شافيز يسعى لتنظيم لقاء قمة بين قادة «أوبك» ومجموعة السبعة

TT

نتحدث هنا عن هوجو شافيز، الرئيس الفنزويلي الجديد، والذي ينوي القيام بجولة هذا الشهر، على عواصم دول الأوبك بما فيها الرياض.

ان شافيز بالنسبة للبعض هو التجسيد الاخير للشيطان، «مخرب» تحركه مخططات مشبوهة لاشاعة عدم الاستقرار بأميركا اللاتينية، وجر دول الأوبك الى «مسار ثوري». انه الرئيس الاميركي اللاتيني الوحيد الذي تشرفه صحيفتا «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، بافتتاحيتين عنيفتين مخصصتين للهجوم عليه. وكانت ادارة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون قد خصته من دون غيره بالنقد «كخطر على السلام والتعاون» في نصف الكرة الجنوبي، وكنسخة شابة من فيدل كاسترو. ولكن غضب واشنطن المحموم عليه، بلغ المدى العام الماضي عند زيارته لبغداد، التي وصل اليها بالبر من ايران، ليصبح اول رئيس دولة اجنبي يلتقي بالرئيس العراقي صدام حسين.

وفي منتدى دافوس هذا العام، كان شافيز احد النجوم. وقد رأى منظمو المؤتمر ان شافيز يتحلى بشخصية مثيرة للاهتمام، ولذلك يستحق المعاملة الخاصة. ولذلك منح فرصة نادرة للمشاركة في جلستين منفصلتين، احداهما عن المستقبل السياسي لأميركا اللاتينية، والاخرى عن النفط. بالاضافة الى ذلك كان شافيز مرشحاً كذلك ليصبح مركزاً للاهتمام ويحظى بمعاملة النجوم في جلسة خاصة مع دوائر الأعمال ووسائل الاعلام العالمية، الا انه غيّر رأيه في آخر لحظة عندما علم ان معارضي المنتدى، والذين يسمونه «نادي الأغنياء»، يعقدون لقاءً آخر بديلاً ببورت آلجرى، بالبرازيل.

ان ميل شافيز للتغريد خارج السرب، قد جعل كثيرا من العواصم الغربية تعتبره «برميل بارود». وقد اتهم تحديدا بأنه ارسل اسلحة للمتمردين بكولومبيا، وانه يمد حبل النجاة لنظام فيدل كاسترو بكوبا، بتزويده بالبترول مقابل المساعدات الفنية الكوبية في مجالات الخدمات الصحية والتعليمية.

ولكن شافيز ينفي مساعدة المتمردين الكولومبيين، ويقول انه ذهب الى بغداد على سبيل المجاملة، لأنه ذهب الى عواصم اوبك الاخرى لتوجيه الدعوة لحضور قمة المنظمة بكركاس.

ويقول شافيز، مركزاً على عباراته: «انا رئيس دولة مستقلة، ولن اسمح للقوى الأجنبية ان تحدد لي اين اذهب واين امتنع عن الذهاب».

المعجبون بشافيز يعتبرونه قائداً اصلاحياً راديكالياً، ورث اقتصاداً مفلساً، وبلداً على حافة الثورة، ولكنه نجح عمليا في اصلاح الاقتصاد الفنزويلي وادخال اصلاحات اجتماعية وسياسية، كانت الحاجة ماسة لاجرائها.

ولأن شافيز هو «الهندي الوطني» الأول الذي يصبح رئيساً للبلاد، فقد اعتبرته «منبوذاً» تلك العائلات الثرية بكركاس، التي تعودت ان تفخر بأصولها الاسبانية، والايطالية، والفرنسية. وهؤلاء يسخرون منه «كفلاح» بدائي، لا يجيد حتى اخلاق المائدة. ولكنهم بدأوا يشعرون بالاحترام لمقدراته على تعبئة الجماهير.

ويشير المعجبون كذلك الى «قيادته البارعة» للأوبك خلال شهور عصيبة. ويزعمون انه لعب دورا بارزا في الحفاظ على وحدة المنظمة، وعلى اسعار ملائمة للنفط، وفي تفادي الصدام مع المستهلكين الأساسيين للطاقة.

في ديسمبر (كانون الاول) الماضي، استطاع شافيز حسم قضية من يكون الأمين العام القادم للأوبك، في عدة دقائق، وبعد محادثة تلفونية مع وزير النفط السعودي علي النعيمي.

فقد وافق شافيز على ان يسمح لأقرب مساعديه، علي رودريجيز، بالاستقالة كوزير للنفط ليشغل وظيفة أمين عام المنظمة. وبالرغم من ان رودريجيز كان قائدا سابقا في حرب العصابات، وقاتل جنباً لجنب مع ارنستو تشي جيفارا، الا انه سرعان ما فرض نفسه كصوت اعتدال واتزان داخل الأوبك.

وكان نجم شافيز قد لمع اول مرة، عندما شارك في انقلاب فاشل. وقد صدر ضده حكم بالسجن نتيجة لذلك، وأعلن شخصاً غير مرغوب فيه بالولايات المتحدة. وبعد ثلاثة اعوام فقط من تلك الاحداث، اكتسح الانتخابات الرئاسية، حائزاً ثلثي الأصوات تقريبا. وتبع ذلك استفتاء دستوري فاز فيه ايضا بأغلبية الثلثين.

هذا المظلي السابق، ذو الابتسامة المعدية والمصافحة الحارة والحازمة، يشار اليه بالبنان وسط كل الزعماء العالميين.

وهو يقول: «احب ان اقول بصدق ما اؤمن به. اذا كان ذلك يجرح بعض الناس، فهذا يدعو للأسف. فالسياسة تعني الاختلاف والجدل، ولا تعني ان يردد الجميع نفس الأشياء».

ان رسالة شافيز للأوبك بسيطة جداً: أسعار الطاقة ما تزال متدنية بالنسبة للمنتجين والمصدرين. اما الأسعار العالية التي يقع عبئها على المستهلكين في الغرب فهي ناتجة اساساً عن الضرائب الباهظة التي تفرضها حكوماتهم هم».

ولا يوجه شافيز هجومه على القوى الصناعية الكبرى وحدها. بل يصر كذلك على ان الدول النامية يجب الا تحصل على النفط بأسعار منخفضة من دول الأوبك. فهو يعتقد ان الاسعار المخفضة تشوه اقتصاديات الدول النامية وتمنعها من الوقوف على قدميها بأسرع فرصة ممكنة.

ولا ينكر شافيز انه يسعى لتحويل الأوبك الى «كتلة» من القوة والنفوذ تكون قادرة على الوقوف في وجه مجموعة (G7) وفي وجه الدول الصناعية الكبرى. هذه هي الرسالة التي يحملها معه الى عواصم الأوبك. ولكن مدى استعداد دول الأوبك للايمان بهذه الرسالة، والاضطلاع بواجباتها، يبقى امراً مفتوحاً.

ومنعاً لسوء الفهم يقول: «نحن لا نسعى للمواجهة. فسلامة الحس تقتضي ان يعطي المنتجون والمستهلكون الأساسيون للنفط انفسهم فرصة للحوار لحسم خلافاتهم وايجاد افضل السبل لخدمة مصالحهم المشتركة».

ويبحث شافيز حالياً عن آلية تمكن زعماء الأوبك من اللقاء بانتظام مع زعماء (G7) وبأجندة واضحة. وقد وجدت هذه الفرصة الآن قبولاً لدى رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان، ولكن من المشكوك فيه ان تتحمس ادارة بوش في واشنطن لمثل هذا المشروعد فالآيديولوجية السائدة في واشنطن تعارض بحزم اية اجراءات تعطي الانطباع بأن التجارة العالمية اصبحت تديرها الحكومات.

ويحاول شافيز كذلك ان يقيم صلات رسمية بين اوبك ومنتجي ومصدري النفط الأساسيين من غير اعضاء المنظمة، مثل روسيا، النرويج، المكسيك، عمان وأنجولا.

المشكلة هنا هي ان الشواهد لا تدل على ان هناك اغلبية من اعضاء اوبك ترغب في تجاوز المنظمة لحدودها الأصلية. ومع ان العراق وليبيا رحبتا بمنهج شافيز الصدامي، الا ان ايران ما تزال تجلس على مقاعد المتفرجين. اما اعضاء اوبك الآخرون، وخاصة المملكة العربية السعودية والكويت، فيؤمنون ان على اوبك ان تركز على أداء وظيفتها، لا ان تسعى للتحول الى اداة في اللعبة الدولية.