مدير «العربية للاستثمار»: دول عربية تعامل الشركات المشتركة كطرف أجنبي يخضع لأنظمة رأس المال الأجنبي

د. صالح الحميدان لـ«الشرق الأوسط»: أبرز معوقات الاستثمار العربي المشكلات الإدارية والتسويقية وقصور التشريعات عن تنظيم العمليات

TT

أنشأت الحكومات العربية خلال عقد السبعينات ما يربو على 15 شركة عربية مشتركة لتحفيز القطاع الخاص في المنطقة العربية على الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة وتعتبر الشركة العربية للاستثمار من أهم وأبرز تلك الشركات. ويهدف الغرض الأساسي للشركة، كما حدده عقد تأسيسها، إلى استثمار الأموال العربية بهدف تنمية الموارد العربية عن طريق المساهمة في المشاريع الاستثمارية وتقديم الخدمات المالية على امتداد الوطن العربي. وتتخذ الشركة من الرياض عاصمة السعودية، مقرا رئيسيا لها وتمارس نشاطها المصرفي من خلال فرعها في مملكة البحرين الذي يعمل كوحدة مصرفية خارجية ولها ثلاثة مكاتب إقليمية في عمَان والقاهرة وتونس تمركزت لتغطي المنطقة العربية.

في اللقاء الذي أجريناه مع الدكتور صالح الحميدان مدير عام الشركة، تم تسليط الضوء على مبررات الزيادة الأخيرة في رأسمال الشركة التي أعلنت أخيرا. كما طرحنا بعض التساؤلات حول نشاط الشركة في مجالي الاستثمار في المشاريع وتقديم الخدمات المصرفية قبل الحديث عن تطلعاتها المستقبلية.

* قررت الجمعية العامة للشركة العربية للاستثمار أخيرا زيادة رأسمال الشركة... كم بلغ رأس المال بعد الزيادة؟... وهل هي الزيادة الأولى في تاريخ الشركة؟

ـ في اجتماع الشركة الذي انعقد بتاريخ 12 يونيو (حزيران) 2004 في الرياض قررت الجمعية العامة للشركة العربية للاستثمار زيادة رأس المال المصرح به من 400 مليون دولار إلى 500 مليون دولار والمدفوع من 400 مليون دولار إلى 450 مليون دولار. وهذه الزيادة ليست الأولى، حيث كانت الشركة قد أنشيئت عام 1974 برأسمال قدره 200 مليون دولار تم رفعه أكثر من مرة ليبلغ 400 مليون دولار عام 2000 وذلك عن طريق رسملة الأرباح المتراكمة والاحتياطات، أو زيادة مساهمات بعض الدول الأعضاء، أو انضمام دول عربية أخرى لعضوية الشركة، الأمر الذي رفع عدد الدول المساهمة في الشركة من سبع دول عربية لدى تأسيسها إلى 17 دولة عربية في الوقت الحاضر.

* ما هي مبررات الزيادة الأخيرة في رأسمال الشركة؟

ـ إن الضوابط والمعايير الاستثمارية التي تحكم أنشطة الشركة تربط بين حجم الفرص الاستثمارية والنسب التمويلية التي يمكن للشركة أن تلتزم بها، التزاما بمبدأ تنويع الاستثمارات وتقليل درجة المخاطر. لذلك فقد دأبت الشركة على انتهاج سياسة رسملة جزء من احتياطاتها وأرباحها، كلما كان ذلك متاحا، لتحقيق استمرارية النمو في قاعدتها الرأسمالية حتى تتمكن من فتح المجال أمام تعاون أوسع في نطاق خطوط الائتمان مع البنوك والمؤسسات المالية الأمر الذي يتيح لها، تقوية ملاءتها المالية، ومواصلة رسالتها في ظل المنافسة المتزايدة مع الكيانات المالية الكبيرة التي بدأت تبرز على الساحة في المنطقة. كما لا يخفى أثر زيادة رأسمال الشركة على درجة التصنيف التي يمكن أن تحصل عليها من قبل المؤسسات المتخصصة، لأن حجم رأس المال يعد أحد المعايير الهامة للتصنيف.

* إذاً... لماذا شملت الزيادة رأس المال المدفوع ورأس المال المصرح به؟

ـ إن رفع رأس المال المدفوع إلى 450 مليون دولار يتطلب زيادة رأس المال المصرح به إلى هذا المستوى على الأقل، على اعتبار أن رأس المال المدفوع لا يمكن أن يتجاوز رأس المال المصرح به. وحتى يصبح المجال مفتوحا لزيادة محتملة لحصص بعض الدول المساهمة حاليا في الشركة، أو لانضمام دول عربية جديدة إليها في المستقبل، رأت الجمعية العامة أنه من المناسب رفع رأسمال الشركة المصرح به إلى 500 مليون دولار. وتجدر الإشارة إلى أن قرار زيادة رأس المال المصرح به (ويطلق عليه أحيانا رأس المال الاسمي) لا يستوجب ضخ أموال جديدة ولا يترتب عليه أية التزامات على المساهمين.

* وماذا عن نمو حقوق المساهمين؟

ـ تمكنت الشركة خلال مسيرتها الاستثمارية من مواصلة تحقيق أرباح إجمالية سنوية بمبالغ متفاوتة، تبعا للأوضاع الاستثمارية السائدة في كل عام، وقد بلغ إجمالي الأرباح التي وزعتها على الدول المساهمة منذ تأسيسها حتى الآن حوالي 271 مليون دولار منها حوالي 158 مليون دولار على شكل توزيعات نقدية، وحوالي 113 مليون دولار على شكل أسهم مجانية. وعلى الرغم من توزيعات الأرباح استطاعت الشركة أن تحقق نموا متواصلا لحقوق الدول المساهمة فيها حيث ازدادت هذه الحقوق خلال السنوات الخمس الأخيرة من حوالي 440 مليون دولار عام 1999 إلى حوالي 531 مليون دولار عام 2003 بنسب تراوحت بين 3 في المائة إلى 6 في المائة سنويا. وإذا ما اعتبرت الشركة مشروعا استثماريا فانه يمكن القول بعد مقارنة إجمالي الأرباح الموزعة بإجمالي المساهمات المدفوعة أن الدول المساهمة فيها قد استردت حوالي 90 في المائة من التكلفة حتى الآن، علماً أن القيمة الحقيقية لموجودات الشركة تفوق بفارق كبير قيمتها الدفترية.

* كيف يتخذ قرار المساهمة في المشاريع... وكم عدد تلك المشاريع وكيف توزعت؟

*تشكل المساهمة في المشاريع المرتكز الرئيسي لتحقيق الأهداف التي أنشيئت الشركة من أجلها، ويتم اتخاذ قرار المساهمة في المشروع من قبل مجلس إدارة الشركة، الذي يتألف من خبراء في مجال الاستثمار وإدارة الأموال على أسس اقتصادية وتجارية سليمة، ووفقا لمعايير موضوعية واضحة من أبرزها الأهمية الاستراتيجية للمشروع، والأولوية التي يحتلها ضمن أهداف خطة التنمية للبلد المضيف، والميزات النسبية التي يتمتع بها، ومـدى اعتمـاده علـى الطاقات والموارد المحلية. ويبلغ عدد المشاريع التي تساهم فيها الشركة في الوقت الحاضر 38 مشروعا تتوزع قطاعيا على ثلاثة عشر مشروعا صناعيا، وسبعة مشاريع زراعية، وثمانية عشر مشروعا خدماتيا، وتنتشر جغرافيا في أربع عشرة دولة عربية.

ولعل من أبرز المشاريع الاستراتيجية التي تساهم فيها الشركة حاليا مشروع سكر كنانة في السودان الذي يعتبر من أكبر المشاريع المتكاملة لإنتاج السكر في العالم، ومشروع سيليلوز المغرب في المملكة المغربية الذي ينتج عجينة الورق، والذي يعد من أهم المشاريع التي حققت الترابط الأمامي والخلفي في المغرب العربي، ومشروع الصلب المخصوص في مصر، الذي تتمثل أهميته في كونه رافدا هاما للصناعات الرأسمالية والهندسية الثقيلة، والوحيد من نوعه في المنطقة العربية.

* كيف تقيمون تجربة الشركة الاستثمارية في مجال المشاريع ؟

ـ تأثرت استثمارات الشركة في المشاريع بالوضع الاقتصادي في المنطقة، فتوسعت مساهماتها لدى استقرار الأوضاع الاقتصادية أو نموها وتباطأت في سنوات الركود والانكماش وقد حققت محفظة مشاريع الشركة منذ بداية نشاطها وحتى نهاية مايو 2004 عوائد إجمالية بلغت حوالي 130 مليون دولار منها حوالي 47 مليون دولار أرباح رأسمالية، وحوالي 62 مليون دولار توزيعات نقدية والباقي على شكل أسهم مجانية نتيجة لرسملة الأرباح التي تراكمت في المشاريع. وقد ساهم معظم مشاريع المحفظة في تحقيق الأهداف التي أنشيئت الشركة من أجلها والتي يأتي في مقدمتها دعم الاقتصاد العربي بما وفرته من سلع وخدمات للأسواق المحلية والإقليمية، وفي تحسين الميزان التجاري وتوفير فرص العمل في الدول المضيفة، وفي توطين التقنية المتطورة وتحقيق التكامل بين القطاعات الاقتصادية المختلفة في الوطن العربي فضلا عن الدور الذي أدته في نشر الثقافة المؤسساتية في الإدارة. إلا أنه، على الرغم من السياسة الاستثمارية المتحفظة التي تطبقها الشركة فقد أخفقت بعض مشاريع المحفظة في تحقيق النتائج التي تصبو إليها. ويعود ذلك لعدد من المعوقات من أبرزها المشكلات الإدارية والتسويقية، وقصور التشريعات عن تنظيم مختلف المسائل المتعلقة بالعمليات الاستثمارية في بعض الدول العربية، واستمرار هذه الدول في معاملة الشركات العربية المشتركة كشركات أجنبية تخضع لأنظمة رأس المال الأجنبي، وعدم إعطائها أية رعاية خاصة.

* وماذا عن الخدمات المالية التي تقدمها الشركة؟

ـ تمارس الشركة نشاطا مصرفيا فعالا من خلال فرعها الذي يعمل كوحدة مصرفية خارجية في مملكة البحرين، ويشكل هذا النشاط مصدر دخل مهم يعزز من قدرة الشركة على الاستثمار في مزيد من المشاريع. وتوفر الوحدة المصرفية لعملائها خدمات مصرفية متميزة في مجالات متعددة من بينها التمويل التجاري، والتسهيلات الائتمانية، وخدمات الخزينة، والخدمات المصرفية الإسلامية. وتسعى الشركة حاليا، من خلال دراسة معمقة لاحتياجات العملاء، إلى اعتماد منتجات مصرفية جديدة تتلاءم مع التطورات المتلاحقة في أساليب التمويل وصيغ الاستثمار كي تكون قادرة على إثبات وجودها في عصر العولمة وتحرير التجارة الدولية. ومن ضمن الآليات المقترحة لتنويع نشاط الشركة المصرفي إدخال خدمات جديدة في مجال الإيجار المنتهي بالتملك وإدارة المحافظ لحساب الغير.

* ماهو وضع الشركة المالي خلال النصف الأول من العام الحالي... والى أي مدى استطاعت أن تتكيف مع الأوضاع السائدة في المنطقة؟

ـ أظهرت الحسابات الختامية بنهاية عام 2003 تحقيق الشركة لأرباح بلغت حوالي 43 مليون دولار، ونتيجة لذلك قررت الجمعية العامة للشركة التي عقدت أخيرا توزيع أرباح نقدية على المساهمين بنسبة 5 في المائة تعادل 20 مليون دولار وتماثل ما تم توزيعه في السنوات الأخيرة، وتحويل الباقي إلى بنود الاحتياطات والأرباح المستبقاة لتعزيز المركز المالي للشركة. أما بالنسبة للشهور الخمسة الأولى من عام 2004 فقد عملت الشركة على استغلال التحسن في الأداء الاقتصادي الذي شهدته دول المنطقة العربية، على الرغم من تزايد حالة التوتر فيها، لتنشيط تحركها الاستثماري في مجال المشاريع حيث تمت دراسة مجموعة من الفرص الاستثمارية في عدد من الدول العربية. وقد تم تبني بعض هذه الفرص لأنها تشكل فرصا واعدة، وصرف النظر عن بعضها لعدم جاذبيتها أو لعدم انسجامها مع الضوابط والمعايير الاستثمارية للشركة، وما تزال الإدارة تتابع البعض الآخر لاتخاذ ما يلزم حيال المناسب منها. ولدى استعراض ما تم تحقيقه حتى الآن يمكن القول بأن الشركة استطاعت أن تتعامل بفعالية مع الأوضاع الاقتصادية السائدة، وأن تتكيف بسرعة مع المتغيرات والمستجدات التي صاحبت التطورات المتلاحقة في مناخ الاستثمار وآلياته في المنطقة.

* ما هي تطلعات الشركة المستقبلية؟

ـ في اطار سعي الشركة لتحقيق نتائج أفضل، سوف تبذل الشركة خلال السنوات المقبلة كافة الجهود لتوسيع وتنويع نشاطها الاستثماري، مركزة على مجموعة من المحاور من بينها تحسين أداء مشاريع المحفظة القائمة من خلال المساهمة في معالجة مختلف المشكلات التـي تعاني منها خاصة ما يتعلق بالإدارة والتسويق، ورصد ومتابعة برامج تطوير القطاعات المرشحة للنمو في الدول العربية وتكثيف البحث عن الفرص الاستثمارية الواعدة فيها، والاستفادة من الفرص التي تفرزها برامج الخصخصة. كما ستعمل الشركة على توسيع وتطوير الأنشطة المصرفية القائمة مع مراعاة التوزيع الجغرافي والقطاعي، وفترات الاستحقاق، والعمل على تنويع هذه الأنشطة بإدخال منتجات جديدة تواكب آخر المستجدات في الصناعة المصرفية. إلى جانب ذلك ستواصل الشركة بذل جهودها للمساهمة في تطوير البيئة الاستثمارية في الوطن العربي بالتعاون مع مؤسسات العمل العربي المشترك لترسيخ القناعة لدى الحكومات العربية بضرورة اتخاذ خطوات تكاملية على المستوى الإقليمي تؤدي إلى توسعة الأسواق الاستهلاكية، وتنشيط حركة التجارة العربية البينية، وتحقيق التخصص الإنتاجي وفقا للمزايا النسبية، وتشجيع الاعتماد على الطاقات والموارد المحلية، وتوطين تقنيات الإنتاج الحديثة. وتجدر الإشارة إلى أن الشركة تعتمد بشكل دوري كل خمس سنوات استراتيجية متوسطة المدى تحدد فيها مسارها وتوجهاتها المستقبلية انطلاقا من الأهداف التي تتطلع إلى تحقيقها.

* ما مدى دعم الحكومات العربية للشركة لا سيما وأنها مساهم بها... ؟

ـ ظلت الشركة العربية للاستثمار منذ تأسيسها تحظى بالدعم والمؤازرة من جميع حكومات الدول العربية المساهمة فيها، وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأتوجه بكل الشكر والتقدير إلى حكومات هذه الدول، وأخص منها حكومة السعودية (دولة المقر)، على التسهيلات والرعاية الكريمة التي تقدمها للشركة عبر مختلف مؤسساتها، مما مكنها من القيام بالدور المناط بها على أفضل وجه وصولاً لتحقيق الهدف الذي أُنشئت من أجله.