«غولدمان ساكس» يجمد برنامج صكوكه بسبب الانتقادات

بعد مرور الذكرى السنوية للإعلان الرسمي عن إصدار الملياري دولار

TT

عادت من جديد الانتقادات، التي أشعلها بعض المهتمين بصناعة المصرفية الإسلامية، بشأن عملاق الصيرفة الاستثمارية بـ«وول ستريت» بنك «غولدمان ساكس»، رغم نيته طي ملف برنامجه الذي كان قد وضعه، بهدف إصدار صكوك تقدر بملياري دولار.

ويأتي ذلك بعد مرور الذكرى السنوية الأولى، للإعلان الرسمي الخاص، بالتقدم للبورصة الآيرلندية في آخر يوم من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، بطلب الموافقة على تداول الصكوك في البورصة هناك.

وكان البنك الأميركي وفق مذكرة الاكتتاب، قد نوى إصدار صكوكه بالعملة السعودية والإماراتية، إلا أنه عدل عن ذلك قبل 6 أشهر، لتخرج تقارير تفيد بأن البنك ينوي إعادة النظر في هيكلة صكوك المرابحة المزعومة المثيرة للجدل.

وكانت الصناعة تنتظر في ذلك الوقت، أن يستهدف البنك السوق الماليزية، التي تقبل تداول الديون، مقارنة بمنطقة الخليج التي تحرم ذلك، وفقا لضوابط معينة.

وفي حديث ذي صلة، أوضح جون ساندويك الخبير الدولي في إدارة الثروات الإسلامية بسويسرا لـ«الشرق الأوسط»، أن الضبابية التي أحاطت بطبيعة الخطوة الأخيرة، التي كان لا بد لـ«غولدمان ساكس» اتخاذها، سواء بشكل إيجابي أو سلبي، ومن ثم الإفصاح عن تفاصيلها بكل شفافية ومسؤولية، لا تزال محل إثارة.

ولفت إلى أن خطوة تغييب الملف عن ساحة الإثارة، أثارت مرة أخرى رأي المهتمين بصناعة المصرفية الإسلامية، من خلال ظهور فريقين بين مؤيد ومعارض للخطوة التي تزمع بعض البنوك التقليدية الكبرى في أوروبا وأميركا اتخاذها حيال إصدار سندات إسلامية.

وأضاف أن هناك فريقا قطع رأيه بعدم السماح للبنوك الغربية التقليدية، بإصدار سندات إسلامية، بحجة أن القائمين على أمر هذه البنوك لا يتورعون عن استخدام أموال حملة الصكوك لدعم العمليات البنوكية التي لا تتوافق أصلا مع أصول الشريعة الإسلامية، في الوقت الذي برز فيه فريق آخر يعتقد بأهمية العمل على توسيع نشاط المالية الإسلامية في الغرب عموما، بما في ذلك أميركا وأوروبا، بأي صيغة من الصيغ المتاحة.

ويعتقد ساندويك أن لكلا الفريقين حججه التي تحتاج إلى تثبت علمي تطبيقي من خلال عمل دراسات تختص بهذا الشأن، حتى لا تبنى القرارات المهمة في مثل هذه المسائل المهمة على مجرد الانطباعات، وإن صاحبها شيء من الحق والمنطق، وذلك من أجل تأسيس بنى تحتية صلبة لصناعة ونشر المصرفية الإسلامية، بكيفية وضمانات وآليات فعالة، تسهل عملها وانتشارها، بدلا من أن تتسبب في عرقلتها، وتصبح هي الأخرى أبرز التحديات التي تواجهها في بلاد بها تتعرض إلى ظروف اقتصادية ومالية قاهرة، كان من الممكن استغلالها لصالحها في وجود عملاء من المسلمين، الذين يمثلون شريحة معتبرة من سكان تلك البلاد.

وبشكل عام يعتقد ساندويك أهمية إيجاد صيغة من التنسيق بين الجهات المعنية بصناعة المصرفية الإسلامية، سواء من خلال مجلس الخدمات المالية الإسلامية بماليزيا، أو هيئات المحاسبة والمراجعة، أو مجمع الفقه الإسلامي، وبين البنوك الغربية التي تزمع أو ترغب في التعاطي مع هيكلة صكوك إسلامية في بلاد من بلاد العالم، حتى تقنن التوسع في نشاط المالية الإسلامية في أوروبا وأميركا بشكل ينسجم مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

وفي هذا السياق ذكر محمد الخنيفر، المتخصص في هيكلة الصكوك وخبير المالية الإسلامية لمجموعة أدكوم أكاديمي المصرفية في أميركا، أن شيئا من ذلك لم يحدث، بعد مرور عام كامل على الإعلان الرسمي عن هذا الإصدار، لتبدأ بعد ذلك مسألة التحقيق في المسببات الحقيقية وراء ذلك، مشيرا إلى أن البداية أخذت تنطلق من خلال الدراسات الجامعية، التي أخذ يعدها بعض الطلاب والباحثين، حول شرعية وهيكلة هذه الصكوك.

وأضاف: «من الطبيعي ألا يستهدف البنك المنطقة الخليجية التي يجد فيها أكثر منتقديه، حيث أثارت مذكرة بحثية صدرت بهذا الشأن لهيب الانتقادات على البنك الأميركي قبل 11 شهر مضت، في الوقت الذي ظهرت فيه الفتوى المسربة من أحد البنوك الإسلامية التي تحرم بها شراء تلك الصكوك».

ونوه الخنيفر بأن الهيكلة المعقدة لصكوك «غولدمان ساكس»، بها عدد من العيوب، أهمها وأخطرها وجود ثلاث فجوات صريحة وواضحة، تجعل من هذه الصكوك مخالفة للشريعة، مبينا أنه جاءت فتوى مصرف أبوظبي الإسلامي، التي وقع عليها الشيخ محمد تقي عثماني، لتدعم ما توصل إليه في مذكرة بحثية أعدها خصيصا لهذا الموضوع.

ولفت إلى أنه بسبب هذا الجدل، أصبحت هناك ضبابية تحوم حول الصكوك الـبالغة قيمتها ملياري دولار، مشيرا إلى أنه من هذا المنطلق، بدأ الإعلام الغربي يشكك في نجاح الاكتتاب المزمع لهذه الأوراق المالية التي تأخرت لعام كامل.

من ناحيته، حمل المستشار الاقتصادي محمد الحمادي المصارف الإسلامية في المنطقة، المسؤولية عن الثغرات التي تحاول بعض البنوك الأجنبية العملاقة استغلالها، كما هو الحال في المحاولة التي فشل في تطبيقها «غولدمان ساكس»، قبل عام من الآن.

وأضاف أن مسألة إقدام «غولدمان ساكس» على طي ملف الصكوك التي كان يزمع طرحها في الخليج، لم تكن الشفافية فيها بحجم الإثارة التي اندلعت على أثره خلال الأشهر الماضية، متوقعا أن يعود إلى التعاطي مع انعكاسات الإثارة بشكل أكثر تمويها في ظل تراخي وتنصل الجهات المعنية عن دورها المنوط بها بشكل أكثر قوة وأكثر جدية.

كما حمل الحمادي الهيئات الشرعية لبعض الفقهاء المصرفيين، مسؤولية نتائج التردد في اتخاذ موقف أكثر حزما في مسألة إجازة بعض الفتاوى التي تصدر في مثل هذه الحالات من تحريمها بكل شجاعة وجرأة.

ونبه إلى ضرورة إيصال الرسالة الخاصة بإنجازات كبيرة حققتها صناعة المصرفية الإسلامية للبلاد الأجنبية بشكل يكسبها ثقة العملاء من كل الشرائح على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، حتى تتمكن من الحصول على أكبر حصة استثمار في موطنها الأصلي، وبالتالي يبعد شبح استغلالها من بنوك تقليدية مهما بلغ حجمها من العراقة.

ولفت الحمادي إلى أن البنوك التقليدية العملاقة مثل «غولدمان ساكس»، تشجعها حرفيتها العالية، خاصة فيما يتعلق بالجوانب ذات العلاقة بالهندسة المالية والتقنيات العالية المستوى، على تطويع القوانين الإسلامية في بعض جزئيات عملياتها ومنتجاتها المصرفية، حتى تبلغ درجة من التنافسية ضد المصارف الإسلامية بالشكل الذي يمكن أن يصنع نوعا من التردد لدى بعض العاملين في الهيئات الشرعية بالإضافة إلى عملائها.

وزاد بأن هذا النهج يمكن المصارف التقليدية العملاقة مثل «غولدمان ساكس»، من أن تعيد الكرة مرة أخرى وتدخل حلبة المنافسة، مستغلة التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية من جهة، وتلك التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية من جهة ثانية، فضلا عن التحديات التي تواجه القائمين على أمرها، سواء البنوك المركزية أو مجلس الخدمات المالية الإسلامية.

وكان قد كشف الخنيفر في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط» عن أن مذكرة الاكتتاب الخاصة بصكوك «غولدمان ساكس» بها ثغرات بالهيكلة العامة لها، منها أن هناك مؤشرات قوية بمذكرة الاكتتاب توضح أن الصكوك ليست «مرابحة» كما كانوا يدعون، بل هي «تورق عكسي»، علما بأن مجمع الفقه الإسلامي الدولي كان قد أصدر فتوى في عام 2009 بتحريم التورق المنظم والعكسي، معتبرا إياه مجرد حيلة لاستخدام المنتجات التقليدية.

وثمة ثغرة أخرى، وفق الخنيفر، حيث إن البنك الأميركي كان سيستخدم هيكلة معقدة بحيث ينتهي به المطاف لاستخدام أموال حملة الصكوك لتمويل عملياته غير المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، داعما رأيه بقوله إن معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية لا تجيز إجراء التورق للبنوك التقليدية في حالة تبين أن استخدام السيولة سيكون في الإقراض بفائدة وليس للدخول في عمليات مقبولة شرعا.

يشار إلى أنه كانت هناك شكوك حول كيفية تقديم البورصة الآيرلندية، ضمانات بأن هذه الأوراق المالية سيتم تداولها بالقيمة الاسمية، ذلك أنه عندما يكون هناك تداول، سيكون هناك ارتفاع وانخفاض في قيمة هذه الصكوك، وإذا تحقق ذلك فهذا يعني أن هناك تداولا للديون يتم بشكل لا يتفق مع قوانين الشريعة، وهنا تكمن ثغرة أخرى معيبة.