الهم الاقتصادي الأردني.. التحول إلى قطاع الخدمات و«تركة» القطاعات التقليدية

د. ابراهيم سيف *

TT

المراقب للنشاط الاقتصادي والسياسي في العاصمة الاردنية يلاحظ بوضوح النقاش الدائر فيما يتعلق بالهم الاقتصادي وكيفية التعامل معه. فما ان هدأت الاوضاع في فلسطين المحتلة نسبيا،حتى عادت عناوين الصحف الاقتصادية تتحدث عن المشاريع الاقتصادية الكبيرة والطموحة التي يسعى الاردن لبلورتها والافادة منها لتطغى على بقية الاحداث.ويبدو ان الهموم السياسية ولا سيما الانتفاضة الفلسطينية طغت وادت الى تأجيل مؤقت لحسم بعض القضايا التي عادت الان الى الواجهة، يرافق هذه الحركة النشطة تحديد مواقيت زمنية للانجاز وهو ما افتقرت اليه البرامج السابقة ، هذا التحديد يلزم الاسراع بعملية الانجاز التي باتت هي المقياس. ويرمي العاهل الارني الملك عبدالله الثاني بثقله وراء تلك المشاريع لايصال رسالة ربما مفادها ان الاصلاح الاقتصادي ما زال يعتبر من اهم الاولويات. وخلال الربع الاول من العام فان المؤشرات الاولية لاداء الاقتصاد لا تبدو سيئة، حيث ان الخلل المزمن في الميزان التجاري لم يتجاوز الخطوط الحمراء وان ظل مرتفعا نسبيا، كذلك فان حركة الاستثمار التي يعتبر قطاع الانشاءات مؤشرا هاما عليها لم تتراجع وان كانت الاسعار في القطاع شبه مستقرة، اما سوق عمان المالي فهو مستقر ويتراوح مؤشر الاسعار فيه حول مستويات قريبة من اسعار اغلاق العام الماضي فيما تشير بيانات الربع الاول من العام الى نمو في ارباح الشركات المدرجة. كذلك ووفقا لمعطيات وزارة السياحة فان تدفق السياح العرب الى الاردن عوض من النقص الكبير في اعداد السياح القادمين او اوروبا واميركا، الا ان بعض الفعاليات التي كانت تعتمد على برامج السياح الاجانب تضررت.

ويسعى الاردن حاليا للاستفادة من بعض المزايا التي تؤهله للمنافسة على مستوى الاقليم، وفي حين ان الاردن كغيره من دول المنطقة وقع على اتفاقية الشراكة الاوروبية والمتوسطية فان الميزة التي يتمتع بها الاردن هي تلك المتعلقة باتفاقية التجارة الحرة المعقودة مع الولايات المتحدة الاميركية، والتي تعتبر الاردن هي البلد الرابع على مستوى العالم الذي وقع هذه الاتفاقية التي تسمح بتوريد منتجات اردنية تتمتع بحد معين من القيمة المضافة المحلية وتتمتع بمواصفات تتطابق والشروط الاميركية، الا ان الميزة هي ان تلك السلع يمكن ان تدخل الى السوق الاميركي دون اخضاعها الى رسوم جمركية او سقوف كمية كما هو معمول به في حالة المعاملات التفضيلية التي تمنح في العادة لبعض الدول. وما يلاحظ في هذا المجال ان الشركات الاجنبية تدرك اهمية هذه الاتفاقية وبدأت تبحث عن موضع قدم لها في الاردن لا سيما في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة التي تقدم تسهيلات ضريبية بالاضافة الى تمتعها بميزة الاتفاقية المعقودة مع اميركا. اما الشركات العربية فانها تبدو اكثر ترددا في الاقبال على تنفيذ بعض المشروعات، ويبدو ان بعض الشركات الراغبة متخوفة من عدم نجاح تلك المشروعات كون التجربة الاردنية لا تزال في بدايتها ولكون المناخ السياسي العام في المنطقة لا يشجع، الا ان المناخ السياسي العام في منطقة الشرق الاوسط لم يكن يوما مستقرا بالمعنى التقليدي السائد في مناطق اخرى، ورغم ذلك فان الكثير من الشركات قدمت الى المنطقة واقامت استثماراتها وفقا لحسابات الربح والخسارة.

وعودة الى التحول الحاصل في الاردن فيبدو ان الاردن ـ وان كان لا يعلن ذلك صراحة ـ قرر التوجه للتركيز على قطاع الخدمات كقطاع يمكن ان يحظى بميزة تنافسية تؤهله لاستيعاب جانب من نسبة البطالة المرتفعة وكذلك زيادة الايرادات من العملات الاجنبية. وما يمكن ملاحظته كذلك ان هذا التحول لا يتم بقرار من الاعلى وانما تفرضه معطيات اقتصادية مستجدة، فهذه شركة ميكروسوفت توسع اعمالها في الاردن وتدرس امكانية اعتماد عمان كمركز اقليمي، كذلك باتت اخبار اندماجات بين بعض شركات المعلوماتية الصغيرة تتقدم على اخبار الشركات التقليدية اضف الى ذلك ان من يضبط هذا الايقاع هو جيل متجدد من الشباب الذين مزجوا في دراستهم بين العلوم المالية والتكنولوجية. اضافة الى لحاق البنوك بركب التحديث وبدء تقديم خدمات عبر الانترنتن ووجود العديد من المشاريع الصغيرة القائمة على التطبيقات الاليكترونية. يضاف الى ذلك الاهتمام الكبير بقطاع التعليم على كافة المستويات التعليمية.

الا ان هذا التحول يتم ببطء شديد لسببين، اولهما ان قطاع الخدمات غير مرئي وتنعكس انشطته من ضمن انشطة القطاعات الاخرى التقليدية، وثانيا ان هناك مقاومة داخلية من بعض الفئات التي تشعر انها لا تستطيع اللحاق بهذا الركب، ولذا فانها تفضل الابقاء على الوضع القائم. والحقيقة ان هناك خشية من ان يعمق هذا التحول تهميش بعض الفئات التي لا تستطيع لاسباب عديدة الانضمام الى هذا التحول وهو ما بات يعرف بتعميق الفجوة الرقمية التي تعكس ايضا فجوة اجتماعية واقتصادية. ومما يضاف الى هذه المخاوف ايضا التحولات التي ستحصل في القطاعات التقليدية التي ظلت لفترة طويلة تشكل ملاذا امنا ومكانا لتوليد فرص عمالة ليست بالضرورة منتجة انما كانت جزءا من ادوات تنفيذ الدور الاجتماعي للدولة ، الذي يبدو انه يمر في مرحلة تحول دون ان يرافق ذلك تحول في العقلية او تحديث الكفاءات التي يتوجب ان تتاقلم مع وضع جديد لا تملك ادواته للاسف. لكن التساؤل المهم والتحدي يكمن في التوصل الى حالة التوازن التي يمكن ايجادها بحيث يتم ضمان السير قدما في القطاعات الجديدة او ما يعرف بالاقتصاد الجديد مع الحفاظ على تلك القطاعات التي تستوعب القسم الاكبر من العمالة ، الا ان المطلوب ايضا البحث عن وسائل لتعزيز تنافسية هذا القطاع في ظل منافسة اقليمية شديدة ستتحول قريبا الى منافسة عالمية بفضل شروط منظمة التجارة العالمية. الا انه من الواضح ان الاردن يستشعر انه اضاع فرصا عديدة في مجال التحول الاقتصادي السريع مثل استقطاب بعض المشروعات الاعلامية العربية او في مجال المناطق الحرة، لذا فان هناك سعيا لتحديث عدد من القوانين الاستثمارية بهدف استقطاب راس المال العربي والاجنبي، ومع كل هذا التوجه فانك لا تعدم رأي من يطالب بالحد من تدفق الاستثمارات الاجنبية خوفا على الاستقرار، وهو ما يطرح التساؤل ايهما اخطر على الاستقرار معدلات البطالة المرتفعة وانتشار جيوب الفقر ام الاستثمارت الاجنبية واستحقاقاتها.

* باحث ـ مركز الدراسات الاستراتيجية (الجامعة الاردنية)