الاستثمار في الثقافة

علي المزيد

TT

أؤمن إيمانا عميقا بما تعلمته من أساتذتي في الاقتصاد بأن أفضل استثمار يقوم به الفرد هو الاستثمار في مجال معرفته، ونقصد هنا بالمعرفة ليست العلم وحده وإنما مجال معرفة الفرد أيا كان مصدرها سواء العلم أو التجربة أو غير ذلك. فإذا كان مجال معرفة المرء العقار فإن الأفضل له أن يستثمر به، وإذا كان مجال معرفة الفرد الأسهم فان الأفضل له أن يستثمر بها. ولأنني اشتغل في الصحافة قررت أن استثمر في الثقافة لأنني اعتبرها مجال معرفتي سواء رضي المثقفون أم لم يرضوا فهذا قرار شخصي لم استشرهم فيه. استعرضت مجالات الثقافة فوجدتها واسعة فهل استثمر في مجال الأدب وأي نوع من الأدب القصة أم الرواية أم النقد الأدبي أم غير ذلك، أم استثمر في الفلسفة أو التاريخ أم أقوم بنشر كتب علمية عن الطب يتولى تأليفها ثلة من أساتذة الجامعات. احترت في الأمر كثيرا واستشرت أهل الخبرة الذين بدورهم أحالوني لمكتب دراسات جدوى اقتصادية. حملت أوراقي وذهبت للمكتب الذي فرغ مستشارا ماليا لمناقشة أفكاري سجل كل ما قلته له عن رغبتي في الاستثمار في الثقافة الجادة وفي نهاية المطاف سألني ما الهدف من استثمارك؟ أجبته بحدة الربح فأنا في النهاية سأتقاعد وأرغب في أن أومن مصدر رزق لي ولعائلتي. طلب مني المستشار العودة له بعد أسبوعين ليقوم بدراسة السوق ويحدد المجال الذي يمكنني الاستثمار فيه. بعد انتهاء المدة راجعته وبدأ يستعرض الدراسة ليقول: لقد قمنا بدارسة الجدوى واتضح لنا أن لا أحد يقرأ القصة أو الرواية في زمن الفضائيات وسوقها محدودة وتكلفة إنتاجها عالية لذلك فإن مردودها التسويقي ضعيف أو قل منعدم ومخاطر الاستثمار فيها عالية. أما الفلسفة فهي لا تجد صدى لدى القارئ العربي حتى أنهم يتهمون المتحدث إذ أسهب في استعراض أدلته بأنه يتفلسف لذلك لا أنصحك في الاستثمار فيها. وقس على ذلك في مادة التاريخ لأن لا أحد من العرب يثق بمؤرخيه. واستدرك المستشار في آخر حواره قائلا: ولكننا وجدنا لك سوقا رائجة للاستثمار في الثقافة تتمثل في الدجل المعرفي! استوقفتني عبارته وقلت: ماذا تقصد بالدجل المعرفي أو الثقافي؟ قال: أقصد به أن تؤلف كتبا تلامس عواطف الجماهير لا عقولهم وسأضرب لك مثلا كأن تؤلف كتبا تكون عناوينها «كيف تصبح مليونيرا»، «المدير الناجح»، «كيف تكسب الأصدقاء»، «كيف تدير مديرك» وهذه الكتب خاصة بالرجال، أما النساء فحدث ولا حرج فعناوين الكتب ستكون مُشرعة ومنها على سبيل المثال لا الحصر «وصفة إنقاص الوزن في 7 أيام»، «الحفاظ على بشرة الوجه مدى الحياة»، «كيف تحافظين على زوجك» إلى آخر ذلك من العناوين المثيرة التي لا تحتاج وقتا في التأليف. ان صحة العبارة وتكلفة ورقها وطباعتها متدنية ومردودها مرتفع ماديا. وأضاف المستشار لا أخفيك القول فقد وجدنا أنه كلما هبطت المادة «الثقافية» زاد التوزيع، وقد وجدنا مجالا تسويقيا رائعا لمثل هذه الكتب فقد بلغ حجم سوقها 10 مليارات ريال ما يعادل ( 3 مليارات دولار) في العالم العربي. قررت أن استثمر في الدجل الثقافي بعد التقاعد إن شاء الله وأن أبقي الدراسة طي الكتمان حتى يحين وقت تطبيقها، ولكن ضغط الزملاء في الصحيفة وطلبهم أن أرسل مقالي الأسبوعي جعلني أرسل لهم نتائج الدراسة ولكن باختصار.