انتعاش قطاع العقارات في جدة وسط ارتفاع الطلب على المباني السكنية

طفرة في بناء العقارات التجارية والمستثمرون يندفعون نحو الشراء.. والمضاربة تشكل 65 في المائة من حجم السوق

TT

يتفق المراقبون لسوق العقار في مدينة جدة، او عروس البحر الاحمر كما يحلو لأهلها تسميتها، على انها ـ أي السوق العقارية ـ تعيش مرحلة (انطلاق) جديدة، قياسا بحجم المشاريع السكنية المطروحة للتمليك او الايجار أومخططات الاراضي المطروحة للبيع. والاتفاق السائد حاليا بين العاملين في سوق جدة العقارية ان حالة (الانطلاق) او النقل (الانتعاش) هي نتاج تغيرات اقتصادية داخلية شهدتها المدينة الساحلية سواء من الناحية الجغرافية او العمرانية، خلال الاعوام الماضية وأثرت ايجابا في تحريك قوى الطلب، بعد ان عانت السوق من حالة (تشبع) اثر هجمة كبيرة تعرضت لها من قبل مستثمرين وفدوا اليها قبل عامين تقريبا كزوار ثم استطابة اقامتها، فاشتروا أراضي وشققا وعقارات للزيارات المتكررة محدثين أشبه بطفرة في البناء، لا سيما في العقارات التجارية. فما هي التغيرات الاقتصادية والاخرى الجغرافية السكانية التي اوصلت سوق جدة العقارية إلى حالة (الانطلاق)؟ وكيف يمكن التنبؤ والتوقع بخارطة السوق المقبلة؟ فيما يخص التطورات الاقتصادية فان مدينة جدة أصبحت من الوجهات السياحية السعودية الأولى بالنسبة لخيارات العائلات على مدى اشهر السنة، وبالاخص خلال الاجازات الدراسية التي تشهد تدفق ما يزيد على مليون شخص من المدن الاخرى. وتبعا لذلك، فان ابرز تطور شهدته مدينة جدة هو امتداد مخططات الاراضي ومساحة العمران الى المنطقة الساحلية الجنوبية التي شهدت اقبالا مرتفعا من المستثمرين وذوي المداخيل المتوسطة، بعد ان شهدت المنطقة الساحلية الشمالية ما يشبه (الهجرة نحو الشمال) وبما حولها الى منطقة متخمة. ولم يقف الامر عند ذلك، فالمنطقة الشمالية تمددت ايضا لمسافة لا تقل عن 50 كيلومترا، وشهدت السوق هنا اخيرا طرح اكثر من مخطط، مثل: «خالد السياحي»، «الرياض»، «النعيم» وغيرها، وهي تلقى حاليا اقبالا كبيرا. لكن الواقع ان من يحاول تقييم احتياجات ومتطلبات مدينة جدة الاسكانية، سيجد ان سكانها الدائمين يقدر عددهم بنحو ما يزيد عن مليوني نسمة تقريبا، كما انها تستقطب كذلك الكثير من السكان الموسميين الذين يمتلكون وحدات سكنية فيها لقضاء الاجازات. وتمتد جدة على مساحة 350 كيلومترا مربعا بينما انتشار المباني يأخذ طابعا رأسيا على طول ساحلها من الشمال الى الجنوب، اذ يمتد ساحل جدة بطول 100 كيلومتر. ووقع النطاق العمراني لمدينة جدة تحت ضغوط ظروف طبيعية وبيئية انعكست على مساحات الامتداد والتوسع في هذا النطاق، فمن جهة الغرب يقف البحر عائقا أمام التوسع من هذه الجهة، واذا ما اتجهنا جنوبا، فان المناطق الصناعية تشكل حاجزا طبيعيا يعيق امتداد المدينة في هذا الاتجاه، الا في حالة اختراقه بطرق سريعة تربط شمال المدينة بجنوبها، بعيدا عن الاختناقات. اما الجهة الشرقية فان سلسلة التلال تقف حاجزا طبيعيا يمكن تطويعه وتطويره من اجل ربطه بشبكة طرق المدينة، هذا اذ ما تجاوزنا بعض المخططات السكنية التي ظهرت، شرق الخط الدائري. وهنا تجدر الاشارة الى ان تلك المنطقة السابقة شهدت اقامة أحياء سكنية بطريقة عشوائية وبما انسحب سلبا على مستوى اسعار الاراضي هناك، مثل حي قويزة. وهنا يتوقع بعض العقاريين أن تشهد المنطقة نموا سكنيا لصالح ذوي الدخل المحدود. اما الجهة الشمالية فان مطار الملك عبد العزيز الدولي بات يشكل عائقا امام توازن نمو المدينة في هذا الاتجاه، الا انها لن تستطيع ان تتخطى هذا الحاجز لأنه يتوقع ان يصبح المطار في وسطها بعد عشرين عاما، كما حدث للمطار السابق. وهذا ما يدعو للبحث جديا في نقله الى منطقة اقل كثافة سكانية تخدم كلا من مدينتي جدة ومكة المكرمة.

تجدر الاشارة الى ان شركة «جاكسون انترناشيونال سعودي كونسلتنتس» التي ساهمت في تخطيط جدة عام 1987، وجدت أن التخطيط الطولي هو المناسب لمدينة جدة، وذلك لوجود البحر من الناحية الغربية ولان اتجاه الرياح شمالي غربي، مما يرفع الاقبال على المباني والأراضي المطلة على هذه الجهة. ومن هذه النظرة جاء طريق المدينة، وشارع الأمير فهد، والخط الدائري، لتشكل ما شابه (فاصل او قاطع) حول المدينة الى قطاعات طولية تسمح بالتمدد الطولي، وبناء عليه تم اختيار موقع المطار الدولي الحالي وفقا لتلك الاعتبارات. يوجد في مدينة جدة ما يزيد عن 35 حيا سكنيا، وتتميز هذه الاحياء بتفاوت اسعارها سواء للسكن او للاستثمار التجاري، ومن ابرزها 12 حيا هي: الاندلس، والفيصلية، والحوامات، والشرفية، والحمراء، والرحاب، والشاطئ، والبوادي، والعزيزية، ومشرفة، والروضة، والنزهة. وبذلك فان معظم الاستثمارات العقارية ذات المردود الاستثماري الجيد تتمركز في هذه الاحياء. وهناك احياء اخرى، مثل: الصالة الشمالية، وخالد النموذجي، وأبحر الشمالية، والنور، لا تزال الاقل نموا واسعارها منخفضة.

ومما يميز الاحياء الـ12 السابقة انها تقع على المحاور او (الشوارع) التجارية الرئيسية للمدينة، وهي شارع التحلية الذي يعتبر ثاني اهم شارع تجاري في جدة بعد شارع الملك عبد العزيز الذي يصفه العقاريون بأن (رماله من ذهب). ويمتاز القسم الأول من شارع الأمير فهد حتى طريق الملك بكونه من اهم المراكز التجارية، كما يسمح ببناء ستة طوابق فيه. ويسيطر عليه عدد من كبار ملاك الاراضي بمساحات كبيرة تمثل بالنسبة اليهم استثمارات طويلة المدى، فيما تنخفض اسعار الاراضي كلما اتجهنا شرقا. اما شارع ساري فهو يعتبر من الشوارع ذات النشاط التجاري المكثف، لا سيما تلك الواقعة بين طريق المدينة وشارع الأمير سلطان. ومن الشوارع الرئيسية المهمة: شارع فلسطين الذي يتسم بكثافة سكانية عالية، لكن هذا الشارع فقد بعض بريقه العريق مع حركة النزوح السكانية نحو الشمال، ويوجد بهذا الشارع مركز جمجوم التجاري، الذي يعد أحد اكبر المراكز التجارية في المنطقة، وكلما اتجهنا شرقا تدنت اسعار الاراضي. اما شارع حراء فقد شهد خلال العامين الماضيين تغيرات واسعة ادت الى ارتفاع اسعاره الى الضعفين مقارنة مع اسعاره في الماضي، اثر تدفق طبقات متوسطة الدخل عليه وزيادة المراكز التجارية ذات المستوى المتوسط انسجاما مع الطلب. اما طريق المدينة فهو واحد من اهم المحاور الطولية في مدينة جدة لأنه يمتد من المطار الى وسطها، وتتميز المنطقة الواقعة جنوب شارع فلسطين بأنها مستغلة بنسبة عالية جدا وبمحدودية الاراضي المتوافرة للبناء، هذا بعكس شمال الشارع الذي توجد فيه مساحات شاسعة والذي اقيمت عليه مشاريع تجارية كبيرة. اما شارع الأمير عبد الله فيتسم بتنوع الاستثمار عليه بين السكني والتجاري، فيما لم يشهد شارع الأمير سلطان استغلالا كبيرا نظرا لحيازة مساحات كبيرة من قبل كبار الملاك الذين يحجبون هذه الاراضي عن السوق الا في صفقات كبيرة تشمل المخطط بالكامل.

ينقسم العرض في سوق جدة الى ثلاثة اقسام، يتميز كل قسم منها بخصوصيته ونوعية المشترين، وهذه الاقسام هي:

أولا: المباني السكنية: نتيجة لطبيعة سوق الاستثمار العقارية ولمحدودية النطاق العمراني، اتجه المستثمرون خلال الاعوام العشرة الاخيرة الى المباني السكنية التي تؤمن لهم ربحا يفوق أحيانا معدل 90 في المائة، فيما لو اتجهوا الى سوق الفيلات السكنية. وينشط العديد من أنصاف المستثمرين في هذا القطاع حيث اتجه البعض منهم خلال الخمسة اعوام الاخيرة إلى تحويل هذه المباني الى شقق مفروشة. وتبعا لذلك، ارتفعت اسعار الشقق بنسبة 30 في المائة في الأحياء الشمالية، كما ادى اقبال المؤسسات والشركات ورجال الأعمال على جدة الى نمو قطاع الايجارات.

ثانيا: المراكز التجارية: حسب احصائية غير رسمية هناك اكثر من 200 سوق ومركز تجاري فضلا عن اكثر من 35 ألف محل تجاري. ويعاني العرض من المحلات التجارية حاليا من تخمة، وهذا ما يضطر المستثمرين في القطاع الى تخفيض قيمة المحلات من جهة، ويحملهم على المنافسة في النوعية من جهة اخرى. وتتجه السوق حاليا الى التركيز على النوعية المتميزة من المراكز التجارية الشاملة. ثالثا: الاراضي: ونعني بها المخططات الجديدة، وهذه السوق تتحكم فيها العديد من العوامل مثل اكتمال الخدمات في المخططات وموقعها. ويلاحظ هنا ان مدينة جدة شهدت ظهور مخططات عديدة في الفترة الماضية، لكن اندفاع المشترين اليها بقي مشروطا باستكمال الخدمات فيها. لعبة الاسعار يتفق عقاريون تحدثت اليهم «الشرق الأوسط» ان اسعار الاراضي في مدينة جدة توصف بأنها مرتفعة مقابل مستوى ايجارات منخفض نسبيا للمساكن. ويقول العقاري أسعد طيب، الذي يمتلك عدة مخططات في مدينة جدة، ان سوق جدة تتميز في كثير من الاحيان بالتقلب تبعا لقوى العرض والطلب وحركة النمو المتسارعة من ناحية وسرعة تلبية المستثمرين للاحتياجات الناشئة من ناحية اخرى، اذ تتفاوت اسعار الاراضي من منطقة الى اخرى في الجنوب والوسط والشمال. ويرى أحمد المهندس، أحد المختصين في سوق العقار في مدينة جدة، ان شراء وبيع الاراضي لأغراض المضاربة يشكل نسبة 65 في المائة من حجم السوق الكلي، وهي تتركز بالدرجة الأولى في المخططات الجديدة شمال وشرق جدة. ويضيف ان استثمارات ضخمة تدفقت الى السوق خلال العامين الماضيين ساهمت في تضخم اسعار الأراضي في جدة، فارتفعت بنسبة 100 في المائة منذ ازمة الخليج، ومن هنا ـ والحديث للمهندس ـ نجد ان الكثير من الذين قدموا الى جدة ابان الازمة استطابوا جدة وتحركت رغبتهم في امتلاك مساكن ثابتة لهم فيها لقضاء اجازاتهم، وبالتالي اتجهوا الى شراء اراضي. من جهته يقول غسان بخاري، صاحب مكتب عقاري، ان لعبة العقارات في السعودية، كما في أي بلد، لا أحد يستطيع اتقانها بسهولة، وهو الامر الذي يفسر بقاء اسعار الاراضي مرتفعة في ظل انخفاض ايجارات المساكن. ويلمح عقاري، رغب عدم تسميته، ان ما يحدث في بعض الاحيان اشبه بـ (اللعبة) تبدأ حينما يطرح أصحاب المخططات جزءا من الاراضي التي يمتلكها ولنقل 30 في المائة على الجمهور بسعر 100 ألف ريال مثلا للقطعة الواحدة، وبعد اسبوع او اسبوعين يطلب صاحب المخطط من أصحاب المكاتب العقارية شراء القطع المباعة بسعر 150 ألف ريال مثلا، وبما يشيع في الاسواق ان المنطقة التي يوجد فيها المخطط ارتفعت اسعارها بدرجة كبيرة، ويطرح في نفس الوقت 40 في المائة من المخطط للبيع، وبهذا يرتفع الطلب. وعلى الرغم من الانخفاض الكبير في اسعار الاراضي الواقعة في ضواحي جدة، مثل منطقة خليج سلمان التي ارتفعت اسعارها حاليا، الا ان أسعار الاراضي التي فيها الخدمات الاساسية (المياه، الكهرباء، والهاتف) خاصة غرب طريق المدينة، ما زالت محتفظة بقيمتها الاستثمارية. ويقول أحد العقاريين: تكدست ملايين الريالات بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 فارتفعت اسعار اراضي المنح بنسب كبيرة بسبب المضاربات العقارية، لكنها عادت وانخفضت بنسب تصل الى 60 في المائة بعد تأكد معظم أصحاب الاراضي هناك ان الخدمات لن تصل قريبا. ويضيف ان المناطق التي تقع غرب طريق المدينة المتوافرة فيها الخدمات الاساسية مازالت محتفظة بقيمتها الاستثمارية. وكانت اسعار الاراضي قد ارتفعت خلال العامين الماضيين ، وعادت ـ على حد قول اكثر من عقاري ـ الى المستويات التي كانت سائدة ايام الطفرة الأولى في بداية الثمانينات، ثم انخفضت بشكل عام في العام الماضي بسبب الوضع الاقتصادي العام، الا ان سوق الايجارات خاصة العقارات ذات الجودة العالية لم تتأثر.

اما فيما يخص تأثير فتح تملك الاجانب للعقار في السوق السعودية، فان العقاريين يؤكدون ان خارطة السوق السعرية ستشهد تغيرا جذريا اذا ما بدأ ضخ مدخرات الاجانب في السوق.

* 2500 مكتب عقاري في جدة

* تتميز جدة بارتفاع عدد المكاتب العقارية، حيث تقدر بنحو 2500 مكتب، 50 في المائة منها تعمل في مجال المضاربة والاحتكار في المخططات العمرانية الجديدة، بينما تعمل الاخرى في مجال التأجير وأعمال السمسرة تساندها مجموعة كبيرة من المتعاونين العقاريين. ويلاحظ هنا أن أحد شوارع مدينة جدة الشمالية يضم اكثر من 150 مكتبا عقاريا، وتمر المكاتب العقارية حاليا بحالة ركود نسبي في نشاطها بسبب تدني الطلب على خدماتها بعد تشبع السوق. وهناك من ينادي بضرورة تنظيم هذه المهنة ووضع الاسس لها. لكن آخرين يعارضون ذلك بحجة انها تعتبر منافية لقواعد حرية السوق. فزيادة عدد المكاتب تمت في البداية نتيجة لارتفاع الطلب على خدماتها، واذا ما تراجع الطلب، كما هو الحال في الوقت الراهن، فان المتوقع هو ان يستبدل عدد كبير منها نشاطه، او ان تلجأ هذه المكاتب الى مزاحمة ومنافسة بعضها البعض حيث سيكون البقاء للأفضل. وما تستطيع غرفة التجارة ان تفعله هنا، هو ان تضع قواعد وأسسا وان تلزم المكاتب العقارية باحترامها لضمان افضل وارخص خدمة للزبائن.