تراجع المبيعات خلال موسم الأعياد يزيد من مخاوف انزلاق الاقتصاد البريطاني

TT

لم تساعد نتائج العديد من شركات مبيعات التجزئة البريطانية لفترة عيد الميلاد وتنزيلات رأس السنة على تبديد المخاوف من الخطر الذي يهدد الاقتصاد البريطاني بالدخول في فترة ركود اذا ما تدهور الاداء الاقتصادي في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، واذا انهارت اسعار البيوت من المستويات المرتفعة التي سجلتها والتي ارتفعت بنسبة فاقت 25 في المائة في .2002 وقد جاء اداء شركات مبيعات التجزئة في بريطانيا خلال فترة الاعياد متبايناً، وان طغت على نتائج معظمها ارقام غير مشجعة عكست احجاماً لدى بعض المستهلكين عن الانفاق، خصوصاً خلال فترة ما قبل العيد التي فضل الكثيرون التريث فيها بانتظار التنزيلات.

وكانت مجموعة «ديكسونز» ـ التي تنتشر محلاتها المتخصصة في الالكترونيات في جميع الشوارع التجارية في بريطانيا ـ اول من بدء بنشر الاخبار السيئة للمستثمرين، حين اعلنت عن مبيعات مخيبة للامال، لافتة الى ان الاداء الضعيف سيؤثر على ارباحها. فقد اقتصرت نسبة نمو مبيعات المجموعة خلال فترة الثمانية اسابيع المنتهية في 4 يناير (كانون الثاني) على 1 في المائة بالمقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي. وعلق جون كلير الرئيس التنفيذي لـ«ديكسونز» لتلفزيون «بي.بي.سي» على هذه النتائج بالقول «ليس هذا نتيجة لاخطاء ارتكبناها بل هو دليل على ضعف الانفاق الاستهلاكي لكن رمي كلير باداء مجموعته على كاهل انفاق المستهلكين لم يقبل من بعض المحللين الذين اعتبروا المشكلة منحصرة باداء «ديكسونز» وليست بالضرورة انعكاساً لتراجع الانفاق. «اعتقد انهم خسروا كثيرا لصالح متاجر «ارغوس»، هكذا علق ريتشارد راتنر محلل مبيعات التجزئة في «سيمور بيرس».

والحقيقة ان متاجر «ارغوس» كانت من المؤسسات الكبيرة القليلة التي اعلنت ارتياحها لنتائجها في فترة الميلاد. وذكرت وكالة رويترز ان مبيعات «ارغوس» ـ المتخصصة بالبيع عبر الكاتالوج ـ ارتفعت بنسبة 7 في المائة في الـ14 اسبوعا المنتهية في 4 يناير، ناقلة عن الشركة قولها ان الاقبال على شراء تلفزيونات الشاشات المسطحة واجهزة «دي.في.دي» ساهم في رفع نسبة المبيعات بشكل ملحوظ.

وحذت متاجر «ماركس اند سبنسر» الشهيرة حذو مجموعة «ارغوس» بالاعلان خلال الاسبوع عن نمو مبيعاتها في فترة الاعياد بشكل لافت، حيث ارتفعت خلال فترة الـ15 اسبوع المنتهية في 11 يناير بنسبة 7 في المائة.

لكن حتى في ظل النتائج الافضل التي اعلنتها مجموعتا «ارغوس» و«ماركس اند سبنسر»، كان هناك اشارات تدعو للحذر من اتجاه الانفاق الاستهلاكي. فقد اعلن المسؤول المالي في مجموعة «جي.يو.اس» المالكة لمتاجر «ارغوس» ديفيد تايلور انه بالرغم من عدم اعتقاد مجموعته «بذوبان ثقة المستهلكين» الا انها تدرك ان نسبة نمو المبيعات في عام 2003 ستكون اقل من نظيرتها في .2002 اما «ماركس اند سبنسر» فقد لفتت الى ان مبيعاتها في قسم الالبسة نمت بنسبة 9.8 في المائة، وهي اقل مما كانت تتوقع.

اما بالنسبة للمؤسسات التجارية الاخرى، التي لا تخلو شوارع التسوق الرئيسية من محلاتها، فقد اصدرت معظمها نتائجاً غير مطمئنة. ففيما خص مجموعة «نكست» للالبسة، وعلى الرغم من ارتفاع مبيعاتها في الستة اشهر الاخيرة بنسبة 1.7 في المائة، فان هذا النمو يعتبر ضعيفاً جداً بالمقارنة مع النمو الذي تحقق في الفترة المماثلة من العام السابق والتي بلغت 9 في المائة. وخيبت سلسلة محلات «ماذر كير» امل المستثمرين باعلانها عن تراجع مبيعاتها في فترة الـ13 اسبوعاً المنتهية في 10 يناير، محذرة من ان ادائها الاجمالي لعام 2002 سيكون اقل من المتوقع.

والقت «ماذر كير» ـ المتخصصة بحاجيات الاطفال والامهات ـ باللوم على احجام المستهلكين عن الانفاق قبيل عيد الميلاد، بالاضافة الى المنافسة المتمثلة باقسام البسة الاطفال في المتاجر الكبرى الاخرى.

اما متاجر «نيو لوك» التي تقدم الالبسة النسائية باسعار رخيصة الكلفة، والتي اعلنت عن ارتفاع قوي في حجم مبيعاتها في فترة تنزيلات الميلاد، قالت ان التنزيلات الضخمة خفضت كثيراً من هامش الربح. واعلنت «نيو لوك» ان ارتفاع المبيعات بنسبة 5.1 في المائة خلال الاسابع السبعة المنتهية في 11 يناير تصاحب مع انخفاض الارباح الاولية بنسبة 1.3 في المائة. ووصفت سلسلة متاجر «وول ورث» نتائجها في فترة الاعياد بالمُرضية، معلنة ان مبيعاتها في الاسابيع الستة المنتهية في 11 يناير ارتفعت بنسبة 1.5 في المائة، مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق، مبدية تفاؤلها بتحسن النتائج في العام الحالي.

بالطبع، لا يقتصر سوق مبيعات التجزئة البريطاني على الشركات المذكورة اعلاه، وبالتالي فان عدداً اخر من الشركات كان اداؤها مختلفاً. لكن الاتجاه العام عكس ـ رغم تفاوت الاداء ـ حذراً من انحدار ثقة المستهلكين واحجامهم عن الانفاق. ويعتبر الانفاق الاستهلاكي من اهم العوامل المحركة لعجلة الاقتصاد البريطاني حالياً، خاصة مع تدهور الصناعة بسبب ضعف قطاع التصدير. وكان الانفاق الاستهلاكي ارتفع بشكل ملحوظ مع انخفاض نسبة الفائدة التي بقيت على مستوى 4 في المائة منذ شهر ابريل (نيسان) الماضي.

غير ان مخاوفاً من تدهور اسعار البيوت بشكل حاد بدأ يتردد صداها، مما ينعكس على انفاق المستهلكين. فالكثير من البريطانيين عمدوا الى الاقتراض متخذين من قيمة بيوتهم المرتفعة ضماناً لهذه القروض. وهذه المخاوف ربما تترجم حالياً بتراجع انفاق البريطانيين، الامر الذي اذا ما اجتمع فعلاً مع تدهور في اسعار البيوت وتراجع في نسبة نمو الاقتصاد العالمي ـ وتحديدا الاقتصاد الاميركي والاوروبي ـ بشكل يقلل من فرص قطاع التصدير، المتراجع اصلاً، فان الاقتصاد البريطاني مهدد، حسبما حذرت لجنة السياسة النقدية في بنك انجلترا، بالانزلاق الى مرحلة ركود.

=