ظافر تشاليان لـ «الشرق الأوسط»: لا مكان للعاطفة في الأعمال.. ونحن نعرف قوتنا وقدراتنا

وزير الاقتصاد التركي أرجع نجاحات بلاده الاقتصادية للاستقرار السياسي وإصلاحات أردوغان

TT

أنقرة: عادل الطريفي - يؤخذ على قيادات حزب العدالة والتنمية البعد «الشعبوي» في خطابهم، والتركيز على «الأسلمة» الأخلاقية للمجتمع في نشاطهم الحزبي، ولذا تبدو تركيا دولة تتراجع علمانيا ببطء، لكن سر نجاح الحزب لا يمكن عزوه فقط لكاريزما رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وخطبه الحماسية عن الطبقة المهمشة والمحرومة من الأتراك، أو دفاعه الخطابي عن «غزة»، ونقده «إسرائيل»، بل للنجاح الاقتصادي للفريق التكنوقراطي الذي يقود عمليا الصعود الاقتصادي للدولة التركية، والذي تخرج ليس في محاضن الحزب الآيديولوجية بل في البلديات والمؤسسات المالية. ويكفي أن نعرف أن متوسط دخل الفرد في تركيا لم يكن يتجاوز 8 آلاف دولار سنويا عشية انتخابات نوفمبر 2002، حين فاز حزب العدالة والتنمية (ذو التوجه الإسلامي) بالأغلبية في البرلمان، ولكن متوسط الفرد ارتفع فوق 16 ألف دولار خلال العقد الماضي، فيما ارتفعت الليرة التركية 20 في المائة مقابل الدولار بعد إعادة إصدارها في 2005.

«الشرق الأوسط« التقت وزير الاقتصاد التركي ظافر تشاليان الذي ابدى ثقة عالية بوضع بلاده مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي الذي يتعامل «بنفاق» معها لجهة دخولها الاتحاد. يقدم الوزير التركي الكثير من الأرقام والمقارنات للدلالة على ذلك، فتركيا هي من أفضل 23 اقتصاد دولة في الاتحاد الأوروبي، وثاني اقتصاداتها نموا.

يعطي الوزير تشاليان الفضل في النجاحات الاقتصادية التي حققها حزبه خلال 10 سنوات إلى ثلاثة عوامل أساسية، هي: الاستقرار السياسي، ودور رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، والإصلاحات الاقتصادية التي أنجزتها حكومات العدالة والتنمية، وهي السبب الأساس الذي أدى بتركيا إلى الخروج سالمة من الأزمة الاقتصادية التي ضربت أوروبا... لكنه يعترف بأن شرارة هذا النجاح أطلقها رئيس البلاد الراحل تورغوت أوزال الذي «خذله حزبه وعوزه إلى فريق عمل حوله». وفي ما يأتي نص الحوار:

* تركيا حققت إنجازات اقتصادية هامة خلال السنوات الخيرة، وبدا أنها خرجت من الأزمة الاقتصادية التي ضربت أوروبا سليمة. فما الأسباب التي تقف وراء هذه القفزة الاقتصادية؟ - تركيا أحرزت تقدما عظيما في السنوات العشر الأخيرة، إذ حصلت تغييرات نوعية في الاقتصاد خلال هذه الفترة. ففي عام 2001 كانت هناك أزمة مستفحلة، بعدها وصلت حكومتنا (العدالة والتنمية) إلى السلطة، وكنت أنا حينها رئيسا لغرفة التجارة والصناعة في أنقرة، ومع أنني صناعي قديم، وشغلت عدة مناصب في عهد حكومات مختلفة، لكن لو قيل لي يومذاك إن تركيا ستحقق هذه القفزة لما كنت صدقت القائل، ولم أكن حتى لأحلم بذلك.

العوامل التي ساعدت في هذه القفزة كثيرة، إلا أنني أختصرها في ثلاثة عوامل أساسية: الأول هو الاستقرار السياسي، والثاني هو دور رئيس وزرائنا (رجب طيب أردوغان)، والثالث هو الإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها الحكومة لتأسيس اقتصاد حر بالكامل في تركيا.

خلال الأزمة الاقتصادية الراهنة التي ضربت أوروبا، خرجت تركيا سالمة، ويعود السبب إلى نمو اقتصادها ونمو حركة الصادرات وزيادة فرص العمل. وبالإضافة إلى ذلك، فنحن تبنينا سياسات مختلفة عن تلك التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي في السابق. ففي الأعوام الأربعة الماضية فقد 4 ملايين شخص وظائفهم في دول الاتحاد الأوروبي، وشهدت منطقة اليورو أزمة اقتصادية، وتقلص حجم اقتصادها ستة بالألف. وفي المقابل فإن 5 ملايين وظيفة جديدة أنشئت في تركيا خلال الفترة نفسها. وإذا نظرنا إلى نسبة البطالة فإنها لدينا لا تزال أدنى منها في الاتحاد الأوروبي. في عام 2011 نما الاقتصاد الأوروبي بنسبة 1.5 في المائة، بينما نما الاقتصاد التركي بنسبة 8.5 في المائة. ولو كانت تركيا قد انضمت في عام 2011 لتصبح العضو الـ28 في الاتحاد الأوروبي لكان الاقتصاد الأوروبي نما بمعدل 1.8 في المائة، ولكان مؤشر البطالة أدنى من الحاصل الآن..».

* وكيف تقيمون علاقتكم مع الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال يرفض انضمامكم إليه؟

- من المعروف أن ثمة معايير تعتبر بمثابة الدستور الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، ومن أهمها أربعة معايير، أولها نمو الناتج المحلي في دول الاتحاد. وتركيا كانت أفضل من 23 دولة أوروبية في نمو ناتجها المحلي. أما العامل الثاني فهو أن سكان أوروبا يزدادون سنا في المعدل العام، فمعدل الأعمار في أوروبا يتراوح بين 43 و45 في الوقت الحالي، بينما هو في تركيا 30 عاما، علما بأن نحو ربع سكان تركيا تحت سن الأربعين. أما المعيار الثالث فهو ساعات العمل المحدودة جدا في أوروبا، التي تبلغ معدل 37 ساعة عمل أسبوعية، وهي في فرنسا 35، بينما تبلغ في تركيا 45 ساعة عمل أسبوعية، ولهذا فإن تركيا تمتلك قوة عاملة لا يمكن مقارنتها بأوروبا.

تركيا نجت من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بأوروبا ولديها فرص مهمة. حصة السوق لدينا ارتفعت، وتركيا أصبحت ثاني دولة في العالم لجهة نمو الصادرات، أما في الاتحاد الأوروبي فنحن ثاني أسرع اقتصاد نموا بعد استونيا. منذ عامين كانت حصة السوق الأوروبية من صادراتنا 48 في المائة، لكنها انخفضت الآن إلى 38 في المائة. وعلى الرغم من انخفاض النسبة فإن حجم الصادرات التركية لا يزال يرتفع بسبب نمو صادراتنا إلى أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. وعلى الرغم من تأثيرات الربيع العربي على الصادرات فإن صادراتنا نمت بنسبة 13.5 في المائة في السنة الماضية، وهذا يعود إلى سياسة التوسع في الصادرات التي نعتمدها، حيث الآن نفتتح أسواقا جديدة في آسيا والباسفيك. وحاليا البضائع التركية تصدر إلى 241 منطقة حول العالم. هناك بلدان في العالم لا نصدر بضائعنا إليهما، الأول هو ماكرونيزيا والثاني هو النرويج، ونحن ما زلنا نسعى للتصدير إليهما، وهذا ما سوف يحصل هذه السنة إن شاء الله.

بالعودة إلى للاتحاد الأوروبي، نحن نسعى للانضمام إليه منذ 50 سنة، لكن الاتحاد الأوروبي لم يكن صادقا معنا، وهو يتعاطى معنا بنفاق. إنهم يضعون العراقيل أمامنا لناحية تأشيرات الدول إلى الاتحاد، ولجهة النقل، ولا يريدون الدخول في اتفاقية تجارة حرة مع تركيا، ولا يريدون أن يقبلوا بتركيا كشريك ثالث في اتفاقات اقتصادية مع دول أخرى. لقد حسنا معاييرنا الاقتصادية ومعاييرنا الديمقراطية. وإذا أراد الاتحاد الأوروبي أن يقول إنه نادٍ مسيحي ولا يريد انضمام تركيا إليه فهذا شيء آخر».

* تركيا اليوم هي الدولة الـ16 في نمو ناتجها المحلي، والـ15 لجهة القوة الشرائية. ومع هذا فإن بعض الدول الأوروبية تصنفها على أنها «قوة نامية». وعلى الرغم من رفع تصنيفها من قبل بعض المراكز الاقتصادية، فإنها لا تزال دون المرتبة التي تستحقها كما تقول مراكز الدراسات.

- نحن نعرف قدرتنا وقوتنا، وكما قلت سابقا، نحن لم نكن لنحلم بكل هذا التطور منذ 10 سنوات. وكما تعلمون فخلال 10 سنوات أخرى سوف نحتفل بمئوية الجمهورية التركية. مقارنة بالسنوات العشر الماضية فإن ناتجنا المحلي نما بمقدار 3 أضعاف وصادراتنا بأكثر من 4 أضعاف ومدخول الفرد ارتفع أكثر من 3 أضعاف. وفي عام 2023 (المئوية) نريد أن نحافظ على مستوى التقدم والتطور والحصول على نتائج إضافية. ويمكنني القول إن مؤسسات التصنيف العالمية لم تكن صادقة حيال تركيا، وكانت تتعامل بنفاق. والآن لا نلقي بأي انتباه أو اهتمام لما تقوله هذه المؤسسات، فنحن خلال الأزمة الراهنة خصوصا، اختبرنا ونجحنا، ولدينا ختم النجاح، والعالم كله يعرف بذلك. وآخر الأمثلة على ذلك أن جمهوريتنا أسست في عام 1923، لكن منذ ذلك التاريخ وحتى تسلم حزبنا السلطة منذ نحو 10 سنوات، كان الاستثمار الأجنبي المباشر القادم إلى تركيا 14.6 مليار دولار، بينما منذ عام 2003. وحتى نهاية العام الماضي، ارتفعت النسبة بـ8.5 أضعاف ووصلت إلى 123.7 مليار دولار، و75 في المائة منه هو رساميل أوروبية قدمت إلى تركيا. لماذا يأتي المستثمرون الأوروبيون إلى تركيا؟ علما بأنه لا مجال للعواطف في مجال الاستثمار، بل المصالح. إنهم يأتون للبحث عن بيئة آمنة لاستثماراتهم وعلى نظام مصرفي فعال واستقرار سياسي واقتصادي. لقد عملت شخصيا في التصدير لمدة 27 سنة ورأيت أمثلة على ذلك. تركيا تحسن معاييرها، وهي بالتأكيد ليست تركيا نفسها قبل 10 سنوات، ولن تكون كما هي الآن بعد 10 سنوات أخرى. نحن نريد تصميم اقتصاد يكون من الاقتصادات الـ10 الكبرى في العالم خلال السنوات العشر المقبلة، ولدينا القدرة على ذلك، وما قمنا به خلال العقد الماضي هو دليل على أننا قادرون على ذلك».

* يقال إن الإصلاحات التي بدأها الرئيس الراحل تورغوت أوزال هي الأساس في ما وصلت إليه تركيا الآن، لكنه لم يكن يملك الأدوات اللازمة للنجاح. فهل هذا صحيح؟

- تركيا لديها فترتان مختلفتان في تاريخها. في عام 1923 المؤسس الأكبر للجمهورية مصطفى كمال أسس الجمهورية. وقد فهمناه اليوم بشكل أكبر لأن تلك الفترة كانت محاطة بظروف صعبة للغاية. بعدها أتى عهد (رئيس الوزراء السابق عدنان) مندريس في الخمسينات والستينات، لكنه للأسف كان أول وزراء يعدم من قبل النظام العسكري الذي انقلب على السلطة آنذاك. وعمي كان عضوا في البرلمان في ذلك الوقت، وقضى وقتا طويلا في السجن أيضا. مندريس قدم الكثير من الأشياء للبلاد، تلاه الرئيس سليمان ديمريل الذي قدم بدوره الكثير للبلاد. ثم أتى أوزال، وفي عهده كانت تركيا تنفتح للمرة الأولى في تاريخها على العالم. في عام 1980 كان حجم الصادرات الإجمالي لتركيا 3 مليارات دولار، وعندما تسلمنا السلطة في عام 2002 كان حجم الصادرات 36 مليار دولار، بينما هو الآن 152.6 مليار دولار. فترة أوزال شهدت أول اتصال مع العالم الخارجي. أتمنى لو كان حيا الآن ليشهد على التقدم الذي أحرزناه. لكن مشكلة الرئيس أوزال أن المشكلات كانت تعصف بحزبه، ولم يكن لديه فريق عمل مميز. بعدها ظهر الرئيسان عبد الله غل ورجب طيب أردوغان، وقادا الحزب إلى السلطة، حيث كان الرئيس غل رئيسا للوزراء أولا ثم الرئيس أردوغان، وفي عهدهما، حيث نحن الآن، تركيا هي دولة مختلفة تماما. وفي الواقع إن الرئيس أوزال هو من أطلق الشرارة الأولى لهذا التغيير، ونحن الآن نبني على هذا. قبل 10 سنوات عندما كنت أتحدث إلى الأجانب عن تركيا كانت قلة منهم تعرفها وتعرف موقعها، لكن اليوم الجميع يعرف أين تقع تركيا.

* هل تأثرت تركيا سلبا بالأحداث التي عصفت بمنطقة الشرق الوسط بدءاً من عام 2011؟

- كان حجم الصادرات التركية إلى أوروبا نحو 50 في المائة وإلى الشرق الأوسط نحو 25 في المائة. هذه الدول مهمة جدا لنا، فلدينا معها قواسم مشتركة، اقتصادية وتجارية وإثنية ودينية، وهناك فرص كبيرة لنا معا. لدينا تقارب اقتصادي كبير مع ليبيا وتونس، أما سوريا فلو لم يحصل ما حصل فيها من مشكلات لكان حجم صادراتنا إليها نحو 3 مليارات دولار. وسوريا مهمة بالنسبة إلينا، لا كمكان للتصدير، بل أيضا كمعبر للصادرات التركية إلى العالم العربي، فنحن كنا نصدر عبرها إلى 9 دول أخرى. لكن لسوء الحظ فإن سوريا لم تعد ممرا لهذه البضائع بسبب الوضع القائم فيها. نعم كان للربيع العربي بعض التأثيرات السلبية على الاقتصاد التركي، لكن من وجهة نظر الشعوب في هذه الدول، فهم في صراع من أجل الحرية والديمقراطية. مصر كانت شريكا تجاريا مهما لنا، والعلاقات مها تتعافى حاليا، وكذلك الحال مع ليبيا. ولو لم تكن المشكلات القائمة قد حصلت لكان حجم الصادرات التركية في العام الماضي أعلى بكثير. وبالنسبة لسوريا فإننا نتمنى أن يحصل الشعب السوري على ما يريده من حرية وديمقراطية، وتركيا سوف تدعم أية مبادرات بهذا الشأن. أما بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية فلدينا علاقات مميزة معها، وهي شريك تجاري مهم جدا بالنسبة إلينا، وعلاقاتنا في مستوى جيد ونأمل استمرارها على هذا النحو.

* في تونس وليبيا ومصر، هناك نقاش دائر حاليا حول شكل الاقتصاد الذي يجب بناؤه، وهل هو إسلامي أم غير ذلك، فما نصيحتكم لهذه الدول؟

- كعالم إسلامي، نحن لا نعرف حجم قدراتنا الحقيقية بعد. تشكل الدول الإسلامية الـ57 ثلث سكان العالم، وثلث مساحة العالم الإجمالية. أما بالنسبة إلى الحجم الاقتصادي فإن حصة هذه الدول من الناتج المحلي هي 6 إلى 7 في المائة فقط، وحصتها من التجارة العالمية هي فقط 5 إلى 6 في المائة. ثم إن نسبة التبادل التجاري بين هذه الدول هي فقط نحو 15 إلى 16 في المائة، بينما هي بين دول الاتحاد الأوروبي 75 في المائة. في المقابل الولايات المتحدة لديها علاقات تجارية مهمة مع المكسيك وكندا، وحجم هذه التجارة يفوق الـ500 مليار دولار. كدول إسلامية لا يوجد لدينا وحدة، ولا ننسق جهودنا. نحن بحاجة إلى نظام تبادل تجاري، وبحاجة إلى تأسيس سوق حرة بيننا لنمكن من زيادة التجارة المشتركة. وتركيا عملت بجهد كبير في هذا المجال، ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء كانا يقومان بإجراء اتصالات لهذه الغاية، لكن للأسف إن الدول الإسلامية لا تدرك أهمية هذا الواقع. وآمل أن تؤدي الجهود التركية إلى نتيجة ونمكن من احتلال المكانة التي نستحق كعالم إسلامي.