مصرفيون لبنانيون يرفضون الضريبة على فوائد الودائع

TT

انشغلت الاوساط الاقتصادية والمصرفية امس بالقرار ـ المفاجأة الذي اتخذه مجلس الوزراء، والقاضي بتعديل مشروع قانون الموازنة العامة عبر فرض ضريبة بنسبة 5% على فوائد الودائع المصرفية بهدف تعويض تناقص الايرادات المقدرة للعام 2003 بعدما الغت لجنة المال والموازنة في المجلس النيابي عدة مواد من مشروع القانون.

وفيما يتوقع ان يكون التعديل الجديد، مدار جدل في الجلسة النيابية العامة المقررة لمناقشة مشروع قانون الموازنة، يومي الاربعاء والخميس المقبلين، اعتبر مصرفيون وخبراء تحدثوا لـ«الشرق الاوسط» ان توقيت فرض الضريبة مع الانخفاض الدراماتيكي الذي يطرأ على معدلات الفوائد، بعد انعقاد مؤتمر باريس الثاني، سيقلل حتماً من مزايا جذب الودائع الخارجية الى لبنان، كما سيسجل كلفة اضافية على المودعين لصالح الخزينة العامة، بعدما انحدرت عوائد اموالهم بمعدلات تجاوزت 50 % من جراء انخفاض معدلات الفوائد من متوسط 13 % الى 7 % لودائع الليرة ومتوسط 7 % الى 4 % لودائع الدولار.

واكد المصرفيون، الذين فضلوا عدم الكشف عن اسمائهم، ان الاثر المحدود الذي يحققه اقتراح الضريبة على واردات الموازنة من جهة وعلى حصيلة الودائع، يبقى شكلياً بحد ذاته، لكن الخطورة تكمن، في التوجه العام لاعتماد قاعدة جديدة في ادارة مالية الدولة تقوم على اقتطاع اموال خاصة لتغطية انفاق عام، يشكل الهدر جزءاً اساسياً منه، سواء بالنسبة لتضخم القطاع العام او بالنسبة للتقديمات الاجتماعية والصحية الموازية.

ويقول الخبراء والمصرفيون، ان تمرير هذا التعديل في المجلس النيابي، سيكون سابقة خطيرة لتكريس الاستسهال في تكوين واردات اضافية للخزينة العامة، فيما يمكن للدولة، ان تعتمد القاعدة الانسب لمعالجة الفجوة القائمة بين الواردات والانفاق، عبر ترشيد الانفاق ، وحجم الدولة ، واعادة النظر بالتباين الكبير في التقديمات الموازية بين ادارة واخرى. اضافة الى تحصيل الواردات الشرعية للخزينة سواء عبر توسيع قاعدة مكلفي الضرائب والرسوم او عبر استغلال الموارد المتاحة ومنها الاملاك البحرية والنهرية العمومية التي يتأجل البت بقانونها بسحر ساحر كل فترة.

وبحسب الاحصاءات المصرفية المجمعة فان مجموع ودائع القطاع المصرفي يبلغ حالياً حوالي 42 مليار دولار ، كانت تدر عوائد بحدود 4 مليارات دولار سنوياً لاصحابها ، قبل الانخفاضات المتتالية الاخيرة لمعدلات الفوائد التي خفضت العوائد الى حوالي ملياري دولار، مما يعني ان اقتراح الضريبة الجديدة سيؤدي الى اقتطاع 100 مليون دولار منها لصالح الخزينة العامة. وهو مبلغ محدود قياساً الى مفاعيله السلبية في تحجيم المزايا التنافسية التي تتمتع بها المصارف اللبنانية لجذب الودائع الخارجية، ومنع الودائع المحلية من الخروج الى اسواق بديلة.

واذ يتوقع احد كبار المصرفيين، ان تكون هذه الهواجس ماثلة امام النواب في الجلسة العامة يوم الاربعاء المقبل، يؤكد، في المقابل، ان تمرير التعديل الذي سيتحمله المودعون في المصارف دون غيرهم، يمس ايضاً، في جانب منه، طبيعة النظام الاقتصادي والمصرفي الذي اعتمده لبنان منذ استقلاله، كما يشكل انقلاباً على التوجهات والمبادئ الاساسية لحكومة الرئيس رفيق الحريري الذي كرر في مناسبات عدة، معارضته الشديدة لفرض اي ضرائب او رسوم تطال ودائع القطاع المصرفي او سندات الخزينة لتناقض ذلك مع الهدف المتوخى لتعزيز وضع لبنان كمركز مالي ومصرفي متقدم في المنطقة.

وفي هذا السياق وجد الرئيس السابق للحكومة اللبنانية سليم الحص في القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء ما يؤدي الى تنفير الودائع الوافدة من الخارج الى لبنان والى اضرار بموقع لبنان المالي والمصرفي.

وقال الحص في تصريح ادلى به امس: «في مناسبة قرار مجلس الوزراء بفرض ضريبة مقدارها 5 % على الفوائد المترتبة على الودائع المصرفية. يهمني التذكير بمشروع المنطقة المصرفية الحرة ضمن المصارف الذي كنت قد تقدمت به بصفتي رئيساً للجنة الرقابة على المصارف الى وزير المال آنذاك الدكتور الياس سابا في العام 1970، وقد تبناه ولكن القانون لم يصدر حتى الاول من ابريل (نيسان) من العام 1975 ولم يصدر المرسوم التطبيقي له حتى 7 فبراير (شباط) 1977 في زمن حكومتي الاولى في عهد الرئيس الياس سركيس. وقد اعتبر المشروع في حينه حيوياً في تحصين موقع لبنان مركزاً مصرفياً مالياً في الشرق الاوسط.

واضاف الحص: «ينص مشروع المنطقة المصرفية الحرة ضمن المصارف على اعفاء الودائع المصرفية بالعملات الاجنبية العائدة لغير مقيمين من كل الموجبات بما في ذلك الاحتياط الالزامي الذي يفرضه مصرف لبنان ورسم ضمان الودائع وضريبة الدخل، مع المحافظة على سرية تلك الودائع في شكل تام، وقد خُرق هذا القانون مرتين خلال الآونة الاخيرة. مرة عندما فرض مصرف لبنان على كل الودائع المصرفية بالعملات الاجنبية احتياطاً الزامياً بواقع 15 %، ومرة اخرى عندما تبنت الحكومة اقتراحاً بفرض ضريبة على فوائد الودائع بما فيها تلك العائدة لغير مقيمين. وفي الحالتين ما من شأنه تنفير الودائع الوافدة من الخارج عن القدوم الى لبنان، وفي هذا ما فيه من اضرار بموقع لبنان مركزاً مصرفياً ومالياً في المنطقة العربية.

واهاب الحص بمجلس النواب «التنبه الى هذه المخالفة لقانون قائم، وبالتالي الاصرار على استثناء الودائع المحررة بالعملات الاجنبية العائدة لغير المقيمين من الضريبة المستحدثة».