السعودية: أزمة الحديد وغياب «كود البناء» يكشفان ثغرة قانونية تخلط أوراق المقاولين وأصحاب المشاريع

TT

كشفت الأزمة الحالية التي طالت شح حديد التسليح في السعودية مدى الحاجة الى التدقيق في عقود المقاولات، تفاديا لنشوب خلافات بين المقاولين واصحاب المشاريع بسبب ارتفاع اسعار بعض السلع الاساسية، حتى لا تعيق العمل وترفع التكلفة على أي من طرفي المعادلة.

ومن ناحية قانونية، قال ماجد قاروب لـ«الشرق الأوسط» أمس: «المشكلة في عقود المقاولات والانشاءات يجب ان تؤخذ جميع الاعتبارات المتوقعة، في الحسبان، حتى وان كانت من الامور النادرة الحدوث تحت بند القوى القاهرة، ويدخل من ضمنها التغيير في سعر العملة في الزلازل وتغير الاسعار بالنسبة للسلع الاساسية بنسب تغير اقتصادية المشاريع، ولكن لانخفاض مستوى الثقافة القانونية وأهمية الاستعانة بالمحاميين والمستشارين المؤهلين اصحاب الخبرة الحقيقية في العمل والاعمال يجعل معظم العقود المبرمة، في السعودية دون مستوى حجم الاعمال نفسها».

وأضاف: «على سبيل المثال سنجد ان الشركات الكبرى والمحترمة والتي تستطيع ان تتحسب للاسواق وتغيرات وتقلبات الاسعار وتوفر المواد الخام هي فقط القادرة على التحسب بزيادة الطلب على الحديد، وارتفاع اسعاره، واخذ ذلك في الحسبان، تعاقديا في توريداتها، وفي تعاقداتها مع الغير لتنفيذ التزاماتها».

ونصح قاروب بأنه: «يجب على اية شركة مقاولات مهما صغيرت الاستعانة بمكاتب استشارات قانونية والادراك بان الظروف والاحوال متغيرة، والتعقيدات القانونية في ظل وجود المرافعات الشرعية هي كارثة لمن لا يجيد التعامل معها». واضاف: «ان ما حدث مع شركة سابك، كان نتيجة قصور في التعامل القانوني الحرفي والسليم مع قضية الاغراق».

من جهته، قال المهندس المعماري محمد الفرج: ان المستفيد الوحيد من الازمة الحالية هم اصحاب العقود المعروفة بالـ»كوست بلاس« أو التكلفة زائد الربح، وتلك النسبة تقرر ما بين 5 و15 في المائة، حسب نوعية المشروع وحجمه وضخامة العمل فيه».

واشار الى ان الاسعار الحالية للحديد بلغت في وقت ما 1650 ريالا للطن، بعد ان كان في حدود 1350 ريالا، وهذا الارتفاع سيكون على تكلفة المشروع المراد بناؤه، حيث يضطر المقاول الى رفع تكلفة الوحدات على المشتري او المستأجرين الاولين.

و ذكر يوسف بن سعيد صاحب مؤسسة مقاولات ان الازمة الحالية لنقص حديد التسليح وندرته في اوقات حرجة، تزيد من التكاليف، وتعطل الاعمال، وتربك العقود، مما يجعل من الصعب تفهم الكثيرين من ملاك المشاريع لحجم الازمة دون ان يتفاعلوا بشكل حقيقي مع قضية نقص الحديد التي عمت البلاد.

وشكر بن سعيد وزارة التجارة والصناعة على تفاعلها الايجابي، موضحا بأن السبب الحقيقي في المشكلة بدأ من قبل كبار الموردين حيث لجأوا الى الاستيراد متجاهلين المنتجات المصنعة محليا طلبا للاستفادة من هوامش السعر، في الوقت الذي اضطر فيه المصنعيون المحليون الى تصدير انتاجهم الى الخارج، بابرام عقود مع شركات ودول لتصريف منتجاتها.

واضاف: «ان الحديد ارتفع في وقت ما على المستوردين المحليين مما جعلهم يفكرون مرة اخرى في الرجوع للتعاقد مع المصنعيون المحليين، والاخيرون مرتبطون بعقود مع شركات في الخارج، مما استدعى تدخل وزارة التجارة والصناعة بوقف تصدير الحديد بشكل عاجل تفاديا لتفاقم الازمة».

وأوضح علي العطاس مدير التسويق في شركة حدادة قائلاً: «ان الازمة الحالية في سوق حديد التسليح لم تطل سوى حديد البناء، ولم تشغل بال شركته كونها تعمل في قطاع مختلف تماما، ولكنه بحكم خبرته وتعامله في قطاع واحد فان مشكلة وجود عدد من العقود التصديرية في وقت فاض في الانتاج المحلي خلق ازمة بعد ارتفاع المستورد». وأشار إلى أن الحركة الاستثمارية المنتعشة في السوق المحلية وارتفاع الطلب على الحديد لهما في كشف حجم الثغرة بين العرض والطلب بشكل سريع.

وما تحرك وزارة التجارة والصناعة السعودية بشأن وقف تصدير الحديد الى الخارج، ما هو إلا ضمن عدة تدابير كان هدفها توفيرحديد التسليح واستقرار اسعاره في الاسواق المحلية، بعد ان الارتفاع الحاصل في اسعار بيعه وندرة المعروض منه.

وقالت وزارة التجارة والصناعة انها أوقفت تصدير الحديد بشكل فوري من قبل المصنعين والتجار، وقامت بمراقبة عملية تخزين الحديد عند التجار وإلزامهم بعرض المخزون للبيع، اضافة الى قيام عدد من تجار الحديد باستيراد كمية من حديد التسليح من الدول الخليجية والدول المجاورة في أقرب وقت لسد العجز الحالي في السوق المحلية، وقيام مصنعي الحديد بتشغيل مصانعهم بأقصى طاقة ممكنة.

وجرى تعاقد التجار على استيراد نحو 60 ألف طن من حديد التسليح من الأسواق المجاورة من المتوقع وصولها هذا الأسبوع، كما يجري العمل على تأمين نحو 100 ألف طن أخرى، مما سوف يعمل على تغطية الزيادة الحالية على الطلب على حديد التسليح. وكلفت الوزارة جميع فروعها بمناطق ومحافظات السعودية إجراء مسح شامل للأسواق المحلية ومتابعة الوضع الحالي للحديد من حيث المعروض والأسعار ومدى توافره، وبادرت الى دعوة مصنعي حديد التسليح لعقد اجتماع لتلافي نقص المعروض في الأسواق وارتفاع أسعاره.

وعزت وزارة التجارة والصناعة الارتفاع في اسعار الحديد والنقص في المعروض من حديد التسليح الى عدد من العوامل ذكرت منها مواجهة المصانع المحلية لزيادة كبيرة في تكاليف تأمين المواد الخام والشحن من دول المنشأ والنقل الداخلي، وارتفاع تكاليف المواد الخام عالميا، والزيادة في الطلب على الحديد نتيجة لزيادة الحركة العمرانية في السعودية، وتراجع إنتاج شركة الحديد خلال فترة الصيانة للأفران بالاضافة إلى تراكم الحجز والطلبات في السوق المحلية وتحول المنتجين المحليين (مصانع الدرفلة) لتخفيض إنتاجهم من حديد التسليح إلى تصنيع منتجات أخرى من القواطع الخفيفة.

كما قامت وزارة التجارة والصناعة اخيرا، بعقد اجتماعات مع بعض المصنعين والموزعين لمنتجات حديد التسليح في السعودية، اتخذت تدابير، تمثلت في استيراد كميات كبيرة من حديد التسليح ضمن جدول زمني طموح، وتقدر الكمية المطلوب استيرادها اكثر من 140 الف طن وخلال هذه الاسابيع وصل منها اكثر من 76 ألف طن، وزيادة كميات الانتاج للمصانع المحلية من الآن حتى نهاية هذا العام بحوالي 270 الف طن لتصبح كمية الحديد الذي سوف تتوفر خلال النصف الثاني من هذا العام حوالي مليوني طن.

وتشير الدراسات إلى ان معدل الزيادة في الطلب على الحديد بلغ حوالي 7 ـ 9 في المائة سنويا في السعودية. وبلغ عدد المصانع المنتجة حاليا اربعة مصانع تنتج من: حديد التسليح 3580000 طن سنويا، وعدد المصانع المرخصة ثمانية عشر مصنعا بطاقة انتاجية 2086000 طن سنويا. وتقدر واردات السعودية من الحديد خلال عامي 2001 و2002 اكثر من 722897 طنا. ولتخفيف من حجم الاشكالات القانونية بين المقاولين واصحاب المشاريع، عمدت الدولة الى وضع كود للبناء في السعودية، سيتم اقراره في غضون السنوات الثلاث المقبلة، وكشف قبل اسابيع مختص سعودي عن وجود عشرات القضايا بين المقاولين وملاك المشاريع الحديثة في السعودية، بسبب عدم وجود ما يعرف بـ»كود البناء«، أو ما يمكن وصفه بنموذج البناء طبقا لمواصفات المناسبة لظروف البلاد المناخية.

وبين الدكتور ابراهيم بن سعد الجضعي وجود اشكالية تتعلق باختلاف وتباين آراء واضح بين الشركات المنفذة للمشاريع وملاكها. وان سوء الفهم ناتج بين الطرفين سبب عدم وجود المواصفات القياسية للبناء في السعودية، يمكن الاحتكام إليها عند بروز مثل تلك الاشكاليات.