دراسة تسلط الضوء على الاقتصاد السعودي في ظل أسعار النفط وترسم ثلاثة سيناريوهات محتملة حتى نهاية العام الجاري

المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل يطالب السعودية بتعديل قوانينها وممارساتها التجارية لتتماشى مع متطلبات منظمة التجارة العالمية

TT

توقع تقرير اقتصادي ان يحقق الاقتصاد العالمي نموا بنسبة 4.5في المائة لعامي 2004 و 2005، عقب نمو بمعدل 3.9 في المائة في عام 2003. وقال التقرير الذي صدر عن صندوق البنك الدولي حديثا وتناول الآفاق الاقتصادية ان مناطق العالم ستشهد مستويات نمو متفاوتة، فبينما توقع التقرير حدوث نمو مضطرد في منطقة آسيا، خصوصا في الصين، وكذلك في الولايات المتحدة الأميركية، فإنه تنبأ أن تشهد منطقة اليورو نموا أكثر اعتدالاً. وفيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، أشار التقرير الى ان مستويات إنتاج النفط المرتفعة وانخفاض مستوى عدم التيقن عقب شن الحرب على العراق ساعدت على تعزيز النمو الاقتصادي، وفي هذا الاطار توقع التقرير أن يبلغ معدل النمو 4.1في المائة في عام 2004 و5 في المائة في عام 2005 في المنطقة. لكن التقرير رغم سماته المتفائلة، الا انه حذر أيضاً من مخاطر محتملة للنمو الاقتصادي العالمي بسبب الارتفاع المحتمل في أسعار النفط. ويورد التقرير تخمينات يتوقع وفقاً لها حدوث انخفاض بنسبة 0.3 في المائة في الاقتصاد العالمي نتيجة لأي ارتفاع بمعدل 5 دولارات في متوسط الأسعار السنوية للنفط.

وتناول التقرير وضعية الاقتصاد السعودي، متوقعا تحسن أدائه مع حدوث أي ارتفاع في أسعار ومستويات إنتاج النفط حيث ظل اعتماد السعودية على الموارد النفطية عالياً خلال السنوات الماضية ولا يتوقع أن يختلف الوضع في عام 2004. واشار في هذا الجانب الى ان الاحتياطيات النفطية المؤكدة للسعودية تصل الى 262.8 مليار برميل تقريباً ( 25في المائة من إجمالي الاحتياطيات العالمية) كما تبلغ احتياطيات السعودية من الغاز الطبيعي 227.9 مليار قدم مكعب، وهو رابع أكبر احتياطي في العالم. لكن التقرير اشار إن منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والسعودية بصفة خاصة محاطة بحالة من عدم التيقن الجيوسياسية ووضع أمني هش كما تعاني من مستويات بطالة متزايدة وعدم توازن في الناحية المالية. وبإلقاء نظرة على الوضع الاقتصادي الراهن للسعودية يمكن استعراض الحلول المقترحة للمشاكل القائمة حاليا.

* سوق النفط ـ مستويات المخزون والهجمات الإرهابية تحافظ على ارتفاع الأسعار:

خلال الربع الأول من عام 2004، ظلت أسعار النفط الخام في مستويات أعلى مما كان متوقعاً لها في الأساس، مستجيبة للتقارير المتواصلة حول انخفاض مخزونات النفط الأميركية وكذلك الهجمات الإرهابية المتقطعة في منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك السعودية. كذلك ارتفعت الأسعار على إثر أنباء سلبية تتعلق بإمدادات النفط. إضافة إلى ذلك، ورغماً عن وصول إنتاج العراق النفطي إلى مستوياته التي كان عليها قبل الحرب، فإن أعمال العنف والهجمات المتقطعة على خطوط أنابيب نقل البترول أصبحت تثير الشكوك حول استمرار هذه الإمدادات النفطية بشكل متسق، لذا يتوقع أن تظل أسعار النفط مرتفعة خلال معظم أجزاء الفترة المتبقية من السنة الحالية. ويتوقع المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل أن يبلغ متوسط سعر خام النفط العربي الخفيف 26 دولارا للبرميل بافتراض أن إنتاج أوبك سيظل كافياً للتعويض عن النقص في مخزونات النفط الأميركية وأن الأوضاع ستعود إلى حالتها الطبيعية في نيجيريا وفنزويلا. وبعد ذلك يتوقع أن تبدأ الأسعار في الانخفاض التدريجي الى 22 دولارا للبرميل بنهاية عام 2004 مع توقع انسياب الصـادرات النفطيـة العراقيـة في ظـل النظـام الجـديد. وفي الوقت ذاته، ورغم توقع وكالة الطاقة الدولية ازدياد الطلـب العـالمي على النفـط بمعـدل 1.7 مليـون برميل يوميا في عام 2004، بسبب الطلب المرتفع من الصين.

* اقتصاد السعودية ـ ازدياد الاعتماد على النفط: خلال عام 2003 شهد الاقتصاد السعودي نمواً ملحوظاً في الناتج المحلي الإجمـالي سـواء الاسمي أو بالقيم الحقيقية، وكان المحرك الوحيد لهذا النمو هو الإيرادات النفطية التي كانت أكثر ممـا هو متوقع وكذلك النمـو القـوي للصناعة القائمة على النفط. وقد انعكس أثـر ذلك على تحسن أداء قطـاعات البنـاء والتشييـد، والعقارات والخدمات حيث حقق الناتـج المحـلي الإجـمالي الاسمي نموا بنسبة 12.19 بالمائة خلال عام 2003. ولم يكن هذا النمو فقط أعلى كثيراً من معدل النمو لعام 2002 الذي بلغـت نسبـتـه 2.85 في المائة، بـل كـان ثـانـي أفضـل معـدل نمو خلال العشر سنوات الماضية. وبالإضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي الكلي. إن مزيد من التحليل للناتج المحلي غير النفطي يبين لنا أن الناتج المحلي الإجمالي الحكومي نما بنسبة 3.7 بالمائة، بينما نما الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بنسبة 10.3 بالمائة. إن الجانب الإيجابي لأداء الناتج المحلي الإجمالي لعام 2003 يظهر في معدل النمو العالي للناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ولكن ينبغي أن نأخذ في اعتبارنا أن ذلك قد حدث فقط على إثر النمو المرتفع في القطاع النفطي. ويمكن ملاحظة اتجاهات مماثلة في الناتج المحلي الإجمالي بالقيم الحقيقية إذ نما بنسبة 3.4 في المائة خلال عام 2003 مقارنة بنسبة 1.2 في المائة في عام 2002، وهو معدل أعلى هامشياً من المعدل المستهدف.

وبالإضافة إلى تحليل أداء الناتج المحلي الإجمالي للفترة السابقة، قام المركز الاستشاري بعمل توقعات للناتج المحلي الإجمالي لسعودية باستخدام نموذج إحصائي أعده المركز. ولا شك أن إعداد تقديرات دقيقة لأسعار النفط يعتبر أمراً شبه مستحيل وكذلك الأمر بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي للقطاع النفطي. وبناءً عليه، ونظراً للتذبذب الكبير في سوق النفط، فقد قام المركز الاستشاري بإعداد ثلاثة سيناريوهـات ـ السيناريـو المتشـائـم، والسينـاريو الأكثر احتمـالاً والسيناريـو المتفـائل. وقد افتـرض المركـز سعراً لبرميل النفط يبلغ 24 دولاراً في ظـل «السيناريو الأكثر احتمـالاً» و28 دولاراً «للسيناريو المتفائل» بالنسبة لخام النفط السعودي العربي الخفيف بافتراض أن متوسط الإنتاج هو 7.75 مليون برميل يوميا. وتشير توقعات المركز الاستشاري إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سينخفض في ظل السيناريوهين «المتشائم» و «الأكثـر احتمـالاً» مقــارنة بمعـدله لعـام 2003 ولكنه سيظهر نمواً هامشياً في السيناريو «المتفائل».

ويمكن تصنيف الناتج المحلي للسعودية، بشكل عام، تحت ثلاثة مسميات وهي : الناتج المحلي الإجمالي للقطاع النفطي، والناتج المحلي الإجمالي للقطاع الخاص غير النفطي، والناتج المحلي الإجمالي للقطاع الحكومي غير النفطي. وحسب التفـاصيل المعدلة لـلنـاتـج المحـلـي الإجمــالي الـصـادرة عن مؤسـسة النقـد الـعربي السعـودي فخـــلال الفتـرة مـن عام 1985 إلى 1989 تراوحت مسـاهمة الناتج المحلي الإجمالي للقطاع النفطي بين 23 و28 بالمائة وكان القطاع الخاص غير النفطي هو المساهم الرئيسي في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تراوحت بين 47 بالمائة و52 بالمائة لنفس الفترة بينما أسهم القطاع الحكومي غير النفطي بالنسبة المتبقية، باستثناء نسبة هامشية (1 في المائة) من رسوم الواردات. بيد أنه منذ عام 1990 فصاعداً تغيرت مسـاهمـات القطـاعات المختـلفة في الناتج المحلي الإجمالي إذ أسهم القطاع النفطي بنسبة 34% خلال فترات انخفاض أسعار النفط وبنسبة 41% خلال فترات ارتفاع أسعار النفط بسبب ارتفاع الطلب. ويعود ارتفاع أسعار النفط إلى القيود المفروضة على العراق فيما يتعلق بتصدير النفط إلى الأسواق العالمية1991. ونظراً لكونها أكبر المنتجين، فقد استأثرت السعودية بتعويض الحصة الأكبر من حصة الإنتاج العراقي المحظورة من التصدير. ومع استعداد العراق لاقتحام سوق النفط العالمية تحت المظلة الاميركية، فانه يتعين على السعودية خفض حصتها الإنتاجية في السنوات المقبلة. ألا ان المركز الاستشاري لا يرى ثمة مخاوف كثيرة من ذلك خلال العام الجاري نظرا لان العراق لا يزال يبحث عن السلام والأمن. واستنـاداً إلى توقعـات أحـوال سوق النفط خلال عام 2004، فمن المحتمل جداً أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للقطاع النفطي 281,6 مليار ريال (75 مليار دولار) بينما يتوقع أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص 308 مليار ريال (82.1 مليار دولار) والناتج المحلي الإجمـالي غيـر النفطـي للقطـاع الحكومي 173,4 مليار ريال (46.2 مليار دولار). ومن المحتمل أن يحدث تغيير في نسب مكونات الناتج المحلي الإجمالي من حصة 41في المائة للناتج المحلي الإجـمالي النفطي كمـا في عام 2003 إلى نسبة 36في المائة في عام 2004.

* الحساب الخارجي ـ فائض في الحساب الجاري للعام السادس على التوالي : علـى صعـيـد ميـزان المدفـوعات وبالنسبـة لعـام 2003، تظهر أحدث الأرقام الحكومية أن السعودية ربمـا تكون قد حققت مبلغ 91.8 مليارريال (24.4 مليار دولار) حسب التقديرات كفائض في الحساب الجاري مدعوماً بنمو بنسبة 19.6في المائة في الصادرات النفطية. وبلغت قيمة الصادرات النفطية 281.5 مليارريال (75 مليار دولار) وهي أعلى بدرجة كبيرة من أعلى مستوى بلغته سابقاً وهو 265 مليارريال (70.6 مليار دولار) في عام 2000. وقد سجلت الصادرات غير النفطية أيضاً نمواً كبيراً بنسبة 10في المائة خلال عام 2003 عما كانت عليه في عام 2002. وسجلت الواردات ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 2في المائة مما أدى إلى ارتفاع الميـزان التجاري للسعودية بنسبة 30في المائة. ومع بقاء الخدمات والتحويلات في مستـوى مستقر، فقد أدى ذلك إلى ارتفـاع فائض الحسـاب الجـاري بأكثـر مـن الضعـف، وهو أكبر فائض منذ عام 1981. ويعتبر هذا النمو الحاد في فائض الحساب الجاري أعلى من معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي ككل مما أدى إلى رفع نسبة الحساب الجاري إلى الناتج المحلي الإجمالي من 5.1في المائة في عام 2001 إلى 6.2في المائة فـي عـام 2002 وإلى 11.6في المائة خلال عـام 2003.

وفيما يتعلق بالخدمات والمدفوعات، وباعتبار متوسط معدلات النمو لمكوناتها، فإن حجم الحساب الجاري يقدر بحوالي 67.96 مليارريال (18.1 مليار دولار) أو ما يعادل نسبة 8.8في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لعام 2004. لقد تم تطبيق نفس منهجية تحليل السيناريوهات التي وردت في القسم السابق على الصادرات النفطية ونتج عن ذلك فائضاً في الحساب الجاري يقدر بحوالي 89.8 مليار ريال (23.9 مليار دولار) بالنسبة للسيناريو المتفائل وبحوالي 46.1 مليارريال (12.2 مليار دولار) للسيناريو المتشائم. ويعني ذلك أن فائض الحساب الجاري يعادل نسبة 12في المائة و 6في المائة على التوالي من الناتج المحلي الإجمالي التقديري. كذلك نجد أن الوضع بالنسبة لاحتياطيات النقد الأجنبي جيد أيضاً.

* المالية العامة - استمرار تدفق الفوائض : مدعوماً بأسعار ومستويات إنتاج النفط المرتفعة، فقد أثبت عام 2003 أنه عام قياسي للمملكة. وقدرت الإيرادات المتحققة لعام 2003م بحوالي 295 مليار ريال (78.6 مليار دولار) ( مقابل الإيرادات المقدرة في الميزانية بحوالي 170 مليارريـال (45.3 مليار دولار)، بارتفـاع بنسبـة 73.5في المائة. ومقـابل حجـم الإنفـاق المقدر بحوالي 209 مليارريال (55.7 مليار دولار)، بلغ حجم الإنفاق الفعلي 250 مليارريال (66.6 مليار دولار) بارتفاع بنسبة 19.6في المائة. ونتيجة لذلك فقد بلغ الفائض 45 مليارريال (12 مليار دولار) مقابل العجز المقدر في الميزانية بحوالي 39 مليارريال(10.4 مليار دولار).

وحسب الأسعار السائدة في سوق النفط حالياً ومستوى الإنتاج للسعودية، فيتوقع أن يبلغ متوسط الإنتاج 7.75 مليون برميل يوميا، كما أن متوسط الأسعار من المرجح أن يبلغ 26 دولاراً للبرميل. وبتطبيق الافتراضـات الواردة في النموذج الإحصائي لتقديرات المركز الاستشاري، فإن تقديرات الإيرادات النفطية ستبلغ 208.7 مليار ريال(55.6 مليار دولار) وبالتالي يتوقع أن تبلغ الإيرادات الكلـيـة 258.6 مليارريـال (68.9 مليار دولار) (شـكل 5). واستنــاداً إلى الأرقام السابقة والأوضاع الأمنية السائدة فمن المتوقع أن تقوم الحكومة بزيادة إنفاقها، وأن تزيد الحكومة مصروفاتها الجارية بنسبة 15 في المائة. ولهذا فإنه يتوقع أن تعلن الحكومة عن عجز أقل كثيراً يبلغ حجمه 5.6 مليار ريال مقارنة بالعجز المتوقع للميزانية وهو 30 مليار ريال (8 مليارات دولار). إن العجز المتوقع سيكون أقل من نسبة 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وحسب التحليل السابق، فإن الإيرادات النفطية ينتظر أن تبلغ 230.5 مليار ريال (61.4 مليار دولار) و186.9 مليار ريال (49.8 مليار دولار) للسيناريوهين المتفائل والمتشائم على التوالي. ويتوقع أن يترتب على ذلك حدوث فائض مالي يقدر بحوالي 27.4 مليار ريال (7.3 مليار دولار) للسيناريو المتفائل وعجز بمعدل 16.2 مليار ريال (4.3 مليار دولار) حسب السيناريو المتشائم.

* الدين العام ـ يسجل تراجعاً ولكنه يحتاج لإدارة فعالة:

يقدر المستوى الحالي للدين العام بحوالي 645 مليار ريال (172 مليار دولار) بعد أن تم تسديد جزء منه في عام 2003م يعـادل نسبة الفـائض في الميزانية لذلك العـام. إن اعتماد اقتصاد السعودية على ظروف سوق النفط يؤثر بشكل واضح على وضع أي خطة. ونأمل أن تهتم خطة التنمية الثامنة المقبلة (2005 ـ 2009) بهذا الموضوع بشكل فعال حتى يتم خفض مستوى اعتماد الاقتصاد على النفط.

وتقف السعودية الآن في مفترق طرق إذ أنها محاطة بمشاكل اقتصادية وسكانية (ديموغرافية) كبيرة ربما تكون هي من بعض أسباب التطرف وعدم الاستقرار والعنف. وبينما تحتاج هذه المشاكل اهتمام عاجل، فإن بعضها الآخر يحتاج إلى «خريطة طريق» على الأقل لضمان دخول مشاركين آخرين في العملية. وتشتمل الفقرات التالية على تحليل للقضايا التي تحتاج إلى اهتمام الحكومة.

البطـالة: وفقاً للإحصائيـات الحكوميـة المعلنـة في نهاية عام 2003، قُدِر معدل البطالة بحوالي 9.6 في المائة. ومع نمو عدد السكان، وانخفاض متوسط أعمارهم (يقدر بحوالي 21 سنة) فـإن الانخـراط فـي سـوق العـمل سيكـون أعلـى فـي السنـوات المقبلة. ومـع أن الحكـومة مدركة لحجـم هـذه المشكلة، فإنه لا يزال يتعـين عليهـا الخروج بسياسة واضحة فيـما يتعلـق بإيجـاد الـوظـائـف للمـواطنـين السعوديين. كذلك فإن غياب التفكير بعيد المدى في مجال الاستثمار في رأس المال البشري سيؤدي إلى مشاكل في المستقبل.

منظمة التجارة العالمية: إن انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية سيجعل اقتصادها متكاملاً أكثر مع اقتصادات العالم المختلفة. وتعتبر هذه الخطوة من الخطوات الرئيسية في اتجاه الإصلاح الاقتصادي التي لها آثار بعيدة المدى على القطاعين الخاص والعام على حدٍ سواء. إن المطلوب من السعودية الآن هو تعديل قوانينها وممارساتها الخاصة بالتجارة لتتماشى مع متطلبات منظمة التجارة العالمية والتفاوض بشأن شروط السماح للشركات العالمية بدخول السوق المحلي. ومن بعض النتائج الأولية المترتبة على ذلك تخفيض التعرفة الجمركية وفتح القطاعات الاقتصادية الأساسية للشركات الرئيسية الأجنبية وكذلك تحسين أوضاع حقوق الملكية الفكرية. حيث يؤدي تنفيذ هذه المتطلبات إلى زيادة مستوى المنافسة.

وبينما سيترتب على انضمام السعودية إلى المنظمة نتائج إيجابية مثل توسيع السوق بالنسبة للقطاع الخاص السعودي ووصول سلع المستهلكين ذات النوعية الجيدة إلى الأسواق المحلية وربما استقطاب رأس المال من المستثمرين الأجانب والمحليين، فربما تكون له آثار سلبية على الشركات الرئيسية العاملة في بعض القطاعات المحمية من قبل الدولة مثل قطاعات الأسمنت والبتروكيماويات والبنوك والخدمات المالية وبعض قطاعات الخدمات. وقد أعلنت الحكومة أنها وقعت على اتفاقيات تجارية ثنائية مع جميع الشركاء التجاريين باستثناء الولايات المتحدة الأميركية أكبر شركاء السعودية التجاريين. ومع أن معلومات السوق تشير إلى أن العقبة الرئيسية في طريق انضمام السعودية إلى المنظمة تتعلق بقطاع التأمين والجوانب الدينية، فإن تعقيدات هذا الموضوع غير معروفة لعامة المواطنين. إن عملية المفاوضات برمتها وتقدمها تجري في معزل عن مشاركة القطاع الخاص. وبما أن معظم النتائج المترتبة على عملية الانضمام هذه سيتأثر بها القطاع الخاص، فإن موقف الحكومة المتمثل في عدم إحاطة القطاع الخاص علماً بما يدور في المفاوضات يخالف مبدأ الشفافية. كذلك فإن من واجب الحكومة زيادة الوعي في أوساط القطاع الخاص فيما يتعلق بالأوضاع المتغيرة إذ أن هذا الوعي يعتبر مفقوداً. لقد أصبح القطاع الخاص غير ملم بمحتويات الاتفاقية وكذلك النتائج المترتبة عليها وأصبح في حيرة من أمره.

الإرهـاب : الإرهاب هو عمل من أعمال العنف، وكما هو الحال في جميع أعمال العنف، ليس هناك كاسبون. إن الإرهاب لا يؤدي فقط إلى تقويض أسس السلام والأمن العالميين، ولكنه يؤدي أيضاً إلى استنزاف الموارد الشحيحة المطلوبة للتنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي. إن بحث ومعالجة النتائج الاقتصادية والمالية المترتبة على أعمال الإرهاب التي يتم ارتكابها لا يؤدي بأي حال من الأحوال إلى تقليل الخسائر الضخمة في الأرواح البشرية والممتلكات التي تعتبر هي التكلفة المادية لأفعال العنف. أضف إلى ذلك أن درجة تأثير أعمال الإرهاب على التجارة في السلع والخدمات والأدوات المالية يمكن أن يكون منتشراً في جميع القطاعات وممتداً لأجل طويل ويؤثر على أي مستثمر أجنبي أم محلي.

وفي أوقات عدم التيقن كما هو الحال الآن يصبح من الأهمية بمكان كبير الوصول إلى المستثمرين وطمأنتهم حول البرامج الحكومية الرامية إلى حماية الأمة والاستثمارات. إن مثل هـذا الوقـت هـو الوقت الذي ينبغـي فيه مناقشـة هموم المستثمـرين والاستمـاع إلى آرائهـم وتقـديم المشـورة لهم.

التخصـيص: من إحدى المشاكل الرئيسية التي تعترض عملية الإصلاح الاقتصادي اللامبالاة والنظام البيروقراطي الذي يفتقر إلى الشفافية. ومع معاناة الحكومة من انخفاض الإنتاجية والدين العام المتراكم من جانب، وتوفر مستويات عالية من السيولة من جانب آخر، فقد آن الأوان لتشرع الحكومة في وضع سياسة واضحة وجداول زمنية محددة لبرنامج التخصيص. إن الصعوبات التي برزت في عملية تخصيص شركة الاتصالات السعودية في البداية وفشل «مبـادرة الغـاز الجـديدة» التي كثـر الجدل حولـها وطال انتظارها تعتبر بعض الأمثلة للمحاولات الضعيفة من قبل الحكومة في اتجاه وضع وتنفيذ سياسة محددة لعملية التخصيص. وفي الاقتصاد المتخم بالسيولة النقدية، سواء بالأموال التي توجد خارج أو داخل النظام المصرفي، وفي الظروف المالية الحكومية التي تتسم بالدين الحكومي الضخم والأداء الإداري الضعيف، فإن التخصيص يصبح ضرورة اقتصادية هامة وملِّحة. وينبغي أن تتخذ الحكومة قرارها في هذا الموضوع كما يجب أن تنتقل من مرحلة إعلان أسس ومبادئ التخصيص وتكرار شعاراته إلى مرحلة البرمجة الفعلية للكيانات الاقتصادية القابلة للتحول من إدارة وملكية الدولة إلى إدارة وملكية القطاع الخاص.