خبراء مصرفيون: توجه شراء «بيت التمويل الخليجي» لنادي ليدز يونايتد يخالف منهجية مراعاة مقاصد الشريعة للاستثمار

صفقة الاستثمار في الأندية الرياضية الأوروبية تثير جدلا كبيرا بشكل مغاير

عبد الله الفوزان رئيس مجلس إدارة «المستثمر للأوراق المالية» في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

أثار اتجاه بيت التمويل الخليجي، الذي يتخذ من البحرين مقرا له، نحو ترتيبه لعقد صفقة تجارية كبرى، وذلك بتوجهه لشراء نادي ليدز يوناتيد الرياضي الشهير، جدلا واسعا في أوساط خبراء الصيرفة الإسلامية والتمويل وعدد من الشرعيين، خاصة بعد أن نشرته وسائل الإعلام الكويتية وموقع البورصة الكويتية التي يندرج فيها.

ومع تأمين الخبراء على أن الاستثمار في الرياضة بطريقة مقننة لا ضير فيها، خاصة إذا جاء ضمن المسؤولية الاجتماعية في تطوير الرياضة في البلاد العربية الإسلامية، فإنهم اعتبروا اتجاه البنك للاستثمار في الرياضة بهذه الطريقة انحرافا صريحا لبنك معروف عن مساره الصحيح.

وطالب الخبراء الهيئة الشرعية للبنك بضرورة نشر وكشف المسوغات والمبررات التي جعلت البنك يفكر في الاستثمار بهذه الطريقة، كبنك عربي وخليجي وإسلامي، مبينين أنه كان الأجدى به أن يستثمر أمواله بطريقة لا تستفز مشاعر المسلمين على امتداد وجودهم.

واستغرب الخبراء هذا التوجه باعتباره لا يخرج عن كونه بحثا عن الشهرة، مبينين أن دول الخليج نفسها في حاجة إلى الاستثمار الأجنبي فيها، ناهيك ببنوك، مشيرين إلى أن هناك بلادا أولى باستثماراته وحاجتها له، مثل اليمن الذي يتضور جوعا، وتونس ومصر، وغيرها من البلاد العربية والإسلامية.

ومن جانبه أوضح ناصر الزيادات الباحث في التمويل المصرفي والمحاضر بجامعة درم البريطانية، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنه لا ينظر لموضوع إقدام بيت التمويل الخليجي على شراء ناد أوروبي من باب الحلال والحرام فقط، بقدر ما يرى أن هذا التوجه هو خروج عن المسار الصحيح لاستثمارات البنوك والمؤسسات المالية، خليجية كانت أو عربية أو إسلامية، بشكل فيه استفزاز لمشاعر المسلمين الذين هم في حاجتهم لاستثماراته أكثر من حاجة أوروبا أو الرياضة الأوروبية لها.

وقال: «أرى أن هذه الصفقة أتت في غير توقيتها، كما أنها لا تخدم مصلحة الأمة الإسلامية، حيث أبرزت لدي الكثير من التساؤلات، التي أطرحها على طاولة الهيئة الشرعية للبنك بحكم خبرتي المعيشية في بريطانيا»، مشيرا إلى أن هناك دولا في أمس الحاجة للاستثمار فيها، مثل مصر وتونس واليمن الذي يتضور جوعا، ناهيك بالدول الإسلامية الأخرى، في الوقت الذي تبرز فيه حاجة البلاد الخليجية، بما فيها البحرين وسلطنة عمان والسعودية، لمثل هذه الاستثمارات، بحكم شهية السوق التي تتلقف أي استثمارات أجنبية، ناهيك بوطنية.

وأضاف الزيادات أن النوادي الرياضية في أوروبا، تمتلك استادا رياضيا واحدا على الأقل، مبينا أنه في العادة يكون مرفقا به مجموعة من العقارات الخدماتية، التي تقدم خدمات تتعارض مع الشريعة الإسلامية بشكل واضح، مثل خدمات البارات وبيع الخمور، بجانب أن بها مسابح مختلطة ونوادي مختلطة، مؤكدا أن تفسيره لهذا الاستثمار أنه ليس فقط شذوذا عن القاعدة، وإنما استثمار ترفي يسعى لحصد شهرة المشاهير.

وطالب الهيئة الشرعية لبيت التمويل الخليجي بضرورة الكشف عن مسوغات ومبررات موضوعية هذا التوجه، بتصريح تبين فيه وجه الموضوعية والمعالجة والمبررات الشرعية التي تفسر دقة وصحة مثل هذه الاستثمارات شرعيا، مشيرا إلى أن الدال على الخير كفاعله، والدال على الشر كفاعله أيضا، وإن كان لا بد مما ليس منه بد، فلماذا لا يتم الاستثمار في الرياضة في البلاد العربية والإسلامية لتطويرها؟

وردا على من يقول إن الاستثمارات في الأندية الرياضية تزيد من قوة العرب الناعمة في أوروبا، قال إن هذا النوع من استثمارات العرب في مثل هذه المجالات بتلك البلاد، ما هو إلا «فشخرة» لا تستند إلى أي دراسة منطقية، ولا تنم عن أي خطط استراتيجية لزيادة القوة الناعمة العربية، مشيرا إلى أن المستثمرين الأوروبيين يهزأون بمثل هذه الاستثمارات، ويعتبرون أنها تدخل في سلة «مغفل نافع».

واتفق الخبير الشرعي والمصرفي الدكتور عبد الباري مشعل مدير عام «شركة رقابة البريطانية للدراسات والاستشارات الشرعية»، في كل ما ذهب إليه الزيادات في تقييمه لهذا المسلك، مبينا أن توجه بيت التمويل الخليجي وغيره من البنوك والشركات للاستثمار في هذا النوع، تحكمه أمور عدة، منها تحكيم الحلال والحرام.

وقال: «لا بد من تمحيص هذا النوع من الاستثمار، للتأكد من مدى خلوه من المحظورات الشرعية، من حيث نوعه وما يترتب عليه من حيث ممارسته، من خلال المشاركة في النشاطات الرياضية المعروفة، إذ لا بد من الاقتناع بأن جميع ما يتصل بهذا الاستثمار من أمور تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية»، مهيبا بأن تكون الهيئة الشرعية لهذا البيت ليست غافلة عن الدراسة الشرعية التفصيلية لهذا الاستثمار.

كذلك من الأمور التي تحكم هذا الاستثمار، وفق مشعل، مسألة الربحية التجارية والربحية الاجتماعية، التي تعني مراعاة مصالح المجتمع، مبينا أن الأصل أن القطاع الخاص، بما فيه البنوك وشركات الاستثمار الإسلامية الخاصة، يسعى لتحقيق الربح الحلال لمساهميه، بل من واجبه تحقيق مصالح المجتمع على حساب الربح التجاري من الاستثمار.

واستدرك مشعل بأنه عندما تتساوى الربحية التجارية بين مشروعين، فالرشد والعقلانية الاقتصادية، كما يرى، يدفع باتجاه اختيار المشروع الأكثر نفعا للمجتمع المسلم، ما دام لا يضر بمصلحة المساهمين، مشيرا إلى أنه عندما تتجه إدارة تلك المؤسسات إلى إهمال هذا المعنى، فهذا يدل على ضحالة الرؤية الشرعية لها.

وزاد بأن مقاصد الشريعة الإسلامية، تفرض النظرة إلى مراعاة المشروعات التي تلبي الضروريات للمجتمع، ومن ثم حاجياته، ثم كمالياته، وبالتالي فإن اتجاه الاستثمارات إلى الكماليات يؤدي بالضرورة إلى التضحية بالحاجيات، أو إلى الحاجيات مع التضحية بالضروريات على نحو متعارض، بمعنى أنه يلزم من إقامة مشروع الكماليات الإضرار بالحاجيات أو الضروريات، وكذلك الأمر بالنسبة للحاجيات، مشيرا إلى أن هذا يخالف منهجية مراعاة مقاصد الشريعة للاستثمار.

وأهاب مشعل بأن تكون الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية بالوعي الكافي لمراعاة كل ذلك، مبينا أن الأصل أن الاستثمار في الرياضة حلال، ولكن قد يدخله الحرام من حيث ما يصاحب هذا الاستثمار من أمور أصبحت ضرورية في الوقت الحاضر، مثل المسابقات التي تجرى واجتماعاتها، وما يرتبه من محاذير غير ذلك.