دراسة: تقديم الصكوك كورقة مالية أبعدها عن حقيقتها الاستثمارية

كشفت عن بطلان الضمانات بسبب المخالفة الشرعية وعدم الجدوى الاقتصادية

TT

كشفت دراسة حديثة عن أن تقديم الصكوك كورقة مالية أبعدها عن حقيقتها الاستثمارية، وذلك بعد تشخيص وضع الضمانات على الصكوك الإسلامية التي لم تتلاءم مع طبيعتها، موضحة أن الأصل مثلا في عقد المضاربة أن المضارب لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، كما لا يجوز بحال ضمان رأس المال والربح.

وبتتبع أنواع الضمانات، وجدت أنها لا تصلح للضمان، إما للمخالفة الشرعية أو عدم الجدوى الاقتصادية أو غير ذلك، الأمر الذي أفضى في النهاية إلى التوجه للتأمين التعاوني ووسائل حماية رأس المال وإدارة المخاطر وغيرها من شبيهات ذلك، مستعرضة أهم الضمانات المقترحة للصكوك الإسلامية، ودراستها من الناحية الشرعية.

وأكدت الدراسة التي أعدها الدكتور عبد الله بن محمد العمراني، أستاذ الفقه المشارك في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وأستاذ كرسي الشيخ راشد بن دايل لدراسات الأوقاف، تحت عنوان «الضمانات في الصكوك الإسلامية»، أهمية مواصلة البحث من قبل الباحثين والمراكز البحثية لتطوير الصيغ الإسلامية وفق الضوابط والمقاصد الشرعية.

وأوضحت أن الأساس الذي تقوم عليه فكرة إصدار الصكوك، هو إيجاد أداة بديلة عن سندات الفائدة، تماثلها في مزاياها، مبينة أن من أهم ما يميز السندات أنها ورقة مالية منخفضة المخاطرة، بسبب ضمانها لرأس المال والربح، وبذلك فقد اعتبرت قضية ضمان الصكوك وأرباحها إحدى المسائل الفقهية الشائكة التي تتطلب حلولا وصيغا فقهية مناسبة.

ومن هنا، وفق الدراسة، نشأ الإشكال في هيكلة الصكوك، مبينة أن الصكوك وثائق متساوية القيمة تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في ملكية موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص، ولذلك قامت المصارف الإسلامية بمحاولة تقليص المخاطر التي في الصكوك لتقربها من مستوى مخاطر السندات، حتى تصنف وتسعر بنفس آليات تصنيف السندات وتسعيرها، ذلك أن التصنيف الائتماني للأوراق المالية غاية في الأهمية للاعتراف بالورقة المالية وإدراجها.

كما أنه ظهر في حقل التمويل في العقود الأخيرة، ما يمسى التمويل المهيكل، الذي يتم من خلاله توزيع مخاطر التمويل على عدة أطراف، من خلال استحداث شركة أو عدة شركات ترتبط في ما بينها ومع غيرها بمجموعة من الاتفاقيات، حيث يعد التصكيك من أبرز أنواع التمويل المهيكل.

وعرفت الدراسة الضمان، بأنه جعل الشيء في شيء يحويه، مبينة أن الكفالة تسمى ضمانا من هذا لأنه إذا ضمنه فقد استوعب ذمته، لافتة إلى أن للضمان في اللغة عدة معان؛ منها الالتزام بضمان المال أي الالتزام به، بالإضافة إلى التغريم، موضحة أن تعريف الضمان في اصطلاح الفقهاء يطلق على عدة معان، منها الكفالة، بمعنى ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق، وغرامة الإنسان ما باشره أو تسبب فيه من الإتلافات والغصوب والعيوب والتغيرات الطارئة، والالتزام بالقيام بعمل تحمل تبعة الهلاك والتعيب.

واستنادا إلى ذلك، نبهت الدراسة إلى أن الضمان عند الفقهاء يطلق بمعناه الأخص ويعني ضم ذمة إلى أخرى في التزام الحق، وهو مرادف للكفالة بالمال أو بالبدن، كما يطلق الضمان بمعناه الأعم، ويعني شغل الذمة بما يجب الوفاء به، فيكون بهذا الاصطلاح مرادفا للمعنى اللغوي، أي الالتزام، سواء أكان التزاما بالمال أم بالنفس، وسواء أكان بعقد أم من دون عقد، وسواء أكان بالتزام من المكلف أم بإلزام من الشارع، ويقصد بضمان رأس المال في الصكوك: التزام المصدر بسلامة رأس المال لصاحب الصك.

ومن الألفاظ ذات الصلة بالضمان عنصر المخاطرة، وهي التي تعني الإشراف على الهلاك، وخوف التلف، والمراهنة، حيث إن هذه المعاني تدور حول التردد والاحتمال بين وقوع الشيء وعدم وقوعه، أما في الاصطلاح فيطلق لفظ المخاطرة على هذه المعاني اللغوية، وفي ذلك قال ابن تيمية - رحمه الله: «الخطر خطران: خطر التجارة، وهو أن يشتري السلعة يقصد أن يبيعها بربح ويتوكل على الله في ذلك».

وهذا - برأي ابن تيمية - لا بد منه للتجار، والتاجر يتوكل على الله، حيث يطلب منه أن يأتي من يشتري السلعة وأن يبيعها بربح، وإن كان قد يخسر أحيانا، فالتجارة لا تكون إلا كذلك، أما الخطر الثاني، الميسر الذي يتضمن أكل مال الناس بالباطل، بنص القرآن والسنة.

ولا يطلق الخطر على الأمر المحذور إلا قبل وقوعه، فإذا وقع لم يسم خطرا، إذ إن الخطر مفهوم احتمالي، وهو ناتج عن جهل الإنسان وقصور علمه بحقائق الواقع، وإلا فإن الخسارة إما أن توجد أو لا توجد، ولا واسطة بين الأمرين، فالخطر مفهوم مجرد لا يوجد إلا في الأذهان ولا يمكن أن يوجد في الأعيان، وهو ينافي ما يوجد في الخارج ابتداء، لأنه إذا تعين أحد الاحتمالات انتفى الباقي بالضرورة وزال من ثم مفهوم الخطر.

والعلاقة بين المخاطرة والضمان وفق الدراسة، أن المخاطرة جزء من تبعة الهلاك التي يتحملها الضامن، وذلك أن الضمان يشمل تحمل مخاطر الملكية وهي احتمال وقوع الهلاك والخسارة بالمال أثناء حيازته له، كما يشمل تحمل آثار الهلاك والخسارة بعد وقوعها وهذا القدر لا يسمى مخاطرة، فيكون تحمل المخاطرة جزءا من الضمان.

ودلفت الدراسة إلى مصطلح ذي صلة بذلك وهو مصطلح «الغرم»، حيث يطلق في اصطلاح الفقهاء لفظ الغرم على هذين المعنيين اللغويين، مبينة أن العلاقة بين الغرم والضمان يتلخص في أن الضمان هو تحمل الغرم.

وضمت الدراسة إلى ذلك مصطلح «الالتزام»، بمعنى ألزمته المال والعمل فالتزمه، وعرفته بأنه إلزام الشخص نفسه ما لم يكن لازما، أو واجبا عليه من قبل، مبينة أن العهد من أنواع الالتزام، والذي يعني أيضا الإثبات والإدامة، فالإلزام سبب الالتزام، سواء أكان ذلك بإلزام الشخص نفسه شيئا أم بإلزام الشارع له، واللزوم أي الثبوت والدوام، فاللزوم يصدق على ما يترتب على الالتزام.

والحق اصطلاحا وفق الدراسة، هو موضوع الالتزام وما يقابله، أي ما يلتزم به الإنسان تجاه الله أو تجاه الناس، حيث يكون الالتزام محله أمرا مشروعا أو محظورا، مبينة التزام البائع بتسليم المبيع للمشتري، والتزام المستعير والمستأجر بعدم التعدي في استعمال العين المعارة والمؤجرة، والتزام الزوج ألا يتزوج على زوجته أو ألا يخرجها من بلدها بموجب الشرط في عقد النكاح، كل ذلك من قبيل الالتزام بأمر مشروع.

أما التزام المقترض بزيادة غير شرعية، والتزام المحلل في نكاح التحليل للزوجة أو لزوجها الأول بطلاقها، فهذا يعد من قبيل الالتزام بأمر محظور، موضحة أن الالتزام مرادف للضمان بمعناه الأعم وهو شغل الذمة بما يجب الوفاء به، سواء أكان التزاما بالمال أم بالنفس، وسواء أكان بعقد أم من دون عقد، وسواء أكان بالتزام من المكلف أم بإلزام من الشارع.

أما التحوط وفق الدراسة، فمصطلح يستخدمه الفقهاء في الأسواق المالية المعاصرة بمعنى تجنب المخاطر قدر الإمكان، ويتم ذلك من خلال جملة من العقود المسماة عقود التحوط، مبينة أن التحوط ليس ضمانا بالمعنى الخاص ولا العام، وإنما يكون ببذل الوسع في تجنب المخاطر، والوقاية منها.

وأما الصكوك في الاصطلاح وفق الدراسة، فجاء منها تعريف صكوك الاستثمار اصطلاحا في معايير هيئة المحاسبة بأنها وثائق متساوية القيمة تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص، وذلك بعد تحصيل قيمة الصكوك وقفل باب الاكتتاب وبدء استخدامها في ما أصدرت من أجله.

وعرف مجلس الخدمات المالية الإسلامية الصكوك بأنها شهادات يمثل كل صك منها حق ملكية لنسبة مئوية شائعة في موجودات عينية، أو مجموعة مختلفة من الموجودات العينية وغيرها، وقد تكون الموجودات في مشروع محدد أو نشاط استثماري معين، ويشترط أن يكون المشروع أو النشاط متفقا مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وجاء تعريف مجمع الفقه الإسلامي، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي للتصكيك والتوريق، بأن التوريق التقليدي هو تحويل الديون إلى أوراق مالية «سندات» متساوية القيمة قابلة للتداول، مبينا أن هذه السندات تمثل دينا بفائدة لحاملها في ذمة مصدرها، ولا يجوز إصدار هذه السندات ولا تداولها شرعا.

أما التصكيك، أي التوريق الإسلامي، فهو إصدار وثائق أو شهادات مالية متساوية القيمة تمثل حصصا شائعة في ملكية موجودات «أعيان أو منافع أو حقوق أو خليط من الأعيان والمنافع والنقود والديون» قائمة فعلا أو سيتم إنشاؤها من حصيلة الاكتتاب، وتصدر وفق عقد شرعي وتأخذ أحكامه، مشيرا إلى أن الصكوك أوراق مالية محددة المدة، تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص، تصدر وفق عقد شرعي تأخذ أحكامه.

واستعرضت الدراسة أنواع الضمانات في الصكوك الإسلامية وأحكامها الفقهية، من حيث الالتزام بضمان القيمة الاسمية للصك، باعتبار التزام المصدر أو مدير موجودات الصكوك بضمان رأس مال حملة الصكوك، أو الالتزام بشراء أصول صكوك المضاربة أو المشاركة أو الوكالة بالاستثمار بالقيمة الاسمية، من أولى الطرق والوسائل التي اشتملت عليها بعض إصدارات الصكوك، مشيرة إلى أنه صدرت بتحريمها جملة من القرارات والفتاوى المجمعية.

ونصت القرارات على أن مدير الصكوك أمين لا يضمن قيمة الصك إلا بالتعدي أو التقصير أو مخالفة شروط المضاربة أو المشاركة أو الوكالة في الاستثمار، وفيه لا يجوز إطفاء الصكوك بقيمتها الاسمية، بل يكون الإطفاء بقيمتها السوقية أو بالقيمة التي يتفق عليها عند الإطفاء.

كذلك، فقد نص المعيار السابع عشر من معيايير صكوك الاستثمار، الصادرة عن المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، على ألا تشتمل النشرة على أي نص يضمن به مصدر الصك لمالكه قيمة الصك الاسمية في غير حالات التعدي أو التقصير، ولا قدرا معينا من الربح.

وهذا ما أكده بيان المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة الصادر في البحرين والذي جاء فيه «لا يجوز للمضارب أو الشريك أو وكيل الاستثمار أن يتعهد بشراء الأصول من حملة الصكوك أو ممن يمثلهم بقيمتها الاسمية عند إطفاء الصكوك في نهاية مدتها».

وعلى ذلك، فلا يجوز ضمان مصدر الصكوك قيمة الصك (رأس المال) ولا مقدارا محددا من الأرباح، سواء أكان ذلك بصيغة الالتزام أو التعهد أو الوعد الملزم، وكذلك فلا يجوز التزام المصدر أو تعهده أو وعده وعدا ملزما بشراء أصل الصكوك (أو ما تمثله الصكوك) بالقيمة الاسمية للصك عند إطفاء الصكوك، أو إنهائها قبل حلول أجل إطفائها لأي من الظروف الطارئة.

وقد انعقد الإجماع على أن يد المضارب يد أمانة لا تضمن إلا بالتعدي والتفريط، بل وذهب جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية، والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز اشتراط تضمين المضارب في حال عدم تعديه أو تفريطه، وحكموا بفساد هذا الشرط، لأن اشتراط ضمان رأس المال على المضارب يقلب العقد من مضاربة إلى قرض.

كما أنه يحول المضارب من كونه وكيلا أمينا إلى كونه مقترضا ضامنا، فتؤول المضاربة بذلك إلى قرض جر نفعا. بل إن بعض أهل العلم نفى وجود خلاف في بطلان اشتراط ضمان المضارب، ومن ذلك قول ابن قدامة - رحمه الله: «متى شرط على المضارب ضمان المال، أو سهم من الوضيعة فالشرط باطل. لا نعلم فيه خلافا».

وقد أثيرت في معاملات المصرفية الإسلامية مسألة تضمين يد الأمانة بالشرط، والمتقرر لدى الفقهاء أن الأساس الفقهي يمنع الضمان إلا بالتعدي أو التفريط، لكن بعض الباحثين لحظ اختلاف الفقهاء في عدد من المسائل في موضوع ضمان الأمين وانتهى إلى القول بإمكانية تضمين البنوك الإسلامية، بناء على جواز اشتراط الضمان في عقود الأمانة.

ومن أبرز الأدلة لهذا الرأي والمناقشات الواردة عليه، أنه لم يثبت في شيء من نصوص الكتاب والسنة ما يدل على أن يد الأمانة لا يجوز تضمينها بالشرط، كما أن الأصل في الشروط المقترنة بالعقد الجواز والصحة، ووجه الدلالة أن العارية في الأصل غير مضمونة إلا بالتعدي أو التفريط، لأنها عقد أمانة، لكن التزام النبي صلى الله عليه وسلم بضمانها دليل على جواز اشتراط ضمان ما ليس مضمونا في الأصل.

ولكن جاء في المناقشة أن هذا القياس لا يصح، لأنه قياس مع الفارق، ذلك أن المضارب أطلق له التصرف في رأس المال على وجه لا يختص هو بمنفعته بخلاف العارية، فكان الدليل الثالث لجواز تطوع الأمين بالتزام الضمان بعد تمام العقد في المشهور عند المالكية، وعليه، فإذا صح التزامه بعد العقد فإنه يصح التزامه به في العقد.

وخلصت المناقشة إلى أن هناك فرقا بين الصورتين بحيث لا يمكن القياس والتخريج، وذلك أن مسألة إجازة تطوع الأمين بعد العقد من باب التبرعات، بخلاف اشتراط الضمان على المضارب عند التعاقد فهو من باب المعاوضة والشروط التي تخالف مقتضى العقد، وإلى غير ذلك من الأدلة التي لم تسلم من المناقشة والتي لا تصلح مستندا للقول بجواز اشتراط الضمان على جهة إصدارك الصكوك لما فيها من مخالفة تؤدي إلى الوقوع في المحاذير الشرعية.