مدير بنك الادخار السوداني لـ «الشرق الأوسط»: نركز على التمويل الأصغر لتخفيف آثار هيكلة الاقتصاد والسياسات الاقتصادية

السودان يطبق تجربة اندماج كيانات مصرفية لتلبية الطلب المتزايد على التمويل

مقر مصرف الادخار والتنمية الاجتماعية بمدينة ود مدني في السودان
TT

أدخل السودان أدبيات الادخار في معاملاته المصرفية منذ بداية السبعينات من القرن الماضي من منطلق إسلامي عقب تأميم المصارف التجارية في عام 1970، والتي كان الادخار فيها لا يتجاوز الـ5 في المائة، بينما 95 في المائة من المدخرات الفردية الاختيارية الحرة، لم تجد طريقها إلى المصارف.

وقال عمر حسب الرسول عبد الله، مدير القطاع الأوسط لمصرف الادخار والتنمية الاجتماعية بمدينة ود مدني السودانية، لـ«الشرق الأوسط»: «اهتم القائمون على أمر الاقتصاد السوداني بالمدخرات الحرة كعنصر أساسي في التنمية الاقتصادية، في وقت كانت فيه شركات التأمين وصندوق المعاشات، تمارس الادخار الإجباري، فتقدمت بتوصياتها، بموجب تأسيس وعاء مصرفي نوعي يكون همه الأكبر الادخار».

ومن جهة أخرى، أوضح عبد الله أن مصرف الادخار يطبق الشريعة الإسلامية، في كل معاملاته من قبول الودائع ومنح التمويل المصرفي، وأن كل معاملات المصرف تخضع للمراجعة والمراقبة الدائمة، من قبل هيئة الرقابة الشرعية الخاصة بالبنك.

ومن منتجات البنك الإسلامية، منتج التمويل بصيغة المرابحة لتمليك الأصول لعملاء التمويل الأصغر، ومنتج التمويل الأصغر عن طريق المقاولة للمشاريع التي تتطلب التشييد، كما يقوم البنك بتقديم منح التمويل عن طريق السلم لصغار المزارعين، بالإضافة إلى تقديم منح القرض الحسن لمنح التمويل متناهي الصغر وغير ذلك من المنتجات المصرفية الإسلامية.

فإلى تفاصيل الحوار:

*ما فكرة تأسيس بنك الادخار السوداني؟

- تم تأسيس بنك الادخار على مبدأ الفكر الإسلامي، حيث صدر مرسوم بتأسيسه وفقا لقانون بنك الادخار لعام 1973 المعدل في 1974، وبموجبه تم إسناد هذا الأمر للمرحوم منصور أحمد الشيخ ليكون المدير العام المؤسس لأول بنك للادخار في السودان وأفريقيا، حيث كان قد تم الافتتاح الرسمي في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 1974، ففي عام 1995 صدر قانون مصرف الادخار والذي بموجبه أصبح بنك الادخار السوداني مصرف الادخار والتنمية الاجتماعية.

*ما الأهداف التي أسس من أجلها بنك الادخار؟

- أسس البنك لتحقيق عدد من الأهداف، منها خلق ونشر وتنمية السلوكي الادخاري بين المواطنين على مختلف مستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بوسائل وأساليب متباينة لغرس السلوك الادخاري، حتى يصبح عادة أصيلة في حياتهم، وتجميع المدخرات الاختيارية الصغيرة منها والكبيرة في كل منطقة، وتوظيفها في مشاريع معينة في أماكن تجمعها لتعود بالنفع والفائدة الاقتصادية والاجتماعية على مواطني المنطقة، اعتمادا على الموارد الذاتية، وترسيخ مبدأ الاعتماد على النفس في قضية التنمية لتغذية شعور المواطن، بمسؤوليته نحو الوطن واستقراره، والوصول بالخدمات المصرفية إلى العملاء في مواقع تجمعهم العملية والسكنية، خاصة الذين لم يعتادوا على التعامل مع البنوك بحكم وجودهم الجغرافي ووعيهم الاقتصادي، تأكيدا لدور المواطنين البسطاء وإسهامهم في تحقيق التنمية المتوازنة بين الريف والحضر، بالإضافة إلى المساهمة في دعم مشاريع التنمية، على المستوى المحلي عن طريق التمويل للقطاعات الإنتاجية المختلفة، وخاصة المزارعين والعمال وقطاعات النقل والصناعات الحرفية والريفية والمشاريع الإنتاجية، التي تساعد على رفع المعاناة وذلك بالتعاون مع الحكومات الإقليمية.

*ليتك تحدثنا عن بنك الادخار من حيث الموجودات ورأس المال والأداء المالي والاستثماري؟

- بدأ البنك برأسمال مكتوم 113.4 ألف دولار (500000 جنيه سوداني) وظل الرأسمال في تطور مستمر، حيث ارتفع رأس المال ووصل 23 مليون دولار (100 مليون جنيه سوداني) في عام 2011، تحقيقا لنفس الأهداف السابقة مع الاهتمام المتزايد به من قبل الدولة واعتباره من الأذرع القوية التي تعتمد عليها الدولة في خططها الرامية نحو مكافحة الفقر بتقديم التمويل اللازم نحو القطاعات الإنتاجية والمنتجين والقادرين على الإنتاج، أما الأداء المالي والاستثماري للمصرف، فهو في تطور مستمر من ناحية تصاعد حجم الودائع المصرفية وتصاعد عدد المتعاملين مع المصرف وارتفاع حجم التمويل المصرفي، وكذلك الأرباح المحققة عاما بعد عام.

*برأيك إلى مدى وجد الادخار كمفهوم اقتصادي إسلامي الاهتمام في السودان؟

- المتتبع للمصارف والعمل المصرفي بالسودان منذ فترة ما بعد الاستقلال وحتى أوائل سبعينات القرن الماضي، يلاحظ أن الادخار لم يحظ بالاهتمام الكافي وما يتناسب مع أهميته في التنمية الاقتصادية بالبلاد، إذ إن الادخار يمارس بفروع المصارف التجارية، والتي أصلا لا تهتم بالادخار بحكم طبيعة عملها كمصارف تجارية أو أغلبها فروع لبنوك أجنبية حتى تأميمها في عام 1970، وقد تزامنت فترة تأميم المصارف السودانية باهتمام القائمين على أمر الاقتصاد السوداني بالمدخرات الحرة كعنصر أساسي في التنمية الاقتصادية، التي خطط لها في ذلك الوقت، وقد تم تكوين لجنة من بنك السودان المركزي بدراسة حجم المدخرات الحرة، التي لم تتخذ طريقها إلى الأوعية المصرفية، وقد تزامن مع عمل هذه اللجنة وجود لجنة أخرى إيطالية لدراسة نفس الغرض، حيث تطابقت وجهات النظر المقدمة من تلك اللجان، ومفادها أن المدخرات الفردية الاختيارية الحرة لم تجد طريقها إلى المصارف بنسبة 95 في المائة، بينما نسبة 5 في المائة هي ممارسة عن طريق البنوك التجارية، وأما شركات التأمين وصندوق المعاشات فهي تمارس الادخار الإجباري، والتي تقوم على خصم أقساط التأمين ومساهمة العاملين بالدولة لفوائد ما بعد الخدمة، وتقدمت بتوصياتها بموجب تأسيس وعاء مصرفي نوعي يكون همه الأكبر الادخار.

*ما مدى توافق المنتجات المصرفية في بنك الادخار مع الشريعة الإسلامية؟

- من المعلوم أن المعاملات المصرفية بالسودان تخضع للشريعة الإسلامية، لذا فإن مصرف الادخار يطبق الشريعة الإسلامية في كل معاملاته من قبول الودائع ومنح التمويل المصرفي، وللالتزام بفقه الشريعة الإسلامية فإن كل معاملات المصرف تخضع للمراجعة والمراقبة الدائمة، من قبل هيئة الرقابة الشرعية الخاصة بالبنك.

*ما أهم المنتجات المالية والمصرفية الإسلامية لبنك الادخار؟

- بطبيعة الحال فإن نوعية عمل المصرف وتقديمه خدماته لقطاعات عريضة ومتباينة من العملاء، تتطلب نوعا من المرونة في تقديم الخدمات والمنتجات المالية والمصرفية، ومن منتجات البنك الإسلامية، منتج التمويل بصيغة المرابحة لتمليك الأصول لعملاء التمويل الأصغر، ومنتج التمويل الأصغر عن طريق المقاولة للمشاريع التي تتطلب التشييد، كما يقوم البنك بتقديم منح التمويل عن طريق السلم لصغار المزارعين، بالإضافة إلى تقديم منح القرض الحسن لمنح التمويل متناهي الصغر وغير ذلك من المنتجات المصرفية الإسلامية.

*في ظل المتغيرات الاقتصادية والأزمات المالية.. كيف تنظر إلى سياسة الاندماج بين البنوك في السودان، وهل من تجربة ناجحة توضح ذلك؟

- سياسة الدمج هي طرح من قبل البنك المركزي، والطرح الآخر هو توفيق الأوضاع برفع رأس المال بالمصارف لحد معين، وفق فترة زمنية محددة من بنك السودان المركزي، وقصد بذلك خلق كيانات مصرفية قوية قادرة على تلبية الطلب المتزايد على التمويل، وأيضا لكي تستطيع المنافسة مع البنوك الأجنبية، التي أتيح لها العمل بالسودان، وهي بنوك ذات إمكانيات مالية كبيرة، وبالتالي فهي تجربة دون شك، تؤدي الغرض وتقوي من وضع المصارف المندمجة وقد تم ذلك بين بنك الخرطوم وبعض البنوك الأخرى.

*ما تقييمك لنشاط المصارف الإسلامية في السودان وأثر انفصال الجنوب السلبي والإيجابي على مجمل العمل المصرفي والرؤية لمعالجة الآثار؟

- بدأت المصارف عملها وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية في السودان في نهاية السبعينات من القرن الماضي، وفي عام 1983 بدأ التطبيق على كل المصارف في السودان، لذا فإن العمل المصرفي الإسلامي له جذور راسخة في السودان، أما الأثر السلبي عليه بعد انفصال جنوب السودان، فليس هناك أثر سلبي أو إيجابي على العمل بجنوب السودان، إذ إن العمل المصرفي بالجنوب بالنظام التقليدي، ولكن أثر انفصال الجنوب يأتي من ناحية ضعف نصيب السودان من عائدات النفط، فقد خسر السودان 75 في المائة من عائدات النفط جراء الانفصال، ما كان له الأثر على الجهاز المصرفي وعلى الاقتصاد الكلي للدولة، من ضعف العائدات وقلة موارد النقد الأجنبي، والذي بدوره أثر على توفير متطلبات التنمية المطلوب توفيرها من الخارج، ولمعالجة الآثار السابقة من الانفصال فقد اتخذت الدولة حزمة من التدابير التي من شأنها عمل موازنة تدريجية على المدى الطويل ومن التدابير تشجيع الصادرات الأخرى غير البترولية مثل التعدين، والعمل توسيع الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني إلى غير ذلك.

*برأيك ما التحديات التي ما زالت ماثلة في واجهة المصارف الإسلامية وما كيفية تجاوزها؟

- في اعتقادي أن أكبر التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية، هي مدى قدرتها على المحافظة على هويتها كبنوك تمنع التعامل في المنتجات غير المتوافقة مع الشريعة الإسلامية أخذا وعطاء، في ظل عدم وجود جهاز مصرفي إسلامي متكامل، حيث إن المصرف الإسلامي يخضع لقوانين البنوك المركزية، التي لا تفرق بين المصارف التقليدية والإسلامية من مراقبة عملياته المصرفية، مع ضعف الوعي المصرفي الإسلامي لدى المتعاملين مع المصارف الإسلامية، والحاجة لنوع من الكيفية لإدارة المخاطر ومشكلات السيولة، والمشكلات المتعلقة بتطبيق الصيغ الإسلامية، خاصة أن هناك ضعف التعاون بين المصارف والمصارف الإسلامية، كما أن مشكلات توزيع أرباح المال للمصارف ومشكلة خلط الودائع وغيرها تمثل هي الأخرى بعدا آخر من هذه التحديات، وبرأي فإن تجاوز كل هذه التحديات يتطلب نوعا منتقى من التعاون بين المصارف الإسلامية وبعضها، مع ضرورة المساهمة في إرساء ثقافة العمل المصرفي الإسلامي لدى جمهور المتعاملين، حتى يكونوا سندا لها.

*ما قراءتك لمستقبل المصارف الإسلامية في العالم في ظل هذه التحديات؟

- أستطيع القول إن مستقبلا مشرقا وزاهرا ينتظر المصارف الإسلامية على الرغم هذه التحديات، شريطة أن يكون هناك تعاون فيما بينها، خاصة أن الدلائل تشير إلى أن هناك حضورا مقدرا لأفرع لها بالدول الغربية، مع توجه كثير من الشركات العالمية إلى التعامل معها من انطلاق المشاركة في الخسارة إذا حدثت، حيث إن عدم تأثرها بشكل كبير بما حدث للمصارف التقليدية نتيجة للأزمة المالية العالمية، بفعل أنها تقوم بتمويل اقتصاد حقيقي وليس افتراضيا في شكل إقراض المال فقط، كالذي أدى إلى حدوث هذه الأزمة.

*هل هناك تقديرات بارتفاع حجم الموجودات المالية الإسلامية حاليا؟ وما مرد هذا الارتفاع؟

- بحسب التقديرات التي أطلقها بعض المهتمين بالمنتجات الإسلامية، فإن حجم الموجودات، يصل إلى ما يقدر بـ1.5 تريليون دولار خلال عام 2012، وأعزي هذا التصاعد إلى ارتفاع الطلب على الأصول التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية، بسبب ثبات المصارف الإسلامية أمام انعكاسات الأزمة المالية العالمية، إذ لم تتأثر تأثرا يشير إلى انهيارها، بالإضافة إلى دعم الأنشطة في العالم الإسلامي مثل الأسواق المالية الإسلامية.

*ما حجم القرض الذي يقدمه بنك الادخار مقارنة بحجم الطلب ونوع الصيغ؟

- مصرف الادخار كمصرف نوعي ورائد للتمويل الأصغر، تتفاوت فيه أحجام التمويل المتناهي الصغر إلى التمويل التجاري من جنيه إلى أكثر من مليار جنيه، وذلك حسب طبيعة المشروع الممول، حيث إن المحفظة التمويلية الخاصة بالبنك توزيعها يأتي على أساس 75 في المائة للتمويل الصغير والأصغر والتمويل ذي البعد الاجتماعي، و25 في المائة لتمويل الأنشطة الاستثمارية، كما يقوم المصرف بتقديم التمويل اللازم لهذه المشاريع، مستخدما كل الصيغ الإسلامية، مثل المرابحة والمشاركة والمضاربة والسلم والمقاولة.

*ما شروط الاستفادة من القروض البنكية للأفراد والمؤسسات؟

- كما أوضحت فإن بنك الادخار هو رائد التمويل الأصغر وأن 75 في المائة من محفظة التمويل موجهة نحو التمويل الأصغر لذلك وفق شروط ميسرة تؤمنها مسألة التمتع بنشاط اقتصادي، والاحتفاظ بحساب مع البنك وعدم التعثر بالجهاز المصرفي مع الأهلية القانونية، بالإضافة إلى ضرورة جدوى المشروع من كل النواحي الاقتصادية والفنية وغير ذلك، وأما التمويل الاستثماري الكبير فيخضع لمعايير تحليلية التي تخضع لها المشاريع الكبرى.

*هل تتعاطون أموالا إضافية من الزبائن الذين يتأخرون في تسديد التمويل؟ وما التعليق على من يدعي ذلك؟

- بنك الادخار يتعامل وفقا للشريعة الإسلامية ولا يتقاضى أي أموال على التأخير في السداد انطلاقا من مبدأ «وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة»، علما بأن مطل الغنى ظلم.

*ما الخطط والأهداف الاستراتيجية للبنك الحالية والمستقبلية وما نوع التحديات؟

- للمصرف أهداف عامة وأخرى تفصيلية، فأما الأهداف العامة تركز بالمقام لأول على التمويل الأصغر وذلك من خلال السعي لتحسين الوضع المعيشي لمختلف قطاعات المجتمع، للمساهمة في تخفيف آثار هيكلة الاقتصاد والسياسات الاقتصادية، على أن تكون متسقة مع الفوائد التأصيلية، التي ترمي للمحافظة على كرامة الإنسان في السودان بتقديم التمويل للشرائح القادرة على الإنتاج، كذلك توجيه موارد المجتمع نحو النشاطات التي تعمق مفهوم التنمية المستدامة في إطار الاقتصاد الكلى للدولة، وأما الأهداف التفصيلية فهي تركز على التعامل مع بسطاء المجتمع الذين لا يملكون ضمانات تؤهلهم للتعامل مع البنوك التجارية، بجانب تجميع المدخرات والموارد الفردية الاختيارية والحرة لجميع أفراد المجتمع، وهذه الطموحات دون شك تتطلب توسع البنك أفقيا ورأسيا، مما يستدعي الحاجة المستمرة لرفع رأس المال واستيعاب الكوادر المؤمنة برسالة المصرف وتدريبها على ذلك.