دراسة تطالب المصارف الإسلامية بتمويل المشاريع الإنتاجية للمساهمة في استقرار الاقتصاد ومكافحة التضخم

الصادق إدريس: الحاجة ملحة لتأسيس جهة لتطوير سوق مالية للشركات المتوسطة والصغيرة

TT

أوعز باحث مصرفي بأن الصيرفة الإسلامية، نجحت مع كثير من الحرفيين وصغار المنتجين والزراع في الريف وشرائح الأطباء والمهندسين والمحامين وغيرهم، في عمليات استثمارية، بضمان معداتهم أو بالمشاركات المنتهية بالتمليك لتلك المعدات أو بتوفير مدخلات الإنتاج وغيرها، والعمل على تعبئة مدخراتها من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشددا على ضرورة توظيف عمل المصارف في استقرار الاقتصاد ومكافحة التضخم، وذلك من خلال توجيه جزء من التمويل للمشاريع الإنتاجية.

ويعتقد الباحث المصرفي الصادق إدريس، بضرورة إيجاد جهات محلية وإقليمية لتطوير سوق مالية إقليمية للشركات المتوسطة والصغيرة، عبر توفير التمويل لها في ظل تشدد المصارف في الإقراض، على اعتبار أن هذا النوع من البورصات كان له دور بارز في تطوير أعمال الشركات وتوسعها خارج حدود بلدها الأصلي في عدد من الدول.

وكانت دراسة مصرفية أعدها إدريس، قد رصدت بعض التجارب والإحصاءات، أكدت من خلالها أن آلية التمويل المصرفي الإسلامي، متمثلة في المصارف الإسلامية بأنها انفردت بقدرتها على تعبئة وتجميع المدخرات من جميع شرائح المجتمع وفئاته، متفوقة في ذلك على نظيراتها التقليدية، مع اختلاف دوافعها.

وتوصل الباحث المصرفي الصادق إدريس إلى هذه النتيجة، من خلال التمييز بين فئة المدخرين، الذين يدخرون أساسا بدافع الطمأنينة، والآخرين الذين يدخرون بدافع رفع مستوى معيشتهم باقتنائهم لمعدات الإنتاج للقيام بمشاريع استثمارية مولدة للدخول، ثم أولئك المدخرين الذين يدخرون أصلا بدافع الربح، أو ما يعرف بدافع الاحتياط، والتي تعني فئة المستثمرين ورجال الأعمال.

واستعرض الباحث دور المصارف الإسلامية، في تنمية الموارد والمدخرات، مبينا أن دور هذه المصارف في توفير الموارد اللازمة للتنمية، يدلل على أهمية الجهاز التمويلي، مؤكدا أن هذه الأهمية تتوقف على مدى قدرتها في تجميع الودائع، أي المدخرات من ناحية، وعلى قدرتها في توظيف تلك الأموال، مع احتفاظه بقدرته في حل الإشكالية التاريخية، التي واجهت ولا تزال حركة العمل المصرفي، والمتمثلة في كيفية التوفيق بين السيولة والربحية من ناحية، ثم قدرته في المساهمة والمساعدة على علاج مشاكل المجتمع المحيط به أي البيئة المحلية من ناحية ثانية.

ووفق الباحث، فإن التجارب العملية، دلت على أنه فيما يتعلق بالشريحة المدخرة الأولى المستهدفة، أن النظام كفل لها التمتع ببعض المزايا الاجتماعية، التي لا توفرها المصارف التقليدية، كتلك المتمثلة في قيام صناديق للدعم الاجتماعي، في بعض المصارف الإسلامية، وقيامها بتقديم بعض الخدمات الاجتماعية للأفراد.

أما فيما يتعلق بالشريحة المدخرة الثانية والمستهدفة من أي جهاز تمويلي، التي تدخر بدافع رفع مستوى معيشتها بتملكها لوسائل إنتاج وحرف صغيرة مولدة للدخول، فإن التجارب، وفق الباحث، تدل على أن التمويل المصرفي الإسلامي، مكن بعض الشرائح، من تخطي حاجز الضمانات الذي مثل عقبة كئود أمام حصول هذه الشرائح المهمة على التمويل المصرفي بآلياته التقليدية، التي كانت تنظر لمستوى الملائمة المالية فقط للحصول على القروض المصرفية دون النظر إلى الخبرة الفنية أو الإدارية اللازمة لإنجاح المشاريع الممولة بواسطة الجهاز المصرفي.

وأكد إدريس، أن دخول كثير من الحرفيين وصغار المنتجين والزراع في الريف وشرائح الأطباء والمهندسين والمحامين وغيرهم، في عمليات استثمارية، بضمان معداتهم أو بالمشاركات المنتهية بالتمليك لتلك المعدات أو بتوفير مدخلات الإنتاج وغيره، لخير دليل على قدرة الصيرفة الإسلامية في استقطابها لهذه الشريحة، والعمل على تعبئة مدخراتها من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

أما بالنسبة لشريحة المدخرين من المستثمرين ورجال الأعمال، فإنه وفق الباحث، كفل لها نظام الصيرفة الإسلامية، حصولهم على معدلات معقولة من الأرباح، التي حققتها البنوك الإسلامية، من استثماراتها المباشرة أو التي تشارك فيها وفق أسس علمية وإدارية، مؤكدا أن الحصول على معدل كبير من العائد، سيكون حافزا قويا لهذه الفئة للادخار بغرض إعادة الاستثمار، إذا ما وفقت المصارف الإسلامية في تحقيق معدلات أرباح عالية.

وربط إدريس ذلك بما يسمى بكفاية رأس المال، مبينا أنها تعني كفاية رأس المال بالمقارنة بقدرة المصرف على تلبية متطلباته المحتملة، دون الإخلال بمصالح المودعين، وضخ الائتمان في دوائر النشاط، مشيرا إلى أنه في حالة مكونات مخاطر الموجودات، فإن كفاية رأس المال تساعد المصرف على تعزيز الاستقرار المالي وثقة المساهمين.

وقال: «يهدف المصرف في العادة، إلى تعزيز قيمة استثمارات مساهميه، من خلال هيكل مثالي لرأس المال من شأنه حماية مصالح الجهات المستفيدة، تحت أقسى الظروف ويتيح مجالا كافيا للنمو، وفي نفس الوقت تلبية المتطلبات النظامية وتحقيق عوائد معقولة للمساهمين».

وأضاف الباحث أن هناك 3 أهداف رئيسية لإدارة رأس المال، لخصها في مسألة التأكد من الاستقرار المستقبلي للمصرف، وذلك من خلال الحفاظ على رأسمال كاف لتغطية الخسائر غير المتوقعة، وتعزيز الاستخدام الفعال لرأس المال من خلال تحسين العوائد المعدلة للمخاطر، ومن ثم تحفيز عملية صنع القرار والإدارة المسبقة للمخاطر، من خلال التوزيع الفعال لرأس المال على قطاعات العمل.

وبالنظر إلى نمو الودائع، وفق الباحث، فإنه يتضح أنها في ازدياد مستمر وبذا يمكن تفسير ازدياد قدرات المصارف، ومن خلال تلك الفترة على جذب المدخرات، بسبب ارتفاع عوائده على الاستثمار بجانب استقطابه لشرائح جديدة لم تكن موجودة أصلا داخل دائرة النشاط الاقتصادي، كما اقترن ظهور المصارف الإسلامية، بميلاد شركات الاستثمار الإسلامية بتخصصاتها المتعددة، إلى جانب ظهور المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والهيئات الخيرية.

وزاد، أنه يمكن القول بأن الصيغة الإسلامية للتمويل، التي يمكن أن تشجع كثيرا من الرغبات وفق الاحتياجات الموضوعية للأفراد، هي التي يمكن أن تحقق عائدا أعلى لأصحاب الودائع في المجتمع، فتساعد بذلك على تعبئة المدخرات وتحقيق التراكم الرأسمالي المساعد للتنمية، لأنها تقوم على المرونة والسرعة والكفاءة في تدوير الموارد ومشاركة المودع، في أي نسب أرباح متحققة مستحقة له.

أما فيما يتعلق بدور المصرف في توظيف الموارد أي تمويل الاستثمارات، فإن المصرف، وفق الباحث، يحصل على إيراداته في غالب الأحيان من 3 مصادر رئيسية هي؛ عمليات التقسيط، وعمليات التمويل الأخرى، التي تشمل عمليات المتاجرة والمرابحة، ومن الخدمات المصرفية العادية، مثل فرق العملة والوساطة في الأسهم والحوالات.

و أظهرت الدراسة أن وصول نسبة التعثر في سداد المديونيات في البنوك المحلية في السعودية إلى 5 في المائة خلال عام 2008، يعد مؤشرا سلبيا جدا، يعود سببه في المقام الأول للخسائر الضخمة، التي حدثت في سوق الأسهم، نتيجة للانهيار الذي تعرض له السوق، خلال فبراير 2006، ونتيجة كذلك لطول إجراءات القضاء في السعودية المرتبطة بالتعامل مع قضايا المديونيات المتعثرة، مشددة على ضرورة توظيف عمل المصارف في استقرار الاقتصاد ومكافحة التضخم، وذلك من خلال توجيه جزء من التمويل للمشاريع الإنتاجية.

وشدد إدريس على ضرورة أن تصطحب علميات الإقراض، إجراءات أكثر تحفظا في المستقبل، بالإضافة إلى رفع نسب الربح، وذلك لأن سياسة الدولة تتجه للتوسع في بناء المساكن، في حين أن إقراض المصارف عامل مهم للتوسع في تمويل الإسكان، ما من شأنه أن يرفع كلفة التمويل، لأن سيولة الاستثمار والإقراض برأيه ستصبح محدودة.

وأشارت الدراسة إلى قيام الدول ذات الفوائض المالية، بتغطية الديون المتعثرة لمواطنيها الأكثر حاجة للمساعدة، بالإضافة إلى قيام ديوان الزكاة بحل مشاكل المقترضين الغارمين، وترويج الثقافة الإنتاجية، ونشر الوعي المصرفي، بجانب تقديم تمويل بدون رسوم تقييم، إضافة إلى خفض هامش الربح على برامج المصارف، لتمويل العقار نزولا إلى رغبة العملاء وتلبية حاجة المواطنين العقارية، وسعيا لتنشيط مسيرة الإعمار والبناء والاستثمار والتطوير العقاري في السعودية.

ولفت الباحث إلى أهمية دور التمويل الحكومي لاستثمارات المشاريع الاستراتيجية، وأهمية توجيه السيولة للدفعة المقدمة للصرف على المشروع مع توفير ودائع لمدى طويل بالعملات الأجنبية للبنوك المحلية، من قبل مؤسسات الدولة، مع ضرورة إلزام البنوك من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي بوضع عقد موحد للقروض الشخصية الاستهلاكية وقروض بطاقات الائتمان، وتحديد واضح للفوائد المركبة في حالة التعثر بالسداد، حتى لا تؤثر القروض الشخصية طويلة الأجل، على القوة الشرائية للمستهلك.

ودعا الباحث كذلك إلى ضرورة ربط السياسات الائتمانية لقطاع التمويل بالسياسات التنموية وتخفيض هامش الربح للقروض الإنتاجية وبرامج الإنفاق الاستثماري، مشددا على أهمية توظيف موظفين متخصصين في المصرف لإعطاء النصيحة وتوجيه المقترض لأوجه صرف بعينها تناسب مقدرته وإمكانياته.

وبرأيه، فإن الخروج من مأزق تعثر العملاء عن سداد القروض الشخصية، والتقليل بقدر الإمكان من تكرار حالات التعثر، يفرض على المصارف ضرورة جدولة استحقاقات أقساط القروض الشخصية المستحقة على العملاء، بالشكل الذي يراعي ظروفهم المالية المتردية، نتيجة لتعرض معظمهم للخسائر في سوق الأسهم، كما أن الأمر يتطلب الرفع من مستوى الوعي لدى أفراد المجتمع بخطورة التوسع في القروض الشخصية، لا سيما في حالة عدم ربط ذلك التوسع بالقدرة المالية على السداد.

وقال: «الأمر يتطلب الإسراع في الترخيص لعدد كبير من شركات المعلومات الائتمانية، حيث يمكن ذلك المصارف المحلية من تقييم القدرة الاستيعابية للعملاء المرتبطة بتحمل الالتزامات المالية، ومثل هذه الحلول وغيرها ستسهم إلى حد كبير في التغلب على مشكلة تعثر عملاء المصارف عن سداد التزاماتهم للمصارف، كما أنها ستجنب القطاع المصرفي أن يكون عرضة - لا سمح الله - للوقوع في حالة مماثلة لأزمة الائتمان العقاري، التي تعرض إليها أخيرا القطاع المصرفي في الولايات المتحدة».

وأوصى إدريس في هذه الدراسة، بضرورة إيجاد جهات محلية وإقليمية لتطوير سوق مالية إقليمية للشركات المتوسطة والصغيرة، وذلك عبر توفير التمويل لها في ظل تشدد المصارف في الإقراض، على اعتبار أن هذا النوع من البورصات، كان له دور بارز في تطوير أعمال الشركات وتوسعها خارج حدود بلدها الأصلي في عدد من الدول، بحسب التجارب التي تم رصدها في هذا الشأن في عدد من دول العالم.