ماركة بيويك الأميركية الوقورة تحتفل بعامها الـ100.. متربعة على عرش الموثوقية

TT

لقد غابت ماركة بيويك، إحدى أعرق ماركات السيارات الاميركية عن أسواق منطقة الشرق قبل بضع سنوات، عندما قرّرت مالكتها شركة جنرال موتورز تقليص عدد ماركاتها التصديرية الأميركية الى المنطقة مكتفية بشيفروليه وكاديلاك وجي إم سي. وبالنتيجة اختفت من صالات العرض سيارات بيويك واولدزموبيل ـ التي ستلغى نهائياً ـ وبونتياك.

غير ان لبيويك، المعروفة في مصر وبلاد الشام باسم «بويك» وفي العراق وبعض دول الخليج باسم «بيوك»، تاريخ حافل في المنطقة وتاريخ أعرض في سيرة صناعة السيارات الاميركية.

* البداية

* بدأت حكاية الماركة العريقة مع الصنايعي والمبتكر الاسكوتلندي الاصل ديفيد دنبر بيويك الذي أسس مشغلاً صغيراً لصنع محركات الغازولين (البنزين) في مدينة ديترويت بولاية ميشيغن (شمال الولايات المتحدة) عام 1899. وخلال أقل من سنة نجح المهندس العامل معه والتر مار بصنع اول سيارة في المشغل حملت اسم بيويك. غير ان البداية الحقيقية لإنتاج بيويك وهويتها كماركتها جاءت عام 1903 ـ اي قبل 100 سنة ـ عندما أسست رسمياً شركة تحمل هذا الاسم ونقلت مقرها من ديترويت شمالاً الى مدينة فلينت.

ومع ان عهد المؤسس لم يطل كثيراً، أثبتت بيويك عنادها وصلابتها واستحقاقها النجاح في وجه كل الظروف المعاكسة. ففي عام التأسيس كانت واحدة من أضعف الشركات حتى انها لم تصنع غير سيارتين خلال ثلاث سنوات. ولم يطل الأمر بمالكها السيء الادارة ان غرق بالديون وتعرضت شركته السقيمة للإفلاس. وبالنتيجة اشترتها جماعة تملك مشغلاً للمركبات تحت قيادة جيمس وايتينغ في مدينة فلينت عام 1903 واعادت تأسيس الشركة هناك. وعام 1904 صنعت اول سيارة بيويك في فلينت بإشراف المهندس مار. وأصابت السيارة الجديدة نجاحاً سريعاً وانتج منها في تلك السنة وحدها 37 سيارة غير ان الشركة الصغيرة واجهت متاعب مادية أخرى اجبرت وايتينغ على بيعها لوليام كرايبو ديورانت، الرائد الذي جعل منها اللبنة الاولى في صرح «امبراطورية» جنرال موتورز.

* ركيزة جنرال موتورز

* تحت إدارة ديورانت نجحت بيويك تقنياً وتسويقياً وقفزت الى المرتبة الأولى في قوائم المبيعات عام 1908 بنحو 8 الاف سيارة. كما كسبت سيارات فريق سباقاتها بين عامي 1908 و1910 ما لا يقل عن 500 جائزة، وكان من المع نجوم هذا الفريق لويس شيفروليه، مؤسس شيفروليه بالشراكة مع ديورانت. وعلى أساس هذا النجاح باشر ديورانت التوسع نحو بناء مجموعة صناعية كبيرة، ونجح في ذلك بعدما اشترى اولدزموبيل والحقها ببيويك تحت مظلة جنرال موتورز، وسرعان ما أضاف اليهما كاديلاك واوكلاند (التي ورثتها بونتياك في ما بعد). الا ان ديورانت فقد سيطرته على المجموعة الجديدة امام جماعة من المستثمرين عام 1910، ولم يستعدها الا عام 1915 بفضل تعاونه مع شيفروليه عبر شركة شيفروليه التي اسساها عام 1911.

إبان فترة ابتعاد ديورانت كانت جنرال موتوز تحت قيادة تشارلز ناش (الذي اسس لاحقاً شركة ناش للسيارات) الذي احضر والتر كرايسلر لإدارة قسم بيويك، وبقي كرايسلر ـ الذي عزز مكانة القسم ـ مع الشركة لبعض الوقت قبل ان يترك بدوره ليؤسس شركته الخاصة كرايسلر على انقاض شركة ماكسويل.

مع هذا عززت بيويك مكانتها كإحدى افضل الماركات الاميركية وارقاها. وكان لها، حسب كلام الاداري النابغ الفريد سلون، الذي قاد مسيرة جنرال موتورز الى القمة بعد تعيينه رئيساً عام 1923، الفضل الأكبر في إنقاذ الشركة من تداعيات فترة الركود التي ضربت اميركا في مطلع العشرينات. فخلال هذا العقد أكدت بيويك تفوقها وبلغت مبيعاتها الـ260 الف سيارة عام 1926 وكان سلاحها الامضى جودتها الرفيعة وموثوقيتها العالية.

* بيويك في الشرق الأوسط

* ومما يستحق الذكر هنا ان سيارات بيويك اكدت هذه الموثوقية في تجارب ميدانية بمنطقة الشرق الاوسط منذ عام 1923 عندما قاد الكاتب والرحالة لوويل توماس بسيارة بيويك اول رحلة بالسيارة الى افغانستان. وبعد عامين قامت سيارات بيويك بقيادة موظفين في وكلائها وموزعيها الاقليميين برحلات طويلة في مختلف انحاء العالم منها رحلة من اوروبا الى مصر، ومنها الى سورية والعراق، قطعت فيها مسالك صحراوية بين دمشق وبغداد والبصرة، ومن هناك الى الهند ثم استراليا.

وفي الشرق الأوسط راجت سيارات بيويك تماماً وصار لها وكلاء بارزون، أشهرهم منذ عقد العشرينات الشقيقان خضوري وعزرا مير لاوي في العراق وايران، وشكري ديب في فلسطين.

* الكساد الكبير

* في مطلع عقد الثلاثينات ضرب «الكساد الكبير» اميركا، ودفعت السيارات الفاخرة ومنها بيويك ثمناً باهظاً، فتراجعت مبيعاتها بصورة مخيفة. وعام 1933 في عز الازمة تولى هارلو كيرتيس رئاسة قسم بيويك، ونجح خلال وقت قصير بالتعاون مع المصمم الموهوب الشهير هارلي ايرل في إعادة الماركة الى القمة بسلسلة من الطرازات المتفوقة، في مقدمها الـ«رود ماستر» الذي صار قمة السلسلة بجانب الـ«سينشوري» والـ«سبيشال» والـ«سوبر».

وتجاوزت بيويك، ومعها جنرال موترز، فترة الحرب العالمية الثانية، وعادت للتفوق في مجالات التصميم ـ بفضل كبير مصمميها نيد نيكلز ـ والاداء، وبالتالي قوائم المبيعات محققة 745 الف سيارة عام 1955. وعندما انحدر المستوى قليلاً في اواخر عقد الخمسينات، تقرر إجراء تغيير راديكالي في طرازات القسم وتصاميمه، وولدت مسميات جديدة. وهكذا ظهرت طرازات «لي سايبر» و«إليكترا» عام 1959 ثم «ريفييرا» الرياضي عام 1963. وحافظت بيويك على مستواها وكسرت حاجز المليون عام 1984. وبحلول عام 1989 فازت بيويك المرتبة الاولى بين الماركات الاميركية والثانية بين عموم الماركات العالمية من حيث الموثوقية والاعتمادية في تقييم مؤسسة «جي دي باور اند اسوشييتس» المرموقة لذلك العام. ولهذا اليوم تواصل بيويك التمتع بهذه السمعة، التي كانت العنصر الحاسم في الإبقاء عليها كماركة وإلغاء شقيقتها التوأم اولدزموبيل عندما قررت جنرال موتورز، قبل بضع سنوات، تقليص عدد ماركاتها في وجه اشتداد المنافسة الاجنبية داخل السوق الاميركية. بل حتى عندما أقرت جنرال موتورز الاكتفاء بشيفروليه وكاديلاك كماركات تصديرية خارج اميركا، اعتمدت بيويك ماركة رئيسية لاختراق السوق الصينية، وأسس لها مصنع كبير في مدينة شانغهاي هو اليوم احد اهم استثمارات الشركة الاميركية العملاقة.