كيف نستفيد من تجربة تخصيص الاتصالات؟

مطشر المرشد *

TT

شهد مؤشر سوق الأسهم السعودي تذبذبا حادا خلال الأيام القليلة الماضية وذلك بسبب دخول سهم شركة الاتصالات كعنصر أساسي بعد التعويم الأخير. وفور بدء التعامل بالسهم المدرج حديثا كسب المؤشر العام أكثر من 100 نقطة وارتفع سعر سهم الاتصالات بواقع 79 ريالا ليصل الى 249 ريالا للسهم مقارنة بسعر الطرح 170 ريالا. فبالرغم من الدعم القوي التي قدمته السلطات المالية لعملية التعويم وتغطية الكمية المطروحة من الأسهم أكثر من ثلاثة أضعاف إلا أن التطورات الإقليمية والعالمية على المستويين السياسي والاقتصادي شكلت عائقا أمام ارتفاع سعر السهم وحالت ولو بشكل مؤقت دون تخطي السعر لحاجز 250 ريالا. وقبل الحديث عن الجوانب الفنية لاستراتيجية التعويم وتأثيرها على برامج التخصيص المرتقبة يجب ذكر أن سوق الأسهم السعودي يتمتع بمتانة وقدرة على مواجهة الضغوط المرحلية لعدة أسباب منها وجود نسبة سيولة مرتفعة ووجود أسهم شركات تتمتع بقوة مالية مدرجة ضمن سوق الأسهم. أضف إلى ذلك استمرار الحكومة بتحديث الأنظمة الاستثمارية والاقتصادية مما أدى لارتفاع أعداد المستثمرين وجعل السوق المحلي أكثر جاذبية لمزيد من رؤوس الأموال، وارتفع عدد المتعاملين من المواطنين بسوق الأسهم نتيجة ارتفاع الثقة بالتخطيط الاقتصادي. وبالنظر لحركة سعر سهم الاتصالات خلال الأيام الأولى من طرحه نجد انه واجه ضغوط بيع دفعته نحو التراجع لأقل من 211 ريالا بعد أن وصل الى 249 ريالا ولأن هذا السهم يعتبر من الأسهم القيادية كان لتراجعه تأثير واضح على المؤشر العام الذي فقد أكثر من 63 نقطة ليقف قريبا من 2650 نقطة. فهناك من يقول ان السبب الرئيسي وراء عدم احتفاظ صغار المستثمرين بأسهمهم وجعلها ادخارا استثماريا طويل الاجل ليس فقط الأحداث الإقليمية بل هو التخوف من دخول السمك الكبير لسوق الأسهم وطرح نسبة كبيرة من أسهم الاتصالات للبيع. وهنا يجب ذكر أن أحد أهم الأهداف المالية لأي برنامج خصخصة هو توزيع أسهم التخصيص بين أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع لكي يتقبل الجميع خطوات التخصيص ويستطيعون تحقيق مكاسب لتعويض بعض سلبيات الخصخصة. كذلك نستطيع من خلال توزيع أسهم التخصيص على شريحة واسعة من المواطنين تجنب الاعتماد على أطراف معينة للحصول على السيولة اللازمة وبذلك نتجنب التأثيرات السلبية لعملية جذب السيولة من القطاع المصرفي وكبار المستثمرين لتوجيهها نحو أسهم التخصيص بدلا من تمويل نشاطات أخرى في قطاعات مختلفة. ربما نجدد الحديث لنقول ان الجهات المعنية بعملية طرح أسهم الاتصالات قامت بعمل جيد ساعد على رفع الثقة بين المتعاملين والمستثمرين لتمسك تلك الجهات بمستوى مقبول من الشفافية وعدم التهاون بتطبيق بنود الاكتتاب. وبالرغم من هذا أعتقد أننا نحتاج لتطبيق استراتيجية جديدة تتعلق بخطوات التعويم وطرح مزيد من اسهم التخصيص لكي نضمن استفادة الاقتصاد من برنامج التخصيص ونتجنب حدوث أي تأثيرات سلبية. لذا نطمح الى أن تنتهي الجهات المعنية من دراسة تنظيم سوق الأوراق المالية وتضعها قيد التنفيذ قبل طرح مزيد من أسهم التخصيص أو إدراج بعض اسهم الشركات الخاصة ضمن البورصة المحلية. وبهذا تستطيع هيئة السوق المالي من تحديد واختيار الخطوات المناسبة لتعويم مزيد من الأسهم. فمثلا أحد الأهداف يمكن أن يكون إلغاء الوكالات بشكل نهائي بدلا من تحديدها بعشر وكالات وكذلك تقليص نسب التسهيلات المصرفية للحد من سيطرة عدد قليل من الأفراد لنسبة كبيرة من عدد الأسهم المتداولة. ولا يخفى على أحد أن من بين العقبات التي يواجهها السوق المالي وتحد من عمقه وتجعله ينمو بشكل أفضل هي سيطرة عدد قليل من المستثمرين لنسبة عالية من عدد أسهم السوق وبنفس الوقت يسيطر نفس الأشخاص على مجالس الإدارات في الشركات المساهمة. ونطمح أيضا الى أن يقوم المجلس الاقتصادي الأعلى بإيجاد آلية موحدة لمراقبة وتقييم الأداء الإداري للشركات المزمع تخصيصها ويضع مقاييس ومواصفات موحدة لاختيار المستشارين الماليين والفنيين. فكون هذا القطاع أو غيره يخضع لوجود هيئة تنظم نشاطاته لا يعني ذلك أننا يجب أن نتخلى عن وجود منسق عام لتوجيه خطوات التخصيص المختلفة نحو هدف موحد يكون مردوده لصالح التنمية الشاملة في اقتصادنا الوطني.

* مستشار مالي وعضو جمعية الاقتصاد السعودية