نظام سوق رأس المال الجديد تغيير للخارطة الاستثمارية في المملكة

بشر بخيت *

TT

ان أهمية سوق الأسهم في أي بلد تنبع من كونها المكان «الذي يتم فيه تبادل السلع التي تسمى بالأوراق المالية بين من لديهم شركات أو مشاريع وبين الممولين». ومن هنا تنبع أهمية هذه «السوق» لأي اقتصاد، والذي يعتبر من أهم ركائزها. وحيث أن تمويل معظم هذه الشركات ان لم يكن كلها من القطاع الخاص، أي مجموعة المستثمرين، فكان لا بد من أن يكون لهم تمثيل قيادي في هذه السوق، وهو الوضع المتبع في جميع الأسواق العالمية، اذ تتم ادارة سوق الأوراق المالية «البورصة» من قبل مجموعة تنتمي الى القطاع الخاص (الوسطاء الماليين والمستثمرين وأطراف اقتصادية مرموقة) بدون وجود أي طرف حكومي فيها، وتتم مراقبتهم أسوة بأي قطاع آخر عبر أنظمة وتشريعات تسنها السلطات المختصة.

وعلى مدى سنوات عديدة كانت هناك مطالب بانشاء سوق للأوراق المالية في المملكة العربية السعودية على غرار المتبع في جميع دول العالم، اذ كان الوضع قبل اقرار النظام الجديد يعطي جميع مسؤوليات ادارة ومراقبة وتنظيم سوق الأسهم السعودي الى كل من وزارة التجارة ووزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي «ساما». وهذا شيء غير متعارف عليه في أي دولة كانت، اذ كما هو معروف فان قوة الأجهزة الحكومية تأتي في مجال المراقبة والتنظيم أكثر من التسويق والتشجيع. وبالفعل فقد جاءت فكرة هذا النظام الجديد التي كانت بقيادة مؤسسة النقد العربي السعودي، واعتقد أنها المرة الأولى التي تقوم فيها جهة رسمية بفصل أحد أهم اداراتها بطريقة ايجابية.

وقد أدى الوضع السابق الى حصول عدة عوامل سلبية لم تسمح لسوق الأسهم السعودية بالتقدم مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى، فعلى سبيل المثال يبلغ عدد الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودية حالياً 69 شركة، وهو عدد قليل جداً مقارنة بحجم الاقتصاد الوطني، اذ يجب أن يكون عدد الشركات المدرجة ما بين 200 الى 300 شركة. ويعزى ذلك الى أن الهم الأول لادارة السوق كان حماية المستثمرين من تعثر أي من الشركات المساهمة، وهذا ما حدث فعلاً، حيث لم تعلن أي من شركات السوق افلاسها منذ انشائها حتى الآن، الا أنه من الناحية الأخرى، فقد أدت هذه الصرامة المفرطة الى وجود عدد ضئيل من الشركات وتركيزها، اذ تشكل أكبر 10 شركات مدرجة في السوق نحو 80% من حجمه و 60% من اجمالي قيمة التداول فيه، وهو أمر غير مقبول. ولعل من أهم الأسس التي تهم المستثمرين في أي سوق مالية هي مستوى المصداقية والشفافية فيها، حيث أن المستثمر له الخيار في حال عدم اطمئنانه بأن يتجه للاستثمار في أي سوق أخرى. وكان هذا أحد العوامل التي دفعت الى هجرة الأموال السعودية الى الخارج، وبالتالي فان عودتها مرتبطة بوجود أنظمة عادلة وذات مصداقية عالية تنطبق على جميع المتعاملين بكل شفافية، وهو ما سيبعث الثقة في نفوس المستثمرين، ونخص بالذكر هنا تعاملات الأطراف ذوي العلاقة، فالسوق متعطشة لاتخاذ اجراءات تصل الى حد السجن مثلاً اذا ثبتت استفادة أي عضو في مجلس الادارة بناءً على معلومات داخلية على سبيل المثال لا الحصر، كما ستتعطش السوق الى أن يرى وقف التداول على أسهم الشركات التي لا تحترم مبدأ الافصاح أو تتأخر في نشر قوائمها المالية الصحيحة خلال الموعد المحدد.

ونتوقع أنه سيكون هناك بعض الوقت لاستيعاب السوق لأهمية هذا النظام، اذ لن تكون هناك عصى سحرية للحلول المباشرة، الا أننا نتوقع أن تتغير الخارطة الاستثمارية في المملكة خلال السنوات الثلاث القادمة. وسيعتمد ذلك على عدة أمور، أولها: نجاح هيئة الأوراق المالية التي لم يتم تعيينها بعد ومدى فعاليتها ومصداقيتها، وثانياً: مستوى الوسطاء الماليين الجدد الذين سيدخلون في تنافس مع البنوك، وعلى الخدمات الاضافية التي سيقدمونها. وثالثاً: التشريعات الجديدة التي سيتم اصدارها لتقوية الشفافية والافصاح، وهو المطلب الأهم الذي يؤثر على ثقة المستثمرين وبالتالي استثمارهم لأموالهم في السوق.

* مدير عام مركز بخيت للاستشارات المالية