حالة الاقتصاد العراقي خلال عام : ما تحقق وما مطلوب تحقيقه مرتبط بتحقيق الأمن وتحسين المعيشة

قطاع النفط يدخل 6 مليارات دولار لخزينة الدولة والتدفقات المالية الأجنبية رفعت سعر صرف الدينار العراقي

TT

منذ سقوط نظام صدام ومرور عام على ذلك الحدث الذي سيغير الكثير من الأجندة السياسية والاقتصادية في المنطقة، تحقق الكثير في الجانب الاقتصادي، بعضه يدخل في التغيرات الهيكلية لوجهة تطور الاقتصاد والبعض الآخر يدخل في تغير سيكولوجية التعاطي اليومي مع مفردات الحياة المعيشية، فمن اقتصاد الكفاف الى الحديث عن فرص العمل التي اتاحتها عملية اعادة الاعمار، ومن اقتصاد الدولة المركزي الى الحديث عن اقتصاد السوق المفتوحة وتوجه بعض قطاعات الدولة نحو الخصخصة.

وعلى الصعيد المالي والتدفقات المالية اتاحت المساعدة الاميركية المقرة في الكونغرس والبالغة 18.6 مليار دولار نسغا جديدا في الحياة المعيشية، وأضيف اليها مبلغ المساعدات الدولية المانحة والمقررة في مؤتمر مدريد العام الماضي والبالغة 33 مليار دولار ، تم اقرار صرف ما يعادل المليار دولار عبر مؤتمر ابو ظبي مؤخراً للمساعدة في انشاء صندوقين احدهما تحت اشراف البنك الدولي والاخر تحت اشراف الامم المتحدة هدفهما تحريك السوق الداخلية ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعرضت الى عملية اتلاف عبر ثلاثة عقود من حكم الارتجال والمركزية الصارمة.

وبالرغم من معاناة الكثيرين من سوء بعض الخدمات الاساسية وتلكؤها، فإن نسبة كبيرة من الخدمات بدأت تصل عبر تحسين منظومة مياه الشرب وخدمات الكهرباء والتعليم والصحة والتحسن النسبي في قطاع الاتصالات ، الا ان قطاع النفط سجل خلال مسيرة العام الماضي تحسناً مضطرداً اذا ما قورن بحجم العمليات التخريبية ونوعيتها والتي رافقت عمليات تحسين واعادة انتاج وضخ النفط.

وقد رصدنا عبر تقارير مراسلينا في العراق والصحافة العالمية التي تابعت الحدث العراق جوانب عدة من فروع الاقتصاد من حيث أدائها وتعثرها عبر جردة حساب تغطي ابرز تلك الفروع:

* قطاع النفط

* بعد تعرض ذلك القطاع ، اعطت شركة هاليبرتون الاميركية وبالتعاون مع وزارة النفط العراقية اهتماما كبيرا لمسألة الامن، عبر تعيين 14 الف شرطي لحراسة منشآت النفط وخطوط الانابيب، اضافة الى اعتماد تكنولوجيا الكاميرات الخاصة برصد عمليات التخريب واستخدام معدات الجيش والطائرات في متابعة اعمال الحراسة.

لقد تطور حجم الانتاج اليومي من 150 الف برميل في اليوم بعد استئناف العمل في قطاع النفط الى حد وصوله حسب تقارير مراسلينا الى 1.8 مليون برميل يوميا، فيما ذكرت صحيفة التايمز بان مصادرها تعتقد بان الانتاج وصل الى 2.5 مليون برميل يوميا مع استئناف ضخ النفط عبر انبوب العراق تركيا وان بصورة تجريبية حيث تم ضخ 6 ملايين برميل الاسبوع قبل الماضي.

لقد حقق قطاع النفط ايرادات بلغت 6.6 مليار دولار منذ سقوط صدام ضخت في صندوق اعمار العراق ولبعض العمليات الاخرى. الا ان هذا القطاع يحتاج الى الكثير من الاستثمارات لاصلاح منشاته وخطوط امداداته قدرت بـ 40-50 مليار دولار على مدى السنوات القادمة.

* الاستثمارات الأجنبية وقانون الاستثمار

* وفي مجال الاستثمارات الاجنبية حقق قانون الاستثمار وان تحفظ الكثير على بعض فقرات غير واضحة من حيث اعطاء مائة في المائة للاستثمارات الاجنبية في العراق ولفترة 40 عاما، فقد بدأ الكثير من الشركات الاجنبية في ايجاد فروع لشركاتها في العراق وحصلت شركات غير اميركية في الشهر الماضي على عقود بلغت 500 مليون دولار او أكثر مثل الشركات البريطانية والاسترالية والفنلندنية في قطاع الكهرباء والمياه والانشاءات، بيد ان حصة الاسد في قطاع النفط ما زالت من نصيب الشركات الاميركية وبالاخص هاليبرتون وبكتل، وظهرت فضائح ورشاوى فتح فيها الكونغرس الاميركي تحقيقا ما زال قيد الاجراء مع الشركتين لمعرفة حقيقة اعطاء عقود بصورة غير قانونية او رصد مبالغ اكثر من احتياجات تلك العقود.

* القطاع المصرفي

* وتحققت في الجانب المالي والمصرف انجازات هامة لعل اهمها اجراء عملية سحب وحرق الدينار المطبوع الذي اقترن بصدام وتم استبدال ما يزيد على 4 تريليون دينار عراقي جديد يصعب تزويره وبالرغم من اعتماد سعر صرف 1500 دينار مقابل الدولار فقد حقق الدينار العراقي تحسنا في قيمة صرفه بعد تحسن التدفقات المالية ونشاط الشركات والتحسن النسبي للحالة الامنية، حيث بلغ الان 1360 دينارا مقابل الدولار، وترافق ذلك باستقلالية البنك المركزي عن السياسات الحكومية واصدار قوانين اجازة نشاط البنوك التجارية الاجنبية واطلاق عمليات التحويل لموجوداتها المالية.

وحقق قطاع الاتصالات تغييرا جوهريا باطلاق رخص الهواتف الجوالة وفوز ثلاث شركات عراقية - اجنبية بها حيث بلغ عدد مستخدمي الهواتف الجوالة حتى الان قرابة الربع مليون مستخدم، كما تم اصلاح بعض الخطوط الثابتة ليصبح عدد تلك الخطوط 700 الف خط حتى الان.

أما في نواحي الحياة المعيشية فتختلف خارطة الانجاز من منطقة الى اخرى فقد تحسن تجهيز مياه الشرب في مناطق الجنوب والوسط بنسب مختلفة، ففي الوقت الذي كانت فيه نسبة الذين يحصلون على مياه شرب صالحة قبل الحرب تصل الى 60% تنخفض نسبتها الى 50% بسبب اعطال الشبكة فان تقدما نسبيا حصل في السنة الماضية في توسيع اطار الشبكة وبالاخص باعتماد ميزانية من مجلس الحكم قدرت بـ 200 مليون دولار اضيفت اليها ميزانية بمقدار 1.14 مليار دولار تولتها شركة بكتل والوزارة المختصة بهدف زيادة رقعة الخدمات بمقدار 10% وما زال هذا القطاع يحتاج الى استثمارات سنوية بمعدل 3.5 مليار دولار على مدى العامين المقبلين.

ويحتاج العراق حسب تقديرات البنك الدولي والامم المتحدة الى 56 مليار دولار للنهوض بمختلف قطاعاته على مدى السنوات الثلاث القادمة وقد اقر مؤتمر مدريد 33 مليار دولار منها لكن تحسن البنية الاقتصادية وتحسن اداء قطاع النفط يبشر برافد ثابت للميزانية، كما ان نشاطات الاستثمارات الاقليمية المشتركة والتي شهدت تحسنا في الفترة الاخيرة بعد عقد العديد من مؤتمرات الاستثمار المشتركة العراقية - العربية وما رافقها من معارض لتسويق وعرض المنتجات ادخل حافزا ايجابيا لدول المنطقة للمشاركة بعملية اعادة الاعمار.

إلا ان جهدا وطنيا وآخر من قوى التحالف التي تتولى مسؤولية ادارة العراق حتى نهاية شهر يونيو (حزيران) المقبل فبالرغم من زيادة عدد قوات الشرطة والامن العراقية الى 170 الفا حتى الان ما زالت مطلوبة اعداد اكبر وبالاخص للسيطرة على الحدود الواسعة للعراق مع جيرانه والتي تنشط فيها عمليات التهريب ونقل المعدات وادخال البضائع المختلفة باسعار تخضع لعوامل السوق، تدفع بدورها الى الحاجة الى مزيد من اقرار القوانين المنظمة لادخال السلع واقرار الضريبة التي اقرت حتى الان بنسبة 5 في المائة وان جرى ايقاف العمل بها بعض الوقت لتحسين حالة التدفقات في السوق من البضائع والسلع وتشجيع فرص الاستثمار.

* خفض البطالة وتحسين الامن

* وقد يكون من الاولويات ربط عمليات خفض معدلات البطالة التي تتراوح بين 45 - 50% ما بين بطالة حقيقية ونصف بطالة بعمليات الامن والاستثمار في مجالات الخدمات العامة ذات الطبيعة المشجعة لمنشآت الاستثمار مثل تجربة قطاع النفط الناجحة في هذا الاطار.

غير ان عوامل اخرى موازية حدثت كنتيجة لتغيرات جوهرية تدخل في موضوع الملكية الشخصية فقد ارتفعت قيمة المتر المربع من الارض الى معدلات غير مسبوقة واصبح سعر المتر المربع في بعض منطاق بغداد والمراقد الدينية يقترب من 1800-2000 دولار مما يهدد بظهور طبقة ملاك اراضي كبيرة وثرية، في وقت يحتاج فيه العراقيون الى مليوني وحدة سكن جديدة لحل ازمة السكن، وفق تصريح لوزير الاسكان والتعمير العراقي.

كما ان العمل على اعطاء عقود ورخص في مجال المحافظة على الامن والتي شهدت اعطاء بعض العقود ساعد في الفترة الاخير على خفض العمليات التخريبة في المنشآت الصناعية، وفي هذا الاطار مطلوب ايضا تحويل وربط موضوع الامن بالاستقرار السياسي وتحسين الظروف المعيشية وتحقيق عمليات انتاجية يصل ريعها الى المواطن مباشرة.