اكتتاب الاتصالات السعودية: تحديات مستقبلية وتثمين مغر لسعر السهم

عبد الرحمن بن فهد الحارثي*

TT

في عالم المال والاستثمار يظل التنبؤ بأداء الأسواق والشركات شيطاناً لا مفر من مواجهته، يتحاشاه العاقلون قدر استطاعتهم، ولكنه مثل الزواج في شرقنا العزيز شر لا بد منه، ومما يزيد من هذه المهمة صعوبة وتعقيدا، هو ان اداء الاقتصاد والاسواق اصبح مثل يتأثر الى حد كبير بعوامل بعيدة عن اداء الشركات وانعكاسات الارقام الاقتصادية، فاصبح انسان ملغم، وثمل من الاحباط في جزيرة بالي، يهبط بالبورصات العالمية في لحظات الى قاع سحيق وأزيز حاملة طائرات قرب العراق، يقفز بأسعار النفط والذهب الى السماء السابعة.

وشركة الاتصالات السعودية تحط حاليا في ارض الاكتتاب في اكبر عملية من نوعها منذ زمن بعيد، وتحفل باهتمام شعبي وسياسي ملحوظ، هي الوريث الشرعي لمعظم تركة الوزارة الحكومية السابقة لقطاع الاتصالات، وتعمل في سوق احتكارية تماما Pure monopoly، حيث انها المزود الوحيد للخدمة في سوق محمية حكوميا حتى الربع الثالث من 2004 لقطاع الجوال و 2008 لقطاع الهاتف الثابت، مما يزودها بفرصة ذهبية لتثبيت اقدامها بشكل مثالي في السوق المحلية حتى السماح للمنافسين بالدخول، ولحسن الحظ ان الشركة منذ تأسيسها في عام 99، بادرت فعليا بالعمل في تعظيم عوائد مثل هذا الظرف التاريخي بالاستثمار وبسخاء في تطوير الشبكة وزيادة ايراداتها من قطاعاتها المختلفة، وبلغة الارقام استثمرت الشركة ما يوازي 25.5 مليار ريال في مشروعات توسعة خدماتها المتنوعة، اي بمعدل سنوي يصل الى 6.5 مليار ريال.

كان من المفضل قبل ان تباشر الشركة طرح الاكتتاب، ان تبادر الى انهاء بعض الامور العالقة، مثل اصدار الرخصة، فعلى الرغم من ان رئيس الشركة قد علل عدم حاجة الشركة الى رخصة، كونها انشئت بمرسوم ملكي، الا ان المساهمين ربما كانوا بحاجة الى بيان رسمي من جهة اصدار التراخيص، وهي هيئة الاتصالات، تؤكد لهم ان اصدار الرخصة شأن روتيني ولن تصاحبه قوانين منافسة مضادة للاحتكار قد تحد من توسع اعمال الشركة بنفس المرونة، وهنا يجدر لفت الانتباه الى تشوه تنظيمي في التعيين الحكومي، حيث ان رئيس كل من مجلس ادارة شركة الاتصالات وهيئة الاتصالات هو شخص واحد وهو وزير البرق والبريد والهاتف وهذا تضارب بين للمصالح ومناف لمعايير الشفافية.

مسألة اخرى مثيرة للجدل في تقييم اصول الشركة، تمثلت في ان القوائم المالية عند تأسيس الشركة اظهرت فرقا بين تقييم الاصول (التي ثمنت بمبلغ 9.819 مليار ريال) ورأس المال البالغ 12 مليار ريال، وقد قام وزيرا المالية والهاتف بالاتفاق على تغطية النقص في رأس المال والبالغ 2.180 مليون ريال باعتباره دينا مستحقا على الحكومة وتغطيته من الارباح المحتجزة حتى نهاية عام 99، ورغم شفافية الحل الذي اختاره الوزيران في الخروج من هذا المعضل الا انه من المستغرب وجود هذا الفارق الكبير في تقييم الاصول عند تأسيس الشركة، ومبلغ مليار ريال ليس ابدا محل خطأ ثانوي في التقييم او في تحديد رأس المال، خصوصا في تجربة مماثلة للاتصالات السعودية! كذلك ما زالت هناك دعوى قائمة من مقاول محلي ضد الشركة بمبلغ يتجاوز 500 مليون ريال، نتيجة خلاف نجم عقب ترسية مشروع تركيب وتشغيل هواتف عملة وفقاً لأسلوب Bot لمدة سبع سنوات، وعلى الرغم من ان مدير الاكتتاب وفقا لمذكرة الاكتتاب Red Herring لا يتوقع ان يكون لخسارة الدعوى لصالح المقاول اثر ملموس على الوضع المالي للشركة، الا اننا نتحفظ على مثل هذه الرؤية، فالمبلغ يمثل حوالي 13 في المائة من صافي الارباح لعام 2002 (معدلة سنويا)، وبالتالي كان من الافضل لو بادرت الشركة بالتنسيق مع وزارتي البرق والبريد والهاتف وزميلتها للعدل في التعجيل بالبت في هذه القضية بالحكم العادل قبل الشروع في الاكتتاب حتى يتبين للمساهمين موقف مالي اكثر شفافية ووضوحا.

اشكالية اخرى فرضتها البيروقراطية العقيمة التي تجثم على انفاس اجهزتنا الحكومية بافراط مخجل، وهي نقل ملكية جميع قطع الاراضي والمباني التي تشكل جزءاً من قطاع الاتصالات لوزارة البرق والبريد والهاتف الى الشركة والتي ما زالت معلقة حتى اليوم رغم صدور القرار الرسمي بنقلها منذ حوالي خمسة اعوام (15 ـ 12 ـ 97)!!.

فحسب سجلات الشركة فأنها تملك حصصا مختلفة في 3.383 عقارا بقيمة اجمالية تصل الى 2.5 مليار ريال منها 1.947 قطعة بقيمة تتجاوز 1.5 مليار ريال لم يتم تسجيلها حتى اليوم، وان كنا شبه جازمين بجدية الشركة في انهاء هذا المشكل، الا ان عتبنا الاكبر على بطء الاجهزة الحكومية المعنية في البت السريع بمثل هذا الشأن المعلق منذ خمسة اعوام! يظهر هنا كديناصور عملاق السؤال الاكثر اهمية ومفاده: ما هو مستقبل الشركة، وهل يمثل السهم صفقة رابحة في محافظ المستثمرين، وهل كان تثمين السعر في الاكتتاب الاولي بسعر 170 منطقيا ام مبالغا فيه؟ الحقيقة وبموضوعية كافية من منظور شخصي، ان الشركة تخطو في الاتجاه الصحيح على الأقل، ومن الطبيعي لشركة عملاقة بهذا الحجم ان يكون في ملفاتها العديد من المسائل المعلقة بحاجة للبت والانهاء، ولكن المهم ان عقلية وروح الشركة افلحتا في انتشال قطاع الاتصالات من المرحلة السلبية التي كان يعيشها قبل تأسيس الشركة حيث قوائم الانتظار الطويلة، والشبكة المتهالكة، وشح بالغ في الخدمات والمنتجات، وعلى الصعيد الداخلي افلحت الشركة في تحقيق معدلات تحسن عالية في الفعالية والانتاجية على مختلف الاصعدة، فعدد مشتركي الجوال تجاوز خمسة ملايين مشترك (كان لتقديم بطاقة الهاتف المدفوع «سوا» أثر ملموس في الزيادة) وعدد خطوط الهاتف الثابت تجاوز 3.4 مليون خط، وعلى الرغم من ان الشركة تكبدت مبلغا يوازي 1.7 مليار ريال لتقليص اعداد الموظفين ضمن جهود اعادة الهيكلة (ظهرت تحت بند المصاريف غير المكررة) الا ان مثل هذا الاجراء سيوفر على الشركة حوالي 450 مليون ريال سنويا في الاعوام المقبلة، كما ان عدد اجمالي الخطوط لكل موظف تطور بنسبة 25 في المائة ليرتفع من 160 الى 245 خطا وبالمثل ارتفعت الايرادات لكل موظف بنسبة اجمالية حوالي 30 في المائة وذلك من 650 الف ريال الى 845 الف ريال، وكذلك بدأت الشركة منذ تأسيسها في تعزيز خزينة الدولة حيث وردت اليها حتى الآن حوالي 18.6 مليار ريال مقابل امتياز تقديم الخدمة ورسوم الطيف والرخصة وارباح موزعة.

ان هناك العديد من العوامل القوية التي ستدعم الاداء في 2003 واهمها انخفاض الرسوم الحكومية من 27 في المائة الى 20 في المائة، اضافة الى انتهاء المصاريف المتعلقة ببرنامج التقاعد المبكر وتسوية المتقاعدين، وكذلك مع قرب انتهاء توسعة الشبكة الخاصة بها، تتوقع الشركة انخفاض استثماراتها الرأسمالية تدريجيا وبشكل سنوي على مدى الاعوام المقبلة بعد ان صرفت ما يقارب من 25.5 مليار ريال منذ عام 99 فقط.

ايضاً بدأ قطاع الاتصالات اللاسلكية (الجوال) يساهم بشكل مطرد وسخي في تحسين ايرادات الشركة، وعوضت الشركة عن تخفيض التعرفة المتتابع بالتوسع الكبير في مبيعات الجوال، وقدمت الشركة اخيراً منتجا بطاقة الهاتف المدفوع الذي وفر سيولة كبيرة للشركة، وطور مستوى التدفقات النقدية، وقلل من مشكلة الديون المتعثرة التي تصل الى 1.231 مليار ريال كما في 30 ـ 9 ـ 2002، وسيواصل قطاع الجوال عموما في الاعوام المقبلة المشاركة بسخاء في نمو عائدات الشركة كقطاع واعد، خصوصا اذا علمنا ان الشركة لم تغط حتى اليوم اكثر من 25 في المائة من الشريحة المستهدفة رغم وصولها اليوم الى خمسة ملايين خط والتوقع بوصول 8 ملايين خط بنهاية 2005.

ان الوصول الى سعر عادل للسهم هو دوما موضع «تخمين علمي» يقبل الكثير من الصواب وبعضا من الخطأ، ولكن بالنظر الى عائدات الشركة والتي قدرها رئيسها في نهاية 2002 بمبلغ 23.347 مليار ريال، واستنادا الى نسب الربحية المعلنة في التسعة شهور الأولى من 2002، وقياسا على مضاعف السوق السعودي للأسهم والمقدر بحوالي 18 مضاعفا مكررا فإننا ننظر الى سعر يراوح عند 224 ريالا تقريبا، ولو واصلت الشركة النمو بنفس النسب السنوية آخذين في الحسبان انخفاض الرسوم الحكومية من 27 في المائة الى 20 في المائة في 2003 فإننا نتوقع سعرا عادلا للسهم يساوي 281 كما في نهاية 2003.

شركة الاتصالات السعودية تتمتع بإدارة تنفيذية قوية تقود عملية اعادة الهيكلة باقتدار، وتدرك انها رغم ما انجزته منذ عام 99 فإن هناك الكثير ما زال متبقيا، ويدعمها مجلس ادارة كفء وخبير، وتتمتع بموقف مالي قوي ومتين، وتعمل في سوق مغلقة الى اجل معلوم مما سيمكنها من السيطرة على اكبر حصة ممكنة قبل وصول المتنافسين الى ارض الملعب، واما سهمها فقد ثمن بطريقة عادلة جعلته حسب وسائل التقييم الفني مغريا للمستثمرين الذين سيضمونه الى محافظهم بلا جدل.

* كاتب ومصرفي سعودي [email protected]