أولدزموبيل تصل إلى نهاية الطريق بعد 103 سنوات

جنرال موتورز تحكم بإعدام أقدم ماركة سيارات أميركية

TT

واشنطن ـ ديترويت: ديفيد كيلي وايرل ايلدريدج * بالنظر الى سوابق صناعة السيارات في الولايات المتحدة، لم يكن إقدام شركة جنرال موتورز على «إعدام» ماركة اولدزموبيل ... مفاجأة صاعقة.

ابداً، كانت اولدزموبيل مهددة منذ بضع سنوات بسبب تراجع مبيعاتها. وكانت كل المؤشرات تتجه نحو اضطرار جنرال موتورز الى تقليص عدد ماركاتها، ولا سيما التي تتنافس في ما بينها على شريحة واحدة في السوق. واخذاً في الاعتبار التفكير العملي والواقعي الاميركي، فإن الكلمة الاخيرة لأرقام المبيعات.

كذلك كان مفهوماً ان «العولمة» التي هاجمت اميركا في عقر دارها منذ الخمسينات مع «خنفساء» فولكسفاجن وبعد بضع سنوات مع بدء الغزو الياباني كلّفت جنرال موتورز وغيرها من الشركات الاميركية ثمناً باهظاً. وبما يخص جنرال موتورز ـ التي ما تزال اكبر شركة صناعة سيارات في العالم ـ فقد تقلصت حصتها في السوق الاميركية من 40% خلال عقد الثمانينات الى اقل من 27% حالياً. وكان الاداء الاسوأ بين اقسام جنرال موتورز خلال السنوات الاخيرة وبصورة مستمرة قسم اولدزموبيل.

الاسم الأعرق ... أميركياً اولدزموبيل، التي انضمت بالأمس الى الماركات الاميركية «الفقيدة»، كانت اقدم ماركة سيارات استمر انتاجها حتى اليوم. وقد اسسها رانسوم ايلاي اولدز عام 1897. ومن مقرها التاريخي بمدينة لانسينغ، عاصمة ولاية ميشيغن، صارت اولدزموبيل عبر السنين «مختبر» التقنيات الجديدة ورائدتها. فمع سيارات اولدزموبيل ظهر اول ناقل سرعات اوتوماتيكي، ومعها ايضاً ظهرت لأول تقنية الدفع الامامي. ثم انها بنتيجة ضمها الى ماركة بيويك على يد وليام ديورانت، شكلت مع بيويك اللبنة التي تأسست عليها امبراطورية جنرال موتورز. والحقيقة ان بيويك واولدزموبيل ظلتا لفترة طويلة اشبه ما يكون بـ«التوائم السيامية» المتلاصقة الاعضاء. فطرازاتهما متشابهة وكذلك الشرائح التي تغطيها طرازاتهما المختلفة في السوق. وعاماً بعد عام انتج القسمان التوأمان سيارات متماثلة الشخصية والاداء والسعر تقريباً. ولم تتأزم الأمور بالنسبة للماركتين في حقبة هيمنة السيارات الاميركية على سوقها وبالتالي على اسواق العالم. الا ان المصاعب اخذت تظهر اثر انكماش السوقين الاميركية والعالمية امام منتجات «العمالقة الثلاثة» جنرال موتورز وفورد وكرايسلر، بفعل اشتداد منافسة السيارات الاوروبية ومن ثم اليابانية. وشيئاً فشيئاً صار تعدد الماركات ضمن الشركة الواحدة والشريحة الواحدة يعني منافسة احداهما الاخرى. ومرّت جنرال موتورز خلال السبعينات وبعض الثمانينات بفترة سيئة طمست خلالها الهويات الفردية لماركاتها المختلفة، فصارت الماركات مجرد اسماء واشكال خارجية لمكونات ومحركات مشتركة تنتجها مختلف مصانع الشركة. وادت سياسة الطمس هذه الى نكسة بشعة على صعيد المبيعات، زادها سوءاً النجاح الباهر الذي حققته شركة فورد مع طراز «توروس» بتصميمه الثوري المبتكر.

وكما يعرف متابعو تجارة السيارات في الشرق الاوسط، اتخذت جنرال موتورز خطوة تسويقية راديكالية قبل بضع سنوات، اوقفت معها تصدير منتجات ثلاث من ماركاتها هي بونتياك واولدزموبيل وبيويك. وبالتالي اكتفت من ماركاتها الموجودة فعلياً بكاديلاك وشيفروليه وجي إم سي بالإضافة الى ماركتها الاوروبية اوبل.

وبالنسبة لأولدزموبيل بالذات اتخذ قرار بفصل طرازاتها تدريجياً عن الطرازات المشابهة عند بيويك. وبالفعل ضخت جنرال موتورز مبلغ 3 مليارات دولار في الجيل الجديد كلياً من الطرازات مثل «اورورا» و«اينتريج» و«آليرو» والناقلة «برافادا»، التي حلت محل طرازات «99 ريجنسي» و«88» و«كتلاس» و«اتشيفا» و«تورونادو» في ما وصف يومها بـ«نقلة نوعية ثورية» لاعادة تعريف الشرائح التي تستهدفها ماركات جنرال موتورز وأقسامها.

العد التنازلي لأولدزموبيل ولكن طوال الوقت ـ وآخرها ارقام شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ـ اشارت الارقام الى وجود مشكلة عند جنرال موتورز، وتحديداً عند قسم اولدزموبيل حيث تراجعت المبيعات السنوية منذ بداية عام 2000 وحتى نهاية نوفمبر الماضي بنسبة 18.5%، كما تراجعت مبيعات اولدزموبيل خلال نوفمبر وحده بنسبة 28.2%. وبعدما كانت سيارات اولدزموبيل قبل 15 سنة تبيع اكثر من مليون سيارة سنوياً هبطت مبيعاتها السنوية بنهاية نوفمبر الماضي الى 265.878 سيارة فقط، وهذا ادنى رقم للقسم منذ عام 1952.

لدى متابعة الخط البياني لأولدزموبيل يمكن القول ان بداية رحلة السقوط كانت مع عام 1983. ففي ذلك العام بلغت اولدزموبيل الأوج واحتلت الماركة المرتبة الثالثة بين الماركات الاميركية خلف الماركتين الشعبيتين شيفروليه وفورد، بل ان مبيعات اولدزموبيل فاقت مبيعات جميع ماركات شركة كرايسلر ـ وهي بليموث ودودج وكرايسلر ـ مجتمعة. كما كان طراز «كتلاس» المتوسط الحجم بنماذجه المختلفة، وبخاصة «كتلاس سوبريم» منذ عقد السبعينات احد انجح الطرازات بين مختلف السيارات الاميركية على الاطلاق.

ولكن منذ ذلك الحين حدثت عدة تطورات مهمة، ابرزها:

1ـ تزايد حصص السيارات المستوردة من اوروبا واليابان، ومنافستها بنجاح في شريحة السيارات المتوسطة والكبيرة شبه الفاخرة.

2 ـ تزايد حجم سوق الشاحنات الخفيفة والمركبات الرياضية الوعرية والناقلات العائلية على حساب سيارات الصالون (السيدان).

3 ـ إخفاق خطط اولدزموبيل التسويقية والدعائية في إعادة ابتكار الجاذبية المطلوبة لتنشيط الماركة. وبالنتيجة رغم شجاعة اولدزموبيل في تطبيق ما اسمته بـ«المشروع المئوي» المعلن عام 1992 والخاص بأن يكون لها طرازات جديدة بالكامل بحلول عام 2000، فإن الطرازات الجديدة لم تستهو الجمهور الشاب الذي سعت لاجتذابه، لكنه ابتعد عنها الى منتجات أخرى.

وهكذا، بعد سنوات من النصائح والتحذيرات من خبراء تسويق ومحللين مجربين، بأن الإبقاء على اولدزموبيل يستعصي على اي جدوى استراتيجية في ظل الهدر المستمر للموارد، رضخت جنرال موتورز، وغلّبت العقل على العاطفة والولاء وقرّرت «إعدام» اعرق ماركة سيارات في تاريخ اميركا.