خبير مصرفي: استثمار المصارف الإسلامية في أدوات الدين تخاطر بـ1.2 تريليون دولار

أبو حجلة: متى يبقى «الليبور» بديلا معياريا لتسعير المنتجات الإسلامية؟

TT

على الرغم من إجازة العلماء لاستخدام معدل الفائدة السائد، سواء «ليبور» الذي يعني معدل الفائدة في السوق البريطانية، أو «السايبور» الذي يعني معدل سعر الفائدة بين البنوك السعودية، دليلا استرشاديا لمعدل الربح لعملياتها، فإنه لا توجد حتى اليوم سوق بين المصارف الإسلامية، يتم عن طريقها تحديد معدل الربح.

وفي هذا السياق أوضح الخبير المصرفي نواف أبو حجلة – باحث ومحاضر في المصرفية - لـ«الشرق الأوسط»، أن الـ«ليبور» والـ«سايبور» مصطلحان مترادفان في المبدأ، مختلفان في التقييم من ناحية شرعية، ويعنيان معدل الفائدة، غير أنهما لا يحققان العدالة للمصارف الإسلامية في تحديد الربح، حيث إن المخاطر المحسوبة في سعر الفائدة عند التمويل أو الاستثمار، تختلف عن طبيعتها في التمويل الإسلامي، ولو تم ذلك عن طريق المداينة.

وهذا الاختلاف، وفق أبو حجلة، يعتبر من أحد أهم أسباب الاختلال الذي تعانيه الصيرفة الإسلامية، وأدى إلى ابتعادها عن المشاركات والمضاربات ولجوئها إلى أدوات المداينة، حيث إنها هي الأقرب من حيث عدالة التسعير بالنسبة لهذه المصارف، علما بأن بعض البنوك الإسلامية تلجأ ببساطة إلى استخدام تكلفة تمويلها مقياسا معياريا.

وقال: «تعتمد معظم البنوك الإسلامية الفائدة على الأسعار التقليدية في تسعير منتجاتها التي تقدر بما يزيد على 1.2 تريليون دولار، مما يؤدي بالتالي إلى تكرار الأسواق الإسلامية في الغالب هياكل الإقراض المبنية على أسعار الفائدة، وتعريض الصناعة إلى تقلبات الأسواق التقليدية».

وأكد الباحث أن الفشل في تحويل كثير من المقترحات لإيجاد مؤشرات معيارية معتمدة من قبل الصناعة المالية الإسلامية، يرجع في الأساس إلى استثمار المصارف الإسلامية في أدوات الدين بدلا من المشاركة، ما أدى إلى تشابه هيكل العائد والمخاطرة للأدوات المطبقة في المصارف الإسلامية مع نظيرتها التقليدية، كما أن المسار المؤدي إلى بديل لمعدلات «ليبور»، يبدأ من المصارف الإسلامية نفسها، من خلال تطوير وتصميم منتجات مالية أصلية، تعتمد على صيغ المشاركة التي تميزها عن البنوك التقليدية، ومن ثم توفر اللبنة الأساسية لتطوير مؤشرات مالية إسلامية بديلة عن المؤشرات المرتبطة بمعدلات الفائدة.

والليبور «معدل مقترح Offered» يشير إلى معدلات الفائدة التي يتوقع أن تقوم المصارف بالاقتراض على أساسها، أما عندما يتعلق الأمر بالإقراض فإن المصارف ليست مجبرة على أن تقوم بالإقراض على أساس هذه المعدلات، وهذه نقطة مهمة جدا في فهم آلية التلاعب في الليبور ودوافعه، فعندما تقوم مجموعة من المصارف باقتراح معدلات منخفضة للفائدة فإنها في واقع الأمر تعلن أنها تتوقع، عندما تقوم بالاقتراض من المصارف الأخرى، أن تقترض على أساس هذه المعدلات المنخفضة، وبالتالي ستدفع تكلفة منخفضة على القروض التي تقترضها، ولكنها ليست ملزمة عندما تقوم بالإقراض بأن تقرض المصارف الأخرى على أساس هذه المعدلات المنخفضة، أي أن المصارف المقرضة تقوم بتحميل المصارف المقترضة معدلات فائدة أعلى مما هو منشور من معدلات للإقراض.

ويحتل الليبور هذه الأهمية الدولية كأهم معدل فائدة عالمي بسبب حجم العمليات المالية التي تتم على أساسه، والتي تتسم بالضخامة، فالليبور هو أساس عمليات تسعير قروض تصل إلى نحو عشرة تريليونات دولار سنويا، وفقا لتقديرات لجنة التجارة في المستقبليات السلعية في أميركا، من ناحية أخرى فإن معدل الفائدة الليبور على الدولار الأميركي هو أساس تسوية المعاملات المستقبلية في عقود اليورو دولار استحقاق ثلاثة أشهر في بورصة شيكاغو، التي قدرت المعاملات التي تمت فيها في عام 2011 بنحو 564 تريليون دولار، بل إن بعض التقديرات تضع هذا الرقم في حدود 800 تريليون دولار.

وأوضح أن معدلات ليبور اكتسبت قبولا واسعا، حتى أصبحت المعدلات المرجعية لأسعار الفائدة الأوسع استخداما على النطاق الدولي للقروض قصيرة الأجل، وفي تسعير عدد من عقود المشتقات المالية، بل أصبحت تستخدم صراحة أو ضمنا في تسعير بعض المنتجات المالية الإسلامية، مثل صكوك الإجارة والمرابحة، كما أصبحت معدلات ليبور بحد ذاتها تقويما لأسعار الفائدة في وقت محدد.

وتستخدم هذه المعدلات كمدخلات لعقود أغلبها غير متفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، مثل الودائع لأجل والسندات والمشتقات المالية، ولكنها أصبحت تستخدم في بعض الأدوات المالية الإسلامية كصكوك الإجارة وعقود المرابحة، وقد أدركت جمعية البنوك البريطانية ذلك وقررت دراسة إمكانية توسيع استخدامه في مجال التمويل الإسلامي.

واستخدام ليبور في تسعير بعض العقود والأدوات الإسلامية ليس محظورا من حيث المبدأ، إذ العبرة بشرعية العقد المنفذ في البنك الإسلامي، إلا أن ذلك يؤثر بشكل سلبي على الصورة الذهنية للمصرفية الإسلامية، حيث يوحي بعدم اختلافها جذريا عن التمويل التقليدي، وعجزها عن إيجاد مؤشر بديل يتفق مع صيغ التمويل الإسلامي، من أهم شروط إيجاد مؤشر بديل للمصرفية الإسلامية أن يأخذ في الاعتبار التكلفة التي يتحملها المصرف الإسلامي عند منحه التمويل، وأن يعبر عن الربحية الحقيقية للاستثمار.

ولفت أبو حجلة إلى أن آلية حساب معدلات ليبور تتميز بالبساطة والعدالة وتحييد القيم المتطرفة، وتتوافق أيضا مع مبادئ التقويم عند الفقهاء في تقدير بدل نقدي لعين أو منفعة يعادلها في حال المعاوضة به، سواء في اختيار المقومين، أي البنوك المساهمة، أو طريقة حساب القيمة، أي معدلات ليبور، وعليه يمكن استخدام آلية حساب معدلات ليبور من حيث المبدأ لحساب أي مؤشر مالي إسلامي بديل عن معدلات ليبور المرتبطة بأسعار الفائدة.

وعلى الرغم من إمكانية الأخذ بمنهجية معدلات ليبور لحساب مؤشرات منافسة، واقتراح عدد من الباحثين لمؤشرات إسلامية بديلة عن سعر الفائدة، فإنه، وفق الباحث، لم يتم حتى الآن تحويل أي من هذه المقترحات إلى مؤشرات معيارية ترجع إليها صناعة الخدمات المالية الإسلامية، مبينا أنها ما زالت تعتمد صراحة أو ضمنا على معدلات ليبور أو نظائرها.

واعتبر أن استخدام مؤشر عام يتأثر فيه كل الأطراف في عقد التمويل هو أقرب للعدالة، إلا أن العدالة، برأيه، لا ترتبط بالضرورة باستخدام معدلات ليبور من عدمه في التسعير، لأن عملية التسعير لا تعتمد على مؤشر قياسي مثل ليبور فقط، بل على عوامل أخرى متنوعة، مثل مخاطر عقد التمويل وتكاليف التشغيل ومعدل التضخم المتوقع.

وفي ما يتعلق بالمخاطر الناتجة عن استخدام صناعة المصرفية الإسلامية لمؤشر الفائدة، أوضح أبو حجلة أن هناك اتفاقا على استخدام ليبور في تسعير بعض العقود والأدوات الإسلامية، مبينا أنه ليس محظورا من حيث المبدأ ما دام العقد متوافقا مع الشريعة، ولكنه يؤثر بشكل سلبي في الصورة الذهنية لصناعة الخدمات المالية لدى الجمهور المتعاملين بها، ويرسخ الاعتقاد لدى البعض أن التمويل الإسلامي لا يختلف جذريا عن التمويل التقليدي، خاصة مع انتشار التورق المصرفي وبعض الصكوك الإسلامية المثيرة للجدل.

ويعتقد أنه على الرغم من الجهود المبذولة لإيجاد مؤشر إسلامي لربحية منتجات المصرفية الإسلامية في ضوء تحريم الفائدة والأصول المالية التي تدرها، فإن مسألة إيجاد بديل عن سعر الفائدة شغلت بال الكثير من الباحثين في الاقتصاد الإسلامي منذ فترة طويلة، مبينا أن ثمة دراسات سابقة اقترحت مؤشرا إسلاميا بديلا عن سعر الفائدة، منها ما يهدف إلى إيجاد معدل يعكس تكلفة الفرصة البديلة لقرارات الاستثمار، بحيث يكون هذا المعدل معيارا قياسيا للمقارنة يساعد المستثمرين والمؤسسات المالية على تقويم الخيارات الاستثمارية.

ومن هذه المقترحات، وفق أبو حجلة، ما يهدف إلى إيجاد مؤشر يمكن استخدامه في تسعير المنتجات الإسلامية، خاصة في ظل انتشار المنتجات المالية الإسلامية واعتماد تسعيرها صراحة أو ضمنا على معدلات الفائدة، ومنها ما يهدف إلى إيجاد متغير بديل عن سعر الفائدة يمكن للبنوك المركزية الإسلامية استخدامه لإدارة السياسة النقدية.

إلا أنه، والحديث لأبو حجلة، حتى الآن لم يتم تطبيق أي من هذه المقترحات على أرض الواقع بما يحيلها إلى مؤشرات معيارية ترجع إليها صناعة الخدمات المالية الإسلامية على نطاق أوسع، مبينا أنه ما زالت الصناعة تعتمد صراحة أو ضمنا على معدلات ليبور أو نظائرها، وفي المقابل طورت بعض الدول الإسلامية سوقا نقدية بين البنوك واستحدثت أوراقا مالية حكومية بديلة عن السندات وأذون الخزانة ذات مؤشرات للربحية، يتم بموجبها تنفيذ عمليات السوق المفتوحة من قبل البنك المركزي.

ويعتقد أنه يمكن الاستفادة من آلية تحديد معدل ليبور في تطوير مؤشر بديل يستند إلى أدوات التمويل الإسلامي، وأدوات التمويل الإسلامي تتسم بالتنوع، لافتا إلى أنه لغرض هذا المؤشر يتم الاعتماد في تحديده على متوسط عوائد أدوات التمويل الأقل مخاطرة في الاقتصاد، إلا أن ثمة تساؤلا يبرز هنا وهو هل يمكن أن تكون أدوات الدين الإسلامية، مثل صكوك المرابحة والإجارة الإسلامية التي هي أقل الأصول مخاطرة في الاقتصاد، ومعرفة ما إذا كان معدل العائد عليها هو المعدل المرجعي المناسب؟

وبالرجوع إلى أبرز التطبيقات المعاصرة للصكوك الإسلامية، يرى أبو حجلة أنها تربط معدلات العائد في هذه الصكوك عادة بمعدلات ليبور على الدولار، ما يعني في النهاية أن مؤشرات السوق المالية الإسلامية ستستمر مرتبطة بمعدلات الفائدة الدولية، ما استمرت المؤسسات المالية الإسلامية في الاعتماد بشكل كبير على صيغ التمويل بالدين، وتشابكها الحتمي مع المؤسسات المالية التقليدية عبر أسواق التمويل الدولي، كما يؤكد ذلك ضمنا أن الدول صاحب القوة الاقتصادية والسياسية الكبرى، يمكن أن تفرض نظامها النقدي بطريقة غير مباشرة على الدول الأضعف.

ويعتمد إيجاد سعر تمويلي لتحرير البنوك الإسلامية من سعر الفائدة على عدة آليات مهمة، منها اعتماد السلطة النقدية مفاهيم الاقتصاد الإسلامي، وجعل سعر الصرف معوما أو مرتبطا بسلة عملات، وتبني سعر خصم يعتمد على النظام الإسلامي، إضافة إلى تغيير أداء البنوك الإسلامية وتنويع أدواتها الاستثمارية بتحولها من الإقراض للاستثمار.

وكلما ارتفعت درجة المخاطرة وتنوعت انعكس ذلك على الدور التنموي والاستثماري، فعلى البنوك الإسلامية تطوير وتصميم منتجات مالية إسلامية أصلية تعتمد أكثر على صيغ المشاركة، ومن ثم توفر اللبنة الأساسية لتكوين مؤشرات إسلامية، ما يحتم أن تكون الحصة الكبرى في سوق الإقراض للمصرفية الإسلامية، وتكون هي بمثابة الموجه والقائد للسوق، حيث تكون نتيجة ذلك أن يصبح المؤشر مرجعا للمصارف كافة، إضافة إلى أهمية الاندماج والتكتل والانتشار كأدوات تساعد على الاستحواذ على السوق.

ومن الشروط المهمة أيضا في المعدل المقترح لاحتساب ربحية التمويل في المصارف الإسلامية، وفق أبو حجلة، أن يأخذ المؤشر في الاعتبار التكلفة التي يتحملها المصرف الإسلامي عند منحه التمويل، وأن يعبر عن الربحية الحقيقية للاستثمار، لأن الملاحظ أن إدارة المصرف الإسلامي غالبا تتخذ سعر الفائدة كمؤشر للتوزيع على أصحاب الودائع الاستثمارية، وتكوين مخصصات بالفارق مقابل توقع انخفاض الأرباح مستقبلا.

كما أن إيجاد سوق إسلامية للمصرفية الإسلامية ضرورة لإيجاد منظومة كبيرة من الأدوات المالية الإسلامية مستقلة بذاتها وقادرة على استيعاب السيولة الموجودة وتوظيفها بصيغ وأدوات إسلامية، ومن ثم خلق مؤشر إسلامي مستقل لقياس هامش أرباح الأدوات الإسلامية بناء على مقارنة منهجية تحديد «ليبور» بالتقويم في الفقه الإسلامي.

ومن ناحية أخرى قال: «في حالة اعتبار حساب معدلات (ليبور) نوعا من التقويم، فقد يكون من المناسب مقارنته بمفهوم التقويم لدى الفقهاء، وفي هذا نجد مواطن تشابه بين منهجية (ليبور) والتقويم عند الفقهاء، سواء في اختيار المقومين (البنوك المساهمة) أو طريقة حساب القيمة (معدلات ليبور)، ففيما يتعلق بالمقومين اهتم الفقهاء بسلامة ودقة تقدير القيمة من خلال الشروط التي اشترطوها في المقومين».

ومن الشروط المطلوبة في المقومين، لا بد من اثنين على الأقل، لأن التقويم من قبيل الشهادة، إلا إذا كان الشيء المراد تقويمه ليس ذا شأن كبير في عرف الناس، فيكتفى بمقوم واحد، كما لا بد من الخبرة، وذلك بأن يكون خبيرا بقيمة الشيء المراد تقويمه، وما قد يطرأ عليها من ارتفاع أو هبوط، والعوامل المؤثرة في ذلك، بالإضافة إلى ضرورة توفر شرط العدالة، أي الأمانة، وهي صلاح الدين مع اعتدال الأقوال والأفعال، مع توفر شرط انتفاء الغرض، وذلك بأن يكون خاليا من الغرض فيما يتصل بالتقويم، مبينا أن اختلاف المقومين في تقدير القيمة أمر وارد، مشيرا إلى تعدد أقوال الفقهاء في القيمة المعتبرة.

وقال: «إن معظم استخدامات معدلات (ليبور) في العقود غير متفقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية، إلا أنه يمكن استخدام منهجية حساب هذه المعدلات وذلك لحساب أي معدل بديل مقبول شرعا؛ حيث تتميز بالبساطة والعدالة. كما أن منهجية تحديد معدلات (ليبور) تتفق من حيث المبدأ مع منهجية التقويم في الفقه الإسلامي»، متسائلا: «إلى متى تبقى المصارف الإسلامية دون معيار شرعي بديل عن الليبور متفق عليه؟ وكيف تستطيع هذه المصارف إيجاد آلية اتفاق على هذا المعيار».