دراسة اقتصادية: المصارف والمؤسسات العائلية الخليجية هي الأكبر تأثرا بأحداث سبتمبر

أصولها بلغت 103 مليار دولار وإيداعاتها 84 مليار دولار وأسلوب استثماراتها يغطي 48 بلدا

TT

طرحت دراسة اقتصادية حديثة العديد من المخاوف التي تواجهها الاقتصاديات الخليجية والتي كان ابرزها التحديات التي تواجه المصارف الاسلامية ومؤسسات الاعمال العائلية في دول المجلس والتي اصبحت مطالبة بالشفافية بذريعة تخفيف مصادر تمويل الارهاب، بالاضافة الى الصعوبات التي تواجه المستثمرين الخليجيين بصفة خاصة وخطورة بقاء استثماراتهم بالخارج في ظل هذه التداعيات غير المطمئنة.

واشارت الدراسة التي اعدها عبد العزيز عثمان صقر رئيس مجلس ادارة مركز ابحاث الخليج، ونشرتها حديثا المجلة الاقتصادية لمركز النشر الاقتصادي بالرياض «الى تعرض المصارف الاسلامية لخسائر فادحة نتيجة لتركيز جهود الولايات المتحدة وحلفائها على تتبع اموال من تعتبرهم ارهابيين او مؤيدين للارهاب بعد احداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، حيث لم تقتصر الحرب الاقتصادية ضد الارهاب على تجميد اموال قائمة طويلة من المشتبه في تورطهم بشكل او بآخر في اعمال ارهابية، ولكنها شملت ايضا عددا من المؤسسات الخيرية ورجال الاعمال الذين يقدمون مساعدات خيرية»، بل إن الاخطر من ذلك هو حملة التشكيك والدعاية المشوهة تجاه المصارف الاسلامية، مما سيؤثر في مستقبلها ويهدد وجودها بعدما بدأت في تحقيق تقدم ملموس في عديد من الدول العربية والاسلامية وعممت طريقة الاستثمار الاسلامية على اكثر من 48 دولة في العالم، تمثل ثلث الدول الاعضاء في صندوق النقد الدولي. ومما لا شك فيه ان هذه الاجراءات الاميركية ستؤثر سلبا في اقتصاديات دول مجلس التعاون التي تستأثر بمعظم نشاط المصارف الاسلامية في العالم والتي تبلغ قيمة اصولها 103 مليار دولار وايداعاتها 84 مليار دولار.

كما ان احداث 11 سبتمبر رفعت من وتيرة التحديات التي تواجهها مؤسسات الاعمال العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصا بسبب تسليط الاضواء من قبل مؤسسات الرقابة الدولية والمطالبة بالشفافية بذريعة تخفيف مصادر تمويل الارهاب.

وتستشهد الدراسة في هذا الصدد بقول غريغوري غوس GregoryGause المتخصص في شؤون الشرق الاوسط بجامعة فيرمونت والذي ذكر «ان احد الاشياء التي كانت متاحة للمؤسسات الاسرية هو الاحتفاظ بسرية دفاترها المالية، لانها لم تكن مضطرة لإخطار مساهمين من الخارج بما يحدث» واشار الى تزايد الضغوط لكشف الاوضاع المالية للمؤسسات بعد هجمات 11 سبتمبر وان «دفاتر الشركات لم تعد حكرا عليها لان الولايات المتحدة تصر على معرفة اين تذهب الاموال».

وتطرح الدراسة التساؤل حول الاسباب التي دفعت الاموال الى الهجرة، وتوجه الدعوة الى العمل على حلها على وجه السرعة والتخلص من المعوقات التي تفرضها القوانين والتشريعات التي تضع القيود على حركة الاموال. وفي هذا الصدد تتساءل الدراسة : الم يحن الوقت لادخال الاصلاحات التي تزيل المعوقات الجمركية والتعقيدات البيروقراطية التي تواجه المستثمر؟ ألسنا احق في اقامة قاعدة صناعية راسخة تساهم في ايجاد فرص عمل للعاطلين بما يساعد في ترسيخ دعائم الامن والاستقرار الاجتماعي؟

وتشير الدارسة الى ان فرص الاستثمار في دول الخليج ما زالت محدودة لصغر السوق وضعف اسواق الاسهم والمصارف الخليجية، فدول الخليج لا تزال تعتمد اساسا على النفط والغاز، وهي مجالات استثمارية تستأثر بها الحكومات، علاوة على ان معظم حكومات دول مجلس التعاون تستثمر جزءا كبيرا من عوائدها النفطية في اسواق المال الاميركية والاوروبية، الامر الذي يشجع مواطنيها على السير على خطاها خصوصا ان العائد في الخارج لا يزال مغريا مقارنة بالعائد الاستثماري في الدول العربية.

ومع ان الفرص الاستثمارية في دول مجلس التعاون محدودة بصفة عامة، الا ان هناك فرصا وامكانيات للاستثمار في مجالات الصناعة البتروكيماوية وقطاعي النفط والغاز وبخاصة في ما يتعلق بمعدات وقطع غيار الصناعة النفطية وصيانة الآبار والمنشآت النفطية والتي تكلف دول المجلس مليارات الدولارات. هذا بالاضافة الى توجيه الاستثمارات لاقامة قاعدة اقتصادية متكاملة تكون كفيلة بتنويع مصادر الدخل وايجاد فرص العمل.

ومع توافر هذه الفرص الاستثمارية والرغبة في عودة الاموال الخليجية المهاجرة بقوة بعد احداث 11 سبتمبر فان على الحكومات الخليجية تشجيع هذه الاموال على العودة باتخاذ خطوات جدية وادخال اصلاحات تشريعية وادارية واجرائية توفر الضمانات والتسهيلات اللازمة للاستثمار وتقلص احتكار الحكومات لمجالات استثمارية عديدة كالنفط والغاز والاتصالات وغيرها.

وتقدم الدراسة العديد من التوصيات لتقليص حجم المصاعب والتحديات التي تواجهها الاقتصادات الخليجية واصحاب رؤوس الاموال الخليجيون وذلك عن طريق البدء بتوجيه مزيد من الاهتمام لبناء قواعد بيانات ومعلومات عن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في دول مجلس التعاون، حيث تعاني هذه الدول بدرجات متفاوتة من غياب قواعد البيانات والمعلومات المرتبطة بقضاياها واوضاعها الداخلية أو ضعفها، فضلا عن عدم دقة ما هو متاح من معلومات في كثير من الحالات. كما ان هناك حاجة لاعادة النظر في سياسات الاجهزة الرسمية في التعامل مع المعلومات المتاحة، حيث ان بعضها يحجب عن الباحثين بذريعة السرية والمصلحة العامة.

كما يلزم الامر الشروع بشكل عاجل وجاد في تنفيذ مشروع بحثي في اطار الامانة العامة لمجلس التعاون الخليجي او اية مؤسسات اكاديمية خليجية، يتناول الانعكاسات القائمة والمحتملة لهجمات 11 سبتمبر وتداعياتها على اقتصاديات دول المجلس، على ان يتم حشد نخبة من المتخصصين والخبراء لانجاز هذا المشروع خلال فترة زمنية مناسبة.

وتوصي الدراسة كذلك بتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، ووضع استراتيجيات تساعد في المحافظة على الثروة النفطية التي تشكل عائداتها 80 ـ 90 في المائة من الصادرات وحوالي 75 في المائة من مجموع الايرادات العامة، عن طريق تسعير هذه السلعة الاستراتيجية بسلة من العملات، تحاشيا لتأثر العائدات النفطية بأي تقلبات في سعر صرف الدولار والتنسيق مع جميع الدول الاخرى المصدرة للنفط من داخل منظمة «أوبك» وخارجها للمحافظة على اسعار مقبولة.

وعلى المصارف الخليجية القيام برفع مستوى كفاءتها الادارية وتنويع سلة احتياطياتها من العملات الاجنبية لتجنب تبعات الانخفاض في سعر صرف الدولار وذلك حتى تتجنب تبعات الانخفاض في سعر الدولار وحتى تتمكن من جذب المزيد من الاموال المهاجرة التي يمكن استثمارها في اقامة مشاريع تنموية. وكذلك انشاء بورصة خليجية موحدة تبدأ ببعض الاسهم الجيدة وادراج مزيد من الشركات في هذه البورصة بهدف جذب مزيد من الاموال الخليجية المهاجرة للأسواق المحلية وايجاد البيئة الملائمة للاستثمار، علاوة على اقامة سوق خليجية مشتركة لتنشيط التجارة البينية بين دول مجلس التعاون والدول العربية الاخرى والانفتاح على اسواق جديدة في العالم، والعمل على وضع التخطيط الاقتصادي الجيد طويل الامد وتحسين المناخ الاستثماري من خلال اعادة النظر في الانظمة والقوانين السائدة وتحقيق الشفافية والتخلص من مشاكل الجمارك المعقدة والبيروقراطية.

وتضيف الدراسة انه يلزم العمل على التعريف بالفرص الاستثمارية المتاحة في دول المجلس لجذب مزيد من الاستثمارات الاجنبية المباشرة وغير المباشرة. بالاضافة الى تشجيع السياحة بين دول المجلس وبعضها من ناحية، وبين دول المجلس والدول العربية الاخرى، خصوصا ان السياح العرب ينفقون سنويا ما يزيد على 28 مليار دولار في الخارج، على ان يواكب ذلك تشجيع اقتصاد المعرفة وتوفير ما يتطبه هذا الاقتصاد من مراكز ابحاث ودارسات ومعلومات.