دراسة: علاج التورق المصرفي يكمن في المراجعة ومراقبة الإجراءات ومطابقتها للشريعة

عيسى الخلوفي يؤكد أن التورق يقدر بـنحو 60% من عمليات التمويل الإسلامية

الباحث د. عيسى محمد الخلوفي («الشرق الأوسط»)
TT

شددت دراسة صدرت حديثا بضرورة تصحيح التورق المصرفي، بإيجاد صيغ تمويل شرعية، في ظل الحاجة للتمويل النقدي، مقرة بقدرة المصرفية الإسلامية على كسب الكثير من العملاء بصيغة التورق المصرفي.

واقترحت الدراسة بعض معالجات مسار معاملات التورق في المصارف الإسلامية، من خلال تصحيح التورق المصرفي، منوهة بالفرق بين تصحيح صيغة التورق، وضعف الصيغة في تحقيقها للمقاصد الشرعية في المال.

ولفتت الدراسة التي أعدها الباحث الدكتور عيسى الخلوفي، إلى أبرز المشكلات الجوهرية في عقد التورق المصرفي، التي تتعلق بتركيبة هذه الصيغة، مبينة أنه عقد مركب من عدة أمور، مبنية على أقوال مختارة من كلام الفقهاء في كل مسألة حتى تستقيم المعاملة شرعا، ومن بينها الأقوال الضعيفة والمرجوحة، وهو ما يشعر ابتداء بضعف بنية وتركيب الصيغة من الجانب الفقهي.

ومن أهم أسباب ظهور الملاحظات الشرعية في عملية التورق المنظم وفق الدراسة عدم اختيار السلعة المناسبة للتورق، لصعوبة الحيازة والنقل، أو إعادة بيعها دون خبرة وفهم في السوق.

وعزت ذلك إلى اضطرار العميل للبحث عن وسطاء، وفتح باب الحيل، أو اللجوء للمصرف كوكيل، الأمر الذي يدفع بعض المصارف للجوء إلى السلع التي تتداول في البورصات العالمية، لأن التعامل معها أسهل على المصرف.

وأكدت الدراسة أن أحد حلول تصحيح صيغة التورق، يكمن في اختيار السلعة المناسبة للعميل، من خلال سهولة حيازتها وبيعها من قبل المشتري، على أن تكون على مأمن من حيث التلف، وغير مكلفة في النقل والتخزين، ما يسنح بفرصة مخرج من تبعات توكيل المصرف في الحيازة والبيع، وبالتالي الخروج من الثغرات الفقهية في القبض للسلعة وحيازتها.

وفي السلع اقترحت التورق بشراء الأسهم من البورصات، مؤكدة أن التورق الذي تقوم به بعض المصارف حاليا ويدور على بيع أسهم للعميل في سوق الأسهم، حسب اختياره من أسهم الشركات المدرجة في البورصة يعد من أفضل صور التورق.

وفسرت اقتصار بعض المصارف في عملية التورق على بيع الأسهم فقط، للخروج من الشبهات التي تعترض التعامل ببقية السلع، مبينة أن الأسهم يمكن حيازتها من قبل العميل بأن تنقل إلى محفظته المصرفية الخاصة بالأسهم، ثم يتصرف هو فيها بالبيع أو الإبقاء بكل سهولة، وهو بذلك خرج من الحاجة للمصرف في التوكيل بالبيع، أو عدم الحيازة الشرعية للسلعة المشتراة، وبالتالي يمكن أن يقاس على الأسهم أي سلعة تتوفر فيها هاتان الميزتان.

واستعرضت الدراسة الإجراءات الخاطئة في التنفيذ والتي تزيد من حجم الحيل الممنوعة في التورق المصرفي، مبينة أن إحدى مشكلات صحة المعاملات التي تجريها المصارف الإسلامية هي عدم صحة الإجراءات، وفهم الموظفين الذين يقومون عليها للجوانب الشرعية المتعلقة بها.

ومن الملاحظات في تنفيذ صيغة التورق وفق الدراسة، أن لا يجري البيع من المصرف للعميل، حتى يتحقق الشراء الأول من مالك السلعة للمصرف، مبينة أنه يقاس عليها جميع العقود في الصيغة، مؤكدة أن هذا ليس خطأ فرديا من الموظف، بل هو إجراء فيه تساهل بالجوانب الشرعية من بعض المصارف الإسلامية، مشيرة إلى أن هناك نموذجا واحدا يشمل العقدين ويوقع عليهما العميل في نفس الوقت.

ونوهت الدراسة إلى أن علاج ذلك يتم من خلال أمرين، أولهما المراجعة والمراقبة الدائمة لموضوع الإجراءات، ومدى مطابقتها للصيغة الشرعية التي اعتمدتها المعاملة من قبل الهيئات الشرعية، وثانيهما تثقيف وتدريب العاملين في المصارف الإسلامية، على الإجراءات الشرعية اللازمة لصحة المعاملات، بجانب الوعي بأهداف ومقاصد هذه المصارف الإسلامية.

وأوضحت أن قيام المصرف بكل المعاملات وكالة عن العميل لا يستقيم معها تورق صحيح، خصوصا قيام المصرف بالشراء وإعادة البيع نيابة عن العميل؛ حيث تكون بذلك الصيغة أقرب إلى الصورية.

وأكدت الدراسة أن التورق المصرفي يحتاج إلى مراعاة صحة العقود التي يتكون منها، والاعتناء بماهية العقد وليس فقط صورته، مشيرة إلى أن بعض الباحثين يرى تغيير اسمه من التورق المصرفي إلى «التمويل المصرفي المنظم» لأن ما يجري الآن لا علاقة له في الحقيقة بالتورق الفقهي.

واقترحت لتصحيح هذه الصيغة والخروج بها من شبهة الحيلة الممنوعة، أن يتملك المصرف السلعة ويقبضها أولا، أي التأكد من كون السلعة مملوكة للمصرف قبل بيعها للعميل، كما اقترحت الحيازة الصحيحة للسلعة من قبل العميل (المشتري) بعد الشراء من المصرف، وقبل إعادة بيعها من قبله.

ووفق الدراسة، لا بد من أن يقوم المشتري بالبيع بنفسه، أو عن طريق طرف آخر لا علاقة له بالمصرف، بهدف الخروج من شبهة التحيل على العينة، أي لا بد أن يخرج المصرف من مهمة إعادة بيع السلعة نيابة عن العميل المتورق، مشيرة إلى أنه من أهم المحذورات، توكيل العميل للمصرف في إنهاء العقود نيابة عنه.

وأضافت لما سبق أن لا يكون المشتري الثاني واجهة أخرى للبائع الأول (أي المصرف) أو وسيطا له للخروج من شبهة التواطؤ على التحيل، مؤكدة أنه بهذه الإجراءات يمكن الخروج من التحيل وشبهته، ويكون تورقا جائزا، ويصدق عليه أنه مخرج شرعي للحصول على تمويل نقدي مثل عقد المرابحة الجائزة.

وزادت الدراسة أن من أهم ما أخرج المعاملة من كونها تورقا إلى شبهة القرض بفائدة، الحديث عن الحصول على النقد والسيولة دائما، والتغافل عن السلعة، حتى لا يكاد يوجد ذكر للسلعة.

وربطت معاملة السلعة بتطبيق ما سبق، ذلك أنه بقبض العميل لها سيحرص على صحة الشراء، باعتبار أن إعادة بيعها على مسؤوليته، وبهذا وفق الدراسة تعود المعاملة بيعا صحيحا، وتورقا شرعيا مشابهة لعقد المرابحة المصرفي الجائز بضوابطه المذكورة آنفا.

وفي إشارتها لعوامل مهمة في تحويل التورق إلى مخرج شرعي، أوضحت أن غاية العميل من طلب شراء السلعة هو الحصول على السيولة النقدية، ذلك أن حاجته للتمويل المالي لأمور أخرى من وراء شراء هذه السلعة، لذا كان لا بد من أن يراعى أنه إنما اشتراها ليعيد بيعها، ويهمه في ذلك سهولة الحيازة للسلعة وسهولة إعادة البيع، وأن لا يخسر في ثمنها لتغيره، وأن لا تكون السلعة معرضة للتلف السريع.

واصطلح التورق الذي تجريه المصارف في وقتنا المعاصر بتسميته بالتورق المنظم، كما يطلق عليه أيضا التورق المصرفي، وهي الصيغة التي تتم في المصارف للتمويل بالتورق، حيث تقتضي الإجراءات المتبعة حصول النقد للعميل في نهاية العملية، حيث يمكن أن تتم بخطوات متتالية منظمة يقوم بها المصرف بالنيابة أو الوكالة عن العميل للحصول على النقد له.

وعرف أيضا وفق الدراسة، بقيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة (ليست من الذهب أو الفضة) من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف، إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق.

والتورق المنظم الذي تقوم به المصارف الإسلامية، يتولى فيها المصرف القيام بتوفير سلعة بناء على طلب العميل، أو يقترحها المصرف على العميل، ثم يتولى بيعها كوكيل عن العميل، ثم يحول قيمتها لحساب العميل، ويتم ذلك بواسطة توقيع أوراق طلب الشراء بالمرابحة، وأوراق توكيل للمصرف بالبيع.

ويظهر في صورة التورق المنظم، أن العميل لا يحوز شيئا ولا يرى السلعة، بل في الغالب لا يدري ما هي على وجه الدقة، فإن كانت من المعادن لا يدري أي المعادن هي، أما تسميته التورق المصرفي، فهو كتمييز له عن التورق العادي، ذلك أن المصارف هي التي تقوم بتنفيذ هذه الصيغة.

ولفتت الدراسة إلى أن هناك فرقا بين صيغة التورق المنظم والعقود المشابهة، مبينة أن الفرق بين صيغة التورق المنظم والتورق العادي أن يأخذ العميل السلعة، ويعيد هو بيعها طلبا للنقد، حيث يقوم المصرف بكل شيء، ويتسلم العميل المال في النهاية.

أما الفرق بين التورق المنظم والعينة فهو أن العينة تقع لو اشترى المصرف هذه السلعة من العميل بثمن أقل، إذ ذلك لا يحدث في العادة، لأن المصرف يبيع السلعة لطرف ثالث، موضحة أنه ليست عملية التورق من العينة المشهورة، لكنها ممنوعة للحيلة المحرمة على أخذ الزيادة غير الشرعية ببيع صوري، وإن كان بعض الفقهاء عدها من صور العينة للصورية في عمليات البيع والشراء.

وأما الفرق بين التورق المنظم والمرابحة للآمر بالشراء، فهو أن المرابحة تقف عند تسلم السلعة للعميل، والعميل هو الذي حدد السلعة ابتداء فالمصرف يشتري السلعة بناء على طلب العميل، ثم يعيد بيعها للعميل، أما في موضوع التورق المنظم، فالسلعة لا تهم العميل، إذ هو يبحث عن السيولة النقدية، فالمصرف قد يحدد له السلعة، والمصرف يقوم بالبيع كوكيل عنه، والعميل يستلم النقد ولا يستلم سلعة، والفرق كبير بين المعاملتين.

وميزة صيغة التورق المنظم توفير السيولة مباشرة للعميل بطريقة شرعية، حيث نافست المصارف الإسلامية نظيرتها التقليدية في هذه الخدمة، في حين تتميز الأخيرة بتوفير القروض النقدية للعملاء، إذ وجد القائمون على المصارف الإسلامية أن في هذه الصيغة توفير السيولة للعميل بواسطة المصرف مع أقل مخاطر على المصرف بالإضافة للسرعة في الإنجاز.

وتنبع أهميته كونه ذلل كل العوائق أمام المصارف الإسلامية في توفير النقد لعملائها، وفي حين أن هذا العائق لم يمكن تجاوزه في صيغ التمويل الأخرى، فإنها لا ترقى لسهولة ومرونة التورق المصرفي.

وقدّرت الدراسة نسبة التورق من إجمالي عمليات التمويل لدى المصارف بلغت 60 في المائة من مجمل أعمال التمويل لدى المصارف الإسلامية استنادا على بعض الإحصائيات، موضحة أنه ورث واستحوذ على حصص الصيغ الأخرى، التي كانت مسيطرة على عمليات التمويل.

ونقلت الدراسة قرار مجلس المجمع الفقهي، بأنه يقضي بعدم جواز التورق، ذلك أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشترطها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعا، سواء أكان الالتزام مشروطا صراحة أم بحكم العرف والعادة المتبعة.

وأوضح المجمع أن هذه المعاملة، تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة، مبينا أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سمي المستورق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه والتي هي صورية في معظم أحوالها.

وزاد أن هدف المصرف من إجرائها أن تعود عليه بزيادة على ما قدم من تمويل، مؤكدا أن هذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء، لافتا إلى جوازه بمعاملات حقيقية وشروط محددة بينها قراره، وذلك لما بينهما من فروق كثيرة فصلت القول فيها البحوث المقدمة.

ووفق المجمع فإن التورق الحقيقي، يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل تدخل في ملك المشتري ويقبضها قبضا حقيقيا وتقع في ضمانه، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حال لحاجته إليه، مشيرا إلى أنه يحتمل أن يتمكن من الحصول عليه وقد لا يتمكن.

والفرق بين الثمنين الآجل والحال، لا يدخل في ملك المصرف، الذي طرأ على المعاملة لغرض تبرير الحصول، على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة، التي تجريها بعض المصارف.