مهنة التقييم ... إلى ماذا تحتاج؟

سعود الأحمد*

TT

ماذا نقول عن الندوة التي عقدت بفندق الإنتركونتننتال في مدينة الرياض يوم الأربعاء 30 يونيو (حزيران) الماضي، بعنوان ندوة تطوير وتنظيم مهنة التقييم في السعودية، التي نظمها مكتب الراشد ـ مستشارون ومحاسبون قانونيون، وتحت إشراف المجلس الاقتصادي الأعلى... هل نقول إننا بصدد ميلاد هيئة مهنية جديدة؟ وهل لدينا مجتمع مهني وحجم عمل ينتظر وبحاجة إلى نشوء مثل هذه الهيئة؟ لست متأكدا من ذلك، فقد قرأت ما تم تقديمه من أوراق، استمعت إلى ما تم طرحه من محاور للنقاش، لكنني لم أجد أي دراسة مسحية لحجم ذلك النشاط، حتى يقال عنه إنه بحاجة إلى تأسيس (هيئة)، تعنى بمهنة تقييم أصول المنشآت والممتلكات. وبصرف النظر عن حجم النشاط، لكن الذي نتفق عليه جميعاً، أن لدينا مشكلة، تتمثل في من له حق تقييم المنشآت التي تستدعي الحاجة إلى تقييم أصولها وخصومها. فلدينا مصالح ومؤسسات حكومية وشركات وبنوك، يعلم المجتمع السعودي (وبحسب وعد حكومي)، بأنها على طريق التخصيص. وهناك مؤسسات أفراد تملكها مجموعة أفراد أو فرد واحد، ومن الطبيعي أن يأتي يوم ويرثه من بعده، أو لأي سبب تنفض الشراكة بين الملاك، وهناك شركات أشخاص قائمة، ينتظر لها أن تخصخص وتُطرح أسهمها للاكتتاب العام.

فماذا سيكون سعر السهم المعروض للاكتتاب العام؟ ومن هو الشخص أو الجهة المعتمدة للقيام بهذه المهمة؟

إذاً نحن بحاجة إلى جهة أو أشخاص مؤهلين علمياً ومهنياً، تقوم بمهمة التقييم، وبذلك تبرز أسئلة عديدة للمقيم المعتمد... مثل ما هي مواصفات الشخص المقيم المعتمد؟ والمؤهلات المطلوبة للمقيم المعتمد؟ والجهة المخولة لمنح ترخيص المقيم المعتمد؟ فالفكرة من حيث المبدأ، نيرة وحضارية وربما سابقة لعصرها، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أننا في مجتمع نام، وأنه لم يسبقنا لهذه الفكرة أي من دول الشرق الأوسط. لكننا نراها فكرة تطرح في هذا الوقت لغرس المفهوم، كما فعلنا في مهن أخرى، مثل مهنة المحاسبة والمراجعة القانونية قبل عقدين من الزمان، وكما هو حاصل الآن على المستوى الخليجي، في إنشاء هيئة للمحاسبة والمراجعة القانونية. واستصدار معايير مهنية لها.. كل هذه أفكار نيرة تسهم في بناء المجتمع المؤسساتي، وتنظيم وتعيير المهن الحرة. وعن أهمية وجود مقيم مؤهل ومعتمد، يعنى بمهمة التقييم، فإن ذلك يؤكده (من وجهة نظري) أننا نواجه مشكلة عدم عدالة تقييم ممتلكات بعض الشركات التي تقيم لتعرض للاكتتاب العام، وإلا فلماذا عندما تقيم ممتلكات شركات لتعرض للاكتتاب العام، وفي الأيام الأول لتداولها في سوق الأسهم، تباع بأضعاف سعر اكتتابها. ولعلنا نتذكر (قبل عقد ونصف عقد من الزمان) إحدى الشركات المصرفية عندما فتح باب الاكتتاب فيها بدون علاوة إصدار، ثم تم تداولها بعشرات ضعف سعر اكتتابها. (وهذا وبلا أدنى شك) يبعث على غبن أصحابها المؤسسين، وهم يرون شركتهم تباع بسعر بخس، وربما يعوضون من جوانب أخرى تكون على حساب النظام الاقتصادي للمجتمع على مر الزمان. ولا أخفي إعجابي بفكرة عقد مثل هذه الندوة، التي تبين أن الهدف من عقدها، إضافة للتعريف بهذه المهنة، ودعوة وأخذ ما لدى نخبة من المدعوين، من الخبراء في مجالات مختلفة، كالاقتصاد والقانون والمنظرين من الكتاب الصحافيين، من خلال طرح وتداول أهم المحاور محل النقاش... وضع تعريف واضح ومتفق عليه لمهنة التقييم، والمقومات اللازمة لنجاح هذه المهنة، وتصور للشكل القانوني لهيئة التقييم، والمعايير التي تحكم هذه المهنة والممتهنين لها، وقواعد وآداب سلوكياتها المهنية، ومصادر تمويل الهيئة المعنية بها، وشهادة زمالة المقيمين، والتعليم والتدريب المستمر للممارسين لمهنة التقييم. لست أتوقع تأسيس مثل هذه الهيئة خلال السنوات القريبة، لكنني أعتبرها غرسة في مصلحة مستقبل المجتمع السعودي والخليجي والعربي، ولن أفاجأ إذا أصبحت مع مرور الوقت حقيقة ماثلة للعيان... لكن متى؟... الله وحده يعلم.

* محلل مالي سعودي