مصر: دراسة تحذر من سيطرة قلة في القطاع الخاص على التسهيلات السياحية

TT

بينت دراسة صادرة حديثا في القاهرة ان هناك نحو 12 رجل أعمال مصري يستحوذون على معظم الأصول والتسهيلات السياحية، لأنهم بدأوا هذا النشاط منذ السبعينات والثمانينات، ويعتمدون في توسعهم على تنويع المنتج السياحي، والمزج في تسهيلات العرض لخدمة كل من السياحة الداخلية والوافدة والدخول في تحالفات مع الشركات الفندقية والسياحية متعددة الجنسيات.

وأوضحت الباحثة الدكتورة محبا زيتون استاذة الاقتصاد بكلية تجارة الأزهر في دراستها عن «السياحة ومستقبل مصر بين امكانات التنمية ومخاطر الهدر» انه رغم عوامل الجذب المتعددة للاستثمارات الأجنبية، إلا ان الاستثمار المحلي ما زال يمثل 83 في المائة من حجم الاستثمار في قطاع السياحة، ومعظم الاستثمار الأجنبي (17 في المائة) حتى 31 ديسمبر (كانون الاول) 1999 قادم من دول عربية خاصة المملكة العربية السعودية والكويت.

وأضافت الباحثة ان حركة السياحة الوافدة الى مصر زادت بشدة خلال العقدين الماضيين حيث سجلت 5.5 مليون سائح في عام 2000 مقابل 792 ألفا فقط في عام 1975، أي انها زادت بنحو سبعة أضعاف، محققة نسبة نمو 8.1 في المائة، وهو معدل يفوق كثيرا المعدل العالمي (4.8 في المائة)، وترجع هذه الزيادة الى الارتفاع المستمر في الطلب العالمي والأهمية الكبيرة التي توليها الدولة لتطوير مناطق سياحية جديدة، والتوسع في الطاقة الفندقية، والخدمات السياحية المختلفة، وبهذه الزيادة أصبحت مصر تستحوذ على نحو 25 في المائة من حركة السياحة الوافدة لمنطقة الشرق الاوسط منذ عام 1985، وقد حققت المنطقة بأثرها تزايدا ملحوظا في نصيبها من السياحة العالمية، وزادت بأكثر من الضعف من 1 في المائة عام 1960 الى 2.9 في المائة عام 2000، لكن رغم هذه الزيادة فإن السياحة في مصر تتسم بالحساسية الشديدة للأحداث السياسية والاقتصادية المختلفة، بل ان الهبوط بفعل هذه الأحداث أصبح يأخذ شكلا دوريا كل ثلاث أو أربع سنوات، لدرجة ان المستثمرين المصريين والأجانب بدأوا يتعايشون مع التقلبات الدورية في الطلب السياحي، ومعدلات الإشغال، بوضع افتراض في دراسات جدوى المشروعات السياحية ان كل أربع سنوات ستكون هناك سنة سيئة عند حساب معدلات العائد.

وقالت الباحثة ان معدلات الانفاق السياحي في مصر تختلف في ما بينها اذا كانت فندقية أم لا، ووفقا لنوع السائح، وان السائحين المقيمين في الفنادق التقليدية ينفقون نحو 56 في المائة من الانفاق السياحي على الاقامة، تليها الفنادق العائمة والقرى السياحية، وينفق مستأجرو الشقق المفروشة والسكنية (تمليكا أو إيجارا) نحو 43 في المائة، ويحتل السياح العرب عموما مرتبة منخفضة في معدل الانفاق، والاميركيون أعلى معدل انفاق، ومثلهم اليابانيون. لكن الباحثة حذرت من وجود مبالغات في تقدير حجم الايراد السياحي، لان هذا التقدير يخضع لاخطاء العينات، اضافة الى الاخطاء المنهجية الأخرى لعينة السائحين، وهناك صعوبات منهجية أخرى تجعل المسوح تدرج بعض مكونات الانفاق ضمن الايرادات السياحية، رغم انها يجب ان تستبعد عند حساب الايرادات بالفعل من القطاع السياحي.

وأشارت الى ان هناك تجاهلا كبيرا في مصر لمعرفة حجم السياحة العكسية الخارجة من مصر، وبالتالي يصعب تقدير ميزان السياحة وهل به فائض أم عجز، لكن بحساب حجم مدفوعات المصريين للحج والعمرة فقط وهو 2.44 مليار دولار، مع الأخذ في الاعتبار مبالغة تقدير العائد من السياحة الوافدة، ربما يتغير الميزان الى العجز، لذلك فان الجانب الاكبر من هذه الايرادات يتم امتصاصه من خلال السياحة العكسية.

واثبتت الدراسة ايضا ان السياحة تحقق أدنى معدل للعمالة، تليها المشروعات الخدمية في حين ان مشروعات المناطق الحرة تحقق أعلى معدل لاستيعاب العمالة تليها المشروعات الزراعية، مما لا يعكس ما يذكر دائما من ان السياحة من أهم القطاعات في توفير فرص العمل، بل ان نسبة عمالة الأجانب في قطاع السياحة ترتفع في الفنادق «خمس نجوم»، فيما يشغل المصريون في الغالب الوظائف الدنيا وتحصل الفئة الأولى على أجور تصل الى عدة أضعاف الفئة الثانية لشغلهم المناصب الرئيسية في المنشآت السياحية.

وأوضحت الباحثة ان مصر لا تستفيد كثيرا من انفاق السياح بسبب اعتمادها على جذب السياحة الجماعية التي تنظم غالبا عن طريق الشركات متعددة الجنسيات، وهي بدورها تلتهم معظم انفاق الرحلة، وتفرض انخفاضا في الأسعار، ويتضح ذلك جليا في أهم مناطق السياحة وهي شرم الشيخ والغردقة، واذا كانت قيمة الانفاق السياحي الناتج من الرحلات الشاملة هي 4.5 مليار جنيه مثلا، فان ما يتسرب منها لصالح شركات الطيران، والشركات المنظمة للرحلات يبلغ ملياري جنيه تقريبا، والأسوأ من ذلك هو احتفاظ بعض شركات السياحة المصرية بحسابات لها في الخارج.

واطلقت الباحثة تحذيرا آخر من الآثار السلبية للسياحة على البيئة خاصة عندما تكون معظم الاستثمارات من القطاع الخاص، وقالت: ان المستثمرين في النشاط السياحي لا يمثلون مؤسسات خيرية بل تجارية تسيطر على توجهاتهم نفس العقلية التجارية التي توجه القطاع الخاص في أنشطة الانتاج الأخرى، متجاهلين بذلك حقيقة هامة وهي ان للسياحة خصوصية تجعلها مختلفة عن غيرها من الانشطة بتفاعلها وحساسيتها المفرطة للبيئة المحيطة ولما يسفر عن نشاطها من آثار خارجية تعبر عن التباين بين المنافع والتكاليف الخاصة والاجتماعية، وهذا بصفة عامة وعلى المستوى العالمي، ويظهر ذلك جليا في مصر، وعلى سبيل المثال فقد قام عدد كبير من المستثمرين بردم مساحات كبيرة من شاطئ البحر الاحمر، وقد شملت عمليات الردم قرابة 141 قرية وفندقا تم بناؤها في المناطق التي ردمت على سواحل الغردقة تحديدا قبل اصدار قانون البيئة عام 1994، وأيضا هناك هدر دائم للشعاب المرجانية، كما تعتبر الفنادق العائمة مصدرا خطيرا لتلوث نهر النيل وبصفة خاصة في منطقة الرحلات النيلية بين الاقصر واسوان، وهي للمناسبة من أجل الرحلات.

وبناء على توقعات قطاع السياحة عالمياً واقليمياً وضعت الباحثة عدة سيناريوهات توضح صورة السياحة في المستقبل في مصر وفقاً لتغير الأنظمة الفكرية الحاكمة، فتقول انه على المستوى العالمي سيصل عدد السائحين عام 2020 الى 1.60 مليار سائح مقارنة بنحو 563؟ سائح عام 1995 بمعدل نمو سنوي 4.3 في المائة، وستنمو الايرادات السياحية بنسبة 6.7 في المائة ويصل حجمها الى ألفي مليار دولار عام 2020 وفقاً لمنظمة السياحة العالمية، أما في منطقة الشرق الأوسط فتكون معدلات النمو أعلى بكثير حيث تصل الى 6.7 في المائة، وسيزيد عدد السائحين من 14 مليونا عام 1995 الى نحو 69 مليونا عام 2020 كما ستظل السياحة الداخلية على مستوى العالم الأكثر أهمية، ويزداد نفوذ القوى الدولية وقوى السوق العالمية، كما ستسيطر نحو اربعة تحالفات في مجال الطيران من بين 502 تحالف في الوضع الحالي على صناعة السياحة والسفر عام 2020، وتتزايد الاندماجات بين المجموعات الفندقية، كما سيتأثر هذا القطاع كثيراً بالتطورات التكنولوجية وسيظل عنصر الأمان عاملاً مؤثراً في جذب السياحة، وستزداد حدة المنافسة بين المقاصد السياحية ، كما ستتغير طبيعة الحركة السياحية والاستثمار السياحي في مصر في ضوء التطورات السياسية في البلاد، وما اذا كانت الأوضاع الحالية ستستمر أم ستتغير الدفة السياسية باتجاه الرأسمالية الجديدة، أو اليمين الديني، أو الاشتراكية الجديدة.