وزير العمل البحريني: نحن بحاجة لبناء الثقة بين العمال والقطاع الخاص لحل مشكلة البطالة

اقتصاديون: تحديد مستوى أدنى للأجور يزيد من التحويلات الخارجية ويقلل من جاذبية البحرين للاستثمار الخارجي

TT

تعتبر مشكلة البطالة في البحرين من مشكلات سوق العمل المزمنة التي أقلقت صانعي السياسات المتعاقبين على وزارة العمل والوزارات الأخرى ذات العلاقة لسنوات عديدة لما لها من انعكاسات سياسية واجتماعية خطيرة. ومن المقرر أن يناقش مجلس النواب في جلسته يوم غد هذا الموضوع واعتبر د. مجيد العلوي، وزير العمل والشؤون الاجتماعية الذي تولى وزارة العمل في التشكيلة الوزارية الأخيرة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن القضاء على مشكلة البطالة هو تحد سيعمل من موقعه على تحقيقه.

وقال العلوي لـ«الشرق الأوسط»: «ان فريقاً غير معلن تشكل في الوزارة الجديدة وتساعده أطراف خارجية من الخبرات يعد دراسة شاملة عن أحوال العمالة في البحرين والذي من المتوقع أن يسلم لمجلس الوزراء حال استكمالها. وللمرة الأولى أعلنت نسبة بطالة مقاربة للحقيقة والتي أعلنها ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة في احدى ورش التنمية الاقتصادية التي عقدت منتصف الشهر الماضي وهي 15% أي أن عدد العاطلين يترواح ما بين 18.500 شخص الى 22 ألف شخص وهي نفسها النسبة التي قدرها التقرير النهائي للجنة مناقشة موضوع البطالة المنبثقة عن لجنة تفعيل الميثاق الأم والذي استكمل في نهاية .2001 وهذه النسبة حسبت على أساس نسبة العاطلين الى اجمالي قوة العمل البحرينية، أما بالنسبة الى اجمالي قوة العمل في البحرين فتتراوح ما بين 5.8% الى .6.8 ويتضح من هيكل العاطلين، أن 8% فقط منهم يحملون مؤهلا جامعيا بينما 40% منهم يحملون شهادة ثانوية، و40% يحملون مؤهلات أقل من الثانوية العامة و2 % أميون. وتدل هذه النسب على أن أغلبية العاطلين هم عمالة غير ماهرة أكثر حيث اتسم أكثر من من نصف العاطلين بتسربهم من المدارس الاعدادية والثانوية وبالتالي فان هؤلاء يتعرضون الى منافسة العمالة الأجنبية التي يبلغ عدد أفرادها في سوق العمل الخاص نحو 199.5 ألف شخص.

ويبقى هنا بناء ثقافة لدى العاطلين عن العمل من المواطنين تقوم على تقبل الأعمال التي تتناسب مع مؤهلاتهم ومهاراتهم بعيدا عن الاعتقاد أن عملية توفير الأعمال هي من مسؤولية الوزارة، بالاضافة الى ضرورة التخلص من النظرة الدونية للأعمال الحرفية اليدوية اذ يشتكي أرباب العمل من تدني سلوكيات عمل المواطنين وعدم جديتهم. لكن يرى العلوي «أن حل هذه المشكلة يحتاج أولا الى اعادة بناء الثقة بين قطاع الأعمال الخاص وطالبي الأعمال. وقال العلوي «نسعى لأن نجعل القطاع الخاص جذابا للعاطلين، وفي المقابل يجب تحفيز العاطلين للعمل في القطاع الخاص». ويشير الوزير هنا الى مساعي الوزارة الى تفعيل بند التأمين على العاطلين في قانون التأمينات الاجتماعية وكذلك مساعي توسعة مظلة التأمين لتشمل جميع العاملين في القطاع الخاص ومساواة المزايا التأمينية بين صندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعية ومن أبرز المشكلات التي تفاقمت خلال السنوات الماضية تفشي ظاهرة الرخص الحرة (الفري فيزا) أو العمالة غير المنظمة كما يسميها البعض، فالملاحظ أن سوق العمل يزخر بأعداد يصعب حصرها من هذه الفئة من العاملين الذين يجلبهم كفيل مستندا اما على سجل تجاري غير مستخدم أو على مقدرة (تنفذية) مهنية أو اجتماعية، وبالتالي يسرّح هؤلاء في سوق العمل ليكسبوا عيشهم بشتى الوسائل القانونية وغير القانونية على أن يعودا الى الكفيل بمبلغ معلوم في نهاية العام. وربما كانت العمالة غير المدربة التي تشملها هذه الفئة من العمالة الأجنبية من أكبر المنافسين للعمالة البحرينية ذات المؤهلات الدنيا كونها تعمل بلا تردد في أي نوع من الأعمال وبرواتب زهيدة بالكاد تكفل لها معيشتها.

ولا تغفل مساع كثيرة بذلت في السابق لمحاوطة هذه المشكلة المزمنة مثل فك ارتباك السجل التجاري بعدد العمالة التي يسمح بادخالها الا أن الاعداد الكبيرة من حملة (الرخص الحرة) التي ظلت تجوب سوق العمل فيما بعد لم تعط مؤشرا على نجاح هذه المساعي. وفي هذا الصدد يقول العلوي «أن معظم العمالة السائبة متولدة من أعمال بسيطة كمحلات البقالة الصغيرة وكذلك الخدم، ولحل هذه المشكلة لن نظلم هؤلاء بل سنحميهم بطرق تحمي السوق ولا تضر بمفاصل أخرى في الاقتصاد، أنا لا أريد أن أحل مشكلة وأخلق مشكلة في مكان آخر.

أجندة مجلس النواب لتناول هذه المشكلة غير معروفة حتى الآن ولكن ربما كان مجديا أن يبدأ المجلس بتناول السياسات التي طبقت جزئيا في سوق العمل والعمل جار على تعميمها وكذلك تلك السياسات التي تدرس بشكل جدي من أجل تطبيقها في مراحل لاحقة قريبة. وتعتبر البحرنة من أهم السياسات التي شرعت الحكومة في تطبيقها بالزام القطاع الخاص بها تدريجيا لامتصاص أعداد من العاطلين عن العمل، ويحذر اقصاديون من المضي في تنفيذ هذه السياسة في القطاع الخاص لأن ذلك يعني البدء بفرض الشروط على المستثمرين في الوقت الذي تسعى البحرين فيه الى جذب الاستثمارات الخارجية، كما أن ذلك سيؤثر على القدرة التنافسية للبحرين في المنطقة التي تخلو أسواق العمل فيها من هذه الشروط. وفي هذا الصدد يقول الاقتصادي جاسم حسين «سياسة البحرنة خاطئة في الظروف العادية فكيف في الظروف التنافسية التي يعيشها اقتصاد المملكة مع الدول المجاورة».

ومن السياسات الأخرى التي كثر عنها الحديث في الآونة الأخيرة سياسة تحديد الحد الأدنى من الأجور. ويقول الوزير «ان الحد الأدنى للأجور مطبق حاليا في المؤسسات الحكومية فقط، وننتظر حاليا نتائج دراسة تعد حاليا، ولكن تطبيق الحد الأدنى للأجور لن يكون سهلا هنا فلا بد من التأكد عند تطبيقه أنه لن يضر بالمقدرة التنافسية للشركات الوطنية. وأضاف العلوي أن «سياسة الحد الأدنى للأجور ستكون قطاعية».

ويعارض الاقتصاديون فكرة تطبيق الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المعتمد بشكل أساسي على العمالة الأجنبية، اذ تشير الاحصائيات الى أن الأجانب يشكلون 77% من اجمالي العاملين فيه مما قد يؤدي الى زيادة التحويلات الى الخارج، وتشير الأرقام الى أن اجمالي التدفقات المالية الى الخارج بلغت 1.2 مليار دولار في العام الماضي 2002 أي ما يعادل 13.5% من اجمالي الناتج المحلي والتي تعتبر، بحسب الاقتصاديين مرتفعة جدا.

وفي هذا الصدد قال المستشار الاقتصادي د. محمد العسومي لـ«الشرق الأوسط» ان تطبيق الحد الأدنى للأجور «خطأ استراتيجي» يجب أن لا تفكر الحكومة في تطبيقة على شركات القطاع الخاص لسببين الأول هو التأثيرات السلبية التي قد يولدها ضخ السيولة الى الخارج من قبل العمالة الأجنبية التي ستعتبر هذه الزيادة فائضا عن حاجتها للاتفاق على معيشتها في الداخل، وقدر العسومي حجم التحويلات الى الخارج المتوقع أن يولدها تطبيق هذه السياسة بنحو 100 مليون دينار سنويا على الأقل مما يؤثر على وفرة السيولة، بالاضافة الى آثاره السلبية على الاقتصاد البحريني لكون القيود قد تؤدي الى خروج المؤسسات الأجنبية في ظل المنافسة الحامية في دول المنطقة على الاستثمارات الأجنبية.

ويقترح العسومي الاستعاضة عن الحد الأدنى للأجور بتخصيص علاوة أبناء للعاملين في القطاع الخاص من المواطنين فقط على أن لا تزيد هذه العلاوة عن طفلين ويرى «أنه بزيادة راتب العامل في القطاع الخاص من البحرينيين بمقدار 60 دينار مثلا كمخصص علاوة لطفلين من شأنه أن يرفع الأجر أفضل من تحديد الحد الأدنى للأجور الذي سيسري أيضا على الأجانب».

وتطول قائمة البنود التي من الممكن تضمينها أجندة العمل على تنمية سوق العمل بدءا من السياسة الاقتصادية العامة التي من الممكن أن تحفز في مراحلها المختلفة نمو الأعمال وبالتالي خلق فرص عمل، الى مراجعة التشريعات وتعديل القوانين بما يتناسب مع المرحلة المقبلة ويحفظ حقوق العمال البحرينيين والاجانب على حد سواء، ومراجعة سياسات التدريب والتنسيق بين مؤسسات التعليم المختلفة.