«توشكى».. مشروع مصري طموح يثير الكثير من الانتقادات

TT

توشكى (مصر) ـ رويترز: صحراء قاحلة لا يحدها البصر وفجأة تتمخض الفيافي عن رقع خضراء مورقة تتمايل فيها أوراق الخضر التي تروى بالتنقيط وتتغذى بالاسمدة. يجري العمل على قدم وساق لاقامة محطة عملاقة لرفع المياه، ربما تكون احدى أكبر المحطات في العالم وتضم 24 مضخة ويحتاج تشغيلها الى طاقة تتراوح بين 200 و375 ميجاوات لرفع المياه من بحيرة ناصر الى قناة على ارتفاع 50 مترا.

انه مشروع توشكى، جزء من حلم مصر في تحويل صحرائها الجنوبية الى سلة غذاء كبرى. يقع المشروع بالقرب من الحدود السودانية شمال غرب معبد أبي سمبل الذي تم نقله الى ربوة مرتفعة حتى لا تغمره مياه السد العالي. وتسعى الحكومة لاستصلاح وزراعة نحو 540 ألف فدان حول توشكى لمواجهة الانفجار السكاني الذي كدس المدن بالسكان وقلص نصيب الفرد من الانتاج الزراعي.

يقول ضياء الدين القوصي رئيس قطاع التوسع الافقي بوزارة الموارد المائية والري أن الهدف هو مواجهة النمو السكاني الهائل الذي ضاعف عدد السكان في الاعوام الثلاثين الماضية. والهدف من استصلاح الجنوب هو مضاعفة الرقعة الزراعية في مصر العليا بتكلفة 90 مليار دولار حتى عام 2017 على خطط تنموية في توشكى وشرق العوينات وواحات الوادي الجديد.

وتشكل مساهمة الحكومة 20 في المائة من النفقات، وهي مخصصة لحفر القناة الرئيسية وفروعها الاربعة وبناء محطة الضخ الكبرى وشق الطرق واقامة شبكة الكهرباء. ويؤكد القوصي انه مشروع متكامل. وقال ان الزراعة هي احدى قواعد خطة تنموية شاملة.

ومكونات حلم الجنوب هي الزراعة والصناعة وربما النفط والغاز والسياحة ورحلات السفاري الصحراوية وسباق السيارات والمؤتمرات والسياحة الطبية مثل الدفن في الرمال لعلاج الامراض الجلدية. ويخشى المنتقدون من ان يتحول مشروع توشكى الى فيل أبيض مثله مثل خطط استصلاح أخرى فشلت لرفض السكان الهجرة من مدنهم وقراهم الى مستوطنات صحراوية.

وأعرب معارضون عن قلقهم على مياه النيل وخطر شحها في مصر، خاصة اذا أقدمت بلاد من حوض النهر في الجنوب على بناء سدود وتحويل جزء من مياه النهر. ويعتقد آخرون ان المشروع العملاق وحفنة خطط كبرى أخرى تستنزف تكاليفها اقتصاد البلاد.

وقال اقتصادي مقره لندن طلب عدم ذكر اسمه أن المشروع جزء من أزمة السيولة في مصر. واجمالا فان الحكومة مدينة للمقاولين بأربعة مليارات دولار نصفها من مشروع «توشكى». وذكر أن الحكومة كثفت الانفاق في المشروع خلال العامين الماضيين رغم تباطؤ عملية التخصيص التي كان يمكن ان تعوض عائداتها استنزاف الموارد. وقال الاقتصادي انه لم يطلع على دراسة الجدوى التحليلية للنفقات الخاصة بالمشروع.

كما انتقد هشام قاسم رئيس تحرير «كايرو تايمز» انعدام الشفافية وأن الحكومة ضخت في المشروع 17 مليار جنيه (أربعة مليارات دولار) بينما خدمات الصحة والتعليم تئن من قلة الموارد. ويصر القوصي على أن تقديرات تكاليف توشكى مبالغ فيها. وقال: «حتى الآن تم انفاق 2.5 مليار جنيه من اجمالي 5.5 مليار». تم تخصيص مساحات من الارض لاربعة مستثمرين، وهم شركة المملكة للتنمية الزراعية «كادكو» التي يمتلكها الملياردير السعودي الامير الوليد بن طلال والشركة القابضة المصرية للتنمية الزراعية وصندوق أبوظبي للتنمية وكونسورتيوم من مستثمرين مصريين من القطاعين العام والخاص وشركات وبنوك.

قال القوصي ان التكلفة الانشائية للمشروع تبلغ 5.5 مليار جنيه منها 1.5 مليار لمحطة الضخ وأربعة مليارات لشق قنوات وأعمال أخرى أي 10 آلاف جنيه للفدان الواحد. وينتظر ان يتدفق الماء من محطات الضخ منتصف عام 2002 ويبدأ المستثمرون في زراعة الارض. ويقول مسؤولون ان المنطقة تناسب زراعة محاصيل ممتازة مربحة وأنه بفضل ارتفاع درجة الحرارة يمكن زراعة أربعة أو خمسة محاصيل سنويا بالمقارنة مع محصولين فقط في الدلتا والوادي.

من جهته، أعرب بوب بوش مدير مزرعة أبحاث أقامتها «كادكو» على طريق أسوان/أبو سمبل بتكلفة تراوحت بين 600 و800 مليون دولار، عن دهشته للانتقادات الموجهة للمشروع، وقال: «اننا نعيش في صحراء مماثلة في أريزونا بالولايات المتحدة ونزرع العنب والحمضيات والخضر الشتوية مثل الخس والكرنب. وتزود شركة «صنورلد» الاميركية للخضر والفاكهة توشكى بتقاو وشتلات محاصيل متنوعة وطلبت ان يكون الثمن حصة في المشروع في اشارة الى جدواه.