«الشرق الاوسط» ترصد جدل الأوساط الاقتصادية حول نظام ضريبة الدخل على المستثمرين الأجانب في السعودية

إحسان علي أبوحليقة: النظام يعد أول رمية من جعبة تحسين مناخ الاستثمار * حسين أبو داود: النظام لم يشمل مقترحات رجال الأعمال الأساسية

TT

تباينت آراء المحللين الاقتصاديين تجاه نظام ضريبة الدخل الجديد، الذي أقره مجلس الوزراء السعودي يوم الاثنين. ففي الوقت الذي يصفه البعض بأنه خطوة متقدمة وكبيرة في اتجاه تحسين مناخ الاستثمار في السعودية. يرى آخرون أنه على الرغم من صدوره بعد تأجيل كبير إلا أنه لم يشتمل على حوافز كافية وضرورية لتحسين المناخ الطارد للاستثمار في الاقتصاد المحلي.

وقال المحلل الاقتصادي الدكتور إحسان علي بوحليقة: «هذا النظام يعد أول رمية من جعبة تحسين مناخ الاستثمار في السعودية واعتقد أنها واحدة من الخطوات المتخذة في المسار الصحيح». مضيفا أن الصورة الآن بدأت تتضح، وهي أن هناك جهود حثيثة للارتقاء بتنافسية مناخ الاستثمار السعودي بقصد اجتذاب الاستثمارات والحفاظ على ما هو قائم محليا. مشيرا الى أن نسبة الاستثمار في إجمالي الناتج المحلي مازالت منخفضة وتقل عن 20 في المائة. وان هناك ضغوطا حقيقة للارتقاء بهذه النسبة بما لا يقل عن 10 نقاط مثلا لتكون في حدود 30 في المائة، إذا ما أراد الاقتصاد السعودي أن يحقق المعدل المقبول لنمو الناتج المحلي والمستمر. من جهته يؤكد حسين أبو داود، وهو رجل أعمال وعضو في عدد من المؤسسات الاقتصادية، عن عدم اعتقاده بأن شريحة الـ20% في النظام الجديد ستفتح باب الإستثمار الأجنبي في السعودية. وبرر رأيه بقوله: «النظام الجديد لم يشمل المقترحات الأساسية التي رفعها رجال الأعمال مع وزارة الصناعة الى الحكومة والتي كانت تشتمل على وضع حوافز ضريبية للتخفيض على الشركات التي تستثمر في المدن الصغيرة والمناطق النائية. وكذلك إعفاء أرباح الصادرات السعودية للشريك الأجنبي من أي ضريبة، إضافة الى اعفائه من الأرباح المحصلة من نشاطات خارج السعودية، وكذلك حسم التبرعات والهبات التي تقدمها الشركات للمؤسسات والجمعيات الخيرية بحيث لا تزيد هذه الهبات على 10% من نسبة الضريبة المقررة على المستثمر، وكذلك إعفاء المستثمر الأجنبي من معظم مصروفات التدريب للسعوديين داخل وخارج المملكة». منبها الى ضرورة أن ترى هذه المقترحات النور وتنفذ فورا خلال العام الهجري الجديد 1425 هـ.

لكن أبو حليقة يعود لبيان وجهة نظره بقوله: «إن هذه الشريحة تهدف الى التشجيع الإيجابي من جانبين. الأول انها اقل مما كان معمول به قبل وبعدإصدار نظام الإستثمار الأجنبي في السعودية. وثانيا انه سعر ضريبي منافس جدا للأنظمة المعمول بها في دول الجوار». مبينا أن الحد الجديد للضريبة هو خفض للسقف الضريبي السابق. وقال «علينا ان نتذكر ان ضريبة الدخل على الشركات كانت تتراوح بين 25 % و45% على أي دخل في حدود المليون ريال يدفع 25 في المائة ضريبة و45 في المائة على كل ما يزيد على ذلك».

وشدد أبو حليقة على ضرورة ملاحظة أن ضريبة الدخل الجديدة قائمة على شرط تحقيق الربح. فإذا حقق المستثمر الأجنبي خسائر فالنظام يجيز له ترحيلها الى سنوات قادمة، ليتمكن من عمل تسوية مع الأرباح في السنوات المقبلة. وبالاضافة الى أن نظام الضريبة الجديد يحتوي على العديد من المزايا التي لم تكن متاحة منها الإهلاك المؤجل للأصول في عدد من الأنشطة، ومنها منح حوافز ضريبية لبعض المصروفات التي تنفق على البحث والتطوير من باب تشجيع الشركات الأجنبية على الانفاق.

ويطرح حسين أبو داود رأيا ينطوي على وجوب اتخاذ هذا القرار الجديد كفرصة لدراسة المعوقات التي تواجه إصدار القرارات المتعلقة بالقطاع الخاص. وقال: «يجب سرعة مراجعة الأنظمة وإصدارها بما يتواكب مع متطلبات المرحلة ومطالب رجال الأعمال والمستثمرين». أضاف: «للأسف ينتظر القطاع الخاص أكثر من 7 سنوات لتصدر الحكومة قرارا مثل هذا. فلا يمكن أن ننتظر 10 سنوات وأكثر لتعديل نظام العمل, أو ننتظر 13 سنة لتقرير ما إذا كان في الإمكان إنشاء هيئة للصادرات السعودية من عدمه». ومضى ابو داود يقول: «هناك الكثير من الأمثلة، وتأخير صدور القرارات المناسبة أصاب الاقتصاد المحلي بصفة عامة بالشلل وعدم النمو بصرف النظر عما يدعيه بعض المسؤولين». ويرى الدكتور أبو حليقة أن خفض الضريبة الى 20 في المائة سيكون عاملا مؤثرا وإيجابيا مع ظاهرة التستر. والسبب انه لو لاحظنا ما كان يشجع التستر في السابق هو أن الضريبة كانت عالية جدا. وهو خفض مهم وكبير وقد يساعد على عدم التستر. لكن حسين أبو داود له وجهة نظر مختلفة فهو يقول: لا اعتقد أن الخفض الضريبي سيؤثر على محاربة ظاهرة التستر. أضاف: «أرى أن الحل الأمثل لمحاربة ظاهرة التستر هو بالسماح للأجنبي المقيم منذ سنوات عديدة في المملكة ولديه رأسمال كاف للاستثمار في أي نشاط تحدده الدولة أن يسمح له بالعمل مقابل دفع ضريبة تتراوح بين 5% ـ 10% للدولة.

وتمسك الدكتور أبو حليقة بعدم الافصاح عن التقديرات الأولية لحجم المدخول من جباية هذه الضرائب للخزانة السعودية مكتفيا بالقول: «في الحقيقة ان خفض الضريبة الجديد سيحد من العائد الضريبي للخزانة العامة. لكن المعول عليه انه في المدى المتوسط سترتفع الحصيلة من ضريبة الدخل نتيجة للتوقع بزيادة عدد الإقرارات الضريبية لمصلحة الزكاة والدخل سواء ممن هم مقيمون حاليا ومتستر عليهم أو من الأنشطة الاقتصادية الجديدة ومنها الضريبة التي تتعلق بأنشطة الغاز».

ويشير الدكتور أبو حليقة الذي اشترط الحديث لـ«الشرق الأوسط» بصفته محلل اقتصادي وليس بصفته الاعتبارية كعضو في اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى السعودي: «إن النظام الجديد اشتمل على العديد من المزايا في آلية احتساب الضريبة وإجراءاتها وفق اتباع أحدث أو ما هو مستقر في الدول المتقدمة للتأكد من أن تحصيل الضرائب سيكون بدون عوائق وبإجراءات لن تكون طويلة وللإقلال كذلك من التنازع حول الضريبة». وأكد: «سيكون على المكلف بالضريبة مسؤولية المبادرة بتعبئة الإقرار الضريبي وفق القواعد وإرسالها الى مصلحة الزكاة والدخل. وستقوم المصلحة بمراجعة هذا الإقرار وتدقيقه فإن كان مقبولا فلا مشكلة أما ان كان غير مقبول فخلال فترة زمنية معينة يتم عمل مقاصة، أما بإعادة بعض المال إليه أو مطالبته بما ينسجم مع قواعد احتساب الضريبة ووعائها الضريبي». لكن حسين أبو داود يشير الى وجود معوقات كثيرة تخص وزارة المالية وأنظمتها مثل صعوبة إنهاء القضايا بين المستثمر الأجنبي ومصلحة الزكاة والدخل، خصوصا التي تتولاها لجان الضرائب الابتدائية والاستئنافية مع مرور السنين عليها. وهذا عامل مزعج ومنفر للاستثمار خصوصا عندما تصر مصلحة الزكاة والدخل على تفسيراتها وتحليلاتها حتى لو كانت مناقضة لبعضها في بعض الأحيان. وطالب أبو داود: «ينبغي إعادة النظر في جهاز مصلحة الزكاة والدخل وتطويره وضبطه وزيادة الشفافية في معاملاته ووزارة المالية قادرة على ذلك. ولكن عليها الاعتراف أولا بالتقصير حتى يمكنها إصلاح الوضع».