حقن طبية صينية وكورية رديئة تغزو السوق السعودي وهيئة المواصفات والمقاييس ترفض التدخل

السنيد لـ «الشرق الاوسط» قرارات وزارة التجارة والصناعة المفاجئة تجبر المستثمرين المحليين على التوجه لدبي

TT

حذر صناعي سعودي متخصص في صناعة الحقن الطبية بالسعودية من ظاهرة انتشار حقن طبية منخفضة الجودة، مستورة من دول أسيوية، تغرق السوق السعودي بكميات كبيرة، وذلك بسبب عدم مطابقتها المواصفات القياسية السعودية.

وأبلغ «الشرق الأوسط» فهد سنيد السنيد مدير عام شركة «الشفاء لصناعة الحقن الطبية» بالدمام، أن السوق السعودي يغص بكميات كبيرة من الحقن الطبية ذات الجودة المنخفضة التي قد تسبب أضرارا صحية جمة، مصدرها الصين وكوريا، كونها مصنوعة من مواد رديئة، وقد تؤدي إلى التسمم، أو إلى جرعات خاطئة، كما أن تعقيمها يتم بدرجات منخفضة تضر بالصحة العامة.

وأوضح أن هذه المصانع تلجأ في سبيل تقليل التكلفة إلى استخدام مادة «بي.في.سي.» المستخدمة في صناعة النوافذ وهي ذات سمية عالية قد تؤدي إلى تسمم المريض عند حقنه بها، عند تصنيع السدادة المطاطية، أو تلجأ إلى استخدام المطاط غير منزوع مادة «لاتكس فري». كما أنهم يستخدمون لتصنيع الحقن الطبية مادة البولي برويلين المخصصة للاستخدام في الصناعات الغذائية، الذي يؤدي إلى تصنيع حقن طبية غير مطابقة للمواصفات القياسية التي قد تسبب جرعات خاطئة لدى حقن المريض. إضافة إلى أن المواد الخام التي يستخدمها الصينيون والكوريون تقل تكلفتها بنسبة20% عن التكلفة الفعلية لتصنيع الحقن.

ولفت السنيد الانتباه إلى أنه من المخالفات التي تقع فيها هذه المصانع استخدامها للغاز في تعقيم الحقن الطبية وهي مكشوفة، مما يؤدي إلى وصول الميكربوتات والجراثيم، وبالتالي عدم ضمان تعقيمها بشكل يجعلها صالحة للاستخدام البشري، بينما يجب استخدام أشعة «جاما» للتعقيم بعد تغليفها بإحكام، بهدف منع وصول الميكربوتات والجراثيم إلى الحقن الطبية، كما هو معمول به في مصنع شركة الشفاء لصناعة الحقن الطبية بالدمام.

ولم يغفل السنيد المحاولة التي بذلت قبل عام لمنع دخول نوعيات رديئة من الحقن إلى البلاد، وذلك بإجراء فحوصات مخبرية على عينة منها، حيث أظهرت نتائج التحليل الذي نفذت في مختبرات المصنع عدم مطابقتها للمواصفات القياسية السعودية. و«بإعادة العينات وفحصها في مختبرات هيئة المواصفات والمقاييس السعودية تبين تطابق نتائج تحليلنا مع نتائج مختبرات الهيئة»، غير أنهم أصيبوا بالإحباط عندما رفضت الهيئة كتابة تقرير يثبت عدم صلاحية هذه الحقن، بحجة ان دورهم تشريعي يقتصر على وضع المواصفات فقط والتاكد من مطابقته عند عرض المنتج، وأنه ليس من مهاهم القيام بإبلاغ الجهات المختصة لمنع دخول مثل هذا النوع من الحقن. وقال السنيد :«ان دورنا كمصنع هو مخاطبة وزارة التجارة ولجنة الغش التجاري». مؤكدا على وجود نسخ من التقرير الذي تم اعداده في المصنع والآخر الخاص بالهيئة.

وتساءل السنيد: هل دورنا التصنيع أم التفرغ لمحاربة الغش التجاري، خاصة عندما يكون تأثيره على صحة المجتمع ككل؟ وهل دور هيئة المواصفات والمقاييس يقتصر على وضع المواصفات ومراقبة جودة الصناعات المحلية فقط أم متابعة المنتجات غير الصالحة ؟ مطالبا الجهات المختصة بسرعة التحرك لوقف دخول هذه الحقن عبر تحويلها إلى هيئة الموصفات والمقاييس للتاكد من مطابقته للمواصفات، وفي حال عدم مطابقته يمنع دخولها للبلاد.

واستبعد السنيد أن يكون حديثه هذا مرتبطا بتأثر حصتهم في السوق السعودي، كونها لا تؤثر عليهم، وإنما لأن نتائجها تسبب أضرارا وخيمة على المجتمع. مشيرا إلى أن الجهات المختصة تركز في مراقبتها على متابعة جودة المصانع المحلية، بينما تهمل جودة البضائع المستوردة، خاصة المتعلقة بسلامة الإنسان، ما جعل السوق السعودي مرتعا للبضائع المستورة المغشوشة، نتيجة غياب الجهات المعنية المسؤولة عن مكافحة هذه البضائع، أو بسبب تضارب المسؤوليات أو قلة الإمكانيات أو غياب الدعم اللازم.

ويدلل السنيد على أن هذه البضائع لم تؤثر على حصتهم في السوق بقوله إن إنتاج مصنع الشفاء من الحقن الطبية يصل إلى 140 مليون حقنة في العام، يذهب منها 132 مليون حقنة لتغطية العقد المبرم مع وزارة الصحة السعودية، التي اختارت منتجهم لتوفر الجودة العالية والسعر المناسب، بينما يتم تصدير المتبقي للخارج، ومن أبرزها الأسواق الإيرانية والسودانية واليمنية والأردنية والاثيوبية ودول الخليج. مبينا أن إنتاجهم يغطي تقريبا20% من احتياج السوق السعودي، ومقدرا حجم السوق السعودي في مجال الحقن الطبية بما يصل إلى مبلغ 200 مليون ريال (53.3 مليون دولار) بما يقارب 560 مليون حقنة في العام.

واعتبر مدير عام شركة الشفاء، أن الحماية الجمركية اثبت فشلها التام في حماية الصناعات المحلية، كونها أعطت مجالا لنشوء سوق سوداء تتلاعب بجودة المنتجات المستوردة، معتقدا أن الحل الأمثل يتم عبر فرض تطبيق المواصفات القياسية السعودية على أي منتج يرد للبلاد، مستشهدا بالسوق الأميركي الذي يسمح بدخول أي منتج شريطة أن يكون مطابقا للمواصفات القياسية الأميركية، وفي حال عدم تطابقها فإنه يمنع من دخول أميركا.

واشاد، بساسية الشراء الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي في مجال تامين المستلزمات الطبية، حيث أن الزيارات الدورية للمصانع المحلية أو الخليجية والاجنييية الراغية في المشاركة في تامين المستلزمات الطبية للقطاع الصحي الحكومي أثبتت نجاحها في التأكد على ارض الواقع من مطابقة انتاج هذه المصانع للمواصفات القياسية، لانه يتم استبعاد المصانع التي ينتج مستلزمات طبية غير مطابقة للمواصفات القياسية، لذلك تستخدم الحقن الطبية المستوردة الرديئة في بعض القطاعات الصحية الخاصة، التي تعتمد الربحية دون مراعاة لجودة المنتج. ويعتقد السنيد أن إنشاء مصنع سعودي جديد لتصنيع الحقن الطبية أفضل من إغراق السوق بحقن مستوردة منخفضة الجودة، كون الجودة هي التي ستكون الفيصل بين المنتجات، والبقاء للأفضل. مؤكدا أن السوق يستوعب مصانع جديدة في هذا المجال.

وأضاف انهم واجهوا حالة تقليد واحدة لمنتجهم قبل ثلاثة أعوام في باكستان، عندما قام تاجر باكستاني بالتعاقد مع مصنع كوري لانتاج حقن طبية عليها ذات العلامة التجارية لحقن الشفاء، وقام بتسويقها في السوق الباكستاني على انها حقن طبية سعودية، وعند اكتشاف الحالة تم رفع دعوى على التاجر الباكستاني، ولا تزال القضية منظورة حتى اليوم أمام السلطات الباكستانية المختصة ونقوم بمتابعتها حاليا.

وطالب السنيد وزارة التجارة والصناعة بدور أكبر في دعم الصناعات السعودية وتذليل العقبات أمام المصانع المحلية، وتقديم التسهيلات اللازمة. مستشهدا بالنموذج السنغافوري الذي يرسل مندوبين حكوميين بشكل دوري إلى المصانع لمناقشة الصعوبات التي تواجههم وحلها بشكل فوري، بينما يقف دور وزارة التجارة والصناعة السعودية على رفع ايجار أسعار الأراضي الصناعية، التي ارتفعت موخرا 60 في المائة، ووضع العراقيل أمام تطور الصناعات. واصفا دور الوزارة بالسلبي.

واشار إلى ان ذلك أدى الى تحول المستثمرين السعوديين بنشاطهم إلى دبي، نظير وجود كافة التسهيلات وبخاصة للاستثمارات السعودية الصناعيه، مثال ذلك إقامة رجال أعمال سعوديين مصنعا في دبي للحقن الطبية منذ 5 أعوام ينتج 56 مليون حقنة سنوية تصدر للخارج. مشددا على أنه اذا ما استمر القطاع الصناعي على وضعه المتقلب برفع مفاجئ لايجار الاراضي الصناعية او سن الأنظمة التي تعيق نجاج الصناعة السعودية، فإن الصناعة المحلية مقبلة على موجة تسرب جماعي للاستثمار في الصناعة في دبي.

واعتبر أن تجربتهم مع توطين الوظائف غير مرضية إذ تبلغ نسبة السعودة بالمصنع 27 في المائة، وهذه النسبة ما زالت ثابته بالرغم من المحاولات الجادة لرفعها، عبر القيام بتدريب الشباب وتكبد نفقات تدريبهم، وذلك بسبب عدم التزام بعضهم بالعمل، بالرغم من ان العمل لا يتطلب الكثير من الجهد، وهذا التقاعس يوثر على كمية الانتاج الذي يلتزمون بتسليمه وفق تعاقدات مع جهات مختلفة، ويترتب بموجبه غرامات عند تأخر التسليم. موضحا ان هناك تعاونا قائما مع الكلية التقنية لإقامة التدريب التعاوني، وسيحاولون استقطاب البارزين من المتدربين للعمل بالمصنع. وربط السنيد بين عدم تاثر حصتهم بالسوق بعد انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية بتطبيق المواصفات القياسية. مشددا على ان حصتهم لن تتاثر اذا كانت الجودة العالية هي المعيار الاساسي. مؤكدا، انه في حال استقرار الاوضاع في العراق فانهم يخططون لتصدير جزء من انتاجهم إلى هناك، خاصة انهم تلقوا في يناير (كانون الثاني) الماضي أثناء معرض الصحة العربي في دبي طلبات من مستوردين عراقيين لتصدير منتجاتهم، لكنهم فضلوا التريث إلى حين استقرار الاوضاع، لتحقيق طلبات هؤلاء المستوردين. مبينا انهم قبل حرب العراق في مارس (آذار) الماضي كانوا يصدورن إلى العراق نحو 5 ملايين حقنة سنويا.

تجدر الإشارة الى أن مصنع شركة الشفاء انشئ منذ 23 عاما، وينتج حقنا طبية مختلفة المقاسات للانسولين والتطعيمات، وكذلك المستخدمة لمرضى السل، بالاضافة إلى جميع مقاسات الحقن المستخدمة لمرة واحدة المغلفة والمعقمة، وذلك وفقا للمواصفات القياسية لمنظمة الصحة العالمية ومنظمة التقييس العالمي في التصنيع. وبالنسبة لاجراءات التعقيم فالمصنع يخضع لدستور الصيدلانية الالماني والاميركي وحاصل على شهادة الجودة السعودية وشهادة «اّي . اس . او» منذ 1995.