نائب رئيس بنك التنمية التعاوني الإسلامي: البنوك الإسلامية أمام اختبار إبراز أهداف استثمارية جديدة

الجمعة لـ «الشرق الأوسط» : التوسع في انتشار المؤسسات المالية الإسلامية زاد من قوتها عالميا

جانب من مبنى بنك التنمية التعاوني
TT

في وقت أصبح فيه نوع من الإجماع على ضرورة تطوير دولي للمعايير والأنظمة لتكون أساسا وملاذا للقطاع المالي والإسلامي، ارتكز بنك التنمية التعاوني الإسلامي في السودان، في سياساته التمويلية، على المضي قدما في مسألة توسيع قاعدة التمويل بصيغ المشاركة والمضاربة المقيدة، كما اتجه مؤخرا في طريق تعزيز ثقافة التمويل الأصغر.

وقال المهندس ناصر بن فهد الجمعة، نائب رئيس مجلس إدارة البنك لـ«الشرق الأوسط» في الرياض: «إن تحويل بنك التنمية التعاوني الإسلامي إلى شركة مساهمة عامة، أسهم في تطوير خدماته المصرفية ومعالجة منتجاته، بشكل يمزج بين الشرعية الإسلامية والمواكبة العصرية، مما سهّل انتشارها والحصول عليها».

ويعتقد الجمعة أن البنوك الإسلامية أمام تحديات كبيرة، أهمها قدرتها على إبراز أهداف جديدة لتكون مشروعا استثماريا، خاصة أن صناعة الاستثمار والتمويل الإسلامي تنمو بخطوات واسعة وواثقة، مبينا أن التقديرات، أكدت أن عدد المؤسسات المالية الإسلامية، يفوق 400 مؤسسة في أكثر من 80 دولة، مشيرا إلى أن التوسع في انتشار المؤسسات المالية الإسلامية، زاد من قوتها عالميا.

*كيف تنظرون إلى البنوك الإسلامية بين الواقع الأهداف والمقاصد الإسلامية؟

- لا شك أن البنوك الإسلامية، التي تلتزم بالعمل وفق الضوابط الشرعية ساهمت بشكل كبير في تسويق المصرفية الإسلامية وأظهرت صورتها المشرفة وبيّنت مدى تقبل عملاء البنوك لها على مستوى العالم، بعد أن أصبحت ملاذا آمنا بعد الكارثة المالية الأخيرة، ولكن دائما تبقى مسألة التطوير والتحديث والمواكبة أمرا مهما في هذه الصناعة، يلتف حولها الكثير من رواد الصيرفة الإسلامية، ما يلقي بعبء أكبر على البنوك الإسلامية لمحاولة إزالة اللبس واللغط الذي يثيره البعض في التشويش، الذي تتعرض له بعض المنتجات الإسلامية، وذلك من خلال السعي الحثيث لمعالجتها طبق الشريعة الإسلامية، لإزالة الحرج عن المسلم في المعاملات المالية التي تحوم حولها بعض الشبهات.

*برأيك ما أبرز التحديات التي تواجه البنوك الإسلامية حاليا؟

- التحديات كثيرة ومعقدة بسبب التسارع التقني، الذي يجعل من أمر تحديث الخدمات المالية الإسلامية تحديا مباشرا، بجانب قدرتها على إبراز الأهداف الجديدة لهذه البنوك، حتى تصبح مشروعا استثماريا شاملا لا يقصي بشرا في أي بقعة في العالم، ذلك أن هدف البنوك الإسلامية الأول يأتي من مبدأ عمارة الأرض وهي تخص البشرية جمعاء، وتصب في خدمة الإنسانية، حيث يستفيد العالم كله من هذا الفهم الكبير، وتتجلّى هذه الفائدة في تنمية المجالات الاقتصادية والاجتماعية، بمعنى أن يرتبط البنك بأهداف النمو الاقتصادية بالفرد والمجتمع، كما يبقى التحدي التقليدي في كيفية تحقيق هذه البنوك قدرا كبيرا من رفاهية الإنسان الاجتماعية وتحقيق الاستثمار الأمثل لأمواله، حتى لا يكون هدفها الربح فقط بالطرق التقليدية، التي هي أول الأسباب التي تزعزع ثقة العملاء فيها.

*ما تقييمك لانتشار البنوك الإسلامية في البلاد غير الإسلامية؟ وما أهمية ذلك؟

- أستطيع أن أقول إن الأزمة المالية العالمية التي اجتاحت كثيرا من دول العالم الكبرى، بما في ذلك أميركا ودول أوروبا، وما تبع ذلك من أزمات ذات صلة، وفي مقدمتها أزمة الديون، لفت أنظار العالم وخبرائه للتمعن مليّا في مراجعة الأنظمة المالية العالمية والاشتراكية والرأسمالية وغيرها، ومن ثم مقارنتها بالنظام المالي الإسلامي وصموده أمام رياح الأزمة العالمية، فكانت ضارة نافعة، وهذا الواقع الذي صنعته هذه الأزمة جعل الخبراء والمعنيين ينظرون في إمكانية الاستعانة بصناعة المصرفية الإسلامية، الأمر الذي ساهم إلى حد كبير في التوسع في عمليات الاستثمار والتمويل الإسلامي، مما جعلها تنمو بخطوات واسعة، إذ إنه من الملاحظ أن المؤسسات المالية الإسلامية أخذت منذ نشأتها في السبعينات تنمو حتى وصلت إلى نحو 300 مؤسسة مالية إسلامية، وانتظمت في معظم أنحاء العالم حيث إنها تنتشر حاليا في أكثر من 70 دولة من العالم، كما نلاحظ أن بعض المصارف الأجنبية أخذت تفتح نوافذ إسلامية لإيمانها أن نمو المصارف مرتبط بالعرض والطلب، ومن خلال متابعتنا في الأعوام الأخيرة لواقع هذه الصناعة فقد حقق القطاع المصرفي الإسلامي نموا كبيرا استقطب مؤسسات تقليدية كثيرة، التي تسعى بدورها لاكتساب حصة من السوق، كما أن جميع المشاركين في المؤتمرات والندوات المتعلقة في الصيرفة الإسلامية سواء من بلدان إسلامية أو غربية، يؤكدون أن الصيرفة الإسلامية، فرضت نفسها على خريطة الاقتصاد العالمي، مما جعل أمر انتشارها ضرورة يحتمه الواقع.

*أخذ البعض يشتكي مؤخرا من التشويش أو التسويف في تطبيقات التشريعات الإسلامية في المؤسسات المالية.. ما تعليقك؟

- بالطبع المنتجات الإسلامية تحتاج إلى معالجة مستمرة، حتى يتم سد كل الثغرات، التي قد يتسبب فيها التسرّع في التطبيق والتنفيذ، مع تأكيد على حسن النية في ذلك، وليس من حل لمثل هذه المشكلات غير المراجعة المستمرة لكفاءة المنتج ومعالجته بشفافية كافية، في سبيل التجديد والتطوير مع الحاجة لجهاز مراقبة ومتابعة، لضبطه حتى لا يخرج عن سياقه الشرعي، ولكن ألمس عادة اجتهادات مقدرة وجهودا مبذولة في ذلك، والشاهد يرى أن البنوك الإسلامية بدأت بصيغ المشاركة والمرابحة، ثم توسعت بالتدريج في ذلك حتى وصلت إلى أكثر من 15 صيغة أخرى مثل الاستصناع، والاستزراع، والمقاولة، والتوريق وبيع السلم.. إلخ، وهي تتطور بتطور حاجة الإنسان.

*ولكن هناك اعتقاد أيضا أن هناك جانبا من التقصير فيما يتعلق ببعض التشريعات والضوابط والمعايير الخاصة بالمنتجات الإسلامية؟

- أقول إنه منذ عام 1991 دأبت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين على تلبية احتياجات المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، من التشريعات والضوابط والمعايير الضابطة لهذه الحركة، وذلك من خلال إصدار أكثر من 50 معيارا في مجال العمل المصرفي الإسلامي، إضافة إلى الأبحاث والاستشارات التي تقوم بها الهيئة، والتي من خلالها تقوم بتفعيل كل الجهود والخبرات المتوفرة في مجال العمل المصرفي الإسلامي، وآتت هذه الجهود ثمارها في بناء العمل المصرفي الإسلامي على أسس متينة وراسخة، كما أنه خلال هذه المدة قامت الهيئة باتخاذ كثير من الخطوات المهمة الهادفة إلى تشجيع عملية تطبيق وتنفيذ معاييرها في جميع أنحاء العالم، وقد حققت ذلك من خلال وضعها لمعايير عالية الجودة، التي أصبحت تحظى بالتقدير والاعتراف الدوليين، وأدى ذلك إلى تنفيذ وتطبيق معايير الهيئة في كثير من المؤسسات المالية الإسلامية في عدد من الدول، حيث أصبحت المعايير إما إلزامية أو أنها على الأقل تستخدم كأدلة إرشادية من قبل الأجهزة الرقابية، ومن واقع الخبرة فإن هناك إجماعا على ضرورة تطوير دولي للمعايير والأنظمة لتكون أساسا ومتكأ للقطاع المالي والإسلامي، لأن ذلك يضمن المزيد من التوسع للمؤسسات المالية الإسلامية ويزيد من قوتها عالميا.

*وأين يجد بنك التنمية التعاوني الإسلامي في ظل هذا الواقع وما به من تحديات؟

- قطع البنك شوطا كبير طوال مسيرته في التوسع في خدماته ومنتجاته، مع العمل بجدية في إرساء قواعد عصرية في المعاملات المالية كافة لسد حاجات المجتمع، وذلك من خلال تمويل المشاريع الإنتاجية وتنميتها، كما أنه يسعى لحماية المجموعات الاستثمارية الصغيرة من تطرف السوق ودفعها لتحقيق عائد معقول يعود على الجماعة بالنفع والخير، ولذلك فإن البنك في صورته الحديثة نهض شامخا بين المصارف السودانية، وأصبح من القامات التي يصعب تجاوزها، خلاف الزيادة المتواترة في رأسمال البنك المدفوع عن طريق الاكتتاب ودعم احتياطيات رأس المال المدفوع، حيث إنه حقق نتائج جيدة في مجال تنمية الودائع بأنواعها المختلفة، كذلك عمل البنك على زيادة عدد فروعه في السودان، لتبلغ 32 فرعا، وكنّا قد شرعنا لأن يكون له فرع رئيسي في منطقة الخليج، وقطعنا في ذلك شوطا كبيرا، كذلك انتهج البنك الكثير من الأهداف كالتميز في التقنية المصرفية، ونظام الصراف الآلي، بالإضافة إلى سعي البنك نحو تعظيم العائد على الأسهم بعد تحويله إلى شركة مساهمة عامة، بهدف تحقيق عائد مجز للمساهمين، ونتيجة لهذه السياسة.

*كيف تنظر إلى مفهوم الخدمة المصرفية الشاملـة وما دواعيه؟ وهل تم تطبيقه في بنك التنمية التعاوني الإسلامي؟

- شهد العالم تطورات كبيرة ومتسارعة في تقنية الاتصالات واكبتها طفرة هائلة في استخدام الحوسبة في شتى مناحي الحياة وضروب المعرفة، وحاز قطاع الخدمات القدح المعلى في ذلك، حيث أسهم انتشار التقنية في إرساء قيم تعظيم الوقت كأهم مورد في الحياة وتبسيط الإجراءات ونقل المعرفة إضافة إلى تقليل التكلفة، ولقد أخذت المصارف حظها وحصتها من هذه النقلة بفضل تماسك وحدتها وكفاءة العاملين بها ومواكبتهم للتطورات من حولهم، ولذلك أؤكد أن استخدام التقنية المصرفية في العمل المصرفي، أصبح من المسلمات، ولا سبيل لمواكبة عالم اليوم إلا باستخدام ومتابعة التطورات التي تصاحبها, وبطبيعة الحال فإن تكلفتها باهظة الثمن ويمكن تجاوز ذلك بالاستخدام الأمثل واستغلال ما تتيحه من إيجابيات تتمثل في تقليل الجهد والوقت وتكلفة العمل المنجز بطريقة أفضل، وأما دواعيه فهي دواعي التغيير للخدمة المصرفية الشاملـة، وذلك لمواكبة أهداف ورؤى السياسات المصرفية الشاملة ببنك السودان المركزي، ومواجهة تحديات المرحلة والمنافسة المصرفية التقنية، بجانب المشاركة في التنمية البشرية متمثلة في تأهيل كادر مصرفي تقنى متميز، بالإضافة إلى اختزال الخدمات المصرفية، التي كانت تؤدى في 5 أقسام في قسم واحد (الخدمة المصرفية)، مما يؤدي إلى ترشيد التكلفة الإدارية والاستخدام الأمثل للموارد البشرية، إذ إن هذا من شأنه العمل على تقصير الظل الإجرائي للمعاملات المصرفية، وبالتالي فإن مصرفنا لم يكن بمعزل عما يدور في ساحات التقنية من تسارع وتنوع في نوعها وقيمها، وما تم تقديمه من خدمات متميزة لا تخطئه العين، ويأتي النظام المصرفي الشامل شاهدا على المواكبة وحسن الاستغلال، ودليلا على كفاءة وقدرة العاملين واستعدادهم للمواءمة والتغيير للأفضل.

*كيف تنظر إلى نظام المقاصة الإلكترونية في السودان وإلى أي مدى استفاد بنك التنمية التعاوني الإسلامي منه؟

- يعتبر السودان من الدول القليلة، التي استخدمت نظام المقاصة الإلكترونية ويقوم هذا النظام بربط فروع البنوك ورئاساتها ورئاسات البنوك مع غرفة المقاصة الإلكترونية بالبنك المركزي، بالاستفادة من هذا الربط الشبكي تم اختزال زمن تحصيل الشيكات من البنوك من داخل ولاية الخرطوم من 3 أيام إلى أقل من ساعة في الحد الأدنى وبحد أقصى نهاية عمل اليوم، وقد وضع البنك المركزي الضوابط اللازمة لعمل المقاصة الإلكترونية، والآن بدأ ربط بعض الولايات وفروع البنوك عبر نظام المقاصة الإلكترونية ليتم تحصيل شيكات فروع الولايات بنفس الفترة الزمنية لتحصيلها داخل ولاية الخرطوم، بعد أن كان يستغرق تحصيلها أياما وأحيانا يمتد لقرابة الشهر.

*ما أبرز النجاحات التي حققها البنك خلال الفترة الأخيرة؟

- حقق البنك كثيرا من الإنجازات على كل الصعد، فبشكل عام ساهم البنك في دعم القطاع التعاوني وتطويره وتنميته بتوفير التمويل اللازم والخدمات المصرفية للمؤسسات التعاونية في المجالات المختلفة وعلى نطاق القطر، كما يقدم التسهيلات والتمويل نقدا أو عينا أو في صورة خدمات، بجانب تشجيع الادخار بين المواطنين عامة والجمعيات التعاونية على وجه الخصوص، وذلك لتطوير المفاهيم الشعبية في هذا المجال، وكذلك القيام بأي أعمال مصرفية أخرى، بالإضافة إلى المساهمة في تطبيق مبادئ وأهداف الاقتصاد الإسلامي وإرساء دعائم تجربة البنوك الإسلامية، وعلى صعيد البنك بشكل خاص فقد تم إعادة التنظيم والتوصيف لأعمال البنك وإجراء تغيرات حسب التنظيم الجديد، وإعداد خطة استراتيجية بواسطة أحد بيوت الخبرة الأجنبية، كما تم إعداد تنظيم وترتيب وتصنيف لفروع البنك مع تفويض صلاحيات المدير العام، وإدخال قوى بشرية جديدة على مستوى الدرجات القيادية والوسيطة مع التدريب المستمر، كما توسع البنك في تمويل مشاريع البنى التحتية بمختلف ولايات السودان كالطرق والجسور والقطاعات الزراعية والصحية والتعليمية، بالإضافة إلى تمويل القطاع الخاص ومنتوجات السودان المختلفة، إلى جانب أن البنك يهدف إلى إضفاء صبغة اجتماعية للبنك في دعم القرض الحسن، كبناء المدارس ودور العلم وغيرها، بجانب أن البنك، يعتبر ضمن 3 بنوك سودانية تساهم في المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، حيث إنه سبق أن شارك في الجمعية العمومية IDB في ماليزيا قبل عدة أعوام بصفة مراقب، كما شارك في ملتقى الاستثمار، الذي عقد في أذربيجان، وما زال يسعى سعيا دؤوبا لأن يكون دائما في حلقة المشاركة وبناء العلاقات المصرفية في شتى بقاع الأرض.

*إلى أي مدى استطاع البنك يحمي نفسه ضد القرصنة المصرفية وغسيل الأموال؟

- بطبيعة الحال فإن المصارف محكومة بقوانين البنوك المركزية، وهي تحت رقابتها ومعلوم أن البنوك المركزية هي أيضا محكومة بقوانين واتفاقيات عالمية، مثل ضرورة الالتزام بمعيار كفاية رأس المال كمعيار لقياس مخاطر السوق كما جاء في مقررات لجنة «بازل» في سويسرا 1988، وكذلك كثير من القوانين والمعاهدات التي تنبه إلى مخاطر أنشطة غسيل الأموال، من خلال البنوك وكل الأنشطة غير المشروعة التي تمارس من خلال ما يسمى بالاقتصاد الخفي، التي تؤثر تأثيرا سالبا على الاقتصاديات القومية، لذلك فإن التزام البنوك بقوانين تحرم ذلك، تحجّم هذه الأنشطة وتحاربها بقوة.