خبراء: خفض إنتاج النفط ضرورة ومقدار الكمية يتوقف على وضع السوق

«أوبك» مدعوه لاتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لوقف نزيف الأسعار ومراقبة السوق بدقة وحذر

TT

تنتظر أسواق البترول العالمية الاجتماع الاستثنائي الذي ستعقده منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) في 17 يناير (كانون الثاني) المقبل لمعرفة حجم كميات النفط المتوقع سحبها من السوق حال استمرار تراجع الأسعار الحالي. وكذا مستويات الأسعار المنتظرة خلال النصف الأول من العام الجديد.

وحسبما يرى خبراء نفط واقتصاد مصريون فإن منظمة «اوبك» مدعوة لاتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمة لوقف نزيف الأسعار ومراقبة السوق بدقة وحذر خلال الفترة القادمة. وأوضحوا أن خفض الانتاج المتوقع وحجمه مرهون بأوضاع الأسواق النفطية العالمية وقت الاجتماع. وشدد الخبراء على أن اتجاه «اوبك» إلى خفض الانتاج ـ حسبما أجمع وزراء نفط الدول الأعضاء في المنظمة ـ لا يتعارض مع آلية ضبط الأسعار وأن قرارات «اوبك» بزيادة الانتاج لأكثر من 3.3 مليون برميل يومياً على مدار عام وفقاً لهذه الآلية يسمح لها باستخدام نفس الآلية حال تراجع الأسعار وتعرض استثمارات تتجاوز 60 مليار دولار تعتزم الدول المنتجة للبترول ضخها في قطاعات النفط المختلفة للحظر. وذكروا أن المضاربة وتراجع مخزون الدول الصناعية في الفترة الماضية خلق طلباً مؤقتاً دفع «اوبك» لزيادة الانتاج خاصة عندما تلاشت هذه الأسباب المؤقتة وبات هناك فائض عرض يتجاوز حوالي 3 ملايين برميل يومياً حالياً، الأمر الذي يتطلب ضرورة تحرك «اوبك» لحماية مصالح المنتجين كما تحركت من قبل لمصلحة المستهلكين، لا سيما أن استمرار تدفقات النفط بمستوياتها الحالية يعرض أسعار البترول للانخفاض إلى ما دون 20 دولاراً للبرميل. وأكد الخبراء أن تماسك «أوبك» ضرورة لتجاوز المأزق الحالي والحيلولة دون تكرار أزمة عام 1998 التي عصفت بأسعار البترول وعرضت اقتصاديات الدول المنتجة لمواقف حرجة للغاية أدت الى تعثر مشروعاتها التنموية مرحلياً.

ويرى نائب رئىس الهيئة المصرية العامة للبترول سابقاً د. وفيق مشرف أن خفض الانتاج بات شبه مؤكد، حيث أجمع معظم وزراء بترول الدول الأعضاء في «اوبك» تقريباً على ضرورة هذا الاجراء لاستعادة التوازن بين مستويات العرض والطلب الذي تسبب اختلاله في هذا المأزق نتيجة وجود فائض يتراوح بين مليون برميل و3 ملايين برميل في أسواق النفط العالمية، لا سيما منطقة جنوب شرق آسيا. وبالتالي ـ حسبما يقول د. وفيق ـ فإن الخفض المنتظر للانتاج قد يكون أكثر أو أقل من مليون برميل يومياً، وذلك حسب وضع السوق عندما يجتمع وزراء بترول «اوبك».

وأضاف أن سحب هذه الكمية من السوق لا يتعارض مع الآلية المقررة من قبل «اوبك» لضبط الأسعار والتي تقضي بتخفيض الانتاج بنحو 500 ألف برميل يومياً إذا هبط سعر سلة بترول «اوبك» عن مستوى 22 دولاراً للبرميل طوال عشرة أيام متصلة، موضحاً أن تنفيذ الآلية يتم تلقائياً خلال الفترات ما بين اجتماعات وزراء «اوبك» وفي حال اجتماعهم تصبح الآلية وكأنها غير موجودة، مشيراً في هذا السياق إلى قيام الوزراء خلال اجتماعهم قبل الأخير برفع الانتاج بمقدار 800 ألف برميل بينما الآلية تقضي برفع الانتاج بنحو 500 ألف برميل إذا استمر السعر مرتفعاً عن 28 دولاراً للبرميل طيلة 20 يوم عمل متصلة.

وأفاد الخبير النفطي المصري بأن العوامل التي ساهمت في رفع الأسعار منذ منتصف العام الماضي تكاد تتلاشى، فالدول المستهلكة للبترول قد استعادت تقريباً مخزوناتها التقليدية. والسوق بات يعاني من تخمة في العرض. والطقس جاء شبه معتدل في نصف الكرة الشمالي فضلاً عن أن معدلات النمو الاقتصادي في الدول الصناعية تتجه نحو التباطؤ في العام المقبل مما يخفض استهلاكها النفطي، بالاضافة إلى أن الطلب عادة ينخفض في فصلي الربيع والصيف، وهي أمور يجب أن تكون في ذاكرة وزراء بترول «اوبك» عند اتخاذ القرار المناسب في اجتماعهم القادم.

وقال خبير اقتصاديات النفط المصري الدكتور حسين عبد الله ان المشاكل التي لحقت باقتصاديات بلدان الدول المنتجة للنفط خلال عام 1998 عندما هبطت الأسعار إلى ما دون عشرة دولارات للبرميل ستكون ماثلة في أذهان وزراء البترول الأعضاء في «اوبك» خلال اجتماعهم القادم وستلقى بظلالها على القرارات المتوقع اتخاذها في هذا الاجتماع، خاصة إذا ما استمرت حالة الهبوط في الأسعار. لكن المسألة الأكثر أهمية في الوقت الراهن ألا تتأخر «اوبك» في اتخاذ القرار المناسب، مشدداً على ضرورة قيام «اوبك» بمراقبة السوق بدقة وحذر وباستمرار نظراً لحالة عدم الاستقرار التي يمر بها.

وأ كد أنه بقدر المرونة التي تتحلى بها «اوبك» تكون قدرتها على مواجهة المتغيرات في الأسواق البترولية وأن مواجهة التدهور الحاد الذي تعرضت له الأسعار والتدهور الممكن حدوثه يتطلب من «اوبك» توافر مرونة كافية تتيح لها التعامل بنجاح مع انخفاض الأسعار كما تعاملت بنجاح مع ارتفاعها.

وتابع أن مخاوف الزيادة المتكررة في رفع سقف انتاج «اوبك» على مدار العام الماضي كانت في محلها، خاصة أن الأسعار على الرغم من ارتفاعها لم تكن معبرة عن حقيقة أوضاع السوق وأن زيادة الطلب الظاهرة كانت مؤقتة وترجع إلى أسباب المضاربة وتراجع مخزون الدول الصناعية المستهلكة وعوامل أخرى يمكن أن تزول تعرض الأسعار لانتكاسة، مشدداً على أن الموقف الحالي يتطلب من «اوبك» تماسكا وقدرة على مواجهة تداعيات أية قرارات تتخذها، ويجب على المنظمة ادراك أن الدول المستهلكة لن تساند دول «اوبك» في حالة استمرار تراجع الأسعار وستتركها وحدها تحصد الخسائر.

وحدد الدكتور حسين عوامل عديدة خارج نطاق مسؤولية أوبك ساهمت في رفع الأسعار أبرزها تدني الاحتياطي النفطي الأميركي إلى أقل مستوياته منذ ما يزيد على أربعة وعشرين عاماً، معتبراً أنه سبب رئيسي في التطورات الأخيرة ولا تستطيع «اوبك» التأثير فيه إلا قليلاً، مشيراً إلى أن الضرائب والمضاربة كان لها دخل مباشر في زيادة الأسعار وليس زيادة الطلب كما تزعم الدول المستهلكة.

ويرى استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة الدكتور محمد حافظ أن الدول المستهلكة نجحت إلى حد بعيد في وضع دول «اوبك» تحت ضغط عنيف طوال الفترة الماضية، وأوهمت العالم كله بأنها ستكون سبباً في ركود اقصادي عالمي وخسائر ضخمة لمعظم الدول لاسيما الصناعية إن لم ترفع سقف انتاجها وتغطي المطلب المتزايد على النفط. ومع تكرار هذه الضغوط التي تقابلها زيادة في الانتاج تمكنت هذه الدول من تكوين احتياطياتها النفطية مجدداً، الأمر الذي أدى لانكشاف السوق والتأكد من أن الاقبال على النفط لم يكن بسبب طلب حقيقي. وأمام الزيادة في المعروض بدأت الأسعار في التراجع مرة أخرى.

ويؤكد الدكتور محمد حافظ أن مسؤولية وزراء «اوبك» تحتم عليهم اتخاذ القرار المناسب الذي يحمي مصالح الدول الأعضاء.. مشدداً على ضرورة دراسة السوق وكافة العوامل المؤثرة في العرض والطلب وضمان عدم تراجع الأسعار عن مستويات عادلة ومقبولة من الدول المنتجة.

وأضاف أن الانخفاض في أسعار النفط كان متوقعاً لعدة أسباب في مقدمتها وجود كميات كبيرة من نفط كانت تحملها ناقلات عملاقة في البحر خلال الربع الأخير من العام الحالي اتجهت إلى الدول الصناعية لتدعيم مخزونها وبالتالي تقليل الحاجة لبترول «اوبك». وكذلك فإن ارتفاع أسعار النفط في الصيف الماضي لم يكن بسبب أزمة نقص امدادات في النفط بقدر ما هي أزمة مشتقات نفطية ومنتجات نفطية مكررة بدليل أن هذه الفترة شهدت عرضا نفطيا فائضا عن الطلب في الأسواق غير أن الأسعار بقيت مرتفعة نتيجة النقص في المشتقات.

وحذر الباحث الاقتصادي مجدي صبحي من تراجع أسعار النفط، مؤكداً أنه ليس من مصلحة أحد أن ينخفض سعر النفط إلى ما دون العشرين دولارا للبرميل لأن هذا يعني الحد من النشاط الاستثماري لزيادة الطاقة الانتاجية لدى الدول النفطية، مؤكداً أن عدم استقرار أسواق النفط لا سيما التراجع في الأسعار سيقضي على البداية الخجولة التي دشنتها شركات النفط العالمية في مجال الاستثمار لتطوير الحقول وزيادة الانتاج، إذ أنها تتخوف من تجربة سنة 1998، موضحاً أن حالة القلق تثير الشكوك حول استثمارات قيمتها 60 مليار دولار كانت الدول المنتجة للبترول تعتزم ضخها في هذا المجال، الأمر الذي يتطلب سرعة تحرك «اوبك» لاحتواء الموقف واتخاذ التدابير الملائمة الكفيلة باستعادة الأسعار العادلة لبرميل النفط.