وزيرة الدولة البريطانية للتجارة تنفي طلب «معاملة خاصة» لشركات بلدها في إعمار العراق

البارونة سايمونز لـ«الشرق الأوسط»: الشركات البريطانية تملك خبرات هائلة ستفيد العراق وترفض ربط مساعدات التنمية بمنح العقود

TT

ادى اقتصار التحالف في الحرب ضد العراق على الولايات المتحدة وبريطانيا الى فرض شعور بأن الشركات الاميركية والبريطانية ستتقاسمان «كعكة» عقود اعادة اعمار العراق. لكن تطورات ما بعد الحرب كشفت ان الاميركيين يسيطرون على الوضع من خلال وكالة التنمية الدولية «يو.اس.ايد» التي انحصر فيها حق منح العقود حتى الان. وقد وجدت الشركات البريطانية نفسها مضطرة للوقوف في «طابور» الشركات الاجنبية الاخرى بانتظار حصتها من العقود بالباطن التي ستمنحها الشركات الاميركية الكبرى التي تتقاسم الكعكة وحدها. وخير دليل على ما الت اليه الامور هو ما حدث في المؤتمر الذي عقدته الشركة الاميركية «بكتل» في لندن منذ يومين لعرض ما في جعبتها من عقود فرعية للشركات الاخرى، بما فيها البريطانية. البريطانيون اصطفوا في «الطابور» مع نظرائهم الاسيويين والعرب، والقليل من الاوروبيين الذين تكبدوا مشقة الحضور.

البارونة سايمونز اوف فيرنام دين، وزيرة الدولة البريطانية لشؤون التجارة تصر على انها لم تطلب من الجانب الاميركي أي معاملة خاصة للشركات البريطانية، لكنها ليست قلقة عليهم لأنهم يملكون من الخبرات ما يمكنهم لعب دور مهم في اعمار العراق. كما انها ترفض كليا ربط المساعدات البريطانية بالتجارة والعقود لأنه ضد مبدأ الحكومة البريطانية في منح المساعدات.

التقيت البارونة سايمونز في مكتبها في وزارة الخارجية البريطانية، وكان معها الحوار التالي عن دور الشركات البريطانية في اعادة اعمار العراق.

* ما هو الدور الذي تلعبه الحكومة البريطانية لضمان حصة للشركات البريطانية في عملية اعادة اعمار العراق؟

ـ الشركات البريطانية لديها الكثير من الخبرة التي يمكن الاستفادة منها في عملية اعادة اعمار العراق. وفي الوقت الذي نتطلع فيه لبدء عملية الاعمار نامل ان يتم استخدام هذه الخبرات البريطانية. وفي هذا الاطار، منحت وكالة التنمية الدولية الاميركية (يو.اس.ايد) عقداً مبدئياً لشركة «بكتل» الاميركية ـ كما اصبح معلوما ـ تبلغ قيمته 680 مليون دولار. الولايات المتحدة تتعامل مع المساعدات الدولية بطريقة مختلفة عن المملكة المتحدة. نحن لا نربط المساعدات بالتجارة ابداً. بريطانيا تمنح المساعدات حيث نعتقد انه من الواجب منحها، في حين تربط الولايات المتحدة، ودول عديدة مساعداتها بالتجارة والاعمال. في حال العراق، قلنا للاميركيين «ندرك بأن هذه طريقتكم في منح المساعدات، لكن يجب فتح المجال امام الشركات غير الاميركية للمنافسة على العقود بالباطن». وقد وافق الجانب الاميركي على هذا الطلب ولفت شركة «بكتل» الى ضرورة منح ما يساوي 50 في المائة من العقد الى شركات اخرى عن طريق العقود بالباطن، وان يتضمن ذلك الشركات غير الاميركية. هذا ما يحصل الان.

* هل طلبت الحكومة الاميركية من «بكتل» منح عقود بالباطن لشركات اخرى فقط، ام حددت فعلاً ضرورة منح بعض العقود لشركات اجنبية؟

ـ العقد الاساسي يطلب من «بكتل» منح عقود بالباطن لشركات اخرى، لكنها طلبت من الشركة التأكيد على فتح باب العطاءات امام الشركات الاجنبية. ليس هناك نسبة محددة مفروضة على الشركة لكن عليها منح جزء غير محدد من العقود للشركات الاجنبية.وقد اعلنت «بكتل» انها تطمح لتمرير 50 في المائة من قيمة العقد لشركات اخرى.

* هل اقنع هذا الكلام الشركات البريطانية؟

ـ بالتاكيد. لقد كنت في الولايات المتحدة الاسبوع الماضي برفقة ممثل عن كل من اتحاد الصناعات البريطانية، والمكتب البريطاني للاعمار والاستشارات، وممثل عن مجموعة صناعيين شكلناها نحن في «تريد بارتنارز يو.كي» للنظر في فرص المساعدة في اعمار العراق. وقد كان الثلاثة واضحين في ان ما يقدمونه في هذا المجال هو المهارات والخبرات البريطانية. لم يدعوا ابداً انهم يستحقون العقود لان الجيش البريطاني شارك في التحالف في حرب العراق. لقد شاركنا في الحرب لاننا امنا بان ذلك كان الخيار الصحيح، وليس لاننا اردنا تأمين عقود عمل للشركات البريطانية. ان التفكير بذلك الشكل خطأ كبير. وقد لمست من خلال محادثاتي مع ممثلي قطاع الاعمال البريطانيين ان خلق هذا الربط بين المشاركة في الحرب والعقود امر سيئ للغاية. الصحيح هو اننا نملك الخبرة اللازمة.

* زار وفد من ممثلي الشركات البريطانية رئيس الوزراء توني بلير بعيد سقوط بغداد. من الواضح ان هؤلاء ارادوا الحكومة الى جانبهم.

ـ لقد اكدوا على الحكومة ان تنقل الرسالة التالية الى الاميركيين: نحن لا نربط مساعداتنا بالتجارة وعليكم ان تفتحوا الباب امام الشركات غير الاميركية. هذا ما نقلناه للاميركيين وما اتفقنا عليه. صحيح ان العقد الرئيسي ذهب لشركة الاميركية، لكن هذه هي الطريقة التي يدفع فيها الاميركييون مساعداتهم. الامر يتعلق بالعقود بالباطن وهذه قد تمثل في النهاية حصة الاسد من الـ680 مليون دولار. ولا بد من الاشارة الى ان هذا المبلغ هو الدفعة الاولى لمشروع انساني يحاول تأمين الحاجات الضرورية في العراق. هذا العقد لا يمثل كل الاموال التي ستضخ لاعمار العراق.

* لكن هذا عقد واحد. هناك عقود اخرى منحت لشركات اميركية. القليل من العقود منح بالباطن لكن ليس لشركات بريطانية.

ـ حتى يوم الجمعة الماضي تم منح 6 عقود بالباطن حجمها صغير جدا. وقد فازت شركتان بريطانيتان بعقدين منهم. لكن العملية الاساسية لمنح العقود ستتم من خلال ثلاثة مؤتمرات تنظمها شركة «بكتل». الاول في نيويورك والثاني في لندن، اما الثالث فسيتم في الكويت (تم المؤتمران الاولان الاسبوع الماضي).

* ما هو هدف هذه المؤتمرات؟

ـ الهدف هو جمع كل الشركات المؤهلة لاخذ عقود بالباطن لشرح طبيعة العمل الذي تطرحه «بكتل». العقود الاولى هي التي تعنى بالامور الحياتية الضرورية كتأمين المياه النظيفة، وتشغيل ميناء ام قصر لتأمين الامدادات الغذائية.

* قيل ان الشركات البريطانية تحظى بالمرتبة الثانية بعد الشركات الاميركية من حيث الاولوية. هل تصدقين هذا الطرح؟

ـ اعتقد ان الشركات البريطانية لديها الكثيرة من الخبرة التي يمكن تقديمها. اذا كنت تعني اننا نريد الاولوية لاننا بريطانيون، انا متأكدة ان الكثيرين لديهم هذا الشعور. لكنني كوزيرة للتجارة اؤمن ان شركاتنا لديها الخبرة. تذكر ان العلاقات التجارية بين بريطانيا والعراق قبل تأسيس نظام البعث كانت قوية جدا. كما ان العديد من الشركات البريطانية تعاملت مع العراق من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء. وحتى بدون هذا الرابط التاريخي، المهندسون البريطانيون لديهم من الخبرة ما يؤهلهم ليكونوا الافضل في العالم.

* في هذا الاطار، هل هم افضل من نظرائهم الفرنسيين والالمان؟

ـ اعتقد ان الشركات البريطانية هي الافضل. اقول ذلك لأنها الحقيقية ولأنني بريطانية ايضاً.

* لكنك لا تعتقدين بأن الشركات الفرنسية والالمانية ستخسر الفرصة بسبب موقف بلديهما السياسي حيال الحرب؟

ـ لا اعلم. هذا مسألة يقررها الاميركييون. استطيع ان اجزم بأنني لم اطلب ابداً من الاميركيين ان يعاملوا الشركات البريطانية معاملة خاصة. لدينا الكثير الذي يمكن تقديمه.

دعنا لا ننجر ايضاً وراء فكرة ان الاميركيين هم الوحيدون الذين يمنحون المساعدات. بريطانيا تساعد العراق ايضاً. لكن المساعدات البريطانية تذهب من خلال الصليب الاحمر والامم المتحدة.

* القوات البريطانية موجودة في العراق وانتم معنيون بهذا البلد الان. المسألة ليست مساعدات لواحد من دول العالم الثالث فقط. لماذا لا تمنح مساعدات بريطانية تذهب لعقود تنفذها شركات بريطانية؟

ـ طبعا نحن معنيون بالعراق. والحقيقة انك ستجد العديد من رجال الاعمال البريطانيين الذين يطالبون بربط المساعدات بالتجارة، ليس فقط في العراق بل في العموم. هذه ليست سياسة الحكومة الحالية. هذه قضية مبدأ نتمسك به، وهذه هي الطريقة التي تعمل بها وزارة التنمية الدولية. انا وزيرة تجارة، ويأتيني بعض رجال الاعمال قائلين «كم نتمنى لو كانت مساعداتنا مربوطة بالتجارة كما من قبل». لكن الحقيقة ان كثيرين بدأوا يدركون ان هذه الطريقة هي الافضل اذا وضعوا مصالحهم الخاصة على جنب. لكن لا يمكن القول ان الشركات البريطانية متضررة. دعني اذكر بان شركة «بكتل» التي تلقى موقعها على الانترنت 70000 نقرة منذ تلقي عقد العراق، وسجلت حوالي 3000 شركة مهتمة بالعقود بالباطن، قررت عقد ثاني مؤتمر للقاء هذه الشركات في لندن. اعتقد ان شركاتنا في وضع قوي مقابل الشركات الاميركية.

* لكن الشركات البريطانية ما زالت مضطرة للذهاب من خلال شركات اميركية، والسبب هو ان الاميركيين يتحكمون بعملية منح العقود. هل تؤيدين خلق سلطة محلية لادارة العملية؟

ـ نريد ان نتقدم باتجاه تأسيس سلطة محلية انتقالية في العراق. القضية الاساسية تكمن في موافقة الامم المتحدة على القرار الجديد بخصوص العراق. عندها يمكن النظر في عملية منح العقود، بعد رفع العقوبات وبدأ تدفق النفط العراقي. هذا النفط سيمكن العراقيين من اعادة اعمار بلدهم. ليس لدينا أية برامج عمل خفية في هذا الخصوص.

* الا تخشين ان الشركات البريطانية ستكون في موقف متضرر ايضاً اذا تأسست سلطة عراقية لمنح العقود، لأن المساعدات البريطانية للعراق محدودة مقارنة بالاميركية. ـ اتمنى العكس لأننا نقدم الكثير من المساعدات للعراق.

* وزير المالية البريطاني حدد مبلغ 300 مليون جنيه استرليني فقط لمساعدة العراق. هذا المبلغ ليس تنافسي. هل ستتم اعادة النظر فيه لرفع قيمته؟

ـ هذه قضية تقرر فيها وزارة التنمية الدولية. لكننا قدمنا حتى الان ما يقارب 240 مليون جنيه استرليني، أي حوالي 400 مليون دولار، في حين قدمت الولايات المتحدة 680 مليون دولار (نسبة لعقد «بكتل» فقط). أي ان الفارق بين المساعدات البريطانية والاميركية حوالي 280 مليون دولار فقط. هذه المساعدات ليست بالمبلغ الضئيل كمساعدات اولية. طبعا سيكون هناك حاجة للمزيد من المساعدات. لكني اريد ان اؤكد ان تدفقات مبيعات النفط العراقي ستشكل المصدر الاساسي لتغطية نفقات اعمار العراق.

* العراق لا يمثل فرصاً للشركات للحصول على عقود اعادة الاعمار فقط، بل يقدم فرصاً استثمارية. ما هي القطاعات التي ستجذب المستثمرين البريطانيين؟

ـ الشركات البريطانية مهتمة جدياً بفرص الاستثمار. اعتقد ان قطاع الاتصالات قطاع ضخم وقادر على جذب الكثير من الاستثمارات. كما ان العراقيين لديهم الكفاءات التي نريد ان نرى استخداماً لها. لكننا ما زلنا في الايام الاولى. اتمنى ان يتمكن ممثلو الشركات البريطانية من الذهاب الى العراق لتقييم الفرص بانفسهم. لدينا الان ممثل خاص لرئيس الوزراء، جون سورز، وهو على اتصال يومي معنا لشرح الوضع في العراق. لكن حين يصبح الوضع آمناً سنرى ممثلي الشركات البريطانية حاضرين للذهاب لتقييم الوضع بأنفسهم.

=