الأمين العام لمجلس الغرف: السعودية هي الطريق الرئيسي لمشاريع إعادة إعمار العراق

د.فهد السلطان : 9 عقبات تحد من تدفق الاستثمارات السعودية للسودان

TT

أكد الدكتور فهد السلطان أمين عام مجلس الغرف السعودية، في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن بلاده هي الطريق الرئيسي لإعادة إعمار العراق، وأن أي خطوة تقود إلى تنفيذ مشاريع في هذا المجال من دون أن تتضمن شراكة حقيقية مع رجال الأعمال السعوديين سيكون مصيرها الفشل. وحول زيارة الوفد الاستثماري السعودي للخرطوم أخيرا، أوضح بانه وضع الكرة في الملعب السوداني، وإذا أرادوا للاستثمارات السعودية أن تتدفق فعليهم إيجاد حلول جذرية لـ 9 عقبات تعترض استثمارات رجال الأعمال السعوديين في السودان.

* ما زالت الصورة غير واضحة فيما يتعلق بمشاركة الشركات السعودية في مشاريع إعمار العراق فهل أوضحت لنا ما يجري في هذا الشـأن؟

ـ في الحقيقة ننظر للسعودية على أنها الطريق الرئيسي لإعادة إعمار العراق، وهذه حقيقة أراهن عليها، لذلك فإنه لا يمكن ان تنجح مشاريع إعادة إعمار العراق ما لم تتضمن شراكة حقيقية من قبل رجال الأعمال السعوديين، وهذا يعود لعدة أسباب من أهمها: ان العراق بلد مجاور لنا حيث ان حدودنا لا تبعد عن بغداد سوى 370 كيلومترا، وان المنتجات السعودية وصلت إلى مستويات عالمية وحققت المتطلبات العالمية الرئيسية في الإنتاج (الجودة العالية والسعر المنافس وسرعة إيصال المنتج)، ولدى رجال الأعمال السعوديين خبرة كبيرة في البناء والتشييد في كافة المشاريع المتعلقة بالبنية التحتية وغيرها حتى انهم وصلوا إلى منافسات عالمية وشيدوا مطارات دولية في بلاد مختلفة من العالم، والأهم من ذلك كله هو أننا شركاء تاريخيون مع رجال الأعمال العراقيين حيث نفذ القطاع السعودي الخاص مشاريع كبيرة في العراق اكسبتنا علاقات اجتماعية قوية وخبرة ومعرفة في مجتمع الأعمال العراقي، فهناك ميزة نسبية وتنافسية قد لا تتوفر في كثير من الدول إن لم أقل كل دول العالم.

* أليس لديكم تحرك مع الجانب العراقي مباشرة؟ ـ نحن تحدثنا مباشرة مع عبود الطفيلي رئيس اتحاد الغرف العراقية، كما تحدثنا مع كثير من رجال الأعمال العراقيين، ويبدو ان هناك لغة مشتركة، واتفاقا في وجهات النظر على أنه يجب أن تكون هناك شراكة سعودية عراقية في القطاع الخاص على مستوى رجال الأعمال فيما يتعلق باعادة إعمار العراق.

* قمتم أخيرا بزيارة إلى السودان من خلال وفد استثماري ضم اكثر من 50 رجل أعمال ومسؤولا للتعرف على طبيعة المناخ الاستثماري، كيف وجدتم الصورة في هذا البلد؟

ـ نحن ننظر إلى السودان بأنه يمثل عمقا اقتصاديا استراتيجيا كبيرا جدا للسعودية، وهذه النظرة تنطلق من عدة منطلقات أهمها: وجود الأساس السياسي لهذه العلاقة، البعد الجغرافي، التكامل الاقتصادي الكبير بين البلدين، واعتبار السودان بوابة للقارة السمراء والقرن الأفريقي، فكل هذه العوامل تجعلنا ننظر إلى هذا البلد بأنه يمثل أرضا وبيئة خصبة للاستثمار والشراكة الحقيقية بين الجانبين خاصة ان السوق السودانية تصل إلى 200 مليون نسمة.

* ما أهم القضايا التي جرى التباحث حولها مع الجانب السوداني؟

ـ نحن في الحقيقة كنا نحمل ورقة ومطالب محددة نريد من الجهات المختصة في السودان إيجاد حلول لها وهي تتكون من تسع عقبات تواجه المستثمرين السعوديين الذين لديهم استثمارات في هذا البلد وفي مقدمتها: طول الإجراءات عند الرغبة في دخول المستثمرين، وجود عقبات تتعلق بالتطبيق الفعلي لبعض قوانين الاستثمار والتفسيرات التابعة لها، استحداث قوانين وتفسيرات جديدة تؤثر سلبا على الاستثمارات خاصة ما يتعلق بقوانين الجمارك والضرائب وتضيف عليها أعباء جديدة وذلك خلال فترة الإعفاء الممنوحة للمستثمرين، انخفاض مستوى البنية التحتية مثل الطرق بين مواقع الإنتاج والاستثمار والموانئ، تدني مستوى الخدمات المصرفية، ضعف تطبيق الضمانات للمستثمر السعودي، عدم الالتزام بتطبيق الأنظمة، ضعف خدمات النقل والمناولة والتخزين في الموانئ والسكك الحديدية، وبطء وطول الإجراءات الجمركية عند فسح مدخلات الإنتاج.

* ما الانطباع الذي تكون لديكم بعد التقائكم بعدد من المسؤولين السودانيين لبحث هذه المعضلات؟

ـ كنت أتمنى أن تتخذ في هذا الشأن خطوات عملية جادة من قبل المسؤولين السودانيين وان تأخذ بمأخذ الجد والعمل لا بمأخذ التنظير والإجراءات الإدارية والبيروقراطية المعتادة، لان عامل الوقت مهم جدا ولا يجوز التفريط في إيجاد حل لهذه المعوقات لان حجم الاستثمارات السعودية المتوقع إقامتها في السودان سيكون هائلا جدا، ولكن المستثمر السعودي إذا لم يجد البيئة المناسبة فسوف يذهب إلى بيئة أخرى، ونحن حكومة وشعبا نتمنى ونرغب ونؤكد أن تبقى استثمارات السعوديين خارج السعودية في السودان لعدة أسباب كما ذكرتها في بداية حديثي وهذا الكلام أكدناه بكل وضوح للمسؤولين ورجال الأعمال السودانيين أثناء لقاءاتنا بهم. فمن المعروف أن التاجر حريص على ماله ويهتم بالوقت ولا يحب المخاطرة الكبيرة، ولذلك إذا ظلت هذه المعوقات موجودة فستظل المخاطر كبيرة.

* ما الخطوات التي كنتم تودون اتخاذها لإيجاد حل لهذه المعوقات؟

ـ كنا نتمنى بالرغم من أن الرئيس السوداني عمر البشير تعهد شخصيا بأن يشرف على الاستثمارات السعودية في السودان أن تشكل لجنة فنية من الوزارات المختصة وهي وزارات الاستثمار والزراعة والغابات والتجارة والصناعة للنظر في هذه المعوقات. فكيف يستقيم أن يكون قد جاء إليك وفد على رأسه وزير يحمل في جعبته 9 هموم وقال لك بكل علمية ومنهجية هذه مشاكلنا نريد أن ندرسها معكم ونصل إلى حلول لها، أليس من الأولى كمسؤولين أن ننظر إليها بعين الاعتبار وان نشكل لها لجنة تعمل بكل قوة على حلها خاصة ان لديهم مظلة قوية تتمثل في تعهد الرئيس الشخصي بالإشراف على الاستثمارات السعودية.

* هل كانت لديكم مقترحات أو تصورات لحل هذه المعوقات؟

ـ نعم لقد حملنا معنا العديد من المقترحات الايجابية من بينها إيجاد آلية تنظم دخول المستثمرين السعوديين لهذا البلد وبحث إمكانية مشاركتهم في تطوير البنية التحتية السودانية وفق أسس تجارية محددة، كما أن رجال الأعمال السعوديين نظرا لما يولون من أهمية استثمارية للسودان يفكرون في سبيل توفير دعم وغطاء حكومي لاستثماراتهم بالسودان.

* هل توصلتم إلى رؤية محددة لإقامة استثمارات مشتركة بين البلدين؟ ـ لم يحدث شيء من هذا القبيل لان الزيارة بحثت هموما وليست تفاصيل، وكنا نتوقع أن ننظر في معالجة هذه المشاكل وفي ظني انه عندما تعالج هذه المشاكل سوف يمهد الطريق لقناة استثمارية كبيرة بين البلدين. وأنا أقولها بكل أمانة أن الكرة الآن في ملعب السودان إذا أراد لهذه الاستثمارات أن تأتي وتتدفق، فأنا أعتقد أن من المستحسن للسودانيين أن يكرسوا وقتهم في معالجة هذه المعوقات التي نعتقد أنها قضايا جزئية وشكلية وليست جوهرية ولا تمس السيادة أو النظام الأساسي أو الدستور، وبإمكان الجهات التنفيذية أن تحلها بكل سهولة.

* في تقديرك ما حجم الاستثمارات السعودية المتوقع إقامتها في السودان في حال وجد حل لهذه المعوقات؟

ـ أنا تعودت أن أتكلم بلغة الأرقام في الحال ولم أتعود أن أتكلم بهذه اللغة في كل ما يتعلق بقضايا المستقبل، ولكن لدي انطباعا هو أن هناك رساميل كبيرة جدا في السعودية وهناك ملاءة بنكية في بنوك المملكة قد لا تتوفر في معظم بنوك العالم. كما ان المستثمر السعودي لديه قدرات استثمارية هائلة حيث أن الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة الأميركية فقط تبلغ 500 مليون دولار. وفي معظم دول العالم ينظر إلى المستثمر السعودي ضمن قائمة النخبة في العالم، وهذه حقيقة وواقع فضلا عن خبرته ومصداقيته التي عرف بها، لذلك أذهب إلى أي بلد فتشاهد كيف يرحب بهذا المستثمر، والمستثمر السعودي عرف أيضا ببساطته وخبرته العريقة في هذا المجال حتى أن المشاريع التي يستثمر فيها تجدها مشاريع مقبولة اجتماعيا ودينيا، ونادرا ما تجده يستثمر في مشاريع فيها ثغرات اجتماعية أو اختلاف مع التقاليد والأصول والمعتقد والدين والثقافة، فدائما ما يستثمر في مشاريع حيوية في الصناعة والزراعة وغيرهما. وحسب ما سمعته من رجال الأعمال السعوديين بأنهم ينظرون إلى السودان بأنه البيئة الاستثمارية المناسبة لهم لتوفر العديد من العوامل المشتركة بين الشعبين من حيث طبيعة المجتمع وتقاليده وعاداته وأخلاقياته أي أن هناك تقاربا اجتماعيا يعزز الأبعاد الاقتصادية، ولذلك فإنهم يرون انه إذا تم التوصل إلى حلول لهذه المعوقات وتم ضبط الأمور بالشكل المطلوب، فسوف يستثمرون في المجال الزراعي لان العوامل الزراعية متوفرة وتتمثل في خصوبة الأرض وتوفر العمالة والموقع الجغرافي الجيد.

* سبق أن أوصى الاجتماع الثاني للمستثمرين السعوديين الذي تبنته غرفة الرياض بأن يكون الاستثمار السعودي في السودان جماعيا تفاديا للمخاطر فهل ما زالت هذه الرؤية هي الامثل لديكم؟

ـ نعم نحن نشجع هذا التوجه، ولا أذيع عليك سرا فإنه قد تم صباح اليوم (الأربعاء) الاتفاق بين عدد من رجال الأعمال السعوديين على تأسيس شركة سعودية للاستثمار في السودان على أن يعملوا على إيجاد شريك سوداني لهم، ونحن ندعو كافة المستثمرين السعوديين الراغبين في الاستثمار في السودان الانضمام إلى هذه الشركة.

* كان هناك توجه سعودي لتغطية حاجة البلاد من الأعلاف بعد تقليص المساحات المزروعة ترشيدا لاستهلاك المياه بزراعتها في السودان، فماذا تم في هذا الخصوص؟

ـ لقد كان لدى عدد من المستثمرين السعوديين هدف للاستثمار في زراعة الأعلاف في الســـــودان، لكن ربمـــا بسبب تقدم التــــــقنية في زراعة الأعلاف في السعودية على نظرائــــــهم في السودان، وجدوا الجدوى الاقتصادية لزراعة الأعلاف فـــــي السودان أقل من السعودية بسبب ضـــــعف وتدني مستوى الإنتاجية للفدان مقارنة بإنتاجية الفدان في السعودية.

* هل يعني أن هذا التوجه قد تم الاستغناء عنه؟

ـ لا.. لم يتم الاستغناء عن هذا التوجه، بل أن البحث يتم حاليا عن الوسائل التي يمكن من خلالها أن نطور زراعة الفدان ونساعد نظراءنا في السودان على رفع الكفاءة الإنتاجية باستخدام التقنية والخبرة المتوفرة لدينا، وكأننا نقول تعالوا طالما أن هناك ارضا ووفرة ماء وعمالة رخيصة فلماذا الكفاءة الإنتاجية متدنية، قيل ربما السبب أننا تقدمنا في التقنية ولا نقول إن هناك تخلفا في السودان ولكن نقول إن هناك تقدما في التقنية في المملكة، وبحث أيضا بكل جدية مسألة الأسباب التي أدت إلى ارتفاع الكفاءة الإنتاجية في السعودية سواء من ناحية الاستخدام أو المهارات الفنية أو الأسمدة وننقلها إلى السودان ربما يكون الإنتاج أكثر.