو سيد الموقف، ذلك لأن بعضا ممن شارك في وضع هذه المعايير، هم أول من يخالفها ويضرب بها عرض الحائط، مستندين إلى مبررات غير مقنعة».

وأضاف أن الأمر التاريخي المثبت حتى الآن، أن لا شيء بعيد عن مطالب التغيير، التي تشهدها الساحة العربية، إلا أن استجابة القائمين على العمل الشرعي في صناعة التمويل الإسلامي، لا تزال دون المستوى المطلوب، بل ربما توازي في تباطئها أو تجاهلها ردود فعل، الذين أسقطهم الربيع العربي، متسائلا: هل يستجيب القائمون على العمل الشرعي في الصناعة المالية الإسلامية قبل فوات الأوان؟! ووفق الزيادات، فإنه على الرغم من أن الربيع العربي، أسهم بشكل أو بآخر في خلق وتعزيز الثقافة النقدية، التي طالت أمورا ورموزا لم يكن أحد يتجرأ المرور عليها في الماضي، كما أسهم الربيع العربي في تعزيز المطالبة بالشفافية ليس على المستوى السياسي وحسب، بل على مستوى الاقتصاد الكلي العام والجزئي المتعلق بالمؤسسات - فإنه لا تزال الفتاوى المثيرة للجدل في الصناعة المالية الإسلامية تراوح مكانها ربما، ظنا من مصدريها ومتبنيها والمتعاملين فيها، أن نقدهم بعيد المنال في خضم الأحداث السياسية الساخنة، التي تشهدها المنطقة.

وأبان أنه من أبرز المشاكل التي يواجهها العمل الشرعي، أنه لا يوجد نظام محكم يحكمه، الأمر الذي أدى برأيه ببعض أفراد مستفيدين من الوضع الحالي إلى تسييره إلى ما هو عليه الآن، و«هذا بالضبط مقارنة مع ما حصل في الأنظمة السياسية التي سقطت حتى تاريخه»، موضحا أن المستفيدين من هذا الوضع، موجودون ماديا ومعنويا، من خلال النفوذ، في غالبية مفاصل تنظيم العمل الشرعي، مشيرا إلى أنهم يحاربون سرا وعلنا أي مشروع، يمكن له أن يتعارض مع مصالحهم.

وما أثار دهشة الزيادات، أنه على الرغم من وجود معياري ضبط للعمل الشرعي، أحدهما صادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية والآخر عن مجلس الخدمات المالية الإسلامية، لتنظيم العمل الشرعي، فإن التجاهل برأيه هو سيد الموقف، مشيرا إلى أن بعضا ممن هم مشاركون في وضع صياغة هذين المعيارين، هم أول من يخالفها ويضرب بها عرض الحائط، مستندين إلى مبررات غير مقبولة وغير مقنعة.

وقال الزيادات: «للأسف الشديد، أصبحت الهيئات الشرعية، تفقد هيبتها شيئا فشيئا ليس في نفوس المتعاملين مع البنوك الإسلامية وحسب، بل في نفوس مالكي البنوك أنفسهم، حتى إن بعض المتناقشين في الموضوع على أحد مواقع التواصل الاجتماعي وصف الفتاوى المثيرة للجدل بأنها غير دقيقة، تشبه تلك التي كانت تصدرها الكنسية في القرون الوسطى مقابل المال، مع أن هذا الوصف برأيه فيه بعض التجني، إلا أن مجرد تداوله بين الناس يمكن أن يجعل منه أمرا ضخما، على حد تعبيره.

وانتقد محاولة إعلان البعض من ذوي الثقل الكمي من حيث عدد الهيئات التي يتمتع بعضويتها، بأن وظيفته الأساسية هي تقديم الاستشارة على سبيل الفتوى، مبينا أن هذا تنصل صريح من المسؤولية، التي أنيطت بالهيئات الشرعية منذ أكثر من ثلاثة عقود، موضحا أن التسمية الحقيقية والأصلية للهيئات الشرعية، كانت ولا تزال «هيئة الفتوى والرقابة الشرعية»، مما يعني أن الرقابة والتحقق من الالتزام الشرعي، جزء لا يتجزأ من مهام الهيئة الشرعية، التي لا تقوم بالتدقيق بنفسها ولا تحيله إلى جهة مستقلة خارجية إلا نادرا.

ومن أكثر الأمور، التي يعتقد الزيادات أنها الأكثر جدلية في ما يتعلق بالعمل الشرعي، هي فتاوى التورق والوكالة بالاستثمار، التي تتحول إلى تورق على حد تعبيره، مبينا أن هذا التراخي رفع من قيمة التعاطي معه بشكل مزعج، حيث أن التورق أصبح يشكل أكثر من 60 في المائة، من عمليات البنوك الإسلامية التي تتعامل فيه، متسائلا: لماذا لا يصير اسم هذه الصناعة «التورق المصرفي»؟ وتصبح الهيئات معلنة تحت عنوان: «هيئات التورق المنمط»؟ طالما أصبح الأمر كذلك.

ورغم اتفاق غالبية الفقهاء المعاصرين على عدم شرعية عدد من تطبيقات صكوك المضاربة والمشاركة، بل وبعض تطبيقات الإجارة، فإن الزيادات يرى أن تلك التطبيقات، التي تعد مخالفة للأحكام التي استقرت مجمعيا وعلى مستوى المعايير، قد تكررت واستمرت في الازدياد والانتشار وتحوز الإجازة الشرعية من قبل بعض الفقهاء المعاصرين.

وقال الزيادات: «يتعين على الهيئات الشرعية ألا تكتفي بإصدار فتوى لجواز هيكلة الصكوك، بل يجب أن تدقق العقود والوثائق ذات الصلة وتراقب طريقة تطبيقها، مع أهمية التأكيد على أن العملية تلتزم بالمتطلبات والضوابط الشرعية في جميع مراحلها، وفقا للمعايير الشرعية، وأن يتم استثمار حصيلة الصكوك وما تتحول تلك الحصيلة إليه من موجودات بإحدى صيغ الاستثمار الشرعية».