دراسة حديثة توصي بالاستثمارات في المنشآت الحكومية بإجارة موصوفة بالذمة تنتهي بتملك الدولة

د. الأطرم: توطين الثروة ودعم أوعية التأمين يسدان احتياجات الدول التمويلية

د. عبد الرحمن بن صالح الأطرم الأمين العام للهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل
TT

أوصت دراسة صدرت حديثة بضرورة تطوير أداة مالية تفي باحتياجات إدارة السيولة وتعطي أنواعا من الاستثمارات، مثل تمويل المنشآت الحكومية بإجارة موصوفة بالذمة تنتهي بتملك الدولة، وتكون ذات عائد مجد اقتصاديا، كما تكون أداة محلية لتشجيع الاستثمار فيها.

كما أوصت بضرورة تفعيل التأمين التعاوني بالصيغ التي تؤدي إلى توطين الثروة ودعم أوعية التأمين، وسد احتياجات الدول التمويلية عند الحاجة، مشددة على ضرورة تطوير القطاع التعاوني، مع أهمية السعي الحثيث لتطوير صيغ أدوات المشاركة، سواء أكانت بصيغ صكوك أو بأدوات تمويل مجزية.

واقترحت الدراسة آليات لتنفيذ هذه التوصيات، بعد وضع برنامج عمل لتحقيقها بشكل مثمر ومجد، وذلك عن طريق إجراء دراسات وعقد ندوات وورش عمل متخصصة لدراسة الواقع ووضع التصورات الممكنة، بجانب تفعيل الشراكة مع عدد من الجهات البحثية والتمويلية والهيئات الداعمة، مثل البنك الإسلامي للتنمية، والهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، ومجلس الخدمات المالية الإسلامية.

وأقر الدكتور عبد الرحمن بن صالح الأطرم، الأمين العام للهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، في هذه الدراسة، بأنه على الرغم مما حققته الصناعة المالية الإسلامية على صعيد النمو الكبير في مختلف جوانبها المختلفة في العقود الثلاثة الماضية، فإن دراسة صدرت حديثا أكدت أن هناك العديد من العقبات والتحديات التي تواجه هذه الصناعة بشكل عام وفي روسيا على وجه الخصوص، حيث أبرزت الدراسة عددا منها، لا سيما الحاجة الماسة لتوفير الموارد البشرية المؤهلة واللازمة لتشغيل القطاع وتطويره، بالإضافة إلى ضرورة تطوير البيئة التنظيمية والمؤسسية الداعمة للصناعة، أي الحاجة لاعتماد جهات المعايير.

كذلك من التحديات التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية الحاجة العاجلة لتطوير وتنظيم القطاعات الرقابية والإشرافية، مع ضرورة تنويع المنتجات المالية لمقابلة حاجات المستفيدين (أفرادا ومؤسسات) على اختلاف شرائحهم، مشيرة إلى عدد من مجالات إسهام الاقتصاد والتمويل الإسلامي في دعم استقرار الاقتصاد العالمي، وذلك من خلال عدد من الإجراءات والتشريعات التي يتم تطبيقها في هذا الشأن.

ومن هذه التشريعات التي أسهمت في تعزيز معالجة الاقتصاد الإسلامي لبعض مشكلات الاقتصاد العالمي وبالتالي استقراره، الحد من التوسع في التمويل بالدين من خلال القروض غير الشرعية، وتقييد بيع الدين في الشريعة، ومنع المشتقات المالية كالخيارات والشراء بالهامش والبيع على المكشوف وتشجيع التمويل بالمشاركة، بالإضافة إلى الربط بين التمويل والاقتصاد الحقيقي.

كما أوضحت الدراسة أن الاقتصاد الحقيقي يتناول كل الموارد الحقيقية التي تشبع الحاجات بطريق مباشر مثل السلع الاستهلاكية، أو بطريق غير مباشر كالسلع الاستثمارية، موضحة أن القطاع المالي يهتم بجميع الأدوات والوسائل التي تسهل التعامل في الاقتصاد الحقيقي، مع ضرورة اعتماد ضبط الهندسة المالية، وذلك للحد من التوسع في الديون وبيعها وتداولها.

وكان الأطرم قد توجه بهذه الدراسة بهدف تفعيل عمل الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، في ما يتعلق بتعزيز نشر ثقافة التعاطي مع الاقتصاد الإسلامي في روسيا، لافتة القائمين على أمره في هذه البلاد إلى أن الاختلاف الرئيسي بين علم الاقتصاد السائد عالميا والاقتصاد الإسلامي يتمثل في نوع الضوابط التي يخضع لها من حيث تحصيل وتنمية وإنتاج واستثمار واستخدام الموارد وآلية تحديد جهة طبيعة الاكتساب.

واستعرضت الدراسة الضوابط الشرعية في مسألة التفرقة بين الحاجات والرغبات، بجانب تقسيم الحاجات إلى ضرورية، وحاجية، وتحسينية، وكمالية، مع حفظ المال كإحدى الضرورات الخمس التي تحفظها الشريعة، بجانب ضبط الإنفاق المشروع والممنوع مع الالتزام بقاعدة مستلزمات الإنفاق الشرعية.

ونوهت بأن أسس الاقتصاد الإسلامي تقوم على الأساس العقدي، حيث يكون الدافع إيمانيا وليس بدافع السلطة أو القانون فقط، مشددة على ضرورة تعزيز القيم الأخلاقية، التي تتمثل في العدل، والصدق، والإفصاح والشفافية، والمسؤولية الاجتماعية، والتعاون، والأمانة، والوفاء.

ولفت الدكتور عبد الرحمن الأطرم في هذه الدراسة التي جاءت تحت عنوان «الاقتصاد الإسلامي وأثره في تنمية واستقرار المجتمعات؟»، إلى أن أسس الاقتصاد الإسلامي تقوم على الملكية المقيدة بحالتيهما الخاصة والعامة، واللتين تعتمدان الإقرار بالملكية الخاصة، وهي الأصل، مع وجود ملكية الدولة لبعض المشاريع، شريطة ألا يترتب على تصرف الفرد في ملكه إلحاق الضرر بالآخرين، فضلا عن ضرورة التوازن بين المصالح العامة والخاصة.

ونبه الأطرم إلى الحرية الاقتصادية وتدخل الدولة، ذلك أن الأصل في الاقتصاد الإسلامي هو حرية الفرد في اتخاذ قراراته الاقتصادية، في حين أن هناك ضوابط عديدة لتقييد تصرفات الأفراد بما يمنع الضرر والغرر، مشيرا إلى أن الحكومة تتدخل لدرء التعارض بين المصالح الخاصة والعامة.

وحاول أيضا أن يستعرض قيمة الاقتصاد الإسلامي من حيث قيمتي السوق والمنافسة، مبينا أنه «تتمتع آلية السوق، التي تعني قوى العرض والطلب، بدور رئيسي في تخصيص الموارد وتوزيعها بين أفراد المجتمع، بجانب الاهتمام بوضع الأحكام والضوابط الشرعية التي تضمن للسوق تحقيق أهدافها، مثل توفير المعلومة الصحيحة واشتراط الرضا في العقود، بالإضافة إلى منع التصرفات الضارة بنزاهة السوق مثل الاحتكار، والغش، مع منع تدخل الحكومة المباشر في آلية السوق سواء عن طريق النهي عن التسعير أو غيره».

واستعرض عناصر الإنتاج وضوابطه في هذه الحالة، مبينا أن هناك ما يسمى بالضوابط الشرعية للإنتاج، كمنع إنتاج السلع والخدمات الضارة أو المحرمة، بجانب تعزيز ثقافة العمل، وإعمال رأس المال والموارد الطبيعية، رابطا ذلك بأهمية فهم طرق الإنفاق وضوابطه، مشيرا في ذلك إلى الضوابط الشرعية للإنفاق، كمنع استهلاك السلع والخدمات الضارة أو المحرمة، ومجالات إنفاق الدخل سواء استهلاكا أو استثمارا أو إنفاقا تطوعيا، مشددا على أهمية التوسط في الاستهلاك.

وشرح الأطرم نظم التوزيع على مختلف أوجهه، مشتملا على توزيع مصادر الثروة وتوزيع عوائد الإنتاج مع إعادة توزيع الدخل والثروة، مبينا أن الضابط في ذلك الالتزام بما تفضي به الآية الكريمة «كي لا يكون دولة بينكم».

كما حاول الأطرم من خلال هذه الدراسة أن يفسر مدى إقرار الاقتصاد الإسلامي للمشكلة الاقتصادية، ومدى تأثير القيم الإسلامية على المتغيرات الاقتصادية، وإذا ما كان هناك قطاع تطوعي في الاقتصاد الإسلامي أو قطاع تعاوني في الاقتصاد الإسلامي، مع محاولة معرفة موقف الإسلام من التسعير، مع طرح تفسيرات تعظيم قيمة الربح إن كانت هدفا مشروعا أم لا، فضلا عن كيفية تحقيق منهج الاعتدال في الإنفاق، وبحث أبرز أدوات التوزيع الإسلامية، للوصول في نهاية المطاف إلى الفرق بين الاقتصاد الرأسمالي والاقتصاد الإسلامي.

أما في ما يتعلق بالتمويل، فقد عرفته الدراسة بأنه يمثل أحد فروع علم الاقتصاد التي تركز على دراسة العلاقة بين مفاهيم الزمن والنقود والعائد والمخاطرة، مؤكدا أن الاختلاف الرئيسي بين التمويل التقليدي السائد عالميا والتمويل الإسلامي يتمثل في ضوابط المعاملات التي حددتها الشريعة الإسلامية، حيث تفرض هذه الضوابط قيودا صارمة على تداول الديون وبعض الحقوق المالية، مما يقيد بشكل كبير من فرص توريق الديون وتداولها في الأسواق المالية.

أما أسس التمويل الإسلامي فإنها، وفق الأمين العام للهيئة، تقوم على أن الأصل في المعاملات الإباحة، مع تحريم القرض بفائدة، أي الفائدة غير الشرعية، وكذلك تحريم الغرر، بالإضافة إلى تحريم الضرر، في الوقت الذي تتنوع فيه صيغ التمويل الإسلامي وتتعدد.

ومن أبرز صيغ التمويل الإسلامي صيغ التمويل بالدين، والتي من بينها البيع الآجل والذي يراد به تعجيل الثمن وتأجيل المثمن، بحيث تباع السلعة بسعر مؤجل أعلى من سعرها نقدا، ومن صيغها المرابحة، وهي بيع السلعة آجلا بسعر التكلفة مع ربح معلوم بالنسبة أو بمبلغ مقطوع. وأشارت الدراسة إلى أن هناك ما يعرف بصيغة المساومة، وهي بيع السلعة آجلا بما يتفق عليه الطرفان.

كذلك من صيغ التمويل بالدين السلم، وهو يعني بيع سلعة ذات مواصفات محددة تسلم في وقت محدد في المستقبل، بشرط تسليم الثمن من قبل المشتري في مجلس العقد، كما أن هناك صيغة الاستصناع التي تعني صنع سلعة بمواصفات محددة بناء على طلب المشتري، ويتم تسليمها له خلال فترة معينة وبالثمن المتفق عليه.

ووفق الدراسة فإنه تبرز أهمية أخرى تتعلق بصيغ التمويل بالإجارة، أي الإجارة التمويلية التي تكون مع الوعد بالتمليك أو دون تمليك، معرجة على صيغ التمويل بالمشاركة والتي عرفتها بأنها مشاركة بين طرفين على أساس تقاسم رأس المال والعائد في مشروع جديد أو قائم. وقد يتم ذلك على أساس المشاركة الدائمة أو المؤقتة، وكذلك صيغة المضاربة التي تعني عقد شركة في الربح بمال من جانب وعمل من جانب آخر، بالإضافة إلى صيغة المشاركة المتناقصة والتي هي مشاركة مؤقتة، لأن حصة أحد الشريكين في الشركة تتناقص مع مرور الوقت لصالح الشريك الآخر حتى يصبح المشروع مملوكا بالكامل لأحدهما.

كما أن الدراسة حاولت أن تجد إجابة لدى الروس عن تعريف واضح يحدد صيغ التمويل الأكفأ اقتصادا والأسلم شرعا، ومعرفة الفرق بين الربا والغرر، ومعرفة ما إذا كانت أسس التمويل الإسلامي تحد من الهندسة المالية أم لا، مع معرفة الفرق بين الربا والمرابحة، ومن ثم معرفة ما إذا كان بالإمكان تداول الديون أم لا.