المؤتمر الوزاري الخامس للتجارة العالمية في كانكون يبدأ أعماله وسط أجواء من التشاؤم

TT

انطلقت اليوم اعمال الاجتماع الوزاري الخامس لمنظمة التجارة العالمية بمدينة كانكون المكسيكية والتي تستمر حتى 14 سبتمبر الحالي وسط تحديات كبيرة تواجه العلاقات التجارية بين الشرق والغرب والدول الصناعية والدول النامية حيث يشارك في هذا المؤتمر الهام والذي يعقد كل ستنين 146 دولة أعضاء في منظمة التجارة العالمية. وعلى جدول أعمال المؤتمر ستة ملفات رئيسية تعالج قضايا: الزراعة والنفاذ الى الأسواق للسلع والخدمات والمنافسة التجارية والملكية الفكرية وفرص الاستثمار والتعاون التقني والمساعدات التي تقدم للدول النامية والأقل تقدما. ومنذ جولة الدوحة التي بدأت عام 2001 لم يبد الشركاء التجاريون في منظمة التجارة العالمية أي بارقة أمل في حل المسائل العالقة حيث يخيم شعور من الإحباط على مندوبي الدول الذين توافدوا على المنتجع المكسيكي يحدوهم الأمل في ان يسفر المؤتمر عن نتائج مرضية. فقد أعربت الدول العربية المشاركة في المؤتمر في بيانات متفرقة صادرة عن حكوماتها خلال الاجتماعات الاخيرة لمنظمة (الاسكوا) الذي عقد في القاهرة عن استيائها من عدم تنفيذ الدول المتقدمة لما التزمت به في جولات المفاوضات السابقة، مؤكدة ضرورة ان يؤدي تحرير التجارة الى دعم الاهداف التنموية للدول النامية والاقل نموا. ويعلق كثير من الخبراء العرب ومسؤولون في منظمة التجارة العالمية بجنيف على أهمية المؤتمر والمشاركة العربية فيه، نظرا لما يسفر عنه من نتائج واعدة على هذه المجموعة الاقليمية اذا أحرزت المفاوضات التقدم المرجو من حيث بناء تبادل تجاري يدفع بتوقيع عقود مع الدول المتقدمة والاخرى النامية تراعي المصالح والامكانات لكل دولة. وتواجه المجموعة العربية الممثلة في هذا الاجتماع الدولي عدة قضايا ستكون محل بحث وعلى رأسها قضايا الزراعة والتجارة وحقوق الملكية الفكرية وسياسة المنافسة في كثير من المجالات ومنها السياحة والاتصالات والنقل والخدمات المصرفية والصحية وخدمات الطاقة. وتسعى كل دولة عربية على حدة الى الاستفادة من هذه التجمعات الدولية بمحاولة تحويل الالتزامات الموقعة، باتفاقيات الانضمام الى منظمة التجارة، لصالحها في مجالات عديدة منها التجارة في السلع والخدمات والجوانب التجارية الاخرى. وكانت المملكة العربية السعودية قد اختتمت الاسبوع الماضي مفاوضاتها النهائية بنجاح مع المفوضية الاوروبية في بروكسل للانضمام للمنظمة وهي محادثات اتاحت الفرصة لاتمام (مفاوضات ثنائية للحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية. وتشير بيانات صدرت عن الجانبين الى ان انضمام السعودية سيكون عنصرا اساسيا لدفع مفاوضات التجارة الحرة بين الاتحاد الاوروبي ومجلس التعاون الخليجي لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين. وبما ان الاتحاد الاوروبي يعد الشريك التجاري الاول للسعودية، فان ختام المحادثات الاوروبية السعودية الثنائية سيكون خطوة هامة للامام باتجاه انضمام السعودية الى منظمة التجارة العالمية. يذكر ان دولة الكويت ومملكة البحرين ـ قد انضمتا الى منظمة التجارة العالمية في يناير 1995 ثم تلتها دولة قطر حيث انضمت في يناير 1996 والامارات العربية المتحدة التي انضمت في ابريل 1996 وسلطنة عمان في نوفمبر 2000 في حين بقيت السعودية في المنظمة بصفة مراقب منذ يوليو 1993 ولم تحصل على العضوية الكاملة. ومن الدول العربية التي اجلت مفاوضاتها للانضمام الى منظمة التجارة العالمية لبنان التي اقترحت مدى زمنيا لعضويتها الى مابعد الاجتماعات الحالية لمؤتمر كانكون، ويصر لبنان على تقديم جدول التزامات منها تعريفات السلع والخدمات. وكانت جولة اولى من التفاوض قد عقدت في شهر اكتوبر الماضي بوفد مصغر وكانت فرصة للبحث مع مسؤولي المنظمة وبعض الدول المفاوضة الاساسية ومناسبة للاجابة عن عدد من الاسئلة التي طرحت على لبنان. وعقدت الجولة الثانية في ابريل الماضي تناول شق منها الاجابة على اسئلة وتناول الشق الاخر عملية اطلاق المفاوضات الرسمية تمهيدا لازالة الحواجز الجمركية او خفضها وبالاخص دعم بعض الصادرات. وبالنسبة لباقي الدول العربية المنضمة اصلا لعضوية الاتفاقية الدولية فان ما يميز تجارتها الخارجية هي ان معظم صادراتها تتمثل بالنفط والغاز وخصوصا اعضاء مجلس التعاون الخليجي وهي بذلك تفتقر الى التنوع وتتأثر مباشرة بأي صدمة خارجية خصوصا تقلبات الطلب اما الواردات فتتنوع بين معدات نقل وسلع مصنعة والات ومواد غذائية وهنا يبرز التحدى الاول على صعيد التجارة الخارجية في مدى قدرة هذه الدول على تنويع صادراتها وزيادة تنافسيتها من حيث السعر والجودة. وتبقى سورية والجزائر اللتان قدمتا ترشيحهما للمنظمة. وكان العديد من الدول الاعضاء بالمنظمة قد اشارت قبيل هذا المؤتمر الى انه «اذا فشلت مختلف الجهات المعنية في التوصل الى اتفاق حول المفاوضات الخاصة بتجارة المنتجات الزراعية باعتبارها كانت مشكلة جوهرية في جولة مفاوضات الدوحة فمن المستحيل حل المشاكل الاخرى». وفي ظل الضغوط التي تمارسها مختلف الجهات قدم الاتحاد الاوروبي بعض التنازلات خلال هذا المؤتمر حيث وافق على تخفيض دعم المنتجات الزراعية الاوروبية الى 60 في المائة وتخفيض او رفع الدعم الممنوح لبعض المنتجات الزراعية. ولكن الاتحاد الاوروبي عبر في الوقت ذاته عن الصعوبات التي تواجه تلبية مطالب الولايات المتحدة والدول الاخرى حول تخفيض معدل الرسوم الجمركية للمنتجات الزراعية الى 25 في المائة بل وافق فقط على تخفيضها الى 36 في المائة. ويرى الخبراء في منظمة التجارة العالمية ان المرونة التي ابداها الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة حول مسالة تجارة المنتجات الزراعية زادت من احتمالات توصل الدول الاعضاء بمنظمة التجارة العالمية الى اتفاق حول هذه المسالة في مؤتمر كانكون. يذكر ان هناك بعض الخلافات بين الدول الكبرى المصدرة للمنتجات الزراعية برئاسة الولايات المتحدة الاميركية وكندا وبين الاتحاد الاوروبي واليابان حول مسألتي الموافقة على دخول اسواق المنتجات الزراعية والدعم الزراعي. لكن الاتفاق الذي ابرم في جنيف حول تصدير الأدوية الرخيصة بعد موافقة الولايات المتحدة الاميركية قد أعطى بارقة الأمل في حل هذا الملف الشائك الذي دامت مفاوضاته اكثر من ثلاث سنوات. يذكر ان المفاوضات التي جرت في منظمة التجارة العالمية والمدرجة على موضوعات جدول اعمال الدوحة للتنمية، سوف تكون موضع مراجعة في مؤتمر ـ كانكون ـ والتي اتسمت بزيادة مشاركة الدول النامية والاقل نموا في المفاوضات وفي تقديم مقترحات حول العديد من القضايا وهذا مؤشر جيد للمشاركة في صناعة القرارات والاتفاقيات متعددة الاطراف. وما بين مؤتمري الدوحة وكانكون ظهرت مؤشرات كثيرة حول النظام التجاري العالمي الجديد تمثلت اهمها في افتقار الدول النامية والاقل نموا الى التعامل مع الأطر المؤسسية الدولية التي تحكم قواعد التجارة الدولية.