أشكال الغش التجاري في القرن الحادي والعشرين

المحامي ماجد محمد قاروب*

TT

إن الأشكال الحديثة للغش التجاري تدعو دائما وأبدا القائمين على مكافحة هذه المشكلة إلى التبصر والنظر في تعقب تحركات تلك التجارة غير المشروعة وإلى التفكير الجدي في توفير واستخدام وتفعيل أفضل الطرق والأساليب التقنية للتعامل مع هذه الظاهرة التي لم تهز الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية فحسب، بل اصبحت تهدد شعوب العالم بأسره بانهيار أنظمة وقوانين ولوائح التجارة الداخلية في كل قطر من أقطار العالم.

ولقد أشار أحد التقارير الصادرة من الاتحاد الأوروبي إلى أن سلطات الجمارك في دول الاتحاد دقت نواقيس الخطر في العديد من إحصاءاتها عن جرائم الغش التجاري، في الوقت الذي كثرت فيه هذه الجرائم في معظم دول العالم بطريقة يصعب معها التثبت من وجودها وإقامة الدليل على توفر أركانها حيث أن تلك الجرائم يتم ارتكاب معظمها بواسطة أنشطة تجارية عادية. إلا أن هذا التقرير قد لمح إلى الجرائم الفعلية التي تمكنت سلطات الجمارك من ضبطها. وفي هذا الصدد قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن الإحصاءات الصادرة في عام 2001، حيث تزايدت تلك الجرائم بصورة مذهلة وتم حجز خمسة وتسعين مليون سلعة مغشوشة، ومن ضمنها سلع بدون ترخيص تجاري على الحدود الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي تبلغ قيمتها أكثر من بليوني يورو (2.4 مليار دولار)، وكانت الأقراص المدمجة وأشرطة الفيديو والكاسيت في مقدمة قائمة تلك السلع المقلدة التي تم ضبطها. ولعل سبب تضاعف أعداد الجرائم التي تم ضبطها كان نتيجة الإجراءات المكثفة واستخدام الأجهزة التي توصلت إليها التقنية الحديثة في اقتفاء أثر تلك الجرائم وأنشطتها العالمية، بالإضافة إلى التنوع الكبير في السلع والبضائع التي تم اكتشاف تقليدها. ذلك أن هذا التنوع يدل على أن مرتكبي هذه الجرائم لم يعد اتجاههم إلى تقليد البضائع أو السلع الترفيهية، والأسماء أو العلامات التجارية الذائعة الصيت، بل بدلا من ذلك أصبحت نزعتهم تميل إلى مجموعة كبيرة من السلع والبضائع المتنوعة التي تشمل على سبيل المثال لا الحصر قطع الغيار، مساحيق الغسيل، المراهم الملطفة للجلد، الأشكال المطبوعة أو المختومة ومبيدات الحشرات. ويسود القلق على وجه الخصوص بسبب الزيادة الهائلة في تقليد المنتجات الغذائية بما في ذلك الحلويات، الشكولاته، المرطبات والمنبهات مثل أنواع الشاي والقهوة. ويبدو بوضوح أن مقلدي المنتجات يحصلون على أرباح من كمية البضائع والسلع التي يتم إنتاجها بصورة ضخمة خصوصا السلع الاستهلاكية التي انتاجها غيرها من السلع الترفيهية. ووربما يكون السبب المنطقي لذلك هو إن المنتجات ذات الإنتاج الضخم يكون تفتيشها عند الحدود أقل احتمالا من غيرها من السلع الترفيهية. كما أن هناك الاتجاه المتزايد لإرسال بضائع مقلدة بطرق قصيرة ملتوية وغير مباشرة عبر بلاد مختلفة قبل وصولها إلى البلد المزمع فيها توزيع أو بيع تلك المنتجات المقلدة.

الى ذلك فان طرق التوزيع التي يستخدمها مرتكبو جرائم التقليد والغش التجاري أصبحت أكثر تعقيدا، إذ أن هؤلاء المجرمين في أحوال كثيرة يهربون السلع المقلدة باستخدام بلاد أخرى كمحاور تجارية حيث يتم فيها إعادة تغليف تلك السلع وإصدار تراخيص تجارية جديدة لها، وإرسالها بعد إخفاء اسم بلد المنشأ لتلك المنتجات المقلدة، ويشار إلى هذه الطريقة التقنية في بعض الأحيان بعبارة «وسيط إعادة التحميل». كذلك تم اكتشاف سلع مقلدة أثناء عبورها حيث استخدم المهربون حاويات مزدوجة القاع وملصقات عديمة اللون تم وضعها على ملصقات المنتجات والبضائع المقلدة وما شابهها من سلع. كما تشير الإحصاءات التي نشرتها سلطات الجمارك الأوروبية إلى أن النقل الجوي هو أفضل الوسائل لنقل المنتجات المقلدة، حيث تعتبر سرعة النقل الجوي عاملا مغريا لمرتكبي تلك الجرائم إلا أنه يعتبر مكلفا نسبيا، ولكنه في نفس الوقت يعتبر وسيلة مناسبة لنقل المنتجات السائبة ذات الحجم الصغير التي تحقق أرباحاً عالية مثل الأقراص المدمجة وبرامج الكومبيوتر الآلي. وهذا يظهر وجوب توفر مستوى أعلى من الكفاءة لدى العاملين في إدارة الجمارك بالمطارات فيما يتعلق بأنواع محددة من المنتجات التي يتم نقلها المطلوب توفره لدى العاملين في إدارة الجمارك بوسائل النقل العام في الطرق البرية والموانئ البحرية. ومجمل القول أن أشكال الغش التجاري الموضحة أعلاه تشير إلى تزايد تعقيده وكذلك إلى انتهازية مرتكبي تلك الأعمال غير المشروعة حسبما توصلت إليه توقعات القائمين على متابعة هذه المشكلة الخطيرة. ذلك أن هذا التحدي الكبير الذي يواجهه أصحاب حقوق الملكية الفكرية الذين تأثرت حقوقهم بشكل واضح يدفعهم إلى مواجهته بحزم. كما أن الكثير من الفئات الأخرى في المجتمع الدولي قد انضمت إلى القيام بالرد المناسب على ذلك التحدي الذي يهدد الكيان الدولي بأسره، وأن بعض الدول قد بدأت في الاستعداد لذلك والقيام بأعمال تحضيرية، بالإضافة إلى الضغط لاتخاذ إجراءات صارمة فيما يتعلق بتلك الجرائم وردع مرتكبيها. ويعمل أصحاب الحقوق الذين تأثروا بتلك الأعمال غير القانونية على توفير حلول مناسبة لحماية وتوثيق وتنفيذ حقوقهم بصورة فعالة. وإننا نتطلع إلى مستقبل مشرق يقضي على هذا الوضع الخطير.

*ممثل دائرة التحقيق في جرائم الغش التابعة لغرفة التجارة الدولية في السعودية