رئيس تتارستان يدعو خبراء الاقتصاد الإسلامي لإنجاح قمة قازان الاقتصادية للعام المقبل

الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل تبحث إمكانية إطلاق نظام النافذتين في المصارف الروسية

إحدى فعاليات الهيئة العالمية للاقتصاد والتمويل بروسيا
TT

جدد الرئيس التتارستاني الدعوة إلى ضرورة اهتمام الحكومات بالاقتصاد الإسلامي وبالمصرفية الإسلامية، داعيا القائمين عليها في البلاد الإسلامية إلى العمل على إنجاح قمة قازان الاقتصادية للعام المقبل واقتراح مجموعة من المشاركين من ذوي الاهتمام والخبرة الاقتصادية، داعيا إلى ضرورة استمرار التواصل مع الجهات الرسمية في البلاد التي تقام بها أنشطة الهيئة، مؤكدا أن خصائص وفعالية التمويل الإسلامي في روسيا جذبت كل الروس على اختلاف مذاهبهم الدينية.

وأكد رستم مينيخانوف، رئيس تتارستان، أن النشاط الاقتصادي الإسلامي والمصرفية الإسلامية يلعبان دور الجسر الذي يربط روسيا ببقية العالم الإسلامي، مبينا أن النهوض بصناعة التمويل الإسلامي في روسيا يتطلب وضع سياسة للضرائب وعملية التنظيم المصرفي، وسن قانون خاص لجذب المستثمرين إلى روسيا.

وأخذت روسيا تخطو خطوات جادة نحو الاستعانة بقواعد الاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، غير أن هناك الكثير من الأسئلة التي تطرح نفسها في هذا التوجه الجديد، لبلاد لم تكن تؤمن في يوم من الأيام بمرجعية الاقتصاد الإسلامي من أساسه، فضلا عن الاقتصاد الإسلامي نفسه.

وفي هذا الإطار، نفذت الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل مؤخرا عدة برامج في روسيا، بهدف تعزيز التعاطي مع قواعد الاقتصاد الإسلامي ونشر ثقافة التمويل الإسلامي وتطبيقات المصرفية الإسلامية. وبحثت الهيئة واقع الاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي في روسيا، والوقوف على معوقاته والمجهودات المبذولة فيه، ودراسة تنفيذ مصارف تعمل بنوافذ إسلامية أو تستعين بها، بجانب النوافذ التقليدية.

وكان وفد من قيادات الهيئة قد أقام في موسكو وقازان دورة في مبادئ وأسس الاقتصاد الإسلامي، بجانب حلقات حوار ونقاش للمختصين عن الاقتصاد الإسلامي، كما وقفوا على واقع إدارة الاقتصاد الإسلامي في مجلس مفتي روسيا الذي تم إنشاؤه مؤخرا بموسكو.

ووقف الوفد الذي ضم كلا من الدكتور عبد الرحمن بن صالح الأطرم الأمين العام للهيئة، والدكتور خالد المهنا مدير مركز البحوث والمشاريع المكلف بالهيئة، على مشروع الأكل الحلال، بالإضافة إلى إقامة بعض دورات هيئة المحاسبة والمراجعة والإسلامية، وترجمة بعض المعايير المهمة للغة الروسية.

وأقيمت في هذا السياق دورة علمية تحت عنوان «الاقتصاد الإسلامي.. النظرية والتطبيق»، بجانب ندوة عن القواعد الضابطة لفقه المعاملات، مع استعراض الجهود المبذولة في الاقتصاد الإسلامي، بالإضافة إلى ورشة عمل للمتخصصين في الاقتصاد الإسلامي، وورشة نقاش للعاملين في المؤسسات الاقتصادية.

واستعرض الخبراء المشاركون معوقات العمل في الاقتصاد الإسلامي، مشددين على أهمية الحث على تفعيل دور المشاركين في بذل الجهد الذاتي للعمل على إزالة المعوقات عن إقامة الاقتصاد الإسلامي بالعلم أولا ثم التدرج التطبيقي والنظر في تجارب الآخرين.

وفي هذا السياق، قال الدكتور عبد الرحمن الأطرم «حاول الروس تفهم الاقتصاد الإسلامي، سواء كديانة أو كأحد أنجح الحلول للمشاكل الاقتصادية، لما له من ركائز علمية أثبتت نجاعتها وفعاليتها بعد التزامها بالمقاصد الشرعية»، مؤكدا أنه على الرغم من المعوقات النظامية والقانونية التي مرت بها بلدان متعددة فإنها استطاعت الآن أن تلحق بركب التقدم الاقتصادي.

وأضاف أن الاهتمام بالاقتصاد الإسلامي بدأ في روسيا، من خلال الجامعات الإسلامية التي تولت زمام المبادرة حاليا من خلال إنشاء مراكز أو إدارات الاقتصاد الإسلامي، حيث يلاحظ أن المكون الفقهي لم يؤثر كثيرا على معرفة مبادئ وأسس الاقتصاد الإسلامي نظرا لتقديرهم للهيئات العلمية في مجامع الفقه الإسلامي والهيئات الشرعية والمجالس العلمية التي سبقتهم بالفكر والتطبيق.

من ناحيته، قال الدكتور خالد المهنا «إن التدين الفطري والتمسك بالإسلام استمر رغم الحصار الديني إبان الاتحاد السوفياتي، مما يعطي دلالة على أن هذه البلاد بلاد خير وتقى، ومد يد العون العلمي لهم من الأمور التي تحقق أهداف الهيئة، فينبغي تفعيل التوصيات السابقة التي أشير لها بعد كل برنامج أعلاه ضمن برنامج الرحلة الرئيس».

ووفق المهنا فإن التعاون مع الجهات المعنية في روسيا في هذا المجال من أهداف الهيئة، مشددا على أهمية الحرص على هذا الموطن، لأنه برأيه موطن جديد ومحب لتطبيق مبادئ ومنتجات الاقتصاد الإسلامي، مشيدا بالتجاوب الذي أبداه كبار المسؤولين تجاه الدين الإسلامي واقتصادياته.

ونوه بأن هناك عديدا من الأئمة الروس يقومون بتطوير معرفتهم بفقه المعاملات للوقوف على طبيعة التمويل الإسلامي، مبينا أنه تم إنشاء جمعيات للتمويل الإسلامي الروسي المحترف، ومن أمثلتها الجمعية الروسية لخبراء التمويل الإسلامي التي تم تأسيسها في 2010.

وكانت جمهورية تتارستان قد شهدت ترجمة ونشر اثنين من المعايير الشرعية باللغة الروسية، وهما المتعلقان بالصكوك والمرابحة الصيغتين الأكثر شيوعا في المؤسسات المالية الإسلامية على مستوى العالم. ويتم العمل حاليا على ترجمة المعايير الأخرى مثل التكافل والإجارة والمضاربة، على أن يتم نشرها في وقت قريب، لكن بخطوات أقل تسارعا مما تسير عليه، جارتها كازاخستان، التي قدم رئيسها نور سلطان نزارباييف إسهامات سياسية حاسمة للنهوض بصناعة التمويل الإسلامي.

ومن هذا المنطلق برزت العديد من الأسئلة، التي تنتظر التعرف على دوافع اهتمام بعض البنوك وشركات الاستثمار الروسية الكبرى بالمنتجات والخدمات المصرفية بموجب أحكام الشريعة، مع قراءة مستقبل المصرفية الإسلامية في روسيا، وكيفية توظيفها في جذب الاستثمارات العربية الكبيرة من خلال استخدام عناصر الاقتصاد الإسلامي، لجعل المنظومة المالية الروسية في أفضل حالاتها.

وتثار مثل هذه الأسئلة حتى تنسجم الإجابات مع ما أفضت إليه أعمال المنتدى الدولي للمالية والاستثمارات الإسلامية الذي أقيم في موسكو مؤخرا، والذي ينظر إليه الخبراء في تلك البلاد على أنه ساحة استراتيجية منتظمة لإلقاء الضوء على المصرفية الإسلامية في روسيا، ودفعها إلى الأمام بشكل أو بآخر.

وكان لا بد من الاستفادة من خبرات المشاركين في هذا المنتدى، حيث شارك في فعالياته مندوبون من ثمانية عشر بلدا، ومن بعض الجمهوريات الإسلامية في روسيا مثل داغستان وتتارستان والشيشان، إذ بحث أبرز الخبراء الروس والأجانب وممثلو المؤسسات المالية وبنى المال والأعمال آفاق تطور التمويل الإسلامي في روسيا.

وأكد الخبراء أن حصة البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية في سوق المال العالمية تزداد باطراد، ومن المتوقع أن تتجاوز تريليونا وخمسمائة مليار دولار، بنهاية 2012، حيث أجمع المشاركون على أن تطوير الأموال الإسلامية ذو أهمية استراتيجية بالنسبة لروسيا، ما دامت البلدان تطمح إلى تبوؤ مكانة مركز مالي عالمي مرموق.

وكان الحدث الرئيسي في منتدى موسكو للمالية والاستثمارات الإسلامية هو توقيع اتفاقية تأسيس الصندوق الاستثماري الإسلامي الدولي للتمويل في روسيا وبلدان رابطة الدول المستقلة، حيث توظف أموال الصندوق للاستثمار في المؤسسات المالية الإسلامية، بما فيها البنوك وشركات التأمين التكافلي والإيجار، وكذلك الاستثمار في المؤسسات الإنتاجية المتوسطة والصغيرة.

ويترقب الروس ما ستسفر عنها الإمكانيات والفرص الكبرى، التي يوفرها النظام المالي الإسلامي للاقتصاد الروسي في ظل أزمة مالية قائمة في دول أوروبا، خاصة أنها لا تزال تعاني من آثار الهزات والتقلبات المالية العالمية، غير أن هناك فرصا جاذبة للاستثمار في روسيا وما جاورها من البلاد الشرقية.

ومع ذلك يعتقد القائمون على أمر الاقتصاد في دول شرق أوروبا ضرورة إدخال أصول وعناصر المصرفية الإسلامية ضمن القوانين المالية الروسية، حيث تحتاج لمزيد من التعريف والتبشير بها وبمميزاتها والتي من شأنها جعلها تكسب المزيد من الثقة لدى المسؤولين هناك، بما يطمئن الراغبين من المستثمرين العرب في ممارسة نشاطهم وفق القوانين الإسلامية.

إلى ذلك، أكدت مدينا كاليمولينا، نائب رئيس قسم العلاقات الدولية ورئيس مكتب البرنامج الاقتصادي بمجلس الإفتاء الروسي، أن موسكو تبدي رغبة أكيدة في الاستثمارات العربية التي تتوافق مع قواعد الشريعة الإسلامية، مؤكدة أن المستقبل يستشرف نموا متسارعا في صناعة المصرفية الإسلامية. وأضافت أن حجم فرص الاستثمار في التمويل الإسلامي في روسيا يفوق العرض، موضحة أن هذه كل الروس يستفيدون من التمويلات الإسلامية، لأنها تهتم بالاستثمار المسؤول اجتماعيا، على الرغم من أن حجم التعامل بتلك الصناعة بين المسلمين الروس لا يتجاوز 10 في المائة فقط من عدد المسلمين في روسيا.

وأكدت أن هناك عددا من كبريات المؤسسات الروسية مثل «لينوفا» و«سافينات» وبيت التمويل الإسلامي قطعت شوطا كبيرا في بدء مشاريع تمويل إسلامي جديدة، بجانب معهد ميربيس الذي انطلقت أعماله في 2009، والذي يعتبر أول مؤسسة تعليمية تقدم دورات في التمويل الإسلامي، بهدف تلبية الاهتمام الكبير لدى المهتمين بصناعة المصرفية الإسلامية.

ويعتبر الدين الإسلامي أحد أهم الأديان في الجمهوريات الروسية، خاصة الجمهوريات الشمالية الغربية مثل تتارستان وطاجيكستان والشيشان.

ويلاحظ أنه بعد أن خرجت روسيا من رحم الاتحاد السوفياتي بنظرته الاشتراكية التي أظهرت فشلا في التعامل مع حاجات ورغبات الناس والحياة الكريمة، مع ما في نفوسهم من كره للغرب وفكره، إضافة إلى الرغبة العارمة من المسلمين وغيرهم بالعناية بالاقتصاد الإسلامي.