مصر: شركات المقاولات تطالب بتغيير التشريعات وإلغاء التشوهات الجمركية للحماية من الإفلاس والخبراء يؤكدون ضرورة الانطلاق للأسواق الخارجية

TT

تأثرت شركات المقاولات بالركود الذي أصاب قطاع العقارات نتيجة المشاكل التي تعرض لها الاقتصاد والتي وضحت في نقص السيولة وتوقف سداد الحكومة لمستحقات الشركات، وقد زاد من حدة الأزمة هذه الأيام ارتفاع الاسعار للمنتجات ومستلزمات الانتاج بعد تحرير سعر الصرف نظرا لاستيراد أكثر من 60 في المائة من مدخلات الانتاج من الخارج وارتباطها بما يزيد على 77 صناعة تأثرت بارتفاع الجمارك وزيادة تكلفة تنفيذ عقود المقاولات مما هدد بإفلاس الشركات وغلقها ورفع معدلات البطالة.

ورغم ان وزير الاسكان الدكتور محمد ابراهيم سليمان اعلن تقديم تسهيلات للمستثمرين العقاريين الجادين تتمثل في تخفيض غرامات التأخير على الشركات الى 6.5 بالمائة وزيادة مدة سداد الاقساط وموافقة الوزارة الحصول على وحدات سكنية من شركات المقاولات مقابل ثمن الأرض إلا ان هذه الاجراءات لم تنه مشاكل القطاع، فما هي حدود الأزمة وسبل تجنب الشركات خطر الافلاس وانهيار قطاع المقاولات الذي يعد قاطرة الاقتصاد المصري.

في البداية أكد سمير علام رئيس شعبة مواد البناء باتحاد الصناعات المصري ان قطاع المقاولات تأثر بشكل كبير خلال الفترة الماضية نتيجة الركود الذي أصاب قطاع العقارات بشكل عام، مشيرا الى مضاعفة التأثير نتيجة تحرير سعر الصرف والذي أدى الى رفع التكلفة على الشركات مما يهدد بوقوع خسائر وتوقف عدد كبير من الشركات.

وقال رغم ان تحرير سعر الصرف قرار سليم ويناسب اقتصادات السوق إلا انه يحتاج الى سياسات تكميلية لمنع أي تداعيات سلبية نتيجة لتطبيقه، مطالبا بضرورة تدخل الدولة لحماية القطاع من الانهيار خاصة ان هناك علاقات تعاقدية متشابكة مع الحكومة والتي تستدعي ضرورة قبول الحكومة لشرط مراجعة التكلفة بالعقود التي ابرمت قبل تحرير سعر الصرف وذلك لرفع الضغوط الحالية عن الشركات وامكانية مواصلة تنفيذ العقود خاصة ان هذه التغييرات على مستوى الدولة لم تتسبب فيها الشركات.

وأضاف علام ان قرار التحرير برر من الحكومة على انه يعمل على زيادة الصادرات للحصول على النقد الأجنبي الذي ينشط السوق الداخلي ويحسن أوضاع الاقتصاد المصري الذي يمر بمشاكل عديدة من عدة سنوات، مشيرا الى أهمية رفع الأعباء الضريبية عن شركات المقاولات ومن تخفيف الضرائب والجمارك خاصة ان جميع المواد المستخدمة في قطاع المقاولات مستوردة، وبالتالي فان تحميلها بالجمارك بالاضافة الى رفع سعر الدولار يكبل الشركات بالنفقات التي تقلل من منافسة المنتج المصري في السوق الخارجي.

وأوضح علام ان هناك بلاداً عربية شقيقة تتحمل حكومتها التكاليف الأساسية للانتاج مما يضعف من عبئها على المستثمر ومنها السعودية التي تنخفض الكهرباء والضرائب والجمارك الى أدنى مستوى لها مما يساعد على نفاد المنتج بالأسواق الخارجية، مشيرا الى امكانية مساهمة تصدير خدمات المقاولات في زيادة حجم التجارة البينية بين الدول العربية الذي لا يتعدى 10 بالمائة فقط في حين يصل الى 90 بالمائة مع الدول الأوروبية.

وحذر علام من مبالغة الجهاز المصرفي المصري في الرسوم والعمولات التي يتم تحصيلها على خطابات الضمان والاعتمادات المستندية من شركات المقاولات والتي تعد عقبة في مواجهة نفاذ الشركات للأسواق الخارجية، مشيرا الى ان نجاح الشركات المماثلة بالخارج يأتي نتيجة دعم جهاز مصرفي يقلل من رسومه وعمولاته، مؤكدا ان ذلك في مصلحة الجهاز المصرفي الذي يواجه منافسة شديدة خلال الفترة القادمة من البنوك الاجنبية، مطالبا بضرورة مراجعة الاستراتيجية الاساسية للبنوك للحفاظ على عملائها قبل استقطابهم من البنوك الأجنبية.

وطالب علام بسرعة اصدار قانون المنافسة وعدم الاحتكار وذلك لحماية المستهلك والشركات من الاستخدامات والممارسات الخاطئة التي تؤدي الى عدم استقرار سوق مواد البناء وهي المحرك الأساسي لشركات المقاولات التي شهدتها السوق المصرية خلال الفترة الماضية وأثر بشكل جسيم على اوضاع الشركات وأدى الى غلق عدد كبير منها.

وأشاد علام بقطاع المقاولات المصري الذي قام بالعديد من إعمار الدول العربية والافريقية مطالبا بضرورة العمل على استعادة مكانة المقاول المصري، مشيرا الى وجود اعداد كبيرة على كافة المستويات من استشاريين ومهندسين ومقاولين وعمال مصريين يعملون الآن في الدول العربية والخليجية ولكن تحت مظلة شركات أجنبية والتي يجب ان تستبدل بشركات مصرية تساعد في إعمار المناطق التي سيتم تخريبها نتيجة الحرب الاميركية على العراق والتي ستتأثر بها عدد من الدول العربية الأخرى.

ومن جهة أخرى يرى مصطفى زكي رئيس شعبة المستوردين ان شركات المقاولات تأثرت بشكل أساسي نتيجة التشوهات الجمركية التي أدت الى رفع أسعار المواد الخام والمستلزمات السلعية والسلع الاستثمارية مما يضاعف من حدة الخسائر على شركات المقاولات، مشيرا الى ارتفاع أسعار خام الحديد «البليت» وهي كتل الحديد في الاسواق العالمية من 280 دولاراً للطن مقابل 240 دولاراً في فترات سابقة.

وأضاف زكي ان أكثر من 60 في المائة من خامات قطاع المقاولات يدخل بها مكون أجنبي حيث لايوجد مثيل محلي لها سواء الحديد والمواد الكيماوية والنحاس في صناعة الكابلات، مشيرا الى ان الشركات المستوردة لخام النحاس كانت تعطي تخفيضاً يقدر بـ28 بالمائة قبل التحرير والذي تم إلغاؤه ورفع السعر بواقع 10 بالمائة مما يزيد التكلفة الفعلية بواقع 38 بالمائة مما أصاب الشركات بخسائر جسيمة.

ونبه زكي الى اتجاه عدد كبير من مستوردي مواد البناء وخاماتها الى تغيير نشاطها نظرا لارتفاع التكلفة بالشركات الذي لايمكن تعويضه من السوق المحلي الذي لايتحمل بسبب حالة الركود القائمة من تصريف هذه الخامات.

وحذر رئيس شعبة المستوردين من اتجاه عدد من الشركات التي تخفض المخزون الاستراتيجي الى شهر مقابل 4 أشهر في الماضي والذي اضطرت إليه الشركات بعد نفاد المخزون الذي تم استيراده بعد ازمة جنوب شرقي آسيا وساعد الشركات خلال الفترة الماضية، مؤكدا ان تخفيض المخزون لمدة شهر يعرض الشركات للافلاس والتوقف في حالة التعرض لأعلى مفاجآت داخلية أو خارجية.

وطالب مصطفى زكي بضرورة مراجعة رسوم الدعم والاغراق الذي تتم فرضها على بعض المنتجات الخارجية ومنها الحديد القادم من اوكرانيا وربطها بالظروف التي يمر بها القطاع المستخدم لهذه الخامات وتأثيرها على الاقتصاد الكلي، محذرا من خفض استيراد السلع الاستثمارية الى 90 بالمائة والذي يعني غلق وايقاف نشاط الاستثمار وعلى رأسه العقاري وأعمال المقاولات.

وأكد مصطفى زكي ان تثبيت الدولار الجمركي يعد سياسة نقدية في مواجهة التقلبات الشديدة التي تحدث في بداية تحرير سعر الصرف خاصة في أسعار العملات الاجنبية، مؤكدا ان هذا التثبيت له بعد اجتماعي وقد تم تطبيقه عام 85 عندما كان سعر الدولار الجمركي 83 قرشا في حين كان في السوق الموازي 220 قرشا وقد عمل على حماية الانشطة الرئيسية وعدم انفلات الاسعار سوى بصورة صحيحة أو مستغلة، مشيرا الى ان تحديد مدة شهر لتثبيت الدولار وتضارب التصاريح يصيبان القطاعات الرئيسية بحالة من الشلل التي سرعان ما تنعكس على نتائج الاقتصاد القومي، منبها الى ان عقود المقاولات واستيراد المواد الخاصة بها تمتد لأشهر ولا يستطيع المقاول تحديد السعر المستقبلي في ضوء تقلبات الأسعار الحالية.

وطالب زكي بسرعة تغيير قانون المناقصات والمزايدات التي تضم شركات المقاولات خاصة مع الجهات الحكومية واضافة شروط تحمي الشركات من الاذعان الذي يقع عليها نتيجة تغيير الأسعار والتي تعتبر في مقام القوى القاهرة التي يتم على أسسها تغيير بنود العقود وذلك للحفاظ على مواصلة النشاط التنموي وحماية الشركات حيث ان تغيير سعر الصرف كان قراراً حكومياً وليس الشركات.

وأخيرا يحلل الدكتور نبيل حشاد الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المصري للدراسات المالية والمصرفية فيقول ان قطاع العقارات بما يشمله من المقاولات وشركاتها يعتبر قاطرة الاقتصاد وقائد العمليات في الاقتصادات المختلفة سواء النامية أو المتقدمة ما يعني ان ازدهار الاقتصاد بازدهار القطار وان تدهوره بانخفاض أدائه.

وأوضح حشاد ان ركود القطاع ومشاكل شركات المقاولات تعتبر سبباً ونتيجة لحالة الركود الاقتصادي المصري منذ سنوات، معيدا المشكلة الى سوء التقدير بالتنبؤ بقدرات السوق التي بدأت منذ عام 97 عندما كان الطلب على العقارات كبيراً وارتفع هامش الربح في هذا القطاع الى أكثر من 60 في المائة.

وأضاف: لقد أغرى ارتفاع الارباح في القطاع الى تدافع شركات غير عقارية في مجال المقاولات للدخول للسوق العقاري للاستفادة من هامش الربح الكبير وقد أدى ذلك الى زيادة القروض المستخدمة في الأنشطة العقارية مما انعكس على زيادة الوحدات المنتجة وظهور حالة الركود نتيجة الاتفاق على عدد من المشروعات الكبرى وزيادة المتأخرات الحكومية وانخفاض أسعار البترول وتأثر السياحة بالأحداث الداخلية والخارجية.

وقال نبيل حشاد: لقد ساعدت هذه الظروف على انخفاض الطلب على العقارات وتعثر شركات المقاولات في سداد المديونيات بسبب عدم بيع الوحدات وتأخر الالتزامات الحكومية، مشيرا الى تعرض دول جنوب شرقي آسيا لنفس الأزمة ولكن بأكثر حدة مما اضطر الحكومة الى خفض الأسعار المبالغ فيها.

وأوضح ان تأثر قطاع المقاولات انعكس سلبا على 77 صناعة مرتبطة مباشرة بالعقارات مما يعني ان ركود قطاع العقارات يؤدي الى انخفاض مستويات الأداء في هذه الصناعات ويزيد من حالات البطالة، مشيرا الى ضرورة تدخل الدول بشكل فوري لمساعدة القطاع للخروج من هذه الأزمة.

وحول تأثير تحرير سعر الصرف على قطاع المقاولات يقول نبيل حشاد انه يمكن الجزم بأن جميع الدول النامية، التي حولت نظام سعر صرفها من النظام الثابت الى التعويم، عانت من حالات ارتفاع الاسعار والتضخم وان اختلفت النسب من دولة لأخرى حسب قدرتها الاقتصادية، موضحا ان التحرير يزيد من فاتورة الواردات الخاصة بقطاع العقارات والمقاولات والتي تنعكس على رفع أسعار المنتجات المحلية وزيادة تكلفة العقارات وعبء شركات المقاولات مما يؤدي الى مزيد من الركود.

وقد ألقى بجزء من مسؤولية تعثر شركات المقاولات على الارتفاع غير المبرر الذي فرضته بعض الشركات لتحقيق أرباح تتعدى 100 في المائة من ثمن الوحدات بحجة الحصول على قروض أو زيادة تكلفة خامات البناء، متوقعا ان صدور قانون التمويل العقاري سيؤدي الى انفراجة في المدى المتوسط، مؤكدا ان حماية واستقرار الاسواق في حالة تطبيق تحرير سعر الصرف يجب ان يتما عن طريق سياسات تكمله وتتمثل في رفع سعر الفائدة واستخدام سياسة مالية تقييدية ودعم السلع الأساسية لفترة محدودة حتى يستوعب السوق سياسة التحرير الجديدة.