د. إبراهيم كامل: نعيش مرحلة عدم الاتزان وننتظر النضوج.. والاقتصاد المصري يحتاج لعامل نفسي أكثر من الحقيقي

رئيس مجلس إدارة «كاتو غروب» لـ«الشرق الاوسط»: من يهرب من المواجهة ليس رجل أعمال محترما

TT

يؤكد الدكتور إبراهيم كامل رجل الأعمال المصري ورئيس مجلس إدارة «كاتو غروب» وصاحب شركات عقارية وشركة «سيروكو» العالمية للطيران أن رجال الأعمال المصريين الذين يهربون خارج البلاد بأنهم غير «محترمين». وهاجم كامل بعض رجال الأعمال في مصر وأنهم يحتاجون إلى وقفة أمنية وقضائية من الدولة مشيرا في الوقت نفسه إلى أن القطاع الخاص في مصر مظلوم وأن مصر تعاني من عجز مزمن في الميزان التجاري.

ويدافع كامل في حوار مع «الشرق الأوسط» في الوقت الذي شهدت فيه مصر منذ أسابيع قليلة تحولا دراماتيكيا يحدث لأول مرة بتولي رجال أعمال مناصب وزارية لإدارة شؤون الدولة عن هذه التجربة بل ويراهن على نجاحها. كما لم ينف جمعه تبرعات أثناء دراسته في أميركا لمنظمة فتح الفلسطينية في الوقت الذي أعترف فيه بسفره إلى إسرائيل وبلقائه برئيس وزراء إسرائيلي. لكنه ينفي «في الوقت الحالي» أي تعاون بينه وبين الشركات الإسرائيلية ومع هذا يرى أنه لو حدث فسيؤثر على القرار الإسرائيلي لمصلحة القضية الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» التقت برجل الأعمال المصري الدكتور ابراهيم كامل صاحب أول شركة مصرية تصنع طائرات ركاب ويعمل في مجالات البناء والسياحة والتنمية العقارية ورأس المجلس المصري الأميركي لرجال الأعمال لمدة ست سنوات.

* هل التطور الأخير الذي شهدته الحكومة في مصر بتولي رجال أعمال إدارة أعمال الدولة، يؤثر ايجابيا على المسيرة السياسية والاقتصادية بشكل عام، أم انه مجرد شكل من أشكال الخضوع من قبل الدولة لضغوط رجال الأعمال؟

ـ بل هو شكل من أشكال تيقن الدولة لأهمية دور رجال الأعمال وإن رجل الأعمال من الممكن أن يرقى لتولي مسؤولية إدارة بعض الأمور في الدولة، وليس حقيقيا ما يتصوره البعض من أن رجال الأعمال قد يشكلون أي نوع من أنواع الضغوط على الدولة. والخوف الدائم لدينا من سيطرة رأس المال على الدولة ليس واردا وليس منطقيا، نحن نعاني من الخلط بين الفترة التي كان فيها زمن الاستعمار مع وجود دور لرأس المال له مصالح مباشرة، وهذا الوضع ليس له أي علاقة بما يحدث الآن. فالحكم الآن وطني، وليس له أي ارتباط بالمؤثرات الخارجية، الدولة هي الدولة. والذين يروجون لهذا الفكر هم المفكرون الذين ينتمون للفكر الاشتراكي، لأنهم يعتقدون أن هذا الترويج هو أفضل وسيلة لإحداث فجوة بين رأس المال والدولة ورأس المال والمجتمع.

* من المعروف أن المناصب الحكومية تحتاج الى كوادر سياسية مهيئة لإدارة الدولة حتى لو كان المنصب اقتصاديا، ألا تعتقد أن هذا يتعارض مع وجود رجل أعمال بمفهومه المطلق لإدارة وزارة جزء من دورها سياسيا؟

ـ لا فارق بين رجل الأعمال الذي يتقلد منصبا وزاريا ويتحمل مسؤوليته، وبين أستاذ الجامعة الذي يكلف بإدارة وزارة، بل أتصور أن رجل الأعمال بطبيعة عمله أقرب إلى الفهم لطبيعة العملية السياسية من أستاذ الجامعة الذي يكلف بوزارة. وعموما فهذه هي أول تجربة نشهدها بدخول رجلي أعمال الى الوزارة، وأتمنى أن يحققا نجاحا كبيرا، لتوافر القدرات الإدارية لديهما وفهمهما لعلاقات المجتمع.

* حسنا، كيف يمكن فض الاشتباك بين المصلحة الخاصة لرجال الأعمال المكلفين بالمناصب الوزارية وبين مصالح الجمهور؟

ـ الحل الوحيد في تصوري يكون بدراسة سريعة جادة لنظام الـ Blind Trust الذي يتم في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، ومحاولة تطبيقه في بلدنا، وإذا نظرنا بانفتاح أكثر لمنطقتنا العربية سنجد وزراء كثيرين ناجحين في عملهم ومع ذلك لهم نشاطات اقتصادية مرتبطة بالنظام الاقتصادي المرتبط بهذه الدول.

* هل يمكن القول بأن بعض رجال الأعمال الآن يضعون الأمل بين يدي رجلي الأعمال في الوزارة لتحسين صورتهم التي ساءت في الواقع وفي المجتمع المصري وذلك لارتباط هذه الصورة بتدهور اقتصادي، وتدهور بنكي ومشكلات اقتصادية متعددة؟

ـ الانفتاح الاقتصادي بدأ في مصر سنة 1979، وكان النظام الضريبي في مصر آنذاك مبنيا على مصادرة القطاع الخاص، حيث كانت الضريبة العامة على الإيراد 95 في المائة بعد الـ10 آلاف جنيه الأولى، إضافة الى ضريبة أرباح تجارية وصناعية 42 في المائة على النشاط التجاري أو الصناعي. ولو طبقت هذه الضرائب تطبيقا سليما لأفلست جميع المؤسسات الخاصة في مصر، ومع ذلك، ورغم التوجه الجديد الذي سرى في الدولة فلم يتغير قانون الضرائب إلا تغييرا بسيطا سنة 1978 وآخر سنة 1981، وخلال هذه الفترة كان من الطبيعي أن يكون النشاط الموجود في المجتمع المصري نشاطا تجاريا بالدرجة الأولى. كانت هناك مرحلة انتقالية اقدمنا عليها دون أن نوفر لها أسباب النجاح، خاصة أن هذا المجتمع كان يعاني من خلل نتيجة مروره بالاستعمار ثم التحول الاشتراكي ثم الدعوة للقطاع الخاص ليتقدم المسيرة ليغير المجتمع اقتصاديا. في الوقت الذي يوجد فيه قانون ضرائب يصادر رأس المال، بالإضافة إلى أن جميع الأجهزة الأخرى لم تكن مهيئة لاستقبال هذا القطاع، وهذا التغير. هناك خطأ آخر، أننا كنا نحتاج في مجتمعنا من قادة الرأي أن يساعدوا على التغيير، وقادة الرأي هم المفكرون والمثقفون، وأساتذة الجامعة، بينما كانت الثقافة الموجودة جميعها رافضة لهذا التغيير من نظام تتحكم الدولة في كل عناصره الى نظام يعتمد على اقتصاد السوق. القطاع الخاص في مصر مظلوم ظلما كبيرا جدا، ويتهم بأشياء لها أسباب أخرى ليس هو من بينها.

* أنا من الممكن أن أتفق معك في هذا التحليل فيما يتعلق بالمناخ العام، ولكن كيف يمكن أن نفسر دخول مجموعة ممن حسبوا على القطاع الخاص الذي نسبت إليه الإساءة للهيكل المصرفي في مصر؟

ـ هذا شيء مبالغ فيه، وطريقة العرض المغرضة تؤدي الى نتائج غير حقيقية ومشكوك في مقصدها. أولا: بالنسبة لما يعرض دائما من مديونيات القطاع الخاص، ولا يعرض ما يواجهها من أصول أو أي ضمان لها. ثانيا: هناك تراكمات حدثت على مدى فترة طويلة لمبالغ خرافية، ولا تعرض المديونية وإنما تعرض الفوائد. ثالثا: حدثت متغيرات كثيرة كان من الممكن وأدها في مهدها للحد من تعثر كثير من الشركات. لكن لم يحدث هذا في الوقت المناسب، برغم هذا فمن غير الحقيقي أن نقول أن الجهاز المصرفي مفلس، لأن هذه طريقة عرض مغرضة. وإذا طبقت الأسلوب الذي تتبعه وهو أسلوب التضخيم على دولة في العالم ـ اليابان مثلا ـ فلابد أن يكون حكمك على الاقتصاد الياباني أن يشهر إفلاسه اليوم مع أنه من أقوى اقتصاديات العالم.

* إذن، هل تريد أن تؤكد لي أن ما يحدث الآن، من محاكمات، ومنع من السفر، ومن هروب وحبس لرجال الأعمال والبنوك مجرد صورة مبالغ فيها، وليس لها صلة بالواقع؟

ـ كنت أتمنى كمواطن أن أرى دائما عملية تفرقة بين الحالات التي لا بد أن نتصدى لها بالأسلوب الذي به عقاب شديد للانحراف وبين الحالات التي من الممكن أن تكون الظروف هي التي أوصلتها إلى أن تتوقف في مرحلة معينة وبين الحالات التي يجب أن تدخل فيها الدولة للمساعدة في مشروعات معينة.

* من المسؤول عن هذه الصورة في اعتقادك، هل هم رجال الأعمال غير المؤهلين للقيام بهذا الدور، أم مستفيدون في البنوك يريدون تحقيق بعض المكاسب، أم هي الدولة التي لم تحاول أن تتدخل لنصرة رجال الأعمال القادرين على خدمتها؟

ـ أنا أتصور أننا جميعا مسؤولون، الدولة، رجال الاعمال، المؤسسات المصرفية، فالمسؤولية مشتركة، إنما نظرا لأننا في فترة تحول وإعادة فهم لطبيعة العلاقات التي يجب أن تكون موجودة في المجتمع، لا أستطيع أن أتهم طرفا واحدا، كل الأطراف من الممكن أن تلام. لكن مع ذلك كل الأطراف من الممكن أن نجد لها عذرا، نحن في فترة تحول، ورد فعلنا على الفترة اتسم بالعصبية مع أن العصبية في معالجة هذه الأمور لا يجب أن تكون موجودة على الإطلاق.

* كيف تقيم علاقاتك بالمؤسسات المصرفية بشكل عام بوصفك أحد أهم رجال الأعمال في مصر، هل هي علاقة متعثر في الوقت الحالي، أم متعثر سابق، أم ماذا؟

ـ تمر بعض شركاتنا بحالة تعثر، ولكن علاقتنا بالمؤسسات المصرفية الموجودة في مصر، علاقة أكثر من محترمة وهذه الشركات المتعثرة تنتقل واحدة بعد أخرى من شركة متعثرة الى شركة ناجحة، وتحقق أرباحا، وتؤدي دورها الاجتماعي على أكمل وجه سواء من الناحية الاقتصادية أو الناحية الاجتماعية. إنما بالتأكيد خلال الفترة الماضية ـ الأربع سنوات الماضية تحديدا ـ تحقق أذى لبعض الشركات نتيجة لتوقف الجهاز المصرفي عن أداء دوره لأنه كان مضطرا لهذا التوقف نتيجة للضغوط الاجتماعية والضغوط الإعلامية.

* ونتيجة سلوكيات بعض رجال الأعمال؟

ـ نعم. ونتيجة لسلوكيات بعض رجال الأعمال الذين يستحقون وقفة أمنية ووقفة قضائية، ومع ذلك أقول أن بعض هؤلاء المقترضين قد يكونوا متعثرين منذ 20 عاما وبدأوا بمبلغ صغير، ولكن نتيجة للفوائد المركبة تضاعف المبلغ.

* هل لاحظت من خلال تعاملك مع الدولة، ومع رجال الأعمال أن الحكومة تستعمل سلاح المديونيات في تعاملها مع رجال الأعمال في فرض وجهات نظر معينة؟

ـ لا أتصور أن الدولة تستخدم هذا السلاح، ولكن كان من الصعب على الدولة أن تتصدى لهذا الأمر بشكل حاسم بعد انفلات الإعلام في الهجوم الضاري على القطاع الخاص. الدولة لم تستخدم المديونيات كسلاح، وإنما وجدت أن هناك هجوما ضاريا، فتركت هذه الفترة لتعالج نفسها. كان من الممكن أن تخفف الدولة إلى حد كبير من هذا الهجوم ولكن ربما كانت هذه الفترة مطلوبة للتخفيف من أثار التحول الذي ستقدم عليه.

* هل تعتقد أن إدارة الدولة في الفترة الأخيرة اختلفت عن بداياتها أم مازالت على نفس المنوال؟

ـ أتصور أن الدولة بعد فترة من التعامل مع هذه القضية غيرت اتجاهها إلى حد كبير. حاولت تهدئة الجهاز المصرفي، الذي كان يحتاج إلى وقت طويل جدا حتى يصل إليه الاطمئنان. كما كنا سنحتاج إلى وقت أطول لطمأنة المجتمع، وهذا هو دور الإعلام، فالحديث الذي يتم بيننا الآن، لو تم منذ 3 سنوات، لم يكن أحد سيفهم فيما نتكلم، لأنه في هذا التوقيت كانت أعصاب الجميع مشدودة الى درجة كبيرة.

* تطورت علاقتك في الأربع سنوات الأخيرة مع البنوك، وبعض شركاتك تحولت من مرحلة متعثرة الى مرحلة أفضل، ووفقا لبعض التقارير الأخيرة، فإن معظم المديونيات كانت مصنفة «سنة 2002» بأنها غير منتظمة، وأنها رديئة وان المديونية وصلت في بعض المراحل إلى أكثر من 500 مليون.

ـ «مقاطعا» هذا صحيح، ولكن ليس مطلوبا أن تتكلم في إطار بعض الأرقام.

* عفوا، نحن نتكلم في إطار التطور الذي حدث في خلال السنتين أو الثلاث الأخيرة في علاقتك مع البنوك هل هو ناتج عن تحسن في مناخ الاستثمار العام أم ماذا؟

ـ سأقول لك تحديدا، بعض شركاتنا، وهي شركات تصدير، عندما أصرت الحكومتان المتتاليتان على عدم تغيير سعر الصرف في ارتباط الجنيه بالدولار. كان الدولار في هذا التوقيت تتصاعد قيمته مقابل جميع العملات الأخرى بما فيها العملات الأوروبية وعملات جميع دول العالم. بينما نحن نثبت العلاقة بين الدولار والجنيه، ترتب على ذلك أننا وحتى نحافظ على جزء من صادراتنا حققت جميع الشركات العاملة في التصدير خسائر كبيرة جدا، إلى أن تحسن سعر الصرف وأصبح واقعيا، فكانت النتيجة أن تحولت جميع هذه الشركات من الخسارة الى المكسب، فلم نصنع معجزات، وإنما الفترة التي كنا نعاني فيها من ضغوط علينا ساعدت على إعادة النظر في توجهات بعض الشركات ومحاولة تحسين الإدارة في هذه الشركات بصورة تمكننا من أن تصنع نقلة سريعة في أداء هذه الشركات.

* إذن، هل تعتقد أن فكرة تغيير سعر الصرف على المدى الطويل من الممكن أن يكون تأثيرها أكثر ايجابية بالنسبة للمجتمع؟

ـ هي فكرة ايجابية مائة في المائة، كان من الخطأ أن يستخدم سعر الصرف لتقليل سعر السلع المستوردة على حساب الصادرات في دولة فيها عجز مزمن في الميزان التجاري.

* أنتقل معك إلى نقطة أخرى، وهي من الذي يدير حرب الشائعات مع أو ضد رجال الأعمال؟

ـ للأسف، بعض رجال الأعمال يتصورون أنهم عندما يسيئون لزملائهم في القطاع الخاص يحققون مكسبا لأنفسهم، وهؤلاء أقلية. هذه الصورة وهذا التصرف يؤدي في حقيقة الأمر إلى أن هؤلاء يسيئون لأنفسهم لأنهم جزء من هذا القطاع، وأتصور أن مرحلة النضوج ستأتي مع الوقت، وما يحدث شيء طبيعي، لأنه في مرحلة التحول يكون السلوك غير متزن من البعض. لكن هذه المرحلة ستمر وستأتي فترة النضوج، وستترسخ بالتدريج.

* حسنا، هل تعتقد أنه رجل أعمال حقيقي، ذلك الذي عندما تضيق عليه دائرة الضغوط يقرر الهرب؟ ومن هو المسؤول عن هذا، هل هو سلوك الدولة، أم سلوك رجل الأعمال أم عدم قدرته على المواجهة؟

ـ أي رجل أعمال محترم لا يجب أن يكون الهرب أحد الحلول المطروحة أمامه، ولا يمكن أن تقنعني بأي صورة من الصور أن هذا عملا محترما، أيا كانت الأسباب. وأعتقد أنه من الخطأ تسمية هذا الهارب برجل أعمال أو أن يحسب على عالم رجال الأعمال، من الممكن أن تكون هناك أخطاء وأن يحدث تعثر، كما أنه من الممكن أن تقع مواجهة مع الجهات المقرضة. ولكن الهروب معناه أن رجل الأعمال يعترف انه لم يعمل كرجل أعمال وإنما تجاوز هذا الى عمل آخر، فلا يوجد رجل أعمال محترم يهرب ولا يواجه الظروف.

* من الواضح تماما أن هناك شكلا من أشكال سوء التواصل أو عدم القدرة على توصيل الرسالة أو سوء فهم من الجمهور المتلقي لدور رجال الأعمال، من المسؤول عن هذا، خاصة أن رجال الأعمال يملكون القدرة وبعضهم استطاع أن يوجد صيغة إعلامية لنفسه، وصيغة للتواصل، ولم تنجح كل هذه الصيغ؟ وكيف يمكن سد الفجوة بين الطرفين؟

نحن نركز على رجال الأعمال، وننسى من يقدم صورة رجال الأعمال، وأعني رجال الإعلام والصحافة واعتقد أننا في حاجة لأن نعمل معهم الآن أكثر من أي وقت مضى. كما اعتقد أن تغيير مفهومهم عن رجال الأعمال أهم بكثير من عملنا الإعلامي لرجال الأعمال. هناك واجب كبير يقع على عاتق العاملين في مجالي الصحافة والإعلام للتصدي لهذا الموضوع، لأنه كما هو مطلوب من رجال الإعلام أن يؤثروا على رجال الاقتصاد حتى يكونوا أفضل وأكثر التزاما، فإنه في نفس الوقت يجب على الفئة التي تحارب التغيير الذي يحدث في مجتمعاتنا من الاشتراكية الى الرأسمالية، أن تغير مفاهيمها. وهناك مشكلة في المجتمع المصري، فعندما يقوم الفرد بدوره الاجتماعي بصورة تجعله كمواطن فخور بالقيام بهذا الدور، إلا أنه لا يستطيع أن يتحدث عن ذلك لأنه سيفهم انه يتفضل على المجتمع بهذا العطاء في حين انه مقتنع من داخله بأن هذا جزء من مسؤوليته كمواطن. والسؤال يكمن حول من الذي سيغير المجتمع وآراءه هل هم رجال الأعمال، أم قادة الرأي والمثقفين.

* هل تعتقد أن رجال الأعمال في مصر يقومون بالدور الاجتماعي المتوقع منهم؟

ـ المسؤولية الاجتماعية لرأس المال لا تقل في أهميتها عن الأهمية الاقتصادية لرأس المال، ولا بد أن يكون هذا التوازن موجودا، لأنه هو الضمان الحقيقي لاستمرار نجاح اقتصاديات السوق وإلا انهارت وتحققت آمال النظرية الماركسية. لا بد في أي مجتمع أن يتحمل رأس المال مسؤوليته الاجتماعية كاملة، وربما هذا هو ما أدى الى فشل المراهنة الماركسية على سقوط الأنظمة الرأسمالية. المسؤولية الاجتماعية هي التي تحمي رأس المال، وهو موضوع ليس به أي نوع من التفضل أطلاقا بل هو جزء لا يتجزأ من مسؤولية رجال الأعمال ويجب أن تشجع الدولة على هذا دون ضرائب. وكل المتاحف والمدارس والمستشفيات الكبيرة الموجودة نبعت وتأسست من القطاع الخاص، وما أتمناه أن يحدث هذا في يوم من الأيام في دولنا العربية.

* هل هذا ما تتمناه أم ما تتوقع أن يحدث في الوقت القريب؟

ـ بالتأكيد أتوقع أن يحدث هذا. نحن مررنا بمرحلة أن إجمالي التبرعات المسموح بها من الضرائب كانت في حدود 3 في المائة من إجمالي صافي الربح من المؤسسة وهي غير كافية على الإطلاق حتى يشعر المجتمع بدور القطاع الخاص الاجتماعي. ولا يمكن أن تكون هذه النسبة هي الأساس، وما يحدث عمليا، هو أن إحدى شركاتنا تبرعت ببناء مساكن شعبية في حي من الأحياء التي كانت تسيء لسمعة مصر كلها، في جزء من حي زينهم، فعندما تتبرع شركة لتغيير صورة هذا الحي بمساكن كانت نموذجا مشرفا للإسكان الشعبي لكن فوجئنا بمطالبة سداد ضريبة المبيعات عن هذا التبرع وعندما تأخرت الشركة في المناقشات حول هذا تم الحجز على حساباتها. نحن في حاجة إلى تخليق أرض مناسبة، وأن تشجع الدولة كل القطاع الخاص على أن يسير في هذا الاتجاه، ودور الدولة هنا هو دور محوري وأساسي.

* لكن يجب على القطاع الخاص أيضا أن يقوم بدوره؟

ـ أتصور أن القطاع الخاص في مصر تحديدا بدأ يبلغ الرشد ويصبح دوره فعالا، ولنا في الإسكندرية مثل عظيم من مشاركة القطاع الخاص في تجميل شكل المدينة حتى أصبح يضرب بها المثل في تعاون القطاع الخاص مع محافظ المدينة.

* انتقل إلى نقطة أخرى خاصة بالأجواء العامة في مصر الآن، فعلى الرغم من أن المظهر العام يعطي انطباعا بأن هناك أزمة اقتصادية إلا أن هناك أصواتا شاردة تقول إن مصر بدأت تتخطى مرحلة عنق الزجاجة وان هناك ربيعا اقتصاديا قادما، هل هناك مؤشرات من خلال عملك تؤكد هذه الأصوات؟

ـ بالتأكيد فإن إدارة الاقتصاد المصري لا بأس بها على الإطلاق وان كنت كمواطن أتمنى أن يكون أفضل من ذلك بكثير. ولكن هناك شكوى دائما من البيروقراطية وأثرها على أداء المشروعات. ويحتاج الاقتصاد حتى ينتقل نقلة كبيرة إلى عامل نفسي أقوى من الحقيقي. والمرحلة التي نمر بها اليوم بعد فترة التوازن التي حدثت نتيجة تغيير سعر الصرف، جاء التغيير الوزاري الأخير لكي يقدم فريقا اقتصاديا سيتمكن من تغيير في الأداء ويجب أن نتعلق بهذا التغيير كمرحلة هامة، وعلى كل من كان يؤجل مشروعا أن يتقدم لعمل هذا المشروع، لأن هذا هو الوقت المناسب.

* هل التغيير الذي حدث مجرد تغيير مجموعة أشخاص أم أن هناك شيئا آخر وهو ما تتحدث عنه؟

ـ ليس المهم هو تغيير الأشخاص، وإنما أنا أتحدث عن فكر الأشخاص الذين تولوا المناصب الوزارية، هناك وزير مالية يعرف جيدا ما هو المطلوب منه كوزير مالية وان الأمر ليس مجرد عملية جباية، وإنما خلق المناخ الذي يمكّن وزارة المالية من أن تزيد حصيلتها إذا تضاعف الاقتصاد. وهناك وزير للاستثمار كان يرأس اللجنة الاقتصادية في الحزب الوطني، وهذه اللجنة كانت تعلم جيدا المشاكل كلها والمعوقات التي تعوق تطور الاستثمار في مصر. وهناك أيضا وزير صناعة وتجارة يعلم جيدا ما هو المطلوب منه حتى تشهد مصر تطورا حقيقيا في هذا المجال خاصة انه مارس التجارة والصناعة. وهناك أيضا وزير سياحة يعلم جيدا ما هو المطلوب منه، وهو ممارس للمهنة، فهذه المجموعة الاقتصادية برئاسة رئيس وزراء قد لا يكون اقتصاديا، وليس من الجامعة، وإنما هو منفتح على فكرة التغيير ويفهم جيدا مجاله الذي يتواءم مع الفترة التي نعيشها. وكل المطلوب منه أن يوفر لهذه المجموعة الأمان لكي تستطيع أن تقوم بالتغيير غير الطبيعي الذي نطلبه.

* هل تعتقد أن مصر من الممكن أن تكون جاذبة للاستثمارات في هذه المرحلة؟

ـ طبعا، ويجب أن نتحدث مع رجال الأعمال العرب في هذه المرحلة فأسـعار البترول الحالية كلنا يعلم أنها تعدت الـ 40 دولارا. وبالتالي فهناك فورات ستتحقق بالإضـافة إلى المدخرات المالية الموجودة في أماكن قد لا تكون آمنة. وأتصور أن مصر من الدول التي يجب أن يعاد النظر إليها لأنها يمكن أن تحقق للمدخرات العربية عوائد تفوق بكثير ما يمكن أن تحققه في أماكن أخرى إذا أخذنا في الاعتبار عنصر المخاطرة الذي تتحمله هذه المدخرات نظرا للتغييرات التي نراها عالميا.

* لو أتي لك صديق عربي مستثمر، ما النصيحة التي يمكن أن توجهها له للتعامل في مناخ الاستثمار في هذه المرحلة في مصر؟

ـ أول نصيحة أقدمها له ألا يطلب استثناء، وإنما يتقبل ما يعطى لكل مصري، لأن بيروقراطية سبعة آلاف سنة، لا يمكن أن تتقبل إطلاقا فكرة الاستثناء. ثانيا سأقول له أن أقصر الطرق بين نقطتين هو الخط المستقيم وبهذا الخط يمكن أن نقيم عملا ناجحا في مصر ويمكنك أن تحافظ عليه. وما يحدث في بعض الأحيان، من دفع إكراميات يجب ألا يخلط بينه وبين الخط المستقيم، لأنك في مصر لست محتاجا لأن تدفع أي شيء لمسؤول حتى تنجز عملك، إذا كان عملك واضحا وصريحا، فلست مطالبا ولا مسؤولا عن دفع أي شيء، وليس حقيقيا ما يشاع عن الفساد الذي يستشري في مصر. وعندما يقال هذا الكلام، فإن له أغراض أخرى يعلمها الله. ثالثا: المجالات الاقتصادية في مصر لا حدود لها، فلو تحدثنا مثلا عن المشروعات المرتبطة بالبتروكيماويات، فمصر لم تقدم على مشروعات كبيرة في هذا المجال حتى هذه اللحظة، ومن الممكن أن تكون هذه المجالات موجودة.

وبالنسبة لمجال السياحة فمصر حتى اليوم ما زال بامكان ساحلها الشمالي أن يكون أكبر عنصر للجذب السياحي عالميا مقارنة بشاطئ البحر المتوسط العلوي خصوصا ان شاطئنا من الممكن استغلاله طوال العام. وفي مجال الصناعة فلا زال هذا المجال مفتوحا على مصراعيه وهناك مجالات خدمية أخرى كثيرة. وسأطلب من هذا الصديق العربي حينما يأتي إلى مصر، أن يدقق في إدارة مشروعه الذي سيقيمه في مصر، وألا يتردد في أن يختار أفضل العناصر لإدارة هذا المشروع حتى يتحقق له العائد الذي يتناسب مع دخوله في هذا المجال.

* دائما تتحدث عن رغبتك في العودة إلى الجامعة، ما سبب هذه الرغبة؟

ـ أتمنى أن تكون لي عودة الى المدرجات، لأن هذا العمل عندما أقول به يعطيني أكبر كمية من الرضا النفسي، خصوصا عندما يشعر المرء انه استطاع أن ينقل خبراته ومعلوماته الى آخرين وان هذه الخبرة والمعلومات ستكون موجودة عندهم، هذا أسعد شيء يمكن أن يحققه الإنسان في حياته.

* هل من الممكن أن نعرف ما موضوع الدكتوراه الذي أعددته؟

ـ كان عن أثر القوانين الاشتراكية على مناخ العمل في مصر.

* وهل كان رأيك أن أثر هذه القوانين سلبي أم ايجابي؟

ـ ما كتبته في رسالتي لنيل الدكتوراه ما زال يطبق حتى الآن، وذلك بعد مرور أكثر من 35 عاما، لأن الدراسة التي أعددتها في تلك الفترة عن اثر القوانين الاشتراكية على العمل والعمال كانت تؤكد أن العامل المصري لم يكن يشعر في تلك الفترة أن هذه القوانين أعطت له ما يصبو إليه. كان هناك تمثيل صوري في مجلس الإدارة، وكانت هناك وحدة اتحاد اشتراكي، لكنها لم تكن تعمل لصالح العمال، وكانت هناك نقابة في المصنع لكنها ضعيفة، وعندما ننظر إلى كل هذا، أتمنى بالنسبة للعمل المصري، عند خدمته، أن تحقق له هذه الخدمة المصلحة.

* كم عدد العمال الذين فصلتهم من شركاتك، خلال الأزمات التي مررت بها؟

ـ لم أفصل أحدا، ولا أذكر أن هناك أزمة ترتب عليها فصل أي عامل، والتحدي الذي أمامنا دائما هو كيف نزيد المجهود حتى نستفيد من العمالة، حتى في بعض المشروعات التي كنا نتصور أن العمالة فيها زائدة.

* وهل عدم الفصل جاء من منطلق إنساني أم من منطلق اقتصادي؟

ـ من منطلق فهم لطبيعة العلاقة بين العامل وصاحب العمل، وفي البلاد التي لا يعطي فيها حق الإضراب للعامل، تكون هناك مسؤولية كبيرة على طبيعة المواجهة بين الاثنين.

* أثناء دراستك في أميركا كنت تشارك في جمع التبرعات لمنظمة التحرير الفلسطينية؟

ـ هذا شيء يشرفني، لأن الدور الذي قامت به منظمة فتح حافظ على الكثير من الكرامة العربية وعلى الكثير من النفسية العربية التي كانت تتألم مما يحدث لها في هذا التوقيت.

* ألا يتناقض هذا الموقف مع زيارة لك لإسرائيل؟

ـ لا يتناقض على الإطلاق، وأتصور أننا إذا أردنا التأثير على القرار الإسرائيلي لمصلحة القضية الفلسطينية فلابد أن نكون أقرب إلى إسرائيل وليس أبعد، لأن البعد عن إسرائيل لن يحقق التغيير بأي صورة من الصور، وفي هذه الزيارة قابلت أكثر من سبعة وزارء إسرائيليين بالإضافة الى رئيس وزراء وكان حديثنا كله حول القضية الفلسطينية.

* هل هناك علاقات اقتصادية بين شركاتك وبين إسرائيليين؟

ـ لا يوجد في الوقت الحالي. ولكن لا أتصور أن هناك نجاحا سيتحقق في التأثير على القرار الإسرائيلي إلا إذا حدث تعاون، وأتمنى أن يتزامن هذا مع تقدم كبير في العلاقة الفلسطينية ـ الإسرائيلية.