باحث يطالب ببلورة صيغة الوعد وتطويرها لتقديم حلول شرعية لقضايا التحوط والمبادلات

موسى: الوعد بديل كفؤ لإجراء عمليات التحوط بمباركة المجامع الفقهية والهيئات الشرعية

TT

أثار باحث مصرفي إشكالية معالجة المخاطر الناشئة عن تقلبات أسعار صرف العملات، وبخاصة في ما يتعلق بالمعاملات آجلة الدفع، مثل الاعتمادات المؤجلة، حيث يشتري العميل البضاعة من المورد بعملة أجنبية، ويعطي المورد للمشتري مهلة للسداد تصل إلى ثلاثة أشهر أو أكثر أو أقل، حيث خلال هذه المهلة قد يتغير سعر صرف العملة المستورد بها في مقابل العملة المحلية التي يبيع بها العميل بضاعته.

وقال الباحث المصرفي الدكتور موسى آدم: «هنا يظهر جوهر المشكلة، التي سعت المصارف التقليدية لإيجاد حلول لها، من خلال عقود الصرف الآجل والمستقبليات والخيارات وعقود المبادلات، في حين أن جميع هذه الأدوات في صورتها التقليدية عليها تحفظات شرعية لاشتمالها على مخالفات شرعية ظاهرة، منها الفائدة غير الشرعية والغرر والقمار».

وأوضح أن موضوع تغيرات أسعار الصرف أكثر تعقيدا من الحلول التي قدمها بعض الباحثين، ذلك أن رجال الأعمال في كثير من الأحيان تكون عليهم التزامات ثابتة تستوجب سدادها في آجالها المحددة، مثل أن يشتري أحدهم بضاعة ويلتزم بسداد ثمنها بعملة أخرى لا يدري كم سيكون سعر صرفها يوم السداد.

وتابع عيسى: «أو أن يدخل في عقد يتجدد كل ثلاثة أشهر، ويكون مشروطا فيه هامش ربح، يتجدد عند كل تجديد، فلا يكون السعر معروفا له عند وقت التعاقد، الأمر الذي سيدخله في مخاطرة تنشأ من عدم معرفته للتكلفة عند كل تجديد للعقد، وما إذا كان سيدفع أكثر أو أقل من السعر الثابت الذي حدده لنفسه».

وهي حالة - وفق عيسى - معقدة تتطلب صيغة مركبة للتحوط، مبينا أن الوعد أصبح اليوم عماد منتجات الخزينة، فهو بديل كفؤ لإجراء عمليات التحوط، حيث يقدم بدائل مشروعة لمصارفة العملات، ولشراء البضائع والأسهم، لافتا إلى أنه من خصائص الوعد بالمصارفة أنه يكون محددا بمدة معينة، ويجوز لأحد طرفيه طلب الوفاء في أي وقت خلال تلك المدة المحددة، مشيرا إلى أنه في حال الإخلال يلزم الواعد التعويض عن الضرر الفعلي.

وأضاف عيسى: «أجازت المجامع الفقهية والهيئات الشرعية العمل بالوعد، وميزت بينه وبين المواعدة التي تؤول إلى العقد، من حيث مقتضى كل منهما، وبالتالي لا يستقيم في نظري ما ذهب إليه بعض الباحثين من أن الوعد بالصرف يكون كالصرف الآجل، فالوعد لا يعتبر عقدا ولا إجارة ولا مصارفة».

وزاد على أنه ليس بالضرورة أن يترتب عن كل عملية تحوط قيمة مضافة، لأن درء المخاطر والتحكم فيها في حد ذاته، برأيه، له قيمة مضافة تفوق في بعض الأحيان القيمة المضافة الناشئة عن إنشاء مرابحة جديدة بغرض التحوط، لأن مخاطر الصرف، برأيه، قد تؤدي إلى كوارث عظيمة تضر بالأفراد والمجتمعات.

وأخذ عيسى على فكرة معالجة مخاطر الصرف عن طريق التحوط التعاوني أنها تحتاج إلى إعادة تحوط مع طرف ثالث قياسا على إعادة التأمين، فإن لم توجد جهات تقدم التحوط الإسلامي فستكون النتيجة تقديم نصف الحل، بينما النصف الآخر يظل برأيه على صورته التقليدية، مشيرا إلى أن بلورة صيغة الوعد وتطويرها ووضع ضوابط شرعية وقانونية لها من شأنه أن يقدم حلولا شرعية وعملية لقضايا التحوط والمبادلات، لا تتوفر في ما سواه من الحلول المطروحة حاليا.

وفي ما يتعلق بالبيع خلال المهلة المصرفية، أوضح عيسى أن المقصود بها المدة التي تمضي بين شراء عملة وتحويل البائع لها وبين قبض المشتري، مبينا أن لها قبضا حكميا يمكنه من قبضها والتصرف فيها، مبينا أن الفاصل الزمني بين شراء البنك للعملة والبيع على العميل يكاد يكون جزءا من الدقيقة، إذ يبيع البنك العملة مباشرة بعد شرائها، ويتم القبض بعد يومي عمل.

ولفت إلى أن التسعيرة في سوق الصرف تكون خالية من الزيادة فقط حينما يكون القبض بعد يومي عمل، حيث إن كل المعاملات ما بين البنوك مبنية على أساس أن القبض يكون بعد يومي عمل، وإذا أراد العميل القبض في نفس اليوم يتحتم على البنك اقتراض الكمية التي يرغب فيها العميل وبيعها عليه، ما دامت كل العمليات في السوق تتم على أساس القبض خلال يومي عمل.

كما أن البنك عليه أن يستثمر العملة الواردة من العميل (عمله مشتراة) لمدة يومي عمل إلى أن تتحقق الصفقة ما بين البنوك خلال يومي عمل، لذا فإن السعر المقدم للعميل على أساس التسليم في نفس اليوم، يتحدد في ضوء العائد من استثمار المبلغ المتسلم من العميل لمدة يومين، مبينا أن تكلفة الاقتراض العملة المسلمة للعميل اقتراض يكون بفائدة غير إسلامية، وبالتالي فإن سعر الصرف الذي يكون خاليا من هذه المحاذير هو السعر الذي يكون على أساس القبض خلال يومي عمل فقط.

وبرر عيسى ذلك بأن البنوك لا تمتلك العملات التي يحتاج إليها العملاء، وإنما تقوم بإجراء ترتيبات شرائها وامتلاكها من الأسواق الدولية عند طلب العملاء ذلك، مبينا أن هذا الإجراء يجبر البنك على اتباع آلية الصرف الدولي، وهو أن يتم القبض بعد يومي عمل.

وخلص إلى أن تعديل آلية بيع البنك العملة بعد شرائها من السوق الدولية مباشرة وقبل قبضها من شأنه أن تترتب عليه تعديلات كبيرة في سوق الصرف، من حيث الأسعار ومن حيث المخاطر التي يجب على البنوك مجابهتها خلال مهلة اليومين.