اسدل الرئيس الاميركي جورج بوش الستار على مسرحية حرب الصلب التجارية التي كانت مرشحة للاستعار بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين الذين كانوا على وشك تنفيذ وعيدهم بفرض اجراءات انتقامية على الصادرات الاميركية. فقد اسقطت اليابان واوروبا تهديداتهما برد تجاري انتقامي بعد ان ألغى الرئيس الاميركي جورج بوش التعريفات الجمركية التي فرضها على واردات الصلب قبل اكثر من عام من الموعد الذي حدده لها مواجها احتمالات رد فعل سياسي عنيف في الداخل.
ورغم الضرر السياسي المحتمل قبيل انتخابات الرئاسة العام المقبل لم يبذل بوش الكثير للحد من غضب صناع الصلب الاميركيين والعاملين في هذا القطاع الذين اتهموه «بالاستسلام للابتزاز الاوروبي».
ولكن بوش الذي اعلن قراره اول امس قال انه سيبقي على النظام القائم المتعلق باصدار تراخيص ورصد واردات الصلب حتى يتمكن من «الاستجابة بسرعة للزيادات المستقبلية في الواردات التي قد تضر بشكل غير عادل بالصناعة». وبعد دقائق من اعلان بوش علق الاتحاد الاوروبي خطط فرض عقوبات تشمل سلعا أميركية تبلغ قيمتها 2.2 مليار دولار من بينها منتجات حساسة سياسيا في الولايات المتحدة مثل الموالح التي تصدرها فلوريدا.
وقالت اليابان كذلك انها ستسقط تهديدها بفرض تعريفات على سلع اميركية تبلغ قيمتها 458 مليون دولار لكنها أضافت انها تريد التأكد من ان نظام مراقبة الواردات الاميركي لا يضر بالتجارة. وقال ياسو فوكودا كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني في مؤتمر صحافي امس «نأمل ان تواصل الولايات المتحدة الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية وان تقوم بدور رائد في ارساء التجارة الحرة». وقال محللون صناعيون ان الصين التي تزدهر صناعة الصلب فيها قد تتخلى كذلك عن تعريفاتها الجمركية الانتقامية التي تبلغ نحو 26 في المائة على بعض منتجات الصلب التي فرضتها في نوفمبر (تشرين الثاني). واوقفت التعريفات التي فرضها بوش في مارس (اذار) عام 2002 رسميا عند منتصف ليل اول من امس (الخميس) بدلا من الموعد المقرر سلفا في مارس عام 2005 .
وقال بوش ان شركات الصلب الاميركية اصبحت مرة اخرى في وضع يؤهلها للمنافسة سواء في الداخل أو الخارج بفضل هذه التعريفات. وأضاف في بيان قرأه متحدث «هذه الاجراءات حققت الان غايتها ونتيجة لتغير الظروف الاقتصادية حان الوقت لرفعها». ومن شأن هذا القرار تحسين العلاقات عبر المحيط الاطلسي التي تضررت بسبب الانقسامات بشأن الحرب على العراق وان يجنب خلافا مع اليابان اكبر حليف لواشنطن في اسيا في وقت يحتاج فيه البلدان للتعاون لمواجهة ازمة البرنامج النووي لكوريا الشمالية. والغاء التعريفات قد يسهم كذلك في تهدئة مخاوف السوق من ان يعتمد بوش على اجراءات الحماية التجارية لدعم سوق العمل مع استعداده لخوض انتخابات الرئاسة.
يقول منتقدون ان مخالفة بوش ، الذي يصور نفسه باعتباره بطل التجارة الحرة لقواعد منظمة التجارة العالمية في الوقت الذي يدعو فيه الصين للوفاء بالتزاماتها تجاه المنظمة ، كان سيمثل مغالطة. وقال باسكال لامي المفوض التجاري بالاتحاد الاوروبي في بروكسل «النظام اثبت انه يمكن احترامه». لكن التراجع عن التعريفات قد يثير رد فعل عنيفا ضد بوش في الولايات التي تنتج الصلب مثل اوهايو وبنسلفانيا ووست فرجينيا في انتخابات الرئاسة عام 2004 . وانتقد اتحاد العاملين في صناعة الصلب الاميركية الذي يمثل نحو مليون عامل ومتقاعد « افتقار بوش الكامل للشجاعة في كشف خدعة منظمة التجارة العالمية». وقال انه سيطلب حماية الكونغرس. وجاء القرار بعد اقل من شهر من قرار المنظمة ان التعريفات تنتهك قوانين التجارة الحرة.
من جهتها، رحبت الصين امس بقرار الولايات المتحدة الغاء تعريفات جمركية على واردات الصلب قائلة انها لن تتخذ ردا انتقاميا ضد السلع الاميركية اذا التزمت واشنطن بكلمتها.
وقال تشونج كوان المتحدث باسم وزارة التجارة في بيان صدر على موقع الوزارة على الانترنت «الصين ترحب بهذا القرار من جانب الولايات المتحدة... اذا التزمت الولايات المتحدة بعهودها بالغاء التعريفات الحمائية فان الصين لن تفرض اجراءات انتقامية ضد بعض السلع التي تستوردها من الولايات المتحدة». وهونت الصين من الخلافات التجارية مع الولايات المتحدة قائلة ان الصين مستعدة لتسوية الخلافات من خلال الحوار قبيل زيارة رئيس الوزراء الصيني وين جيا باو لواشنطن.
وستتصدر التجارة جدول اعمال وين عندما يتوجه الى واشنطن غدا الاحد بعد ان حدت الولايات المتحدة من وارداتها من المنسوجات الصينية وفرضت تعريفات على واردات اجهزة التلفزيون الشهر الماضي في خطوات يعتقد ان دافعها هو انتخابات الرئاسة الاميركية المقررة العام المقبل.
وارجأت بكين رحلات تسوق لشراء فول الصويا والقمح والقطن من الولايات المتحدة وهددت بفرض رسوم على بعض السلع الاميركية. كما نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) الرسمية اول من أمس عن خبراء قولهم ان الخلافات التجارية التي ظهرت في الفترة الاخيرة لن تحد من النمو الكبير في العلاقات التجارية الثنائية.