رئيس منظمة الشفافية العالمية: محاربة الفساد تسهم في جذب الاستثمارات وإنعاش الاقتصاد

أكد في حديث لـ«الشرق الأوسط» : أن شركات دولية تدفع رشاوى لمسؤولين في دول عديدة لتسهيل تعاملاتها

TT

اكد بيتر ايجن رئيس منظمة الشفافية العالمية ان محاربة الفساد تسهم في جذب الاستثمارات وتحسن المناخ الاقتصادي بصفة عامة. وقال ان الفساد لا يقتصر على المجال السياسي وانما هناك ايضا فساد في المجال الاقتصادي حيث تقوم بعض الشركات الدولية بدفع رشاوى لمسؤولين في بعض الدول للفوز بتعاقدات، مشيرا الى ان استطلاعا اجرته المنظمة كشف ان هناك 20 شركة دولية تستخدم الرشاوى لتسهيل معاملاتها.

واضاف ايجن في حديث لـ «الشرق الاوسط» خلال زيارته للقاهرة مؤخرا ان البنك الدولي يساند حاليا وبقوة مشروعات محاربة الفساد في دول العالم المختلفة، ويعد احد كبار الممولين لبعض مشروعات المنظمة.

*ما هي اهداف زيارتك لمصر؟

- الهدف هو اعطاء تقييم لكيفية محاربة الفساد في مصر، فقد صدر التقرير السنوي لمؤشرات مدركات الفساد لعام 2003 معتمدا على نتائج سبعة عشر استقصاءً مستقلا قامت به ثلاث عشرة مؤسسة مستقلة شملت رجال أعمال ومحللي مخاطر من تلك الدول، ويصنف المؤشر 133 دولة، وقد تم سؤال عشرات الالاف من المواطنين في استقصاءات مختلفة بحيث يمكن الوثوق في النتائج. وقد جاءت مصر في المرتبة السبعين، وهذا شيء سيئ لانني اعتقد ان مصر يجب ان يكون اداؤها افضل، ولذلك فقد وجدت ترحيبا كبيرا لزيارة المنظمة لمصر.

*ما هي المعايير التي استخدمت في تعريف الفساد وتحديد مستواه؟

- يركز المؤشر على الفساد في القطاع العام، ويعرف على انه سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام من اجل تحقيق مكاسب شخصية، وقد طرحت الاستفتاءات اسئلة ذات صلة باستغلال المركز الاداري لتحقيق مكسب شخصي مركزة - على سبيل المثال- على قبول الموظفين الحكوميين الرشوة في المشتريات الحكومية.

وبينما يسعى مؤشر مدركات الفساد الى تقييم مستويات الفساد في مختلف الدول، يقوم مؤشر تقلبات الفساد بالاهتمام بمواقف المواطنين في كل دولة، ويطرح سؤالا حول مدى تأثير الفساد في حياة الافراد في تلك الدولة، والاجوبة هنا قد لا يكون لها صلة بمستويات الفساد، لانه قد يكون بعض المواطنين في دولة ما قادرين على تحمل العيش في جو من الفساد المرتفع بينما يثير مستوى فساد بسيط قلقا جديا لدى الاشخاص الاخرين.

*ما هو تقييم المنظمة للفساد السياسي المتمثل في استغلال النفوذ وتزوير الانتخابات وغيرها؟

- نحن نعتبر الفساد السياسي هو الاصل لكل الشرور فالطبقة السياسية التي وصلت للحكم سواء عن طريق الانتخابات المزورة أو بمساندة «جماعات المصالح» لا يمكن توقع ان تكون تلك الطبقة السياسية على درجة من الامانة والنزاهة في الحكم ولذلك فقد قررنا في هذا العام اعطاء أولوية عالية للفساد السياسي والفساد على المستوى الدولي وقد اصدرنا تقريرا خاصا بالفساد السياسي لعام 2004 الاسبوع الماضي ونشر على موقع المنظمة على الشبكة الدولية (الانترنت).

*وماذا عن الفساد على المستوى الاقتصادي وفي المشروعات الاقتصادية الدولية؟

- هناك مؤشر قوي لمستوى الفساد الاقتصادي هو تقاضي الرشاوى، وقد اصدرنا عام 2003 مؤشر دافعي الرشاوى الذي يبحث في قيام الشركات الاقتصادية الدولية بدفع رشاوى للفوز بتعاقدات في دول اخرى. وقد جاءت شركات من روسيا والصين وتايوان وكوريا الجنوبية تليها ايطاليا وهونج كونج وماليزيا واليابان والولايات المتحدة وفرنسا- في مستويات عالية من الميل لدفع الرشاوى. وقد قمنا باستطلاع آراء 850 رجل اعمال من جميع دول العالم حول ميل الشركات العالمية الى دفع الرشاوى وتوصلنا الى قائمة بعشرين شركة دولية تقوم بدفع الرشاوى لتسهيل معاملاتها الاقتصادية في الدول الاخرى، بالاضافة الى استطلاع رأي آخر للمواطنين داخل كل دولة عن عدد المرات التي يصطدمون فيها بالفساد في العام، وكانت النتيجة متشائمة في افريقيا. فمن بين مائة شخص هناك 48 شخصا يصطدمون بالفساد كل يوم، بينما في الدول الاوروبية هناك شخص واحد يصطدم بالفساد من بين مائة شخص، وفي سؤال للعائلات حول كمية النقود التي تصرفها الاسرة كرشوة أو ما شابهها في اطار الفساد الاداري في الدولة، في كينيا اجابوا ان عليهم انفاق 40 دولارا كل عام وفي بلدان اخرى كانت الاموال اكثر وفي دول اخرى اقل وقد قمنا بهذا الاستقصاء لقياس الاموال التي تصرفها العائلة لمواجهة الفساد في 48 دولة وسنغطي دولا اخرى في الاستقصاء القادم.

*قد يختلف مسمى وصورة الفساد من دولة لاخرى وفقا للظروف والقانون والعرف السائد، بمعنى ان ما يمكن توصيفه على أنه فساد في دولة ما، لا يمكن إطلاق نفس الوصف في دولة اخرى، فما تعليقك؟

- نحن نعتمد في ذلك الى حد كبير على الفروع الاقليمية لمنظمة الشفافية، وكل فرع يقرر التعريفات والتوصيف الخاص بالفساد في بلده، فالتعريف الشامل للفساد هو استغلال السلطة لتحقيق منافع شخصية، ثم يقوم كل فرع بوضع معايير للحالات التي ينطبق عليها وصف الفساد، ولدينا 19 فرعا منها على سبيل المثال فروع في الارجنتين، واندونيسيا ، ولبنان، وكينيا، والمغرب. ويتم وضع التعريفات للفساد وفقا للثقافة والنظام القانوني والظروف الاجتماعية والتقاليد والاعراف السائدة، ولا يقتصر عمل الفرع على وضع التعريفات فقط للفساد بل تقديم اقتراحات لما يجب فعله لمحاربة حالات الفساد، وتقوم المنظمة ومقرها في برلين بمساندة الفروع وتقديم المساندة القانونية والخبرات الفنية.

*لقد ذكرت ان مجيئك للقاهرة يهدف الى اقامة فرع للمنظمة في مصر، فما هي المبادىء والاسس والهيكل التنظيمي المقترح، ومن هم المؤسسون أو المشاركون في هذا الفرع؟

- ان اقامة فرع للمنظمة هو عملية طويلة تستغرق وقتا، وقمنا في هذه الزيارة بالحديث مع المنظمات غير الحكومية، وبعض الهيئات والمعاهد والجامعات والمهتمين، ووجدنا ان المصريين لديهم رغبة قوية لمحاربة الفساد، لكن لا بد ان ترقى هذه الرغبة الى خطوات فعلية لتشكيل شبكة عمل تضم عدة موسسات ومهتمين وناشطين لتأسيس هذا الفرع.

*ما الذي ستستفيده مصر من اقامة هذا الفرع؟

- ستكتسب بالطبع المصداقية في حربها ضد الفساد، سواء على المستوى المحلي أو المستوى الدولي، لان العالم سينظر لها على انها تقوم بالفعل بخطوات فعلية لمحاربة الفساد وليس مجرد شعارات واهداف وآمال. ومجيء المنظمة لمصر ليس بهدف انشاء منظمة غير حكومية ولكن بهدف تفعيل عمل الحركات الاصلاحية في المجتمع المصري للتعاون ضد الفساد.

من جانب آخر، فالحكومة لا يمكنها محاربة الفساد وحدها، فلابد من ان تضاف اليها جهود جمعيات العمل الاهلي والقطاع الخاص معا، ونحن لا نقدم وصفات لمكافحة الفساد أو نموذجا للتطبيق، بل يجب ان تنبع الحلول واساليب المكافحة من المصريين انفسهم بالتعاون مع الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ، ويصبح عمل المنظمة هو المساندة فقط وتقديم الافكار. وهذه هي الفلسفة التي يقوم عليها العمل لدينا. فعلى سبيل المثال عندما كنا نحاول محاربة الرشوة في الشركات العالمية كنا نصطدم ببعض القوانين، فالمانيا لديها نظام قضائي يسمح للشركات بتقديم رشاوى خارج حدود الدولة، وهذا النظام موجود ايضا في عدد من الدول الاوروبية، وكان هناك تخوف من ان قيام المانيا بسن تشريع يمنع شركاتها من تقديم رشاوى في صفقات تجارية بدول اخرى، مما سيجعل شركات من دول اخرى تفوز بتلك الصفقات والعقود، وبمساندة قوية من المنظمات الاهلية الاوروبية استطعنا دفع الموضوع حتى تم سن تشريع يمنع تقديم الرشوة خارج الحدود، وشاركت 35 دولة في هذا الالتزام في عام 1997، واذا ثبت قيام شركة المانية برشوة موطفين حكوميين في أية دولة اخرى فإنها ستخضع للعقاب، وهذا يدل على قوة منظمات العمل الاهلي في المشاركة والتعاون مع الحكومة والقطاع الخاص، في مكافحة الفساد.

في الوقت ذاته، فقد تغيرت نظرة البنك الدولي واصبح يساند مشروعات محاربة الفساد، وكنت قد تركت عملي بالبنك الدولي بعد خمسة وعشرين عاما من العمل فيه عندما وجدت الادارة لا تقوم بدور في محاربة الفساد، وهو ما استشعروا أهميته الآن واصبح البنك الدولي أقوى الممولين لبعض المشروعات للمنظمة ومن اقوى المحاربين للفساد.

وبالاضافة الى المصداقية التي ستكسبها مصر من محاربة الفساد فانها ايضا ستجذب المزيد من الاستثمارات الاجنبية وستزداد رغبة المستثمرين في المجيء والاستثمار في مصر طالما يوجد بها قوى فعالة في محاربة الفساد ولديها مصداقية كاملة في هذا الهدف.

ومحاربة الفساد عملية طويلة، وليست شيئا يمكن تحقيقه بين ليلة وضحاها.

*هل هناك عقوبات على الدول التي لا تلتزم بمكافحة الفساد؟

- لا توجد لدينا عقوبات، والتحقيق في حالات الفساد التي تنشرها الصحف هي وظيفة وسائل الاعلام والشرطة والقضاء داخل الدولة.

*وهل وجدتم علاقة بين الخصخصة في العديد من الدول وبين تفشي الفساد؟

- الخصخصة من العمليات الاقتصادية التي يمكن ان يشوبها تهمة الفساد لانها تعتمد على تقييم الاصول وتقلبات السوق وتتدخل فيها عدة عوامل، واذا قمنا بالخصخصة دون حماية تلك العملية من الفساد فانها تؤدي الى مزيد من الفساد.

واذا توافر للدولة نظام للخصخصة والتحول الى النظام الاقتصادي الحر في ظل مجتمع مدني قوي ونظام قانوني قوي، فان المجتمع سيكون قادرا على حماية نفسه من الفساد اثناء الخصخصة.

وقد رأينا دول الاتحاد السوفياتي السابق ودولا في وسط وشرق اوروبا، اخذت بنظام الخصخصة دون وجود إطار قانوني مما قاد الى فساد هائل وعمليات نهب وجريمة منظمة لذلك فوجود نظام قانوني واقتصادي واجتماعي جيد سيؤدي الى حماية افضل ضد الفساد.