جدل بين السلطات النقدية والمالية والتنفيذية حول حدود استقلالية «المركزي» المصري

TT

اشتد الجدل بين السلطات المصرية الثلاث المعنية باعداد تشريع البنك المركزي والبنوك الجديدة. ويدور الجدل حول المدى الذي يمكن أن يكون فيه البنك المركزي مستقلاً عن الحكومة، بعد أن تقرر بشكل نهائي أن يتبع المركزي رئيس الجمهورية، وأوجه وآليات التنسيق بين الحكومة ممثلة في رئيسها ووزير المالية باعتبار المالية ممثل المالك (الدولة) بالنسبة للبنوك العامة، ومحافظ المركزي المصري، كمسؤول عن السياسة النقدية والسلامة المصرفية.

وعلى الرغم من أن مشروع القانون الجديد، الذي سيضم كل القوانين الخاصة بالمركزي والجهاز المصرفي في قانون واحد، قد نوقش منذ أكثر من عام ونصف العام في اللجنة الاقتصادية للحزب الوطني، ثم نوقش مرة أخرى بعد المؤتمر العام للحزب الوطني، إلا أن استمرار الاختلاف في وجهات النظر، أدى الى اعادة المناقشة قبل عيد الفطر في المجلس الأعلى للسياسات، بحضور جمال مبارك أمين السياسات بالحزب، ورئيس الحكومة، ووزير المالية، ومحافظ البنك المركزي، كما أدى الى أن يعقد رئيس الوزراء عدة لقاءات خلال الأسبوع الماضي مع وزراء المجموعة الاقتصادية وبحضور محافظ البنك المركزي وشخصيات حزبية وبنكية، لمناقشة المشروع مرة أخرى والتوفيق بين التصورات المختلفة.

وحتى الآن فانه يبدو أن الكلمة الأخيرة ستكون لرئيس الدولة، خاصة بعد أن ظلت هناك أوجه عدم اتفاق كامل على مجموعة من النقاط أهمها، مقترح فصل الرقابة على البنوك وأسواق المال عن البنك المركزي وانشاء هيئة خاصة لها (النموذج البريطاني) أو الابقاء عليها في اطار المركزي مع تعزيز موقعها في هيكلية البنك ذاته، وانشاء تنظيم جديد لها، والنقطة الثانية هي ايجاد آلية في القانون تسمح لممثل مالك البنوك العامة أن يتابع كيفية استثمار أمواله، وأن يحصد أعلى عائد ممكن من نشاط البنوك العامة. أما النقطة الأخيرة فهي بعيدة عن القانون نسبياً، وتختص بتدبير الأموال اللازمة لاعادة الهيكلة المالية للبنوك العامة، بما يجعلها تتواءم مع معايير بازل الجديدة، وفي كل المناقشات التي دارت لم يكن هناك خلاف حول وجوب تقوية البنك المركزي، وتعزيز خطوط الدفاع السابقة لرقابة المركزي على البنوك وهي مجالس الادارات والجمعيات العمومية ومراقبو الحسابات، والافادة من تجارب الدول المتقدمة في مجال تنظيم الجهاز المالي كله بما فيه شركات التأمين وشركات الصرافة مع البنوك، وما استحدثته الدول من آليات جديدة للرقابة ولتحقيق الأهداف، بل وفي تعريف الأهداف ذاتها، حيث لم يعد الهدف الأساسي للسياسة النقدية هو السيطرة على معدلات التضخم وحماية العملة الوطنية، بل أصبح كيف يمكن أن تؤثر السياسة النقدية في دفع النمو وتحريك الأسواق ومعالجة الركود، وهي القضايا التي تحمل أعباءها الحكومة أمام الرأي العام، ومن ثم ترى أنه يجب أن يكون التفاهم قوياً بشأنها مع البنك المركزي.