«بتروليوم إنتيليجنس»: انجذاب شركات الطاقة الأميركية للنفط الليبي يشعل المنافسة حول الفرص الجديدة

أكثر المجلات نفوذا في صناعة النفط تسلط الضوء على ذوبان الجليد الليبي ـ الأميركي وعقود التفاوض في مشاريع النفط

TT

هل ليبيا هي العراق الجديد؟ هذا هو السؤال الذي طرحته أخيرا مجلة «بتروليوم انتليجنس ويكلي»، وهي الصحيفة التي تعد واحدة من الصحف الأكثر نفوذا في ميدان الصناعة النفطية بالعالم. وجاء هذا السؤال في مقارنة بفرص الاستثمار في كلا البلدين وكان الجواب واضحا. فالكثير من الشركات النفطية المتعددة الجنسيات كانت في البدء منجذبة إلى العراق، لكنها حولت اهتمامها على الأمد القصير صوب ليبيا بعد أن بدأت في تحسين صورتها دوليا، إضافة إلى حالة الإحباط السائدة حول العراق مع تزايد المخاوف الأمنية وحالة عدم الوضوح حول المناخ الاستثماري العام للعراق. وعلى الرغم من الحذر المتبقي تجاه ليبيا في بعض الأوساط الدبلوماسية فإن مبادرة إدارة بوش الأخيرة بشأن تخفيف القيود المفروضة على التعاطي تجاريا مع ليبيا حفز على سباق مجنون بين شركات النفط للعودة إلى بلد كان ينتج في السابق نفطا متدفقا بغزارة لصالح شركات النفط الأميركية، لكنه أصبح بعيدا عن متناول أيدي هذه الشركات خلال العقدين الأخيرين. وسافر عدد من المحامين والمصرفيين والاستشاريين الأميركيين إلى طرابلس في الأسابيع الأخيرة لتقييم الفرص التجارية المتوفرة في ليبيا. والكثير من هؤلاء الزوار ركزوا على التوقعات التي يمكن أن تقدمها المخططات الليبية الهادفة إلى تحويل 11 موقعا استكشافيا إلى الشركات الأجنبية في أول فتح للحقول النفطية امام الأميركيين تقوم به ليبيا منذ بداية الثمانينات. وقال ستيفن ديفيز رئيس قطاع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمكتب «فينسون والكينز» للمحاماة: «مخاطر الدخول إلى ليبيا حاليا قليلة نسبيا من حيث الجانب السياسي ومن حيث الحصول على النفط». ويعد هذا المكتب أكثر المؤسسات التي تتعامل مع المشاريع التجارية الليبية من خلال مكتب جديد لها في دبي. وأضاف ديفيز «ليس هناك شيء مماثل لهذا الوضع، فأرضية البحث مألوفة بالنسبة للشركات الأميركية في ليبيا».

ويعود هذا الانجذاب للنفط الليبي إلى أن ليبيا تنتج ما يقرب من 1.5 مليون برميل يوميا، لكن بإمكانها أن تضاعف هذا الرقم إلى 3 ملايين برميل يوميا خلال عقد واحد مع زيادة عمليات الدمج في شركات الاستثمار الأميركية وتقديم تقنية حفر جديدة حسبما ذكر محللون ومديرون تنفيذيون.

في أيام العصر الذهبي لصناعة النفط الليبية بالنسبة للشركات الأميركية خلال السنوات الأولى من عقد السبعينات، وقبل تدهور تدريجي راح يتزايد إثر تأميم الكثير من العمليات النفطية في البلد كانت ليبيا آنذاك تنتج 3.3 مليون برميل يوميا بدون أي مصاعب تذكر. وفي مؤتمر صحافي جرى بمدينة هوستون النفطية في شهر مايو (ايار) الماضي، شدد طارق حسن بيك مدير التخطيط في المؤسسة الوطنية الليبية للنفط على أن بلاده لديها ما يقرب من 36 مليار برميل من النفط المكتشف وهو ما يشكل نسبة 3% من نفط العالم، ولكن لم يتم استثمار أكثر من 25% من احتياطي ليبيا، كما ان لدى ليبيا الكثير من احتياطي الغاز الطبيعي. وتظل هناك عوائق مهمة قبل أن تكمل ليبيا عودتها الكاملة إلى المجتمع الدولي. فليست هناك ـ حتى الان ـ خطوط جوية أميركية مسموح لها بالطيران صوب طرابلس العاصمة، وهناك قيود مشددة، لا تزال قائمة، تمنع ليبيا من الوصول إلى أرصدتها المجمدة في الحسابات المصرفية الأميركية، والحصول على معدات لأغراض عسكرية من الشركات الأميركية. كذلك ما زال المستثمرون الأميركيون بانتظار توضيح ليبي في ما إذا كان سيطلب منهم عدم التعامل مع إسرائيل وهو طلب غير شرعي بالنسبة للشركات الأميركية.

كذلك كان الدور الأميركي في صناعة النفط الليبية في الماضي حفز اهتمام بعض الشركات الأخرى. فمديرو بعض الشركات الكبار مثل شركات «أوكسيدنتال بتروليوم» و«كونوكوفيليبس» و«أميرادا هيس» و«ماراثون أويل» بدأوا بالسفر إلى طرابلس أخيرا للتفاوض حول العودة إلى حقول النفط التي كانت ذات يوم من أكثر الحقول إنتاجية قبل أن تدخل في كساد نسبي على صعيد الإنتاج. كما ان منافسين آخرين مثل «اكسون موبيل» و«شيفرون تكساكو» عبّرتا عن رغبتيهما بالعمل مع ليبيا. فعلى سبيل المثال توصلت شركة اكسون موبيل إلى اتفاق في بداية هذا الشهر لبيع مشاريعها المتخصصة في توزيع الوقود بالنيجر لصالح شركة «تام أويل»، التابعة للمؤسسة الوطنية الليبية للنفط. وكان الاتفاق هو الأول من نوعه بين شركة أميركية وليبيا منذ رفع العقوبات الاقتصادية ضد الأخيرة في ربيع السنة الماضية وهو مؤشر على ذوبان الجليد القائم بين البلدين في هذا المجال. والدافع وراء التحرك صوب النفط الليبي بالنسبة للشركات الأميركية واضح جدا. فمع التوقعات ببقاء أسعار النفط في مستوى عال لعدة سنوات تعتبر ليبيا إضافة إلى العراق البلد القادر على مضاعفة إنتاجه خلال العقد المقبل. وإذا كانت احتياطيات العراق النفطية تقدر بـ112 مليار برميل وهي تعادل ثلاثة أضعاف ما هو موجود في ليبيا، فإن المخاوف الأمنية في العراق قللت بشكل كبير من جهود شركات النفط الأميركية والعالمية الكبيرة في تطوير عملياتها داخل ذلك البلد. كذلك فإن السبب الآخر الذي خلق اهتماما خاصا بليبيا هو أن النفط الخام المنتج فيها ذو درجة منخفضة من الكبريت مما يجعل عملية تصفيته سهلة ورخيصة بالنسبة للمستهلكين في أوروبا والولايات المتحدة، كذلك يعد موقع ليبيا على البحر المتوسط عاملا مساعدا على إيصال النفط بشكل أسهل إلى جنوب أوروبا وللولايات المتحدة، وبالتالي يمكن تجنب المخاطر الأمنية في نقل النفط من خلال مناطق خطيرة مثل مضيق هرمز الواصل بين الخليج وخليج عمان. وقال دانييل يرغين رئيس معهد «كمبريدج انيرجي رسيرتش أسوسيتدس» في هذا السياق: إنه «مع بقاء العراق في حالة جمود تحركت ليبيا إلى المقدمة كمكان مناسب للاستثمار، في وقت أصبحت فيه الصناعة النفطية تحت تأثير مخاطر العامل الجيوسياسي وهذا ما يجعلها عملا محفوفا بالمخاطر».

وتعد ليبيا ثاني بلد مهم في مجال الاستثمار النفطي المستقبلي في العالم هذه السنة. وهي مسبوقة فقط ببريطانيا مع حقولها النفطية الكبيرة في بحر الشمال، حسبما جاء في القائمة التي صدرت في مايو (ايار) الماضي من قبل المكتب الاستشاري للطاقة «فوغرو روبرتسون». وتتقدم ليبيا كثيرا على العراق وترينيداد وتوباغو والجزائر ومصر. ولم يضيع المسؤولون الليبيون وقتا في محاولة جذب استثمارات جديدة في مجال الطاقة. ويقدر طارق حسن بك مدير التخطيط في المؤسسة الوطنية الليبية للنفط ان ليبيا في حاجة الى استثمارات جديدة تقدر بـ30 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وتجدر الاشارة الى ان الشركات الاوروبية والكندية والهندية والصينية والاسترالية تستثمر في ليبيا بطريقة منتظمة خلال العقدين الماضيين، لا سيما في الخمس سنوات الماضية. والعديد من هذه المشاريع تقدم او ستقدم صادرات منتظمة من النفط والغاز الليبي الى اسواق في اوروبا، ولا سيما الى ايطاليا.

فعلى سبيل المثال، تتوقع ليبيا قريبا البدء في تصدير غاز طبيعي الى ايطاليا عبر خط انابيب، طوله 370 ميلا عبر البحر المتوسط الى جنوب صقلية، في مشروع يتكلف 5.6 مليار دولار مع شركة «ايني» الايطالية. واتاح النفط والغاز المنتج من مشاريع استكشاف صغيرة تشارك فيها شركة «ربسول» الاسبانية و«توتال» الفرنسية و«او. ام. في» النمساوية و«فيدش» الهندية، لليبيا الاستفادة من اسعار النفط المرتفعة، مما رفع عائدات النفط الى 13.4 مليار دولار في 2003 من 5.9 مليار دولار في عام 1998. كما جذبت زيادة عائدات النفط وتخفيف العقوبات الشركات التي تقدم خدمات للحقول النفطية او شركات معدات النفط، على اساس ان الشركات الاميركية هي الرائدة في مجالات تقنية الاسترداد الاضافي. وتحتفظ شركة «هاليبورتون» وهي اكبر شركات خدمات حقول النفط بوجود في ليبيا، عبر فجوة في قانون الحظر تسمح لفرع الماني للشركة بالاستمرار في البلد. ولكنها لم تتمكن من التوسع في عملها او استيراد تقنية من الولايات المتحدة. وقالت وندي هول وهي متحدثة باسم هاليبورتون: «ان اللوائح الجديدة التي تنظم العمل في ليبيا ستضع «هاليبورتون على نفس المستوى مع باقي الشركات غير الاميركية.» وتجدر الاشارة الى ان الطاقة ليست هي المجال الوحيد الذي يجذب انتباه الشركات الاميركية وهي تدرس العودة الى ليبيا، فقد اشير الى وجود مشاريع اخرى، مثل افتتاح فنادق فاخرة وبيع معدات طبية في ليبيا. وفي الوقت ذاته تقيم شركات الاسلحة الاميركية بيع اسلحة الى ليبيا بالرغم من ان الحظر على بيع الاسلحة لا يزال مستمرا. ويقول ريتشارد ابو الوفا وهو محلل في مجال الفضائيات في شركة «تيل» وهي شركة استشارية في مجال الدفاع : ان «ليبيا واحدة من الدول الكبرى غير المنحازة التي تملك عملات صعبة ولم تتمكن من شراء اية منتجات اميركية لفترة طويلة».

واوضح ابو الوفا ان الاختبار المهم لامكانيات ليبيا كسوق لشركات الدفاع الاميركية هو ما اذا كانت ادارة بوش تسمح لليبيا بالحصول على 8 طائرات نقل من طراز «هيركوليس» العملاقة الموجودة في مدرج قاعدة الاحتياط الجوي في ماريتا بولاية جورجيا لاكثر من عقدين من الزمن. ولم يسمح لليبيا بالحصول على الطائرات التي اشترتها في السبعينات بعدما وضعتها وزارة الخارجية على قائمة الدول التي تؤيد الارهاب.

وقال بيتر سايمون المتحدث باسم شركة «لوكهيد مارتين» لصناعة الطائرات التي باعت الطائرات الى ليبيا، ان الشركة ليست لديها اية اشارات عما اذا كان سيسمح لليبيا في النهاية بتسلم الطائرات.

* خدمة «نيويورك تايمز»