المصارف اللبنانية ترفض تحريك الودائع العراقية

نائب محافظ المركزي العراقي يبعث برسالة يطالبها فيها بتحويل الأموال المودعة إلى نيويورك

TT

تلقى عدد من المصارف اللبنانية نموذجاً موحداً لكتاب يحمل توقيعي محافظ البنك المركزي العراقي بالوكالة فالح داود سلمان ونائبه احمد سلمان محمد. يطلب تحويل كامل الاموال المودعة باسم البنك المركزي الى حساب باسم «صندوق تنمية العراق» في بنك الاحتياط الفيدرالي الاميركي في نيويورك.

واكد مصرفيون اطلعوا على مضمون الكتاب الذي يحمل عنوان «سري»، ان وصوله تزامن مع زيارة عمل قام بها نائب المحافظ الموقع على الكتاب قبل اسبوعين الى بيروت مترئساً وفداً اداريا اجتمع خلالها الى مسؤولين في المصرف المركزي اللبناني وعدد من المصارف. وقد اثار الكتاب المؤرخ في 2003/7/13 شكوكاً حول جدية ما ورد فيه من تعليمات وأحقية الجهة المرسلة في تحريك الحسابات المودعة من قبل المسؤولين السابقين في البنك المركزي العراقي علما ان المحافظ بالوكالة ونائبه الموقعين على الكتاب كانا يشغلان سابقاً منصب نائب المحافظ.

وعلمت «الشرق الاوسط» ان المصارف المعنية اجرت اتصالات فيما بينها وتداولت مع محاميها ومستشاريها القانونيين بشأن «الكتاب» وتوصلت الى اجماع في الرأي على رفض تنفيذ مضمونه. واعتباره لم يرد اصلاً قياساً الى عدم مطابقته للاصول المعتادة في تعاملات مالية تتسم بحساسية خاصة وايضاً الى الثغرات القانونية المتعددة التي يحفل بها الكتاب، والتي تضع المصارف تحت المساءلة مستقبلاً.

وقد اطلعت «الشرق الاوسط» على نسخة من الكتاب الذي يطلب تنفيذ التعليمات الآتية:

ـ اعتبار كل اوامر الدفع او تحريك الحسابات السابقة لوصول الكتاب ولم يتم تنفيذها بعد بحكم الملغاة فوراً.

ـ اعتبار سجل التواقيع المخولة بتحريك الحسابات المرسلة من البنك المركزي قبل سقوط النظام ملغاة بالكامل، والاكتفاء بالتوقيعين اللذين يذيلان الكتاب حصراً للتعامل مع هذه الحسابات.

ـ اجراء تحويل فوري «برقياً» لكافة الاموال الموجودة في الحسابات المسجلة باسم البنك المركزي العراقي الى حساب «صندوق تنمية العراق» في بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك.

وبحسب المعلومات المصرفية والقانونية فان تحفظ ادارات المصارف على الكتاب وعدم التجاوب بتنفيذ مضمونه، يستند بالدرجة الاولى الى ضبابية الصورة الناشئة بعد سقوط النظام العراقي بكامل مؤسساته، وعدم قيام سلطة شرعية بديلة، حتى الان، تحظى بالقبول الدولي والعربي. سيما ان مجلس الحكم الانتقالي ما زال في طور تشكيل الحكومة الجديدة. ولم يحصل بدوره، حتى الساعة، على شرعية تامة بادارة شؤون البلاد وخصوصاً بالنسبة لحيازة مقعد العراق في كل من الامم المتحدة والجامعة العربية مع الاخذ بالاعتبار ان القرار 1483 الصادر عن مجلس الامن، ينص على مسؤولية قوات الاحتلال بادارة شؤون السكان واحتياجاتهم.

ويؤكد المصرفيون: «ان ورود الكتاب خالياً من اي مرفقات قانونية تحدد مرجعية وقرار تعيين المحافظ الجديد والصلاحيات المنوطة به، يشكلان سبباً وجيهاً لاعتباره غير مكتمل من الناحية القانونية، كما ان خلو الكتاب من اي اشارة الى طبيعة الحسابات وحجمها وعدم تضمينه مفاتيح خاصة (Codes) متفق عليها مع الاشخاص الذين تولوا فتح الحسابات باسم البنك المركزي العراقي، يشكلان ايضاً سبباً كافياً لعدم الاستجابة لمضمونه. باعتبار ان الاتفاق بين اي عميل واي مصرف يشكل المرجعية الوحيدة لتحريك الحساب».

ويعتبر المصرفيون، بناء لاستشارات قانونية وبناء للمعايير اللبنانية والدولية للعمل المصرفي وهي متقاربة للغاية، «ان اقدام المصارف اللبنانية على منع تحريك حسابات البنك المركزي العراقي والمقدرة بنحو 500 مليون دولار فور انهيار النظام السابق، كان بدافع الحفاظ على هذه الاموال ومنع اي تصرف بها، باعتبارها ملكاً للسلطة العراقية وللشعب العراقي. وقد اكد هذا الموقف لاحقاً حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لدى اثارة هذا الموضوع معه من قبل مسؤولين في وزارة المال الاميركية، حيث اوعز الى المصارف بالابقاء على منع تحريك الحسابات الى حين قيام سلطة بديلة. وبالاخص سلطة مصرفية رسمية يتم الاتفاق معها حول الوجهة التي تختارها لهذه الاموال من دون تعريض المصارف المستضيفة للودائع لاي مساءلة قانونية في المستقبل».

وفي المقابل، تسعى الحكومة اللبنانية الى ايجاد نوع من الرابط بين تحريك الاموال وبين حقوق التجار والمصدرين اللبنانيين الى العراق الذين تضرروا بفعل الحرب والاوضاع الجديدة بمبالغ توازي الودائع الموجودة لكن، من دون المس، بالقوانين المصرفية التي تحول دون الربط المباشر بين القضيتين. وقد كلف مجلس الوزراء اللبناني وزارة العدل باعداد دراسة قانونية وافية توازن بين حق العراق بودائعه وحقوق المتضررين من التجارة معه، علماً ان دولاً اخرى في المنطقة كانت اتخذت اجراءات مباشرة تربط بين الاموال المودعة في مصارفها وحقوقها العامة او الخاصة لدى العراق.