خبراء: انتشار المصرفية الإسلامية بالأخطاء الحالية سيكون خطرا عليها

انطلاق فعاليات المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي الثامن في ماليزيا اليوم

TT

ينطلق اليوم الثلاثاء فعاليات المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي الثامن، تحت عنوان «تغيير الاتجاهات.. فرص جديدة»، في جهور باهور بماليزيا، ويستمر حتى السادس من ديسمبر (كانون الأول) الجاري.

ويناقش المنتدى، الذي يعد الأكبر من نوعه في مجال المصرفية الإسلامية، التطورات الاقتصادية المالية على مستوى على العالم، والتغيرات الديناميكية في مجال الأعمال التجارية التي يشهدها العالم حاليا بعد الربيع العربي وأزمة منطقة اليورو، التي فتحت المجال أمام فرص جديدة للأعمال التجارية في جميع أنحاء العالم.

وفي هذا السياق، أكد جون ساندويك خبير إدارة الثروات الإسلامية بجنيف بسويسرا لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا المنتدى يكتسب أهميته من أن الاقتصاد الإسلامي وتوابعه من المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي وما أشبههما، لفتت أنظار اقتصادات وماليات العالم الكبرى أجمع، خاصة بعد أن اكتوت بنار الأزمة المالية العالمية وغرقت منطقة اليورو في أزمة الديون السيادية وانعكاساتهما على مجمل الوضع الاقتصادي والمالي في تلك البلاد.

وأضاف أن انعقاد مثل هذا المنتدى في دولة مثل ماليزيا، وفي جهور باهور تحديدا، يكتسب أيضا أهمية إضافية، كونها تمثل المنطقة الاقتصادية الأسرع نموا في البلد، بالإضافة إلى أنها تعتبر أهم منطقة للأعمال التجارية في جنوب شرقي آسيا.

ونصح ساندويك مهندسي الإصلاحات الاقتصادية والتنموية في البلاد المتأزمة اقتصاديا وماليا، بضرورة الاستفادة من المزايا التي يوفرها النظام الاقتصادي والمالي الإسلامي، فيما يتعلق بطرح مبادرات جديدة وناجعة في مجال التعاون والتنمية الاقتصادية.

وشدد على اقتصادات العالم المتأذية من الأزمة المالية، أهمية تبني خارطة طريق تستعين بإيجابيات النظام المالي الإسلامي، حتى تستطيع أن تحمي اقتصاداتها من الانهيارات، وذلك من خلال القيام بنقل التجربة الإسلامية الأخلاقية فيما يتعلق بترسيخ القيم العادلة، وتنفيذ السياسات الاقتصادية السليمة بآلية ناجعة، بالإضافة إلى العمل على إعادة تأهيل وبناء المؤسسات القائمة من خلال هذه السياسات الاقتصادية الإسلامية.

ولفت ساندويك إلى أهمية البحث عن الحقائق التي تمكن من التدقيق والرقابة الشرعيين، مع ضرورة الانتباه إلى الأخطاء والانحرافات التي وقعت فيها بعض المؤسسات والمصارف الإسلامية، مبينا أن هناك حاجة لتعزيز عنصري الشفافية والمصداقية وإعادة صياغة السياسة المالية والاقتصادية لبعض المؤسسات التي تقوم على إصدار الكثير من المنتجات الإسلامية، وفق القوانين الإسلامية.

ويعتقد أن على مجلس الخدمات المالية الإسلامية وغرفة التجارة والصناعة الإسلامية والبنوك المركزية في البلاد الإسلامية، دورا ينتظرهم لتنظيف المنتجات الإسلامية مما علق بها من شوائب، مع ضرورة ابتكار سياسات مصرفية تلتزم بالتشريعات والإجراءات القانونية الإسلامية، مع أهمية العمل على توفير آليات تنفيذية ناجعة، تضمن سير وتنفيذ السياسات الاقتصادية والمالية الناجحة، مع تطويع وتحوير تلك السياسات بما يشابه ويماثل الطبيعة والقيم التي توفر قدرا من الرضاء لدى عملاء المصرفية الإسلامية داخل وخارج البلاد الإسلامية.

من جانبه أقر الخبير المالي البولندي الدكتور ججيوش كوودكو، بأن أنحاء كثيرة من مناطق العالم أخذت تنجذب نحو التجارب المالية الإسلامية والتمويل الإسلامي، مبينا أن الاقتصادات الإسلامية والمصرفية الإسلامية، وجدت قبولا وانتشارا واسعا، معزيا ذلك إلى أن الدين الإسلامي أشاع أهم قيمة في البناء الاقتصادي السليم، وهي قيم الصدق والأمانة والشفافية، مشيرا إلى أن ذلك أحد عوامل نجاح الاقتصاد الإسلامي.

وأبدى فتونا واضحا بالقيم التي يشيعها الدين الإسلامي في المجتمعات في الدول الإسلامية والعربية، والسعودية خاصة، كالصدق والشفافية، مشددا على ضرورة الاستفادة من هذه القيم التي وصفها بالسمحة، والتي تعكس الأثر الإيجابي للدين الإسلامي في التكوين المجتمعي فيها، والنهوض باقتصادها إلى أعلى ذروة يمكن الوصول لها.

غير أن كوودكو مع ذلك، يعتقد أن النظام المالي والمصرفي الإسلامي لا يخلو من بعض العيوب التي تحتاج إلى إصلاح، مبديا رفضه لفكرة أن نظام الاقتصاد الإسلامي في طريقه إلى إحكام سيطرته على اقتصادات العالم، بالرغم مما يظهر من مزايا وما يشهد من انتشار على نطاق واسع.

وزاد بأن القيم النبيلة والجميلة فقط لا تكفي لبناء اقتصاد قوي، ما لم تستكمل حلقتها البنائية مع الاتجاه نحو تشريع سياسات اقتصادية سليمة، في ظل تسهيل إطلاق مؤسسات قائمة على مقومات النجاح الحقيقية.

ولكن كوودكو عاد فقال: «أقول إنه توسع وبدأ ينتشر، لأن به بعض المميزات المرغوبة التي يفتقدها النظام المالي العالمي، غير أنه يقوم على الدين والعقيدة، وأنا شخصيا لا أومن بدور الدين في مثل هذه الأشياء بقدر ما أومن بما يسمى بالعلم وتطبيقاته ونظرياته، وأشجع حركة الإبداع والابتكار في كافة مناحي الحياة».

وأضاف أن «الدين الإسلامي يشيع أهم قيمة يحتاجها البناء الاقتصادي السليم وهي الصدق والشفافية»، مؤكدا على أهميتهما، مبينا أنهما أساس القيم والسياسات الاقتصادية وبناء المؤسسات القائمة عليها، معتبرا أنها تمثل رؤوس مثلث بناء أي اقتصاد قوي معافى في العالم.

أما الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن باعشن فقد أكد في تعليقه على رأيي كل من ساندويك وكوودكو، أن المصرفية الإسلامية بالفعل قطعت شوطا كبيرا وأخذت تتسع رقعة الاهتمام بها عالميا، غير أنه في الوقت نفسه، أبدى خشيته من هذا الانتشار العالمي الواسع للمصرفية الإسلامية، من المحتمل أن ينعكس سلبا على مستقبل المصرفية الإسلامية ما لم يتم تدارك الأخطاء التي وقعت فيها من قبل بعض المؤسسات المالية الإسلامية.

وأوضح أن الممارسات الخاطئة لبعض المؤسسات المعنية بصناعة المصرفية الإسلامية، بالإضافة إلى التحايل الذي تمارسه بعض البنوك التي أفرزت منتجات إسلامية «اسما» غير أنها تقليدية وتقوم على الفائدة غير الشرعية، ستساعد في نشر منتجات مشكوك في أمرها وغير متطابقة مع الشريعة، سيحاول المحسوبون على الدين الإسلامي استثمارها بهذا الشكل المعيب الذي وصلت به إليهم.

وزاد باعشن أن خشيته تقوم على استناد منطقي وعقلي، ذلك أن بعض الهيئات الشرعية لا تقوم بواجبها بشكلها السليم في ظل ضعف الأجهزة الرقابية التي تتابع تنفيذ وتصدير المنتجات الإسلامية، مشيرا إلى أن هناك عدم جدية كافية من حيث التفكير والعمل المبتكر، واستحداث أساليب إنتاج ومنتجات جديدة.

وشدد على أن مقومات المنافسة غير متوفرة بالشكل المطلوب، مبينا أنه لا يمكن التنافس من غير ابتكار، معتقدا أن ترديد المصارف الإسلامية والهيئات الشرعية والرقابية، وأرباب العمل وأساتذة الكليات، لكفاءة المنتجات الإسلامية، في الغالب غير منطبق على أرض الواقع، مشيرا إلى أن الاهتمام بالشعارات والتنظير من غير التمحيص والتدقيق، شجع الفهم الخاطئ بصرف الانتباه عن المتطلبات الحقيقية لتحقيق النجاح على مستوى صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي. ونوه باعشن إلى أن هناك قصورا كبيرا على مستوى الهندسة المالية الإسلامية وتقنية وتقنين المنتجات الإسلامية، في ظل عدم وجود جسم إسلامي واحد يصدر إجراءات معيارية ملزمة، مشيرا إلى أن مجلس الخدمات المالية الإسلامية والبنوك المركزية في البلاد الإسلامية، لم تستطع حتى الآن توحيد جهودها وإصدار سياسات اقتصادية ومالية إسلامية إنقاذية حكيمة بعيدة المدى، وكل ما يصدر حاليا من تشريعات هي جهد المقل والأفراد من الجهات، مشيرا إلى أن تظل مجرد سياسات لمعالجات مؤقتة سرعان ما تنكشف سيئاتها، لو لم تكن حاليا، ففي المستقبل القريب.